تسجيل الدخول


عمر بن الخطاب

1 من 1
عمر بن الخطاب:

عمر بن الخطّاب ـــ أمير المؤمنين رضي الله عنه ـــ ابن نفيل بن عبد العزَّى بن رباح بن عبد الله بن قُرْط بن رزاح بن عديّ بن كعب القرشيّ العدويّ، أبو حفص‏. أمُّه حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وقالت طائفةٌ في أمِّ عمر: حَنْتَمة بنت هشام بن المغيرة‏. ومَنْ قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة، وليس كذلك؛ وإنما هي ابنة عمهما؛ فإنَّ هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوَانِ؛ فهاشم والد حَنْتَمة أمّ عمر، وهشام والد الحارث وأبي جهل، وهاشم بن المغيرة هذا جَدُّ عُمَر لأمّه، كان يقال له ذو الرُّمَحَيْن.

وُلِدَ عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وروَى أُسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعْتُ عمر يقول: وُلِدْتُ بعد الفِجَار الأعظم بأربع سنين.

قال الزّبير: وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه من أشراف قريش، وإليه كانت السّفارة في الجاهلية، وذلك أنّ قريشًا كانت إذا وقعَتْ بينهم حرْبٌ وبين غيرهم بعثوا سفيرًا. وإن نافرهم منافِرٌ، أو فاخرهم مفاخِرٌ رضوا به بعثوه منافِرًا ومفاخرًا‏.

قال أبو عمر رحمه الله: ثم أسلم بعد رجالٍ سبقوه. وروى ابن مَعين عن أبي إدريس، عن حصين، عن هلال بن يِسَاف. قال: أسلم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة.

قال أبو عمر: فكان إسلامُه عِزًّا ظهر به الإسلام بدعوة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وهاجر؛ فهو من المهاجرين الأولين، وشهدَ بَدْرًا وبَيْعة الرّضوان، وكلَّ مشهدٍ شهده رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وتُوفِّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عنه رَاضٍ، وولي الخلافة بعد أبي بكر، بُويع له بها يوم مات أبو بكر رضي الله عنه باستخلافه له سنةَ ثلاث عشرة، فسار بأَحْسَنِ سيرة، وأنزل نفسه من مالِ الله بمنزلة رجُلٍ من النّاس. وفتح الله له الفتوحَ بالشّام، والعراق، ومصر، وهو دوَّنَ الدّواوين في العطاء، ورتَّبَ النَّاس فيه على سوابقهم، كان لا يخافُ في الله لَوْمَةَ لائم، وهو الذي نوّر شهر الصّوم بصلاةِ الإشفاع فيه، وأرَّخ التّاريخ من الهجرة الذي بأيدي النّاس إلى اليوم، وهو أولُ مَنْ سُمِّيَ بأمير المؤمنين، لقصّة نذكرها هنا إن شاء الله تعالى.

وهو أول من اتخذ الدِّرَّة، وكان نقش خاتمه "‏كفى بالموت واعظًا يا عمر" وكان آدم شديد الأدمة، طوالًا، كَثَّ اللّحية، أصلع أعسر يَسر، يخضب بالحنَّاء والكَتَم، وقال أنس:‏ كان أبو بكر يخضب بالحنَّاء والكَتَم، وكان عمر يخضب بالحنَّاء بحتًا. قال أبو عمر: الأكثر أنهما كانا يخضبان.

وقد روي عن مجاهد ـــ إن صح ـــ أن عمر بن الخطّاب كان لا يغير شيبته. هكذا ذكره زِرُّ بن حبيش وغيره،، بأنه كان آدم شديد الأدمة وهو الأكثر عند أهل العلم بأيام النّاس وسيرهم وأخبارهم، ووصفه أبو رجاء العطارديّ، وكان مغفّلًا، فقال: كان عمر بن الخطاب طويلًا جسيمًا أصلع شديد الصّلع، أبيض شديد حمرة العينين، في عارضه خِفّة، سَبَلَتُه كثيرة الشّعر في أطرافها صُهْبة.

قد ذكر الواقديّ من حديثِ عاصم بن عبيد الله، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: إنما جاءتنا الأدمة من قِبَل أخوالي بني مظعون، وكان أبيض، لا يتزوج لشهوة إلا لطلب الولد، وعاصم بن عبيد الله لا يحتجُّ بحديثه ولا بحديث الواقديّ.

وزعم الواقديّ أَنَّ سُمْرَةَ عمر وأدمته إنما جاءت من أكله الزّيت عام الرّمادة. وهذا منْكَرٌ من القول. وأصحُّ ما في هذا الباب ـــ والله أعلم ـــ حديثُ سفيان الثّوري، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زِرّ بن حبيش، قال: رأيت عمر شديدَ الأدمة.

قال أنس‏: كان أبو بكر يخضب بالحنَّاء والكَتَم، وكان عمر يخضب بالحنّاء بحتًا. قال أبو عمر: إنهما كانا يخضبان‏. وقد روي عن مجاهد ـــ إِن صح ـــ أَنَّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان لا يغيِّر شَيْبَه. قال شعبة، عن سماك، عن هلال بن عبد الله‏: رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه آدم ضخمًا، كأَنه من رجال سَدُوس في رجليه رَوَح.

ومن حديث ابن عمر أَنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم ضرب صَدْرَ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: ‏"‏اللّهُمْ أَخْرِجْ مَا فِي صَدْرِهِ مِنْ غِلٍّ، وَأَبْدِلِهُ إِيَمانًا‏"أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 84، والطبراني في الكبير 12/ 306، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/ 68، والهندي في كنز العمال حديث رقم 32777. ـــ يقولها ثلاثًا.(*) ومن حديث ابن عمر أيضًا قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ‏"‏‏(*) أخرجه الترمذي في السنن حدث رقم 3682، وأحمد في المسند 2/ 53، 401، والحاكم في المستدرك 3/ 86، 87، والطبراني في الكبير 1/ 339، 19/ 313، وابن حبان حديث رقم2183، 2185، وابن أبي شيبة 12/ 251، وأبو نعيم في الحلية 1/ 42، 5/ 191، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/69..‏ ونزل القرآن بموافقته في أَسْرَى بَدْر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم.

وروي من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: ‏‏"لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَر‏".(*)

وروى سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت‏: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏قَدْ كَانَ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ"‏‏(*) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 23، والترمذي في السنن حديث 3693، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 32759.. ورواه أبو داود الطّيالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم مثله.

وروى ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ‏". قالوا: فما أوّلْتَ يا رسول الله ذلك؟ قال: ‏"‏الْعِلْمُ‏"(*)أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 31، 9/ 45، 51، 52، والدارمي في السنن 2/ 128،، وذكره الهندي في كنز العمال 32729.. ورواه معمر، عن الزّهري، عن سالم، عن أبيه، قال: كنا نحدث أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال‏: "‏بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَح لَبَنٍ فَشَرِبْتُ...". وذكر مثله سواء.(*)

وروى سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر ـــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "‏دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا" ـــ أَوْ قَالَ: "قَصْرًا ـــ وَسَمِعْتُ فِيهِ ضَوْضَأَةً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا‏: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَلَوْلَا غِيرَتُكَ يَا أَبَا حَفْصٍ لَدَخلْتهُ‏‏‏" أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 46، وأحمد في المسند 3/ 309، وابن أبي شيبة 12/ 28، والحميدي في مسنده 1235، 1236، وأبونعيم في الحلية 6/ 334.. فَبَكى عمر، وقال: أعليك يغار؟ أو قال: أغار يا رسول الله!(*)

وروى أبو داود الطيّالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏رأَيْتَنِي فِي الْمَنَام ِوالنّاسُ يُعْرَضَونَ عَلَيّ، وَعَلَيْهمْ قُمُص مِنْهَا إِلَى كَذَا وَمِنْهَا إِلَى كَذَا، وَمَرَّ عَلَيّ عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ يَجرُّ قَمِيصَه". فقيل‏: يَا رَسولَ الله، ما أَوَّلْتَ ذلك؟ قال: ‏"‏الدِّينُ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 12، 5/ 15، 9/ 45، 46، ومسلم في الصحيح فضائل الصحابة حديث رقم 15، والنسائي في السنن كتاب الإيمان ب 18، وأحمد في المسند 3/ 86، 5/ 374، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 32730.‏‏. هكذا رواه إبراهيم بن سعد فيما حدَّثَ به عنه الطيالسي‏.

حدّثنا الحسن بن حجاج الزّيات الطبّرانيّ، حدّثنا الحسن بن محمد المدنيّ، حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدّثنا الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدريّ ـــ أنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول‏: "‏بَيْنَا أَنا نَائِمٌ وَالنَّاسُ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمصٌ، فَمِنْهَا ما يَبْلُغُ إِلَى الثَّدْي، وَمِنْها دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْه قَمِيص يَجُرُّهُ" ‏‏أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 12، 5/ 15، 9/ 45، 46، ومسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 15، والنسائي في السنن كتاب الإيمان باب 18، وأحمد في المسند 3/ 86، 5/ 374.. ‏‏قالوا: فما أوَّلتَ ذلك يا رسول الله! قال‏: ‏"‏الدِّينُ‏".(*)

وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: خير النّاس بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عُمر رضي الله عنهما. وقال رضي الله عنه: ما كنّا نُبعد أن السّكينة تنطق على لسان عمر.

وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال‏: أصاب قَحْطٌ في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال‏: يا رسول الله؛ استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا‏. قال: فأتاه النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في المنام، وقال: "‏إيت عُمَرَ فمُرْه أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهُمْ سَيُسْقَوْنَ، وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسَ الكَيسَ‏". فأتى الرجل عمر فأَخبره، فبكى عمر، وقال: يا رب؛ ما آلو إِلّا ما عجزت عنه، يا رب، ما آلو إلّا ما عجزت عنه، وقال ابن مسعود: ما زلنا أعِزَّةَ منذ أسلم عمر.

وقال حذيفة: كان عِلْمُ النّاس كلهم قد درس في عِلْم عمر.

وقال ابن مسعود: لو وُضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووُضع عِلمُ عمر في كفةٍ لرجح علم عمر. ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجْلس كنْتُ أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عَمَلِ سنة.

وذكر عبد الرّزّاق، عن معمر، قال: لو أَنّ رجلًا قال: عمر أفضل من أبي بكر ما عنَّفْتُه، وكذلك لو قال: عليٌّ أفضلُ من أبي بكر وعمر لم أعنّفه إذا ذكر فضل الشَّيخين وأحبَّهما وأثنى عليهما بما هما أهله‏. فذكرت ذلك لوكيع فأَعجبه واشتهاه. قال‏: يدلّ على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضلُ من عمر رضي الله عنه سَبْقه له إلى الإسلام.

وما روي عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَام ِكَأَنِّي وُزِنْتُ بِأُمَّتِي فَرَجَحْتُ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَرَجَحَ‏"(*) ‏ وفي هذا بيانٌ واضح في فضله على عمر. وقال عمر رضي الله عنه: ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه، ولوددت أني شعرة في صدر أبي بكر.

وذكر سيف بن عمر، عن عبيدة بن مُعَتّب، عن إبراهيم النخعيّ. قال: أول من ولي شيئًا من أمور المسلمين عمر بن الخطاب؛ وَلّاه أبو بكر القضاء، فكان أول قاضٍ في الإسلام. وقال‏: اقْض ِ بين النّاس، فإني في شغل؛ وأمر ابن مسعود بعس ِ المدينة.

وأما القصّة التي ذكرت في تسمية عمر نفسه أمير المؤمنين، فذكر الزّبير، قال: قال عمر لما ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة رسول ِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكيف يقال لي خليفة خليفة رسول الله، يطول هذا! قال: فقال له المغيرة بن شعبة‏: أنت أمِيرنا، ونحن المؤمنون. فأَنت أمير المؤمنين‏. قال‏ فذاك إذن.

قال أبو عمر: وأَعْلَى من هذا في ذلك ما حدّثنا خلف بن قاسم، حدّثنا أبو أحمد بن الحسين بن جعفر بن إبراهيم، حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن أيّوب بن بادي العلاف، حدّثنا عمر بن خالد، حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن، عن موسى بن عقبة، عن الزّهري أنّ عمر ابن عبد العزيز سأَل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة؛ لأي شيء كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب: من خليفة رسول الله؟ وكان عمر يكتب‏: من خليفة أبي بكر؟ ومَنْ أول من كتب عبد الله أمير المؤمنين؟ فقال: حدّثتني الشّفاء ـــ وكانت من المهاجراتِ الأوَّل ـــ أن عمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق أَنِ ابْعَث إليّ برجلين جَلدَين نبيلين، أسأَلهما عن العراق وأهله. فبعث إليه عامل العراق لبيد بن ربيعة العامريّ، وعديّ بن حاتم الطّائيّ، فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا له: استأذِن لنا على أمير المؤمنين يا عمرو؟ فقال عمرو: أنتما والله أصبْتما باسمه، نحن المؤمنون وهو أميرنا. فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين‏. فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم؟ يعلم الله لتخرجَنَّ مما قلت أو لأفعَلنّ‏. قال: إن لبيد بن ربيعة وعديّ بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد، وقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين، فهما والله أصابا اسْمَك؛ أنت الأميرُ، ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكِتَابُ من يومئذ.

قال أبو عمر: وكانت الشّفاء جدّة أبي بكر، وروينا من وجوه أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يرمي الجمرة، فأتاه جمر فوقع على صلعته، فأدماه، وثمة رجل من بني لِهْب، فقال: أشعر أمير المؤمنين، لا يحجّ بعدها. قال: ثم جاء إلى الجمرة الثانية، فصاح رجل: يا خليفةَ رسول الله‏. فقال: لا يحج أمير المؤمنين بعد عامهِ هذا. فقُتل عمر بعد رجوعه من الحجِّ.

قال محمد بن حبيب‏: لِهْب ـــ مكسورة اللّام: قبيلة من قبائل الأزد، تعرف فيها العِيافة والزّجْر.

قال أبو عمر: قُتل عمر رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين من ذي الحجّة، طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لثلاث بقين من ذي الحجّة ـــ هكذا قال الواقديّ. وغيره قال: لأربع بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين.

وروى سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمرّي، قال: قُتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجّة، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر.

وقال أبو نعيم: قُتل عمر بن الخطّاب يوم الأربعاء لأربع ليال ٍ بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين ونصفًا.

أخبرنا عبد الوارث، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا محمد بن عبد السَّلام، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعتُ سعيد بن المسيّب يقول: قَتل أبو لؤلؤة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فطعن معه اثنا عشر رجلًا، فمات ستة؛ وقال: فَرَمَى عليه رجل من أهل العراق بُرْنُسًا، ثم برك عليه، فلما رآه أنه لا يستطيع أن يتحرك وَجَأْ نفسه فقتلها.

ومن أحسن شيء يُرْوى في مقتل عمر رضي الله عنه وأصحّه ما حدّثنا خلف بن قاسم بن سهل، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدّثنا أحمد بن شعيب النّسائي، قال: حدّثنا أحمد بن سليمان، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: شهدْتُ عمر يوم طُعِن، وما منعني أن أكون في الصّف المقدّم إلا هيبته، وكان رجلًا مهيبًا، فكنت في الصّفّ الذي يليه، فأَقبل عمر رضي الله عنه، فعرض له أبو لؤلؤة ـــ غلام المغيرة بن شعبة ـــ ففاجأَ عمر رضي الله عنه قبل أن تستوي الصّفوف، ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعْتُ عمر وهو يقول: دونكم الكلب، فإنه قتلني، وماج النَّاس وأسرعوا إليه، فجرح ثلاثة عشر رجلًا، فانكفأَ عليه رجل من خَلْفه فاحتضنه، فماج النّاس بعضهم في بعض، حتى قال قائل: الصَّلاةَ عباد الله، طلعت الشّمس، فقدَّموا عبد الرّحمن بن عوف، فصلّى بنا بأَقْصَر سورتين في القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}. و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}‏‏. واحتُمل عمر ودخل عليه النَّاس؛ فقال: يا عبد الله بن عبّاس؛ اخرج فنادِ في النّاس إنّ أمير المؤمنين يقول: أَعَنْ ملأ منكم هذا! فخرج ابن عبّاس فقال: أيها النّاس، أَعَنْ ملأٍ منكم هذَا؟ فقالوا: معاذ الله! والله ما علمنا ولا اطّلعنا. وقال: ادْعُوا لي الطّبيب، فدُعي الطَّبيب، فقال: أيُّ الشّراب أحبّ إليك؟ قال: النّبيذ، فسُقِي نبيذًا، فخرج من بعض طعناته، فقال النّاس: هذا دم صديد. قال: اسقوني لبنًا، فخرج من الطّعنة، فقال له الطّبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنْتَ فاعلًا فافعل. وذكر تمام الخبر في الشّورى، وتقديمه لصهيب في الصّلاة، وقوله في عليّ عليه السّلام: إنْ ولّوها الأجلح سلك بهم الطّريق الأجلح المستقيم ـــ يعني عليًّا. وقوله في عثمان وغيره. فقال له ابن عمر: ما يمنعك أنْ تقدم عليًّا؟ قال: أكره أن أحملها حيًّا وميتًا.

وذكر الواقديّ، قال: أَخبرني نافع، عن أبي نعيم، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه، قال: غدوْتُ مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى السّوق وهو متّكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة ـــ غلام المغيرة بن شعبة ـــ فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي! قال: كم خراجك؟ قال: دينار. قال: ما أرى أن أفعل؛ إنك لعامل محسن، وما هذا بكثير. ثم قال له عمر: ألا تعمل لي رحى؟ قال: بلى. فلما ولّى قال أبو لؤلؤة: لأعملنّ لك رحى يُتحدث بها ما بين المشرق والمغرب. قال: فوقع في نفسي قوله. قال: فلما كان في النّداءِ لصلاة الصّبح خرج عمر إلى النّاس يؤذنهم للصّلاة. قال ابن الزّبير: وأنا في مصلّاي وقد اضطجع له عدوُّ الله أبو لؤلؤة، فضربه بالسّكين ستّ طعنات إحداهنّ تحت سرّته وهي قتلته، فصاح عمر: أين عبد الرّحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير المؤمنين. قال: تقدَّمْ فصلّ بالنّاس، فتقدّم عبد الرّحمن بالناس، وقرأ في الركعتين بـــ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. و: {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}‏. واحتملوا عمر فأَدخلوه منزله، فقال لابنه عبد الله‏: اخرُجْ فانظر مَنْ قتلني. قال: فخرج عبد الله بن عمر فقال: مَنْ قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فرجع فأَخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قَتْلي بيد رجل يحاجّني بلا إله إلا الله، ثم قال: انظروا إلى عبد الرّحمن بن عوف، فذكر الخبر في الشورَى بتمامه.

حدّثنا خلف بن قاسم، حدّثنا الحسن بن رشيق، حدّثنا الدُّولابي، حدّثنا محمد بن حميد، حدّثنا علي بن مجاهد، قال: اختلف علينا في شَأْنِ أبي لؤلؤة، فقال بعضهم‏: كان مجوسيًّا، وقال بعضهم: كان نصرانيًّا، فحدَّثنا أبو سنان سعيد بن سنان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن ميمون الأَوْدِيّ، قال: كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيًّا، وجَأَه بسكين له طرفان، فلما جرح عمر جُرح معه ثلاثة عشر رجلًا في المسجد، ثم أُخذ، فلما أُخذ قتل نفسه.

واختلف في سنِّ عمر رضي الله عنه يوم مات، فقيل: تُوفِّي وهو ابنُ ثلاث وستين سنة كسنِّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وسنّ أَبي بكر حين تُوفيّا، رُوي ذلك من وجوه، عن معاوية، ومن قول الشّعبي. وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: تُوفِّي عمر وهو ابنُ بضع وخمسين سنة.

وقال أحمد بن حنبل، عن هشيم، عن علي بن زيد، عن سالم بن عبد الله ـــ أن عمر قُبض وهو ابنُ خمس وخمسين، وقال الزّهري: تُوفِّي وهو ابن أربع وخمسين سنة. وقال قتادة: تُوفِّي وهو ابن اثنين وخمسين. وقيل: مات وهو ابن ستين. وقيل: مات وهو ابنُ ثلاث وستين.

حدّثنا عبد الله، حدّثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، حدّثنا علي بن المديني، حدّثنا حسين بن علي الجُعْفي، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدّثنا أبو بردة، عن عوف بن مالك الأشجعيّ أنه رأى في المنام كأن النّاس جُمعوا، فإذا فيهم رجل فرعهم، فهو فوقهم بثلاثة أذرع، فقلت: مَنْ هذا؟ فقالوا: عمر. قلت: لم؟ قالوا: لأن فيه ثلاث خصال؛ إنه لا يخاف في الله لَوْمَةَ لَائم. وإنّه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد. قال: فأتى إلى أبي بكر فقصَّها عليه، فأرسل إلى عمر فدعاه ليبشره. قال: فجاء عمر، فقال لي أبو بكر: اقصص رؤياك. قال: فلما بلغت ‏"‏خليفة مستخلف"‏ زَبَرني عمر، وانتهرني، وقال: اسكت؛ تقول هذا وأبو بكر حَيّ! قال: فلما كان بعد، وولي عمر مررت بالمسجد، وهو على المنبر. قال: فدعاني، وقال: اقصص رؤياك، فقصصتها. فلما قلت: إنه لا يخاف في الله لومة لائم. قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم. قال: فلما قلت:‏ خليفة مستخلف. قال: قد استخلفني الله، فسَلْه [[أن يُعينني]] على ما ولّاني. فلما ذكرت‏: شهيد مستشهد قال:أَنّى لي بالشّهادة وأنا بين أظهركم تَغْزون ولا أغزو! ثم قال: بلى يأتي الله بها أنّى شاء.

أنبأَنا سعيد بن سيد، حدّثنا عبد الله بن محمد بن عليّ، حدّثنا أحمد بن خالد، حدّثنا أبو يعقوب الدَّيْري، حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهري، عن سالم، عن ابن عمرَ أنّ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصًا أبيض، وقال: "جَدِيدٌ قَمِيصُكَ أَمْ غَسِيلٌ‏"؟ قال: بل غسيل. قال: "الْبِسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمتْ شَهِيدًا، وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّة عَيْن فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" ‏‏أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 402، وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/ 707، والهندي في كنز العمال حديث رقم 44292.، قال: وإياك يا رسول الله.(*)

وروى معمر، عن الزّهري قال: صلّى عمر على أبي بكر رضي الله عنه حين مات، وصلى صُهَيب على عمر رضي الله عنهما.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في انصرافه من حجّته التي لم يحج بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله، يُعْطِي مَنْ يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي ـــ يعني ضَجَنان ـــ أرعى إبلًا للخطّاب، وكان فظًّا غليظًا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل:[البسيط]

لَا شَيْء مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ يَبْقَـى الإِلَهُ وَيُودِي المَالُ
وَالوَلَدُ

لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ وَالخلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خلدُوا

وَلَا سُلَيْمَانُ إِذْ تَجْرِي الرِّيَاحُ لَهُ وَالجِـنُّ وَالإِنِس فِيمَا بَيْنَهـا
بُرُدُ

أَيْنَ المُلُوكُ
الَّتِي كَانَتْ
لِعزَّتِهَا مِـنْ كُلِّ أَوْبٍ
إِلَيَها وَافِدٌ يَفِـدُ

حَوْضٌ هُنَالِكَ مَورُودٌ بِلَا كَذِبٍ لَا بُدَّ مِنْ وِرْدِه يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا

وروينا عن عمر رضي الله عنه أنه قال في حين احتضر ورأسه في حجر ابنه عبد الله‏: [الطويل]

ظَلُومٌ لِنَفْسِِي غَيْرَ أَنِّيَ مُسْلِـمٌ أُصَلِّـي الصَّلَاةَ كُلَّهَا وَأَصُومُ

حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا قاسم بن جعفر بن محمد الصائغ، حدّثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدّثنا إبراهيم بن سعد الزهريّ، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة، عن أم كلثوم بنت أبي بكر ـــ أنَّ عائشة حدثتها أَنَّ عمر رضي الله عنه أذِن لأزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أن يحججن في آخر حجّة حجّها عمر ـــ قالت:‏‏ فلما ارتحل من الخَطمَة أقبل عليه رجل متلثم، فقال، وأنا أسمع‏: ‏ أين كان منزل أمير المؤمنين؟ فقال قائل ـــ وأنا أسمع‏: هذا كان منزله، فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنى: [الطويل]

عَلَيكَ سَلَامٌ مِنْ
أَمِيرٍ
وَبَاركَـتْ يـَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ

فَمَنْ يَجْرِ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْت بِالأَمْسِ يُسْبَقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَـا بـَوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ
تُفـتَّقِ

قالت عائشة: فقلت لبعض أهلي: أَعلموني مَنْ هذا الرّجل؟ فذهبوا فلم يجدوا في مناخه أحدًا قالت عائشة: فوالله إني لأحسبه من الجن‏ّ. فلما قُتل عمر قال النّاس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار، أو لأخيه مزرد.‏

قال أبو عمر رحمه الله:‏ كانوا إخوة ثلاثة كلّهم شاعر.

وروى مسعر، عن عبد الملك بن عمير، عن عروة، عن عائشة قالت:‏ ‏ ناحت الجنّ على عمر قبل أن يُقتل بثلاث فقالت:‏‏ [الطويل]

أَبَعْـدَ
قَتِيـلٍ
بِالمَدِينَةِ
أَظْلَمَـتْ لَهُ الأَرْضُ تَهْتَزُّ العِضَاهُ بِأَسوقِ

جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ إِمَامٍ وَبَارَكَتْ يَـدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيم المُمَزَّقِ

فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ لِيُـدْرِكَ مَا قَدّمْتَ بِالأَمْسِ يُسْبَقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَها بَـوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَـا لَمْ تُفـتَّقِ

فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَفَـاتُهُ بِكَفَّيْ سَبَتْني أَزْرَقِ العَيْنِ مُطْرِقِ

ويروى بكفي سبنتٍ، والسبنت والسبنتي: النمر الجريء‏. ‏وقد تمد السبنتاء.‏‏ والمطرق‏: الحنق، قال الملتمس‏: [الطويل]

فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاع وَلَوْ يَرَى مَسَاغًـا لنَابَيْهِ الشُّجَـاعُ لَصمَّما
(< جـ3/ص 235>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال