التمسك بالاسلام
روى سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، أن أم سلمة قالت: لما أجْمع أبو سلمة الخروجَ إلى المدينة، رحَّل بعيرًا له وحملني وحمل معي ابني سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجالُ بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه عَلَامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خِطَام البعير من يده، وأخذوني، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، وأهووا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها مِنْ صاحبنا، فتجاذَبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد وَرَهْط أبي سلمة، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرَّقَ بيني وبين زوجي وابني، فكنت أخرج كلَّ غداةٍ وأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سبعًا أو قريبها حتى مرَّ بي رجل من بني عمي، فرأى ما في وجهي؛ فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون من هذه المسكينة؟ فَرَّقْتُم بينها وبين زوجها وبين ابنها! فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، وردّ عليّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحلتُ بعيري وَوَضَعْتُ ابني في حجري، ثم خرجتُ أريدُ زوجي بالمدينة، وما معي أحد مِنْ خلق الله، فكنت أبلّغ من لقيت، حتى إذا كنت بالتَّنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة أخَا بني عبد الدَّار، فقال: أين يا بنت أبي أميَّة؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة، فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا، واللهِ إلا الله وابني هذا، فقال: والله ما لك مِنْ مترك! فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يقودني؛ فوالله ما صحبتُ رجلًا من العرب أراه كان أكرم منه إذا نزل المنزل أناخ بي، ثم تنحَّى إلى شَجَرةٍ فاضطجع تحتها، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاح قَامَ إِلَى بَعِيري قدّمَه ورحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذ ركبتُ واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتى نزلت، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بين المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء قال: إن زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة نازلًا بها.
الانفاق في سبيل الله
عن أم الحسين أنها كانت عند أم سلمة رضي الله عنها، فأتى مساكين، فجعلوا يلحُّون، وفيهم نساء، فقالت أم الحسين: اخرجوا ـــ أو اخرجن ـــ فقالت أم سلمة: ما بهذا أُمِرنا يا جارية، ردّي كلَّ واحد ـــ أو واحدة ـــ ولو بتمرة تضيعها في يَدِها.
الصبر
كانت لأم سلمة رضي الله عنها قصة في هجرتها تدل على صبرها وتمسكها بالإسلام فتقول: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رحل بعيرًا له وحملني، وحمل معي ابني سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا: هذه نفسُك غَلَبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه؟ علام تترك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني، وغضبت عند ذلك بنو عبد الأسد، وأهووا إلى سلمة وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خَلَعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني، فكنت أخرج كل غدَاة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أُمسي سنة أو قريبها، حتى مر بي رجل من بني عمي، من بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تَخْرُجون من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها، فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، وردَّ علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرَحَلت بعيري ووضعت ابني في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، فقلت: أَتبلَّغُ بمن لقيتُ حتى أَقدَمَ علي زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان ابن طلحة بن أبي طلحة ـــ أخا بني عبد الدار ـــ فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ فقلت: أريد زوجي بالمدينة، فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا والله، إلا الله وابني هذا، فقال: والله ما لك من مَتْرَك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب أرَاه كان أَكرم منه. إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم تَنَحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتى ننزل، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي إلى المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقبَاء قال: زوجك في هذه القرية ـــ وكان أبو سلمة نازلًا بها ـــ فدخلتها على بركة الله تعالى، ثم انصرف راجعًا إلى مكة، وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت أصابهم في الإسلام ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.