تسجيل الدخول


عمر بن الخطاب

((عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بن نُفَيل القرشي العدوي رضي الله عنه: بن عبد العزّى بن رِياح، بالتحتاَنية، بن عبد الله بن قُرْط بن رزاح، بمهملة ومعجمة وآخره مهملة، بن عديّ بن كعب بن لُؤي بن غالب)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((عمر بن الخطّاب ـــ أمير المؤمنين رضي الله عنه ـــ بن نفيل بن عبد العزَّى بن رباح)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل مَن قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ذكر من ذلك شيئًا، ولم يبلغنا أنّ ابن عمر قال ذلك إلا لعمر، كان فيما يَذْكُرُ من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه، قال: وقد بلغنا أنّ عبد الله بن عمر كان يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللّهمّ أيّدْ دينك بعمر بن الخطّاب".(*) قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقيّ المكّي قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن حسن عن أيّوب بن موسى قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ الله جَعَل الحقّ على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحقّ والباطل".(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو حَزرةَ يعقوب بن مجاهد عن محمّد بن إبراهيم عن أبي عمرو ذَكوان قال: قلتُ لعائشة مَنْ سَمّى عمر الفاروق؟ قالت: النّبيّ، عليه السلام.))
((يكنى أبا حفص.)) الطبقات الكبير.
((جاء عنه أنه وُلِد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، وذلك قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل بدون ذِكر خليفة بسندٍ له: إنه وُلد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((أُمه حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه بن عُمَر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، فعلى هذا تكون أُخت أَبي جهل، وعلى الأَوّل تكون ابنة عمه ــ قال أَبو عمر: ومن قال ذلك ــ يعني بنت هشام ــ فقد أَخطأَ، ولو كانت كذلك لكانت أُخت أَبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإِنما هي ابنة عمهما، لأَن هشامًا وهاشمًا ابني المغيرة أَخوان، فهاشم والد حَنْتَمة، وهشام والد الحارث، وأَبي جهل، وكان يقال لهاشم جَدِّ عمر: ذو الرمحين. وقال ابن منده: أُم عمر أُخت أَبي جهل. وقال أَبو نعيم: هي بنت هشام أُخت أَبي جهل، وأَبو جهل خاله. ورواه عن ابن إِسحاق. وقال الزبير: حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أَبي جهل ــ كما قال أَبو عمر ــ وكان لهاشم أَولاد فلم يعقبوا. يجتمع عمر وسعيد بن زيد ــ رضي الله عنهما ــ في نفيل.)) أسد الغابة.
((كان لعمر من الولد عبد الله وعبد الرّحمن وحفصة وأمّهم زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَحٍ وزيد الأكبر لا بقيّة له، ورُقيّة وأمّهما أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمّهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وزيد الأصغر وعُبيد الله قُتل يوم صفّين مع معاوية وأمّهما أمّ كلثوم بنت جَرْوَل بن مالك بن المسيّب بن ربيعة بن أصْرَم بن ضَبيس بن حَرَام بن حُبْشِيّة بن سَلول بن كعب بن عمرو من خزاعة، وكان الإسلام فرق بين عمر وبين أمّ كلثوم بنت جرول. وعاصم وأمّه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقْلَح واسمه قيس بن عِصْمة بن مالك بن أمَةَ بن ضُبَيعة بن زيد من الأوس من الأنصار، وعبد الرّحمن الأوسط وهو أبو المُجَبَّر وأمّه لُهَيّة أمّ ولد، وعبد الرّحمن الأصغر وأمّه أمّ ولد، وفاطمة وأمّها أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزينب وهي أصغر ولد عمر وأمّها فُكيهة أمّ ولد وعياض بن عمر وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل. قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن عُبيد الله بن عمر عن نافع قال: غَيّرَ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، اسم أمّ عاصم بن عمر وكان اسمها عاصية، قال: "لا بل أنتِ جميلة".(*))) الطبقات الكبير. ((قال له ابن عمر: ما يمنعك أنْ تقدم عليًّا؟ قال: أكره أن أحملها حيًّا وميتًا. وذكر الواقديّ، قال: أَخبرني نافع، عن أبي نعيم، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه، قال: غدوْتُ مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى السّوق وهو متّكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة ـــ غلام المغيرة بن شعبة ـــ فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي! قال: كم خراجك؟ قال: دينار. قال: ما أرى أن أفعل؛ إنك لعامل محسن، وما هذا بكثير. ثم قال له عمر: ألا تعمل لي رحى؟ قال: بلى. فلما ولّى قال أبو لؤلؤة: لأعملنّ لك رحى يُتحدث بها ما بين المشرق والمغرب. قال: فوقع في نفسي قوله. قال: فلما كان في النّداءِ لصلاة الصّبح خرج عمر إلى النّاس يؤذنهم للصّلاة. قال ابن الزّبير: وأنا في مصلّاي وقد اضطجع له عدوُّ الله أبو لؤلؤة، فضربه بالسّكين ستّ طعنات إحداهنّ تحت سرّته وهي قتلته، فصاح عمر: أين عبد الرّحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير المؤمنين. قال: تقدَّمْ فصلّ بالنّاس، فتقدّم عبد الرّحمن بالناس، وقرأ في الركعتين بـــ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. و {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}‏. واحتملوا عمر فأَدخلوه منزله، فقال لابنه عبد الله‏: اخرُجْ فانظر مَنْ قتلني. قال: فخرج عبد الله بن عمر فقال: مَنْ قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فرجع فأَخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قَتْلي بيد رجل يحاجّني بلا إله إلا الله، ثم قال: انظروا إلى عبد الرّحمن بن عوف، فذكر الخبر في الشورَى بتمامه.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن أبي سعد البقّال سعيد بن المرزبان عن عمرو بن ميمون قال: أمّنا عمر بن الخطّاب في بَتٍّ. قال: أخبرنا محمّد بن عبيد قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيميّ عن عمرو بن ميمون قال: رأيتُ عمر، لمّا طُعن، عليه ملحفةٌ صفراءُ قد وضعها على جُرحه وهو يقول: كان أمر الله قَدَرًا مقدورًا. قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا سلام بن مسكين قال: أخبرنا عبد العزيز ابن أبي جميلة الأنصاريّ قال: أبْطأ عمر بن الخطّاب جُمْعَةً بالصّلاة فخرج، فلمّا أن صعد المنبر اعتذر إلى الناس فقال: إنّما حَبَسَني قميصي هذا لم يكن لي قميص غيره. كان يخاط له قميص سُنْبلاني لا يجاوز كُمّه رُسْغَ كَفّيْه. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن بُديل بن ميسرة قال: خرج عمر بن الخطّاب يومًا إلى الجمعة وعليه قميصٌ سنبلانيّ فجعل يعتذر إلى النّاس وهو يقول: حَبَسَني قميصي هذا. وجعل يَمُدّ يده، يعني كُمّيْه، فإذا تركه رجع إلى أطراف أصابعه. قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسّان النهديّ قال: أخبرنا عمر بن زياد الهلالي عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: حدّثني ينّاق بن سلمان دِهْقان من دهاقين قرية يقال لها كذا قال: مَرّ بي عمر بن الخطّاب فألْقى إليّ قميصه فقال: اغْسل هذا بالأُشْنان، فَعَمَدْتُ إلى قَطَرِيّتَينْ فقطعتُ من كلّ واحدة منهما قميصًا ثمّ أتيته فقلت: الْبَسْ هذا فإنّه أجمَل وأليَْنُ، قال: أمِنْ مالكَ؟ قال قلت: من مالي، قال: هل خالطه شيءٌ من الذّمّة؟ قال قلت: لا إلا خياطه، قال: اعْزُبْ، هلمّ إلي قميصي، قال فلبسه وإنّه لأخضر من الأشنان.)) ((قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا مهديّ بن ميمون قال: أخبرنا سعيد الجريريّ عن أبي عثمان النهديّ قال: رأيْتُ عمر بن الخطّاب يطوف بالبيت عليه إزارٌ فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهنّ بأديم أحمر. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء عن عُبيد بن عُمير قال: رأيتُ عمر يرمي الجمار عليه إزارٌ مرقّعٌ على مَقْعَدَته.)) ((قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان قال: وأخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل قال: وأخبرنا يحيَى بن عبّاد وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: وأخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عَوانة، قالوا جميعًا عن عاصم بن أبي النّجود عن زِرّ بن حُبيش قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب خرج مَخْرَجًا لأهل المدينة رجلٌ آدمُ، طويلٌ، أعسر، أيسر، أصلع، مُلَبَّبٌ بُرْدًا له قَطَرِيًّا، يَمشي حافيًا مُشْرِفًا على النّاس كأنـّه راكب على دابّة، وهو يقول: يا عبادَ الله، هاجروا ولا تَهَجَّروا واتّقوا الأرنب أن يَحْذِفَهَا أحدكُم بالعصا أو يُرْسِلَها بالحجَر ثمّ يقول بأكْلها ولكن ليذكّ لكم الأسلُ والرماحُ والنَّبْلُ. قال يحيَى بن عبّاد: قال حمّاد بن زيد: فسئل عاصم عن قوله هاجروا ولا تَهَجَّروا فقال: كونوا مهاجرين حقًّا ولا تَشَبَّهوا بالمهاجرين ولستم منهم. قال محمد بن عمر، هذا الحديث لا يُعرف عندنا، إنّ عمر كان آدَمَ إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنّـه كان تَغَيّرَ لونُه حين أكل الزيت. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن يزيد الهُذَليّ عن عياض بن خليفة قال: رأيتُ عمرَ عام الرمادة وهو أسود اللون ولقد كان أبيض فيقال ممّ ذا؟ فيقول: كان رجلًا عربيًّا وكان يأكل السمن واللبن فلمّا أمحَل الناس حرّمهما فأكل الزيت حتى غيّر لونه وجاع فأكثر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيتُ عمر رجلًا أبيض، أمْهَق. تعلوه حمرة، طُوالًا، أصلع.)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله قال: سمعتُ ابن عمر يقول: إنـّما جاءتنا الأدْمَةُ من قبل أخوالي وأمّ عبد الله بن عمر زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح قال: والخال أنزع شيء، وجاءني البُضْعُ من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي، رحمه الله، كان أبي أبيض لا يتزوّج النساء لشهوة إلا لطلب الولد. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا حزام بن هشام عن أبيه قال: ما رأيتُ عمر مع قوم قطّ إلا رأيتُ أنّـه فوقهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ابن جُريْج عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عُمير قال: كان عمر يفوق الناس طولًا.)) ((قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا أبو هلال قال: سمعتُ أبا التّيّاح يُحَدّث في مجلس الحسن قال: لقي رجلٌ راعيًا فقال له أُشْعِرْتَ أنّ ذاك الأعسر الأيسر أسلم؟ يعني عمر، فقال: الذي كان يُصارع في سوق عكاظ؟ قال: نعم، قال: أمَا والله لَيُوسِعَنَّهُمْ خيرًا أو ليوسعنّهم شرًّا. قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سِماك بن حرب عن بشر بن قُحيف قال محمد بن سعد، وقال غيرُ أبي داود مسلمة بن قحيف، قال: رأيتُ عمر رجلا ضَخْمًا. قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سِماك بن حرب قال: أخبرني هلال قال: رأيتُ عمر رجلًا جسيمًا كأنّه من رجال بني سَدُوس. قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا شعبة عن سماك أحْسَبُ عن رجل من قومه يقال له هلال بن عبد الله قال: كان عمر يُسْرِعُ، يعني في مشْيَته، وكان رجلا آدم كأنّه من رجال بني سَدوس، وكان في رِجْلَيْهِ رَوَحٌ.)) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أسلم قال: رأيتُ عمر إذا غَضِبَ أخَذَ بهذا، وأشار إلى سَبَلَتِه، فقال بها إلى فمه ونفخ فيه. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب أتاه رجل من أهل البادية فقال: يا أمير المؤمنين بلادُنا قاتَلْنَا عليها في الجاهليّة وأسلمنا عليها في الإسلام ثمّ تُحْمى علينا؟ فجعل عمر ينفخ ويَفْتِل شاربه. قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا سفيان قال: وأخبرنا عبد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، قالا جميعًا عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة قال عبيد الله في حديثه عن عبد الله قال: ركب عمر فرسًا فانْكَشَفَ ثوبُه عن فخذه فرأى أهل نجران بفخذه شامةً سوداءَ فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنّه يُخْرِجُنا من أرضنا. قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد الأمويّ قال: أخبرنا الأعمش عن عديّ بن ثابت الأنصاريّ عن أبي مسعود الأنصاريّ قال: كنّا جلوسًا في نادينا فأقبل رجل على فرس يرْكُضه يَجْري حتى كاد يُوطِئُنا، قال: فارْتَعْنَا لذلك وقمنا، قال: فإذا عمر بن الخطّاب، قال فقلنا: فمن بعدك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما أنكرتم؟ وجدتُ نشاطًا فأخذتُ فرسًا فركضْتُه. قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ قالا: أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب عمر بالحنّاء. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير عن عبيد الله بن عمر قال: وأخبرنا خالد بن مخلّد البَجَلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر جميعًا عن حُمَيْد الطويل عن أنس بن مالك قال: كان عمر يُرَجّلُ بالحنّاء.)) ((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا خالد بن أبي بكر قال: كان عمر يصفّر لحيته)) ((قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال: لقد رأيتُ بين كتفَي عمر أربع رقاعٍ في قميصٍ له. قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب وعليه قميص في ظهره أربعُ رقاع فَقَرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[سورة عبس: 31] فقال: ما الأبّ؟ ثمّ قال: إنّ هذا لهو التكلّف، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ. قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأسديّ قال: أخبرنا سفيان الثوريّ عن سعيد الجريري عن أبي عثمان قال: أخبرني من رأى عمر يرمي الجمرة عليه إزارٌ قَطَرِيّ مرقوعٌ برقعة من أدَمٍ. قال: أخبرنا أسباط بن محمّد عن خالد بن أبي كريمة عن أبي محصن الطائيّ قال: رُئي على عمر بن الخطّاب وهو يصلّي إزارٌ فيه رقاعٌ بعضها من أدَم، وهو أمير المؤمنين.)) الطبقات الكبير. ((وبسندٍ فيه الوَاقِدِيُّ: كان عمر يأخذ أذُنه اليسرى بيده اليمنى، ويجمع جَرَاميزه، ويثب على فرسه، فكأَنما خلق على ظَهره.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيتُ عمر يتّزر فوق السرّة. قال: أخبرنا سليمان بن داود أبو داود الطيالسي قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني عامر بن عُبيدة الباهلي قال: سألتُ أنَسًا عن الخَزّ فقال: وددتُ أنّ الله لم يخلقه، وما أحد من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، إلاّ وقد لَبِسَه ما خَلا عمرَ وابنَ عمر. قال: أخبرنا معن بن عيسى وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قالا: أخبرنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب تختّم في اليسار.)) الطبقات الكبير. ((كان نقش خاتمه "‏كفى بالموت واعظًا يا عمر")) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((روى الدَّيْنُورِيُّ في "المُجَالَسَةِ عن الأصْمَعِيِّ، عن شُعْبَةَ، عن سِمَاكٍ: كان عُمر أرْوَح، كأَنه راكبٌ والناس يمشون، قال: والأروح الذي يتدَانى عَقِباه إذا مَشى.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: قال أنس بن مالك: رأيتُ عمر بن الخطّاب وهو يومئذٍ أمير المؤمنين وقد رَقَعَ بين كتفَيْه برِقاعٍ ثلاثٍ لَبّدَ بعضها فوق بعض. قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يرمي جمرة العقبة وعليه إزارٌ مرقوعٌ بفَرْوٍ، وهو يومئذٍ والٍ.))
((إسلام عمر، رحمه الله: قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا القاسم بن عثمان البصريّ عن أنَس بن مالك قال: خرَج عمر مُتَقَلِّدًا السيف فلقيه رجلٌ من بَني زُهرة قال: أين تَعْمِدُ يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّدًا، قال: وكيف تأمَنُ في بني هاشم وبني زُهرة وقد قتلتَ محمّدًا؟ قال فقال عمر: ما أراك إلاّ قد صَبوتَ وتَركتَ دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدُلّك على العجب يا عمر؟ إنّ خَتَنَك وأختَكَ قد صَبَوَا وتركا دينَك الذي أنتَ عليه. قال فمشى عُمر ذامرًا حتّى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له خَبّاب. قال فلمّا سِمع خَبّاب حِسّ عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهَيْنَمَةُ التي سمعتُها عندكم؟ قال وكانوا يقرءون {طـه} فقالا: ما عدا حديثًا تحدّثناه بيننا، قال: فلعلّكما قد صَبوْتُما؟ قال فقال له خَتَنُه: أرأيتَ يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك؟ قال فوثَبَ عمر على خَتنه فَوطِئه وَطْأً شديدًا فجاءت أختُه فدفعتهُ عن زوجها فنفحها بيده نَفْحَةً فَدَمَّى وجهها فقالت وهي غَضْبَى: يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك، أَشْهَدُ أنْ لا إله إلاّ الله وأَشْهَدُ أنّ محمّدًا رسول الله. لمّا يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته: إنّك رِجْسٌ ولا يمسه إلاّ المطهّرون فقُمْ فاغتسل أو تَوضّأ. قال فقام عمر فتوضّأ ثمّ أخذ الكتاب فقرأ {طه} حتّى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه: 1 ــ 14]. قال فقال عمر: دُلّوني على محمّد. فلمّا سمع خبّاب قولَ عمر خرَج من البيت فقال: أبْشِرْ يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لك ليلة الخميس: "اللّهمّ أعِزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب أو بعَمرو بن هشام"، قال ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في الدار التي في أصل الصَّفَا فانطلقَ عمر حتّى أتى الدار، قال وعلى باب الدار حَمزة وطَلحة وأُناس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا رأى حمزةُ وَجَلَ القومِ من عمر قال حمزة: نعم فهذا عمر، فإن يُرِدِ اللهُ بعمر خيَرًا يُسلِمْ ويتبع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وإنْ يُرِدْ غير ذلك يكن قتله علينا هيّنًا. قال والنّبيّ، عليه السلام، داخلٌ يُوحَى إليه، قال فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حتّى أتى عمر فأخذ بمجامع ثَوبه وحمائل السيف فقال: "أما أنت منتهيًا يا عمر حتّى يُنْزِلَ اللهُ بك من الخِزْي والنَّكَال ما أنزل بالوليد بن المغِيرة؟ اللّهمّ هذا عمر بن الخطّاب، اللّهمّ أعِزّ الدين بعُمر بن الخطّاب"، قال فقال عمر: أشْهَدُ أنّكَ رسول الله. فأسلّم وقال: اخْرُجْ يا رسول الله.(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود ابن الحُصين قال: وحدّثني مَعمر عن الزّهريّ قالا: أسلَم عمر بن الخطّاب بعد أن دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار الأرقم وبعد أربعين أو نيّف وأربعين بين رجال ونساء قد أسلَموا قبله، وقد كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال بالأمس: "اللّهمّ أيّدِِ الإسلام بأحَبّ الرّجلين إليك: عمرَ بن الخطّاب أو عَمرو [[بن]] هشام". فلمّا أسلَم عمر نَزَلَ جبريل فقال: يا محمّد لقد استبشر أهلُ السّماءِ بإسلام عمر. (*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب قال: أسلَم عمر بعد أربعين رجلًا وعشرة نسوة، فما هو إلاّ أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكّة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عليّ بن محمّد عن عُبيد الله بن سلمان الأغَرّ عن أبيه عن صُهيب بن سِنان قال: لمّا أسلَم عمر ظهر الإسلام ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حِلَقًا وطُفنا بالبيت وانتصفنا ممّن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عبد الله عن أبيه قال: ذكرتُ له حديث عمر فقال: أخبرني عبد الله بن ثَعلبة بن صُعَير قال: أسلَمَ عمر بعد خمسةٍ وأربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زَيد بن أسْلَم عن أبيه عن جَدّه قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: وُلدتُ قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين. وأسلَم في ذي الحجّة السنة السادسة من النبوّة وهو ابن ستّ وعشرين سنة. قال: وكان عبد الله ابن عمر: يقول أسلَم عمر وأنا ابن ستّ سنين. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير ويَعْلَى ومحمّد ابنا عُبيد قالوا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قَيْس بن أبي حازم قال: سمعتُ عبد الله بن مَسعود يقول: ما زِلْنا أعِزّةً منذ أسلَم عُمر. قال محمّد بن عُبيد في حديثه: لقد رأيتُنا وما نستطيع أن نُصلّي بالبيت حتّى أسلم عمر، فلمّا أسلَم عمر قَاتَلَهم حتّى تركونا نصلّي. قال: أخبرنا يَعْلَى ومحمّد ابنا عُبيد وعُبيد الله بن موسى والفضل بن دُكين ومحمّد بن عبد الله الأسديّ قالوا: أخبرنا مِسْعَرُ عن القاسم بن عبد الرّحمن قال: قال عبد الله بن مَسعود: كان إسلامُ عمر فتحًا وكانت هجرته نَصرًا وكانت إمارته رَحمةً، لقد رأيتُنا وما نستطيع أن نصلّي بالبيت حتّى أسلم عمر، فلمّا أسلَم عمر قاتَلَهم حتّى تركونا فصلّينا. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل مَن قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ذكر من ذلك شيئًا، ولم يبلغنا أنّ ابن عمر قال ذلك إلا لعمر، كان فيما يَذْكُرُ من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه، قال: وقد بلغنا أنّ عبد الله بن عمر كان يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللّهمّ أيّدْ دينك بعمر بن الخطّاب".(*))) الطبقات الكبير. ((إِسْلَامُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ: لما بعث الله محمدًا صَلَّى الله عليه وسلم، كان عمر شديدًا عليه وعلى المسلمين. ثم أَسلم بعد رجال سبقوه ــ قال هلال بن يساف: أَسلم عمر بعد أَربعين رجلًا وإِحدى عشرة امرأَة. وقيل: أَسلم بعد تسعة وثلاثين رجلًا وعشرين امرأَة، فكمل الرجال به أَربعين رجلًا. أَخبرنا أَبو محمد عبد اللّه بن علي بن سويدة التكريتي بإِسناده إِلى أَبي الحسن علي بن أَحمد بن مَتُّويه قال: أَنبأَنا أَحمد بن محمد بن أَحمد الأَصفهاني، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر الحافظ، حدّثنا أَبو بكر بن أَبي عاصم، حدّثنا صفوان بن المغلس، حدّثنا إِسحاق ابن بشر. حدّثنا خلف بن خليفة، عن أَبي هاشم الرُّمَّاني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أَسلم مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلًا وامرأَة. ثم إِن عُمَر أَسلم فصاروا أَربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال/ 64]. وقال عبد اللّه بن ثعلبة بن صُعَير: أَسلم عمر بعد خمسة وأَربعين رجلًا وإِحدى عشرة امرأَة. وقال سعيد بن المسيَّب: أَسلم عمر بعد أَربعين رجلًا وعَشْرِ نسوة، فما هو إِلا أَن أَسلم عمر فظهر الإِسلام بمكة. وقال الزبير: أَسلم عُمَر بعد أَن دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دار الأَرقم، وبعد أَربعين أَو نَيِّف وأَربعين بين رجال ونساءِ. وكان النبي صَلَّى الله عليه وسلم قد قال: "الْلَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ بِأَحَبِّ الْرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَمْرِو بْنِ هِشَامِ ــ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ". أَنبأَنا أَبو ياسر بن أَبي حَبَّة بإِسناده إِلى عبد اللّه بن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا أَبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أَتعرض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل أَن أُسلم، فوجدته قد سبقني إِلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة "الحاقة" فجعلت أَعجب من تأْليف القرآن ــ قال، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ}. قال. قلت: كاهن. قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}. {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}... إِلى آخر السورة، فوقع الإِسلام في قلبي كل موقع.(*) أَنبأَنا العدل أَبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرِي التغلبي الدمشقي، أَنبأَنا الشريف النقيب أَبو طالب علي بن حَيْدَرة بن جعفر العلوي الحسيني، وأَبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد قراءَة عليهما وأَنا أَسمع، قالا: أَنبأَنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاءِ المصِّيصي، أَنبأَنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عُثمان بن القاسم ابن أَبي نصر، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيثمة بن سليمان بن حَيدَرة، أَنبأَنا محمد بن عوف، أَنبأَنا سفيان الطائي قال: قرأْت على إِسحاق بن إِبراهيم الحنفي قال: ذكره أُسامة بن زيد، عن أَبيه، عن جدّه أَسلم قال: قال لنا عمر بن الخطاب: أَتحبون أَن أُعلمكم كيف كان بَدْءُ إِسلامي؟ قلنا: نعم. قال: كنت من أَشدِّ الناس على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبينا أَنا يومًا في يوم حار شديد الحرِّ بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إِذ لقيني رجل من قريش فقال: أَين تذهب يا ابن الخطاب؟ أَنت تزعم أَنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأَمر في بيتك؟! قال قلت: وماذا ذاك؟ قال: أُختك قد صَبَأَت. قال: فرجعت مُغْضَبًا ــ وقد كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إِذا أَسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه، ويصيبان من طعامه. وقد كان ضم إِلى زوج أُختي رجلين ــ قال: فجئت حتى قَرَعت الباب، فقيل: مَنْ هَذَا؟ قلتُ: ابن الخطاب ــ قال: وكان القوم جلوسًا يقرأُون القرآن في صحيفة معهم ــ فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا، وتركوا ــ أَو: نسوا الصحيفة من أَيديهم. قال: فقامت المرأَة ففتحت لي، فقلت: يا عدوة نفسها، قد بلغني أَنك صَبَوت! قال: فأَرفع شيئًا في يدي فأَضربها به، قال: فسال الدم. قال: فلما رأَت المرأَة الدم بكت، ثم قالت: يا ابن الخطاب، ما كنت فاعِلًا فافعل، فقد أَسلمت. قال: فدخلتُ وأَنا مُغْضَب فجلست على السرير. فنظرت فإِذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: ما هذا الكتاب؟ أَعطينيه. فقالت لا أُعطيك، لست من أَهله، أَنت لا تغتسل من الجنابة، ولا تَطْهُر، وهذا لا يمسه إِلا المطهرون! قال: فلم أَزل بها حتى أَعطتنيه، فإِذا فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فلما مررت بـ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ذعِرْتُ ورمَيتُ بالصحيفة من يدي ــ قال: ثم رجعت إِليّ نفسي، فإِذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد/ 1] ــ قال: فكلما مررت باسم من أَسماءِ الله عز وجل ذُعِرْتُ، ثم تَرجع إِليّ نفسي، حتى بلغتُ: {ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد/ 7] حتى بلغت إِلى قوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ــ قال فقلت: "أَشهدُ أَن لا إِله إِلا الله، وأَشهد أَن محمدًا رسول الله" ــ قال: فخرج القوم يتبادرون بالتكبير، استبشارًا بما سَمِعُوهُ مني، وحَمِدوا الله عز وجل، ثم قالوا: يا ابن الخطاب، أَبشِر، فإِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فَقَالَ: "الْلَّهُمَّ، أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَإِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"، وَإِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ الله لَكَ. فَأَبْشِرْ ــ قَالَ: فَلَمَّا عَرَفُوا مِنِّي الْصِّدْقَ قلتُ لَهُمْ: أَخبروني بِمَكَانِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفَلِ الْصَّفا ــ وصَفُوه ــ قال: فخرجتُ حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب. قال: وقد عرفوا شدّتي على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ولم يعلموا بإِسلامي ــ قال: فما اجترأَ أَحد منهم أَن يفتح الباب! قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "افْتَحُوا لَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ". قال: ففتحوا لي، وأَخذ رجلان بعضُدي حَتَّى دَنَوْتُ مِنَ الْنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، قَالَ: فَقَالَ: "أَرْسِلُوهُ" قَالَ: فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيْصِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، الْلَّهُمَّ اهْدِهِ". قَالَ قُلْتُ: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّكَ رَسُولِ الله"، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيْرَةً، سُمِعَتْ بِطُرُقِ مَكَّةَ ــ قَالَ: وَقَدْ كَانَ اسْتَخْفَى ــ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَكُنْتُ لاَ أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلًا قَدْ أَسْلَمَ يُضْرَبُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ ــ قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لاَ أَحِبُّ إِلاَّ أَنْ يُصِيْبَنِي مَا يُصِيْبُ الْمُسْلِمِيْنَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى خَالِي ــ وَكَانَ شَرِيْفًا فِيْهِمْ ــ فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَشْعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! قَالَ، فَقُلْتُ: بَلَى، قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! وَأَجَافَ الْبَابُ دُونِي وَتَرَكَنِي. قَالَ قُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ! قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَشْعَرْتَ أَنِّي قْدَ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَعَلْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ! قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ! قَالَ: ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ، وَأَجَافَ الْبَابَ دُوْنِي. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ. فَقَالَ لِي رَجُلٌ: تُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلَامُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ وَاجْتَمِعُوا أَتَيْتَ فُلَانًا ــ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ الْسِّرَّ ــ فَاصْغَ إِلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ ــ فِيْمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ــ: "إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ"، فَإِنَّهُ سَوْفُ يَظْهَرُ عَلَيْكَ وَيُصِيحُ وَيُعْلِنُهُ. قَالَ: فَاجْتَمَعَ الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ، فَجِئْتُ الْرَّجُلَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقُلْتُ: أَعْلِمْتُ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ"؟ فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَا". قَالَ: فَمَا زَالَ الْنَّاسُ يَضْرِبُونَنِي وَأَضْرِبْهُمْ، قَالَ: فَقَالَ خَالِي: مَا هَذَا؟ فَقِيْلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ! قَالَ: فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ فَأَشَارَ بِكُمِّهِ فَقَالَ: "أَلاَ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي". قَالَ: فَانْكَشَفَ الْنَّاسُ عَنِّي، وَكُنْتُ لاَ أَشَاءَ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ يُضْرَبُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَأَنَا لاَ أُضْرِبُ. قَالَ فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيْبُنِي مِثْلُ مَا يُصِيْبُ الْمُسْلِمِيْنَ؟ قَالَ: فَأَمْهَلْتُ حَتَّى إِذَا جَلَس الْنَّاسُ فِي الْحِجْرِ، وَصَلْتُ إِلَى خَالِي فَقُلْتُ: اسْمَعْ. فَقَالَ: مَا أَسْمَعُ؟ قَالَ قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ. قَالَ: فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ يَا ابْنَ أُخْتِي. قَالَ قُلْتُ: بَلْ هُوَ ذَاكَ. فَقَالَ: مَا شِئْتَ! قَالَ: فَمَازِلْتُ أُضْرَبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَعْزَّ الله الْإِسْلَامَ(*)أخرجه البيهقي من دلائل النبوة 2 / 5 والهيثمي في الزوائد 9 / 67.. أَنبأَنا أَبو جعفر بن أَحمد بن علي بإِسناده، عن يونس بن بُكَير، عن ابن إِسحاق قال: ثم إِن قريشًا بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك، في طلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورسولُ الله فِي دَارٍ فِي أَصْلِ الْصَّفا، فَلقيه النَّحام ــ وهو نعيم بن عبد اللّه ابن أَسيد، وهو أَخو بني عدي بن كعب، قد أَسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه ــ فقال: يا عمر، أَين تريد؟ فقال: أَعمد إِلى محمد الذي سفَّه أَحلام قريش، وشتم آلهتهم، وخالف جماعتهم. فقال النحام: والله لبئس المَمْشَى يا عمر! ولقد فَرَّطت وأَردت هَلَكة عَدِيّ بن كعب! أَو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فتحاورا حتى ارتفعت أَصواتهما، فقال له عمر: إِني لأَظنك قد صبوت، ولو أَعلم ذلك لبدأْت بك! فلما رأَى النحَّام أَنه غير مُنْتَهٍ قال: فإِني أَخبرك أَن أَهلك وأَهل خَتَنِك قد أَسلموا، وتركوك وما أَنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك يقولها قال: وأَيّهم؟ قال: خَتَنك وابن عَمِّك وأَختك. فانطلق عمر حتى أَتى أُخته، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذا أَتته طائفة من أَصحابه من ذوي الحاجة، نظر إِلى أُولي السعة، فيقول: "عندك فلان". فوافق ذلك ابن عَمِّ عمر وَخَتَنة ــ زوج أَخته ــ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إِليه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم خباب بن الأَرَتّ، وقد أَنزل الله تعالى: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى}. وذكر نحْو ما تقدم، وفيه زيادة ونقصان. قال ابن إِسحاق: فقال عمر عند ذلك ــ يعني إِسلامه: والله لنحن بالإِسلام أَحق أَن نُبَادِي منا بالكفر، فَلَيَظْهَرَنَّ بمكة دين الله، فإِن أَراد قومنا بغيًا علينا ناجزناهم، وإِن قومنا أَنصفونا قبلنا منهم. فخرج عمر وأَصحابه فجلسوا في المسجد، فلما رَأَتْ قريش إِسلام عمر سُقِط في أَيديهم. قال ابن إِسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: لما أَسلم عمر بن الخطاب قال: أَيُّ أَهل مكة أَنقلُ للحديث؟ فقالوا: جميل بن مَعْمَر. فخرج عمر وخرجت وراء أَبي، وأَنا غُلَيِّم أَعقل كُلَّ ما رأَيت، حتى أَتاه فقال: يا جميل هل علمت أَني أَسلمت؟ فوالله ما راجعه الكلام حتى قام يجرّ رداءَه، وخرج عمر يتبعه، وأَنا مع أَبي، حتى إِذا قام على باب مسجد الكعبة، صرخ بأَعلى صوته: يا معشر قريش، إِن عمر قد صبأَ. فقال عمر: كذبت! ولكني أَسلمت. فثاوَرُوه، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم، فطَلَحَ وعرَّشوا على رأْسه قيامًا وهو يقول: "اصنعوا ما بدا لكم، فأَقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا، أَو تركناها لكم". وذكر ابن إِسحاق أَن الذي أَجار عمر هو "العاص بن وائل" أَبو "عمرو بن العاص السهمي" وإِنما قال عمر إِنه خاله لأَن حَنْتمَة أَمَّ عمر هي بنت هاشم بن المغيرة، وأَمها الشفاء بنت عبد قيس بن عَدِيّ بن سعد بن سَهْم السهمية، فلهذا جعله خاله، وأَهل الأم كلهم أَخوال، ولهذا قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم لسعد بن أَبي وقاص:أخرجه الترمذي في السنن 5 / 607 كتاب المناقب (50) باب مناقب سعد بن أبي وقاص (27) حديث رقم 3752، والحاكم في المستدرك 3/352، 498، والطبراني في الكبير 1 / 107 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 33331، 37084. "هذا خالي" لأَنه زُهْري، وأُم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زُهْرية. وكذلك القول في خاله الآخر الذي أَغلق الباب في وجهه أَنه أَبو جهل، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أَبي جهل، فهو خال حقيقة، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أَبي جهل، يكون مثل هذا. وكان إِسلام عمر في السنة السادسة، قاله محمد بن سعد.))
((هِجْرَتُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ: أَنبأَنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إِذنًا، أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أَبو محمد الجوهري إِملاء، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن أَحمد الحافظ، حدثنا أَبو رَوْق أَحمد بن محمد بن بكر الهِزَّاني بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد اللّه بن القاسم الأُبليّ، عن أَبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس، عن أَبيه، عن عبد اللّه بن العباس قال: قال لي علي بن أَبي طالب: ما علمت أَن أَحدًا من المهاجرين هاجر إِلا مختفيًا، إِلا عمر ابن الخطاب، فإِنه لما هَمَّ بالهجرة تقلَّد سيفه، وتنكَّب قوسه، وانتضى في يده أَسهمًا، واختَصَر عنَزَتُه، ومضى قِبَل الكعبة، والمَلأَ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أَتى المقام فَصلى متمكنًا، ثم وقف على الحَلق واحدة واحدة، وقال لهم: شَاهَتِ الوجوه، لا يُرْغِمُ الله إِلا هذه المعاطس، من أَرادَ أَن تَثْكُله أُمّه، ويُوتِم ولده، ويُرْمِل زوجته، فليلقني وراءَ هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أَحد إِلا قوم من المستضعفين عَلَّمَهم وأَرشدهم ومَضَى لوجهه. أَنبأَنا عُبَيد اللّه بن أَحمد بن علي بإِسناده عن يونس بن بُكير عن ابن إِسحاق قال: حدثني نافع، عن عبد اللّه بن عمر، عن أَبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتَّعدتُ أَنا وعيّاش بن أَبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل: قلنا: الميعاد بيننا "التَّنَاضِب من أَضاة بني غفار، فمن أَصبح منكم لم يأْتها فليمض صاحباه. فأَصبحتُ عندها أَنا وعياش بن أَبي ربيعة، وحُبِس عنا هشام، وفُتِن فافتتن. وقدمنا المدينة. قال ابن إِسحاق: نزل عمر بن الخطاب، وزيد بن الخطاب، وعمرو وعبد اللّه ابنا سراقة، وحُنيس بن حُذَافة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وواقد بن عبد اللّه، وخوْلي بن أَبي خَوْلي، وهلال بن أَبي خَوْلي، وعياش بن أَبي ربيعة، وخالد وإِياس وعَاقِل بنو البُكير ـــ نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر، في بني عمرو بن عوف. أَنبأَنا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد بن عبد القاهر، أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن علي بن بدران، أَنبأَنا أَبو محمد الحسن بن علي الفارسي، أَنبأَنا أَبو بكر القُطَيعي، أَنبأَنا عبد اللّه ابن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا عمرو بن محمد أَبو سعيد، حدثنا إِسرائيل، عن أَبي إِسحاق، عن البراءِ بن عازب قال: أَوّل من قدم علينا من المهاجرين مُصْعَب بن عمير أَخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أُم مكتوم الأَعمى، أَخو بني فهر. ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أَثري. ثم قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر معه.)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله بن مُسلم عن الزّهريّ عن سالم عن أبيه وأخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عُمر بن أبي عاتكة وعبد الله بن نَافع عن نَافع عن ابن عمر قال: لما أَذِنَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، للناس في الخروج إلى المدينة جَعل المسلمون يخرجون أرْسالًا، يصطحب الرجال فيخرجون، قال عمر وعبد الله قلنا لنافع: مُشاةً أو رُكبانًا؟ قال: كلّ ذاك، أمّا أهل القوّة فركبان ويعتقبون وأمّا مَن لم يجد ظَهْرًا فيمشون. قال عمر بن الخطّاب: فكنت قد اتعّدتُ أنا وعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص ابن وائل التَّنَاضُب من أضَاة بني غِفار وكنّا إنّما نخرج سرًّا، فقلنا: أيّكم ما تخلّف عن الموعد فلينطلق من أصبح عند الأضَاة. قال عمر: فخرجتُ أنا وعَيّاش بن أبي ربيعة، واحتَبس هشام بن العاص ففُتنَ فيمن فتن، وقدمت أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلى العُصبة حتّى أتينا قُباء فنزلنا على رُفاعة بن عبد المنذر فَقَدِمَ على عيّاش بن أبي ربيعة أخواه لأُمّه: أبو جَهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة وأمّهم أسماءُ ابنة مُخَرّبة من بني تَميم، والنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بعد بمكّة لم يخرج، فأسرعا السَّيْر فنزَلا معنا بقباءَ، فقالا لعيّاش: إنّ أمّك قد نَذَرَت ألا يظلّها ظِلّ ولا يمسّ رأسَها دُهْنٌ حتّى تراك. قال عمر فقلت لعيّاش: والله إنْ يَرُدّاك إلاّ عن دينك فاحْذَرْ على دينك، قال عيّاش: فإنّ لي بمكّة مالًا لعلّي آخذه فيكون لنا قوّة وأَبَرُّ قَسَمَ أُمّي. فخرج معهما فلمّا كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطًا حتّى دخلا به مكّة فقالا: كذا يا أهل مكّة فافعلوا بسفهائكم. ثمّ حبسوه.(*))) الطبقات الكبير.
((شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بدرًا، وأُحدًا، والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحُنَينًا، وغيرها من المشاهد، وكان أَشد الناس على الكفار. وأَراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَن يرسله إِلى أَهل مكة يوم الحديبية، فقال: "يا رسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإِن ظفروا بي قتلوني". فتركه، وأَرسل عثمان. أَنبأَنا أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بُكَير عن ابن إِسحاق ـــ في مسير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى بدر ـــ قال: وسلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال: "ذَفِران"، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى إِذا كان ببعضه نزل. وأَتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الناس، فقال أَبو بكر فأَحسن، ثم قام عمر فقال فأَحسن. وذكر تمام الخبر. وهو الذي أَشار بقتل أَسارى المشركين ببدر، والقصة مشهورة. وقال ابن إِسحاق وغيره من أَهل السير: ممن شهد بدرًا من بني عدي بن كعب: عُمَر بن الخطاب بن نفيل، لم يختلفوا فيه. وشهد أَيضًا أُحدًا، وثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. أَنبأَنا عبيد اللّه بن أَحمد بإِسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إِسحاق قال: حدثني الزهري وعاصم بن عُمَر بن قتادة قالا: لما أَراد أَبو سفيان الانصراف أَشرف على الجبل، ثم نادى بأَعلى صوته: إِن الحرب سجال يوم بيوم بدر، اعْل هُبَل ـــ أَي أَظهر دينك ـــ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "قم فأَجبه". فقال: الله أَعلى وأَجلّ، لا سواءَ قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فلما أَجاب عمر أَبا سفيان قال أَبو سفيان. هلم إِلي يا عُمَر. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ائته، فانظر ما يقول". فجاءَه، فقال له أَبو سفيان: أَنشدك الله يا عمر، أَقتلنا محمدًا؟ قال: لا، وإِنه ليسمع كلامك الآن. فقال أَبو سفيان: أَنت أَصدق عندي من ابن قمئة وأَبرـــ لقول ابن قمئة لهم: قد قتلت محمدًا.)) أسد الغابة. ((خرج في عدّة سرايا وكان أمير بعضها. قال أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أُسامة بن زيد بن أسلم عن أبي بكر بن عبد الرّحمن قال: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عمر بن الخطّاب سريّة في ثلاثين رجلًا إلى عُجْزِ هوازن بِتُرَبَةَ في شعبان سنة سبع من الهجرة.(*) قال: أخبرنا رَوْح بن عبادة قال: أخبرنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن عبد الله ابن بُريدة عن أبيه بُريدة الأسلمي قال: لمّا كان حيث نزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بحضرة أهل خيبر أعطى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، اللواء عمر بن الخطّاب.(*))) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم إِذنًا، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حَيُّويه وأَبو بكر بن إِسماعيل قالا: أَنبأَنا يحيى بن محمد أَنبأَنا الحسين بن الحسن، أَنبأَنا ابن المبارك، عن مالك بن مِغْول: أَنه بلغه أَن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أَنفسكم قبل أَن تحاسبوا، فإِنه أَهون ـــ أَو قال: أَيسر ـــ لحسابكم، وزنوا أَنفسكم قبل أَن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأَكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة/ 18]. وله في سيرته أَشياء عجيبة عظيمة، لا يستطيعها إِلا من وفقه الله تعالى، فرضي الله عنه وأَرضاه، بمنه وكرمه.)) أسد الغابة. ((من حديث ابن عمر أَنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم ضرب صَدْرَ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: ‏"‏اللّهُمْ أَخْرِجْ مَا فِي صَدْرِهِ مِنْ غِلٍّ، وَأَبْدِلِهُ إِيَمانًا‏"أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 84، والطبراني في الكبير 12/ 306، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/ 68، والهندي في كنز العمال حديث رقم 32777. ـــ يقولها ثلاثًا.(*) ومن حديث ابن عمر أيضًا قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ‏"‏‏(*) أخرجه الترمذي في السنن حدث رقم 3682، وأحمد في المسند 2/ 53، 401، والحاكم في المستدرك 3/ 86، 87، والطبراني في الكبير 1/ 339، 19/ 313، وابن حبان حديث رقم2183، 2185، وابن أبي شيبة 12/ 251، وأبو نعيم في الحلية 1/ 42، 5/ 191، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/69..‏ ونزل القرآن بموافقته في أَسْرَى بَدْر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم. وروي من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: ‏‏"لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَر‏".(*) وروى سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت‏: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏قَدْ كَانَ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ"‏‏(*) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 23، والترمذي في السنن حديث 3693، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 32759.. ورواه أبو داود الطّيالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم مثله. وروى ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ‏". قالوا: فما أوّلْتَ يا رسول الله ذلك؟ قال: ‏"‏الْعِلْمُ‏"(*)أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 31، 9/ 45، 51، 52، والدارمي في السنن 2/ 128،، وذكره الهندي في كنز العمال 32729.. ورواه معمر، عن الزّهري، عن سالم، عن أبيه، قال: كنا نحدث أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال‏: "‏بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَح لَبَنٍ فَشَرِبْتُ...". وذكر مثله سواء.(*) وروى سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر ـــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "‏دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا" ـــ أَوْ قَالَ: "قَصْرًا ـــ وَسَمِعْتُ فِيهِ ضَوْضَأَةً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا‏: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَلَوْلَا غِيرَتُكَ يَا أَبَا حَفْصٍ لَدَخلْتهُ‏‏‏" أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 46، وأحمد في المسند 3/ 309، وابن أبي شيبة 12/ 28، والحميدي في مسنده 1235، 1236، وأبونعيم في الحلية 6/ 334.. فَبَكى عمر، وقال: أعليك يغار؟ أو قال: أغار يا رسول الله!(*) وروى أبو داود الطيّالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "‏رأَيْتَنِي فِي الْمَنَام ِوالنّاسُ يُعْرَضَونَ عَلَيّ، وَعَلَيْهمْ قُمُص مِنْهَا إِلَى كَذَا وَمِنْهَا إِلَى كَذَا، وَمَرَّ عَلَيّ عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ يَجرُّ قَمِيصَه". فقيل‏: يَا رَسولَ الله، ما أَوَّلْتَ ذلك؟ قال: ‏"‏الدِّينُ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 12، 5/ 15، 9/ 45، 46، ومسلم في الصحيح فضائل الصحابة حديث رقم 15، والنسائي في السنن كتاب الإيمان ب 18، وأحمد في المسند 3/ 86، 5/ 374، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 32730.‏‏. هكذا رواه إبراهيم بن سعد فيما حدَّثَ به عنه الطيالسي‏. حدّثنا الحسن بن حجاج الزّيات الطبّرانيّ، حدّثنا الحسن بن محمد المدنيّ، حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدّثنا الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدريّ ـــ أنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول‏: "‏بَيْنَا أَنا نَائِمٌ وَالنَّاسُ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمصٌ، فَمِنْهَا ما يَبْلُغُ إِلَى الثَّدْي، وَمِنْها دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْه قَمِيص يَجُرُّهُ" ‏‏أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 12، 5/ 15، 9/ 45، 46، ومسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 15، والنسائي في السنن كتاب الإيمان باب 18، وأحمد في المسند 3/ 86، 5/ 374.. ‏‏قالوا: فما أوَّلتَ ذلك يا رسول الله! قال‏: ‏"‏الدِّينُ‏".(*) وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: خير النّاس بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عُمر رضي الله عنهما. وقال رضي الله عنه: ما كنّا نُبعد أن السّكينة تنطق على لسان عمر. وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال‏: أصاب قَحْطٌ في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال‏: يا رسول الله؛ استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا‏. قال: فأتاه النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في المنام، وقال: "‏إيت عُمَرَ فمُرْه أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهُمْ سَيُسْقَوْنَ، وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسَ الكَيسَ‏". فأتى الرجل عمر فأَخبره، فبكى عمر، وقال: يا رب؛ ما آلو إِلّا ما عجزت عنه، يا رب، ما آلو إلّا ما عجزت عنه، وقال ابن مسعود: ما زلنا أعِزَّةَ منذ أسلم عمر. وقال حذيفة: كان عِلْمُ النّاس كلهم قد درس في عِلْم عمر. وقال ابن مسعود: لو وُضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووُضع عِلمُ عمر في كفةٍ لرجح علم عمر. ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجْلس كنْتُ أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عَمَلِ سنة. وذكر عبد الرّزّاق، عن معمر، قال: لو أَنّ رجلًا قال: عمر أفضل من أبي بكر ما عنَّفْتُه، وكذلك لو قال: عليٌّ أفضلُ من أبي بكر وعمر لم أعنّفه إذا ذكر فضل الشَّيخين وأحبَّهما وأثنى عليهما بما هما أهله‏. فذكرت ذلك لوكيع فأَعجبه واشتهاه. قال‏: يدلّ على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضلُ من عمر رضي الله عنه سَبْقه له إلى الإسلام. وما روي عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَام ِكَأَنِّي وُزِنْتُ بِأُمَّتِي فَرَجَحْتُ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَرَجَحَ‏"(*) ‏ وفي هذا بيانٌ واضح في فضله على عمر. وقال عمر رضي الله عنه: ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه، ولوددت أني شعرة في صدر أبي بكر.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قالوا: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا تُوفي واستُخلف أبو بكر الصّدّيق كان يقال له خليفةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا توفي أبو بكر، رحمه الله، واستُخلف عمر بن الخطّاب قيل لعمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال المسلمون: فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله، عليه السلام، فيطول هذا، ولكن أجْمِعُوا على اسمٍ تدعون به الخليفة يُدْعَ به مَنْ بعده من الخلفاء، فقال بعض أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدُعي عمر أمير المؤمنين فهو أوّل من سُمّي بذلك، وهو أوّل من كتب التاريخ في شهر ربيع الأوّل سنة ستّ عشرة فكتبه من هجرة النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، من مكّة إلى المدينة، وهو أوّل من جمع القرآن في الصّحُف، وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجَمَعَ النّاس على ذلك وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للنّاس بالمدينة قارِئَين، قارئًا يُصلّي بالرّجال وقارِئًا يصلي بالنساء. وهو أوّل من ضرب في الخمر ثمانين واشتدّ على أهل الرّيَب والتّهَم وأحرق بيت رُويشد الثقفي وكان حانوتًا وغَرّبَ ربيعة بن أُميّة بن خلف إلى خيبر وكان صاحب شراب، فدخل أرضَ الرّوم فارتدّ، وهو أوّل من عَسّ في عمله بالمدينة وحمل الدِّرّة وأدّبَ بها، ولقد قيل بعده لَدِرّةُ عمر أهْيَبُ من سيفكم. وهو أوّل من فتح الفتوح وهي الأرَضون والكُوَر التي فيها الخراج والفَيءُ، فتح العراق كلّه، السواد والجبال، وأذربيجان وكور البصرة وأرضها وكور الأهواز وفارس وكور الشأم ما خلا أجنادين فإنّها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق، رحمه الله. وفتح عمر كور الجزيرة والموصل ومصر والإسكندريّة، وقُتِل، رحمه الله، وخَيْلُه على الريّ وقد فتحوا عامّتها، وهو أوّل من مسح السواد وأرض الجبل ووضع الخراج على الأرضين والجزية على جماجم أهل الذمّة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانيةً وأربعين درهمًا وعلى الوسط أربعةً وعشرين درهمًا وعلى الفقير اثني عشر درهمًا، وقال: لا يُعْوِزُ رجلًا منهم درهمٌ في شهر، فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر، رحمه الله، مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف وافٍ، والواف درهم ودانقان ونصف، وهو أوّل من مصَّر الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشأم ومصر والموصل، وأنزلها العرب، وخطّ الكوفة والبصرة خِططًا للقبائل، وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار، وهو أوّل من دوّن الديوان وكتب النّاس على قبائلهم وفرض لهم الأعْطِيَةَ من الفيء وقَسَمَ القسوم في النّاس، وفرض لأهل بدر وفَضّلَهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقَدُّمهم في الإسلام، وهو أوّل من حمل الطعام في السّفُن من مصر في البحرِ حتّى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة. وكان عمر، رضي الله عنه، إذا بعث عاملًا له على مدينة كتب ماله، وقد قاسم غير واحدٍ منهم ماله إذا عزله، منهم سعد بن أبي وقّاص وأبو هُريرة، وكان يستعمل رجلًا من أصحاب رسول الله، عليه السلام، مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، ويَدَعُ مَن هو أفضل منهم مثل عثمان وعليّ وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف ونظرائهم لقوّة أولئك على العمل والبَصَر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له، وقيل له: ما لك لا تُوَلّي الأكابر من أصحاب رسول الله عليه السلام؟ فقال: أكره أن أدنّسهم بالعمل. واتخذ عمر دار الرقيق، وقال بعضهم الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يُحتاج إليه يُعين به المُنقطع به والضيف ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السّبُلِ ما بين مكّة والمدينة ما يُصْلح مَنْ ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء، وهَدَمَ عمرُ مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وزاد فيه وأدخل دار العبّاس بن عبد المطّلب فيما زاد، ووسّعه وبناه لمّا كَثُرَ النّاسُ بالمدينة، وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشأم، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة، وكان عمر خرج إلى الجابية في صفر سنة ستّ عشرة فأقام بها عشرين ليلة يقصّر الصلاة، وحضر فتح بيت المقدس، وقسم الغنائم بالجابية، وخرج بعد ذلك في جمادى الأولى سنة سبع عشرة يريد الشأم فبلغ سَرْغَ فبلغه أنّ الطّاعون قد اشتعل بالشأم فرجع من سرغ، فكلّمه أبو عُبيدة بن الجرّاح وقال: أتَفِرّ من قدر الله؟ قال: نعم إلى قَدَرِ الله. وفي خلافته كان طاعون عَمَواس في سنة ثماني عشرة. وفي هذه السنة كان أوّل عام الرّمادة أصابَ النّاسَ محلٌ وجَدْبٌ ومجاعة تسعة أشهر، واستعمل عمر على الحجّ بالنّاس أول سنة اسْتُخْلِف، وهي سنة ثلاث عشرة، عبد الرّحمن بن عوف فحجّ بالنّاس تلك السنة ثمّ لم يزل عمر بن الخطّاب يحجّ بالنّاس في كلّ سنة خلافته كلّها فحجّ بهم عشر سنين ولاءً: وحجّ بأزواج النّبيّ، عليه السلام، في آخر حِجّة حجّها بالنّاس سنة ثلاثٍ وعشرين، واعْتََمَرَ عمر في خلافته ثلاث مرّات، عُمرة في رجب سنة سبع عشرة، وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين، وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين، وهو أخّر المقام إلى موضعه اليوم، كان ملصقًا بالبيت. قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: حدّثني الأشعث عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب مصّرَ الأمصار: المدينة والبصرة والكوفة والبحرين ومصر والشأم والجزيرة. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن يونس عن الحسن أنّ عمر ابن الخطّاب قال: هانَ شيءٌ أُصْلِحُ به قومًا أنْ أُبَدّلهم أميرًا مكان أمير. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن عبد الله بن إبراهيم قال: أوّل من ألقى الحصى في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عمر بن الخطّاب، وكان النّاس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيْديَهم فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق فبُسِطَ في مسجد النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: أخبرنا أيّوب عن محمّد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطّاب: لأعْزِلَنّ خالد بن الوليد والمثنى مثنى بني شيبان حتّى يعلما أنّ الله إنّما كان ينصر عباده وليس إيّاهما كان ينصر. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا كثير أبو محمّد عن عبد الرّحمن بن عجلان أنّ عمر بن الخطّاب مَرّ بقوم يرتمون فقال أحدهم: أسَيْتَ. فقال عمر: سُوءُ اللّحن أسْوَأ مِنْ سُوءِ الرّمْي. قال: وأخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا جرير بن حازم عن يَعْلى بن حكيم عن نافع قال: قال عمر: لا يسألني الله عن ركوب المسلمين البحر أبدًا. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن ركوب البحر، قال فكتب عمرو إليه يقول: دُود على عود فإن انكسر العود هلك الدود. قال فكره عمر أن يحملهم في البحر، قال هشام وقال سعيد بن أبي هلال: فأمسك عمر عن ركوب البحر. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا داود بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن بُرَيْدة الأسلمي قال: بينما عمر بن الخطّاب يَعُسّ ذات ليلةٍ إذا امرأةٌ تقول:‏ ‏

هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشرَبَها
أم هل سبيلٌ إلى نصرِ بن حجّاجِ؟
فلمّا أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سُلَيْم فأرسل إليه فأتاه فإذا هو من أحسن النّاس شَعرًا وأصبحهم وجهًا، فأمره عمر أن يَطُمّ شعره ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنًا، فأمره عمر أن يَعْتَمّ ففعل، فازداد حسنًا، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لا تُجامعُني بأرض أنا بها! فأمر له بما يُصْلحه وسيّره إلى البصرة. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا داود بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن بُرَيْدة الأسلمي قال: خرج عمر بن الخطّاب يَعُسّ ذات ليلةٍ فإذا هو بنسوة يتحدّثن، فإذا هنّ يقلن: أيّ أهل المدينة أصْبَحُ؟ فقالت امرأة منهنّ: أبو ذئب. فلمّا أصبح سأل عنه فإذا هو من بني سُليم، فلمّا نظر إليه عمر إذا هو من أجمل النّاس، فقال له عمر: أنت والله ذِئْبُهُنّ، مرّتين أو ثلاثًا، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها! قال: فإن كنت لا بُدّ مُسَيّرني فسَيّرني حيث سَيّرتَ ابن عمّي، يعني نصر بن حجّاج السلمي، فأمر له بما يُصْلحه وسيّره إلى البصرة. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ عن ابن عون عن محمّد أنّ بُرَيْدًا قَدِمَ على عُمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها:‏ ‏

ألا أبْلِـغْ أبـا حفـصٍ
رَسُولًا فِـدى لك من أخـي ثِقـة إزاري

قَـلائصَنـا، هـداك الله، إنّـا شُغِلْنـا
عنكُـمُ
زَمَـنَ
الحِصَـارِ

فما قُلُـصٌ وُجِـدْنَ مُعَقَّـلاتٍ قَفـا سَلْـعٍ
بمُـخْتَلِـفِ
التِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّـجَـار

قلائصُ من بني سعد بن بكرٍ وأسْلَـمَ أو
جُـهَيْنَـةَ
أو غِـفـارِ

يُعَقّـلْهُـنّ جعـدةُ
مِنْ سُلَيـمٍ مُعيـدًا يَبْتَـغـي سَقَـطَ
العـذارِ
فقال: ادْعوا لي جْعَدَة من سُلَيم. قال فدعوا به فجُلِدَ مائةً معقولًا ونهاه أن يدخُل على امرأة مُغيبة. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا عاصم بن العبّاس الأسديّ قال: سمعتُ سعيد بن المسيّب يقول: كان عمر بن الخطّاب يُحِبّ الصلاة في كَبِدِ اللّيل، يعني وسط اللّيل. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا أبو هلال عن محمّد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطّاب قد اعتراه نسيانٌ في الصلاة فجعل رجلٌ خلفه يُلقّنُه، فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل. قال: أخبرنا المُعَلّى بن أسد قال: أخبرنا وُهيب بن خالد عن يحيَى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب كان يُدْخِلُ يده في دَبَرَة البَعير ويقول: إني لخائفٌ أن أُسْأل عَمّا بك. قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد البَجَلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن الزّهريّ قال: قال عمر بن الخطّاب في العام الذي طُعِنَ فيه: أيّها النّاس إني أُكلّمكم بالكلام فمن حفظه فليحدّث به حيث انتهت به راحلتُه، ومن لم يحفظه فأُحَرّجُ بالله على امرئٍ أنْ يقولَ عليّ ما لم أقلْ. قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن مَعْمَر عن الزّهريّ قال: أراد عمر بن الخطّاب أن يكتب السُّنَنَ فاسْتَخَارَ الله شهْرًا ثمّ أصبحَ وقد عُزِمَ له فقال: ذكرتُ قومًا كتبوا كتابًا فأقْبلوا عليه وتركوا كتابَ الله. قال: أخبرنا محمّد بن مصعب القرقسانيّ قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن عمر بن الخطّاب أُتِىَ بمالٍ فجعل يَقْسِمُه بين النّاس فازدحموا عليه. فأقبل سعد بن أبي وقّاص يُزاحمُ النّاس حتّى خلص إليه فعلاه عمر بالدِّرّة وقال: إنّك أقبلتَ لا تهابُ سلطان الله في الأرض فأحببتُ أنْ أعلّمَكَ أنّ سلطان الله لن يهابك. قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقيّ قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة أنّ حَجّامًا كان يقصّ عمر بن الخطّاب وكان رجلًا مهيبًا، فَتَنَحْنَحَ عمر فأحدث الحجّام، فأمر له عمر بأربعين درهمًا، والحجّام هو سعيد بن الهَيْلَم. قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدّثنا أبي عن يحيَى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب عن عمر بن الخطّاب أنّه قال في ولايته: من وَليَ هذا الأمر بعدي فليعلم أن سيُريدُه عنه القريبُ والبعيد، وايـْمُ الله ما كنتُ إلاّ أُقاتل النّاسَ عن نفسي قتالًا. قال: أخبرنا مطرّف بن عبد الله قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن معمر بن محمّد عن أبيه محمّد بن زيد قال: اجتمع عليّ وعثمان وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد، وكان أجْرَأُهم على عمر عبدَ الرّحمن بن عوف، فقالوا: يا عبد الرّحمن لو كلّمت أمير المؤمنين للنّاس فإنّه يأتي الرّجلُ طالب الحاجة فتَمْنَعُهُ هَيْبَتُك أنْ يكلّمك في حاجة حتّى يرجع ولم يَقْضِ حاجته. فدخل عليه فكلّمه فقال: يا أمير المؤمنين لِنْ للنّاس فإّنه يَقْدَمُ القادم فتمنعه هيبتُك أن يُكلّمك في حاجته حتّى يرجع ولم يُكلّمْك. قال: يا عبد الرّحمن أنْشُدُك الله أعَليٌّ وعثمان وطلحة والزّبير وسعد أمَروك بهذا؟ قال: اللّهمّ نعم، قال: يا عبد الرّحمن والله لقد لِنْتُ للنّاس حتى خشيت الله في اللين ثمّ اشتددت عليهم حتّى خشيت الله في الشدّة، فأينَ المَخْرَجُ؟ فقام عبد الرّحمن يبكي يَجُرّ رِداءَه يقول بيده: أُفّ لهم بعدك، أُفّ لهم بعدك! قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا سفيان عن عاصم بن كُليبٍ عن أبيه عن ابن عبّاس قال: كان عمر بن الخطاب كُلّما صلّى صلاةً جلس للنّاس، فمن كانت له حاجة نظر فيها فصلّى صلوات لا يجلس فيها فأتيتُ الباب فقلتُ: يا يَرْفا، فخرج علينا يَرْفا، فقلت أبأمير المؤمنين شَكْوَى؟ قال: لا، فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفا ثمّ خرج علينا فقال: قم يا ابن عفّان، قم يا ابن عبّاس، فدخلنا على عمر وبين يديه صُبَرٌ من مال، على كلّ صُبْرة منها كَتِفٌ، فقال: إني نظرتُ فلم أجِدْ بالمدينة أكثر عشيرة منكما، خُذا هذا المال فاقْسِماه بين النّاس، فإن فَضَلَ فَضْلٌ فرُدّا. فأمّا عثمان فحثا وأما أنا فجثيتُ لرُكْبَتَيّ فقلت: وإن كان نقصانًا رددتَ علينا؟ فقال: شِنْشِنَةٌ مِنْ أخْشَنَ، قال سفيان: يعني حجرًا من جبل، أما كان هذا عند الله إذ محمّد صَلَّى الله عليه وسلم، وأصحابه يأكلون القِدّ؟ قلتُ بلى ولو فُتح عليه لَصَنَعَ غير الذي تَصْنَعُ قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا. قال: فرأيته نَشج حتى اختلفت أضلاعه وقال: لَوَدِدْتُ أني خرجتُ منه كفافًا لا عَلَيّ ولا لي. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: أصيب بعيرٌ من المال زعم يحيَى من الفيء فنحره عمر وأرسل إلى أزواج النّبيّ منه وصنع ما بقي فدعا عليه من المسلمين وفيهم يومئذ العبّاس بن عبد المطّلب، فقال العبّاس: يا أمير المؤمنين لو صنعت لنا كلّ يوم مثل هذا فأكلنا عندك وتحدّثنا، فقال عمر: لا أعود لمثلها، إنّه مضى صاحبان لي، يعني النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأبا بكر عملا عملًا وسلكا طريقًا وإني إنْ عَمِلْتُ بغير عَمَلهما سُلك بي طريقٌ غير طريقهما. قال: أخبرنا عبد الله بن مسلم بن قَعْنَب الحارثي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب خرج فقعد على المنبر فثاب النّاس إليه حتّى سمع به أهل العالية فنزلوا فعَلّمهم حتّى ما بقي وجهٌ إلاّ عَلّمَهُم، ثمّ أتى أهلَه وقال: قد سمعتم ما نهيتُ عنه وإني لا أعرف أنّ أحدًا منكم يأتي شيئًا ممّا نهيتُ عنه إلا ضاعفتُ له العذاب ضِعْفَيْن، أو كما قال. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزّهريّ عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان عمر إذا أراد أن يَنْهَى النّاس عن شيء تقدّم إلى أهله فقال: لا أعْلَمَنّ أحدًا وَقَعَ في شيء ممّا نهيتُ عنه إلا أضعفتُ له العقوبة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عروة قال: كان عمر إذا أتاه الخصمان برك على رُكْبَتَيْه وقال: اللّهمّ أعِنّي عليهما فإنّ كلّ واحدٍ منهما يريدني عن ديني. قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق ومحمّد بن عبد الله الأنصاريّ وهوذة بن خليفة قالوا: أخبرنا ابن عون عن محمّد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطّاب: ما بقي فيّ شيءٌ من أمر الجاهليّة إلا أنّي لستُ أُبالي إلى أيّ النّاس نَكَحْتُ وأيّهم أنْكَحْتُ. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: حدّثني معاوية بن قُرّة عن الحكم بن أبي العاص الثقفيّ قال: كنت قاعدًا مع عمر بن الخطّاب فأتاه رَجُلٌ فسَلّمَ عليه فقال له عمر: بينك وبين أهل نجران قرابةٌ؟ قال الرجل: لا، قال عمر: بلى، قال الرجل: لا، قال عمر: بلى والله، أنْشُدُ الله كلّ رجلٍ من المسلمين يعلم أنّ بين هذا وبين أهل نجران قرابةً لمَا تَكَلّمَ، فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين بلى بينه وبين أهل نجران قرابة من قِبَل كذا وكذا، فقال له عمر: مَهْ فإنّا نقفو الآثار. قال: أخبرنا يعلى بن عُبيد قال: أخبرنا سفيان عن أبي نَهيك عن زياد بن حُدَيْر قال: رأيتُ عمر أكثر النّاس صيامًا وأكثرهم سواكًا. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا زهير بن معاوية قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال عمر بن الخطّاب: لو كنتُ أُطيقُ مع الخِلّيفَى لأذّنْتُ. قال: أخبرنا يعلى بن عُبيد قال: أخبرنا مِسْعَر بن كِدام عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيَى بن أبي جَعْدة قال: قال عمر بن الخطّاب: لولا أنْ أسيرَ في سبيلِ الله أو أضع جبيني لله في التراب أو أجالس قومًا يلتقطون طيّب القول كما يُلتقط طيّب الثمّر لأحْبَبْتُ أن أكون قد لحقتُ بالله. قال: أخبرنا محمّد بن عمر الأسلمي قال: أخبرنا عمر بن سليمان بن أبي حُثْمة عن أبيه قال: قالت الشفاءُ ابنة عبد الله، ورأتْ فِتْيانًا يقصدون في المشي ويتكلّمون رويدًا فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نُسّاكٌ فقالت: كان والله عمر إذا تكلّم أسمع وإذا مشى أسَرع وإذا ضَرب أوجع، وهو النّاسك حقًّا. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن أُمّ بكر بنت المِسْوَر عن أبيها المِسْوَر بن مخرمة قال: كنّا نلزم عمر بن الخطّاب نَتَعَلّمُ منه الوَرَعَ. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن يحيَى، يعني ابن سعيد، قال: قال عمر بن الخطّاب ما أُبالي إذا اختصم إليّ رجلان لأيّهما كان الحقّ. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا وُهيب بن خالد قال: أخبرنا خالد الحذّاء عن أبي قِلابة عن أنس بن مالك عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "أشدّ أُمّتي في أمر الله عمر".(*) قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا محمّد بن قيس الأسدي عن العلاء بن أبي عائشة أنّ عمر بن الخطّاب دعا بحَلاّق فحلقه بموسى، يعني جسده، فاستشرف له النّاسُ فقال: أيهّا النّاس، إنّ هذا ليس من السّنّة ولكن النورة من النعيم فكَرهْتُها. قال: أخبرنا حَجّاج بن محمّد قال: أخبرنا أبو هلال الراسبيّ عن قتادة قال: كان الخلفاء لا يتنوّرون، أبو بكر وعمر وعثمان. قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العِجْلي قال: أخبرنا سعيد بن أبي عَروبة بلغه عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: رأيتُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فقال لي: "يا عمر إنْ وَليتَ من أمر النّاس شيئًا فخُذْ بسيرة هذَيْن". قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس المدينيّ عن الزّهريّ عن سالم قال: كان عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عمر لا يُعْرَفُ فيهما البِرّ حتّى يقولا أو يفعلا، قال: قلتُ يا أبا بكر ما تعني بذلك؟ قال: لم يكونا مُؤنّثَين ولا مُتماوِتَين. قال: أخبرنا مَعن ابن عيسى وعبد الله بن مسلمة بن قعنب قالا: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة بن مسعود قال: كان البِرّ لا يُعْرَفُ في عمر ولا في ابنه حتّى يقولا أو يفعلا. قال: أخبرنا مَعن بن عيسى وعبد الله بن مسلمة بن قعنب قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن قطَن بن وهب بن عُوَيمر بن الأجدع قال معن: إنّ عمر بن الخطّاب كان يسير ببعض طريق مكّة، وقال عبد الله بن مسلمة عن قَطَن بن وهب عن عمه إنّه كان مع عمر بن الخطّاب في سفر فلمّا كان قريبًا من الروحاء، قال معن وعبد الله بن مسلمة في حديثهما، فسمع صوت راعٍ في جبل فعدل إليه فلمّا دنا منه صاح: يا راعيَ الغنم، فأجابه الراعي فقال: يا راعيها، فقال عمر: إني قد مررتُ بمكان هو أخصب من مكانك وإنّ كلّ راعٍ مسؤل عن رعيّته، ثمّ عدل صدورَ الركاب. قال: أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرّحمن الحِمّاني عن النعمان بن ثابت عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكيّة قال: سُئِل عمر عن شيءٍ فقال: لولا أني أكره أن أزيد في الحديث أو أنتقص منه لحدّثتكم به. قال: أخبرنا معن بن عيسى ورَوْح بن عبادة قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يومًا وخرجتُ معه حتّى دخل حائطًا فسمعتُه يقول، وبيني وبينه جدارٌ وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بَخْ والله بُنيَّ الخطّاب لَتَتَّقِيَنَّ الله أو لَيُعَذّبَنّك. قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أُويس قال: حدّثني أبي عن يحيَى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب عن عمر بن الخطّاب أنه كان يقول: إنّ النّاس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أَئمّتُهم وهُداتهُم. قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن حسّان عن الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب: الرعيّة مُؤَدِّيَةٌ إلى الإمام ما أدّى الإمامُ إلى الله، فإذا رَتَعَ الإمامُ رتعوا. قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدّثني أبي عن عاصم بن محمّد عن زيد بن أسلم قال: أخبرني أسلم أبي أنّ عبد الله بن عمر قال: يا أسلم أخبرني عن عمر، قال: فأخبرتُه عن بعض شأنه فقال عبد الله: ما رأيتُ أحدًا قطّ بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من حين قُبض كان أجَدّ ولا أجودَ حتّى انتهى من عمر. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا مِنْدَل بن عليّ عن عاصم قال: سمعتُ أبا عثمان النّهدي يقول: والذي لو شاء أنْ تَنْطِقَ قَناني نَطَقَتْ لو كان عمر بن الخطّاب ميزانًا ما كان فيه مَيْطُ شَعْرَة. قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقيّ المكّي قال: أخبرنا أبو عُمير الحارث بن عمير عن رجل أنّ عمر بن الخطّاب رقي المنبر وجمع النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس لقد رأيتُني وما لي من أَكَال يَأكُلُه النّاس، إلاّ أنّ لي خالاتٍ من بني مخزوم، فكنتُ أستعذِبُ لهنّ الماءَ فَيُقَبِّضْنَ لي القبضات من الزبيب. قال ثمّ نزل عن المنبر فقيل له: ما أردتَ إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني وجدتُ في نفسي شيئًا فأردتُ أن أطأطىءَ منها. قال: أخبرنا عليّ بن عبد الله بن جعفر قال: قال سفيان، يعني ابن عُيينة: قال عمر بن الخطّاب: أحبّ النّاس إليّ من رفع إليّ عيوبي. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا حميد عن أنس بن مالك أنّ الهُرْمُزان رأى عمر بن الخطّاب مضطجعًا في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: هذا واللهِ المَلِكُ الهَنِيءُ. قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد البَجَليّ قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرني زيد ابن أسْلم عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يأخذ بأذن الفرس ويأخذ بيده الأخرى أذنه ثمّ ينْزُو على مَتْن الفرس. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: كان عمر بن الخطّاب يأمر عمّاله أن يوافوه بالموسم فإذا اجتمعوا قال: أيّها النّاس، إني لم أبعث عُمّالي عليكم ليُصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنّما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فَيْئَكم بينكم، فمن فُعِلَ به غيرُ ذلك فلْيَقُمْ. فما قام أحد إلاّ رجلٌ واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إنّ عاملك فلانًا ضربني مائة سوط. قال: فيمَ ضربتَه؟ قم فاقتصّ منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنّك إنْ فعلتَ هذا يَكْثر عليك ويكون سُنّةً يأخذُ بها مَن بعدك، فقال: أنا لا أُقِيدُ وقد رأيتُ رسول الله يُقيد من نفسه، قال: فَدَعْنا فلنُرْضِه، قال: دُونَكم فأرْضوه. فافتدى منه بمائتي دينار، كلّ سوط بدينارين. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الجريريّ عن أبي نَضْرَة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: كان عمر بن الخطّاب يَعُسّ المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحدًا إلا أخرجه إلاّ رجلًا قائمًا يصلّي، فمرّ بنفر من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيهم أُبَيّ بن كَعب فقال: من هؤلاء؟ قال أُبَيّ: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلّفَكم بعد الصّلاة؟ قال: جلسنا نذكر الله، قال فجَلَسَ معهم ثمّ قال لأدْناهم إليه: خُذْ، قال فدعا فاسْتَقْرَأهم رجلًا رجلًا يدعون حتّى انتهى إليّ وأنا إلى جنبه فقال: هات، فحُصرتُ وأخذني من الرّعدة أفْكَلٌ حتّى جعل يجد مسّ ذلك منّي، فقال: ولو أنْ تقول اللّهمّ اغفر لنا، الّلهمّ ارحمنا، قال ثمّ أخذ عمر يدعو فما كان في القوم أكثر دمعةً ولا أشدّ بكاءً منه، ثمّ قال: إِيهًا، الآن فتفرّقوا. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فَرَج بن فَضالة عن محمّد بن الوليد الزّبيديّ عن الزّهريّ قال: كان عمر بن الخطّاب يجلس متربّعًا ويستلقي على ظهره ويرفع إحدى رجليه على الأخرى. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فرج بن فضالة عن محمّد بن الوليد عن الزّهريّ قال: قال عمر بن الخطّاب إذا أطال أحدُكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه فإنّه أجدر أن لا يَمَلّ جلوسه. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب وهشام عن محمّد بن سيرين قال: قُتِلَ عمر ولم يجمع القرآن. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال. حدّثني عائذ بن يحيَى عن أبي الحُويرث عن جُبير بن الحُويرث بن نُقَيْد أنّ عمر بن الخطّاب استشار المسلمين في تدوين الديوان فقال له عليّ بن أبي طالب: تَقْسِمُ كلّ سنة ما اجتمع إليك من مال ولا تُمْسِكُ منه شيئًا، وقال عثمان بن عفّان: أرى مالًا كثيرًا يَسَعُ النّاسَ وإنْ لم يُحْصَوْا حتّى تَعْرِفَ من أخَذَ ممّن لم يأخذ، خشيتُ أن يَنْتَشِرَ الأمْرُ. فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين قد جئتُ الشأم فرأيتُ ملوكها قد دوّنوا ديوانًا وجَنّدوا جنودًا فدَوّنْ ديوانًا وجَنّدْ جنودًا، فأخذ بقوله فدعا عَقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجُبير بن مطعم وكانوا من نُسّاب قريش فقال: اكتبوا النّاس على منازلهم، فكتبوا فبَدؤا ببني هاشم ثمّ أتْبعوهم أبا بكر وقوْمَه، ثمّ عمر وقومه على الخلافة، فلمّا نظر إليه عمر قال: وددتُ والله أنّه هكذا ولكن ابْدؤا بقرابة النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب حتّى تضعوا عمر حيث وضعه الله. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب حين عُرِض عليه الكِتابُ، وبنو تيم على أثر بني هاشم، وبنو عديّ على أثر بني تيْم، فأسْمَعُهُ يقول: ضَعوا عُمرَ موضعَه وابْدَؤُا بالأقرب فالأقرب من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجاءت بنو عديّ إلى عمر فقالوا: أنت خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أو خليفة أبي بكر وأبو بكر خليفة رسول الله عليه السلام، قالوا: وذاك فلو جعلتَ نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم، قال: بَخٍ بَخٍ بني عَديّ أردتم الأكل على ظهري لأنْ أُذْهِبَ حَسناتي لكم، لا والله حتّى تأتيكم الدّعوة وإنْ أُطْبِقَ عليكم الدفترُ، يعني ولو أن تُكتبوا آخرَ النّاس، إنّ لي صاحبين سلكا طريقًا فإن خالفتُهما خولف بي، والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا ما نرجو من الآخرة من ثواب الله على ما عَمِلنا إلاّ بمحَمّد صَلَّى الله عليه وسلم، فهو شرفنا وقومه أشرف العرب ثمّ الأقرب فالأقرب، إنّ العرب شَرُفَتْ برسول الله، ولو أن بعضنا يلقاه إلى آباءٍ كثيرة وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبه ثمّ لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسرةً مع ذلك، والله لئن جاءتْ الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمّدٍ منّا يومَ القيامة، فلا ينظُرُ رجلٌ إلى القرابة ويعمل لما عند الله، فإنّ من قَصّرَ به عَمَلُه لا يُسْرِعُ به نَسَبُه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد بن أسلم عن يحيَى بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن جدّه. قال محمّد بن عمر وأخبرنا سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس. قال محمّد بن عمر وأخبرنا عبد الله بن جعفر عن عثمان ابن محمّد الأخنسيّ. قال محمّد بن عمر وأخبرنا موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال: وحدّثني محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: لمّا أجْمَعَ عمر بن الخطّاب على تدوين الديوان وذلك في المحرّم سنة عشرين بدأ ببني هاشم في الدعوة، ثمّ الأقرب فالأقرب برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان القوم إذا اسْتَوَوْا في القرابة برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قَدّمَ أهْل السابقة حتّى انتهى إلى الأنصار فقالوا: بمن نبدأ؟ فقال عمر: ابْدَءُوا برهط سعد بن مُعاذ الأشهليّ ثمّ الأقرب فالأقرب بسعد بن مُعاذ. وفَرَضَ عمرُ لأهل الديوان ففَضّل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض، وكان أبو بكر الصّدّيق قد سَوّى بين النّاس في القَسْم فقيل لعمر في ذلك فقال: لا أجْعَلُ من قاتلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كمن قاتل معه. فبدأ بمن شهد بدرًا من المهاجرين والأنصار ففرض لكلّ رجل منهم خمسة آلاف درهم في كلّ سنة، حليفهم ومولاهم معهم بالسواء، وفرض لمن كان له إسلامٌ كإسلام أهل بدر من مهاجرة الحَبَشَةِ ومَنْ شهد أُحُدًا أربعة آلاف درهم لكلّ رجل منهم، وفرض لأبناءِ البدريّين ألفين ألفين إلاّ حَسَنًا وحُسَيْنًا فإنّه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ففرض لكلّ واحدٍ منهما خمسة آلاف درهم، وفرض للعبّاس بن عبد المطّلب خمسة آلاف درهم لقرابته برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: وقد روى بعضهم أنّه فرض له سبعة آلاف درهم، وقال سائرهم: لم يُفَضّلْ أحدًا على أهل بدر إلاّ أزْواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فإنّه فرض لكل امرأةٍ منهنّ اثني عشر ألف درهم، جُويرية بنت الحارث وصَفِيّة بنتُ حُييّ فيهنّ، هذا المجتمع عليه. وفرض لمن هاجَر قبل الفتح لكلّ رجلٍ ثلاثة آلاف درهم، وفرض لمسلمة الفتح لكلّ رجل منهم ألفين، وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار كفرائض مسلمة الفتح، وفرض لعمر بن أبي سلمة أربعة آلاف درهم، فقال محمّد بن عبد الله بن جَحش: لِمَ تُفَضّلُ عمرَ علينا فقد هاجر آباؤنا وشهدوا؟ فقال عمر: أفَضّله لمكانه من النّبيّ، صَلَّى الله عليه وسلم، فليأتِ الّذي يَسْتَعْتِبُ بأمّ مثل أُمّ سَلَمة أُعْتِبْه، وفرضَ لأسامة بن زَيد أربعة آلاف درهم، فقال عبد الله بن عمر: فَرَضْتَ لي ثلاثَةَ آلاف وفرَضتَ لأسامة في أربعة آلاف وقد شهِدتُ ما لم يشهدْ أُسامة، فقال عمر: زِدْتُه لأنّه كان أحَبّ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، منك وكان أبوه أحبّ إلى رسول الله عليه السلام، من أبيك. ثمّ فرض للنّاس على منازلهم وقراءتهم للقرآن وجهادهم، ثمّ جعل من بقي من النّاس ببَّانًا واحدًا فألحق مَن جاءهم من المسلمين بالمدينة في خمسةٍ وعشرين دينارًا لكلّ رجلٍ، وفرض للمُحَرَّرين معهم، وفرض لأهل اليمن وقيس بالشأم والعراق لكلّ رجلٍ ألفَين إلى ألف إلى تسعمائة إلى خمسمائة إلى ثلاثمائة لم يُنْقِصْ أحدًا من ثلاثمائة، وقال: لئنْ كَثُرَ المال لأفْرِضَنّ لكلّ رجلٍ أربعة آلاف درهم، ألف لسَفَره وألف لسلاحه وألف يُخَلّفُها لأهله وألف لفرسه وبَغْله. وفرض لنساءٍ مُهاجراتٍ، فَرَضَ لصَفِيّة بنت عبد المطّلب ستّة آلاف درهم، ولأسماءَ ابنة عُمَيس ألف درهم، ولأمّ كلثوم بنت عقبة ألف درهم، ولأمّ عبد الله بن مسعود ألف درهم. وقد رُوي أنّه فرض للنساء المُهاجرات ثلاثة آلاف درهم لكلّ واحدة، وأمر عمر فكُتِبَ له عيالُ أهل العوالي فكان يُجري عليهم القُوت، ثمّ كان عثمان فوسّع عليهم في القوت والكسوة، وكان عمر يفرض للمنفوس مائة درهم فإذا ترعرع بَلَغَ به مائتي درهم فإذا بلغ زاده، وكان إذا أُتي باللّقيط فرض له مائة درهم وفرض له رزقًا يأخذه وليّه كلّ شهر ما يُصْلِحُه، ثمّ ينقله من سنة إلى سنة، وكان يوصي بهم خيرًا ويجعل رِضاعهم ونفقتهم من بيت المال. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني حزام بن هشام الكعبيّ عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يَحْمِلُ ديوان خُزاعة حتّى ينزل قُديدًا فتأتيه بقديد فلا يغيب عنه امرأةٌ بكر ولا ثَيّبٌ فيُعطيهنّ في أيديهنّ ثمّ يروح فينزل عُسْفان فيفعل مثل ذلك أيضًا حتّى تُوفي. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن محمّد ابن زيد قال: كان ديوان حِمْيَرَ على عهد عُمر على حَدّه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر العمريّ عن جهم بن أبي جهم قال: قدم خالد بن عُرْفُطة العُذري على عمر فسأله عمّا وراءه فقال: يا أمير المؤمنين تركتُ مَنْ ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطىء أحدٌ القادسيّة إلا عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مائة، وما من مولودٍ يولَدُ إلاّ أُلحِق على مائة وجَريبَين كلّ شهر ذكرًا كان أو أُنثى، وما يبلغ لنا ذَكَرٌ إلاّ أُلْحِقَ على خمسمائة أو ستّمائة، فإذا خرج هذا لأهلِ بيت مِنْهُمْ مَنْ يَأكُلُ الطّعام ومنهم من لا يأكُلُ الطّعام، فما ظنّك به؟ فإنّه ليُنْفِقُه فيما ينبغي وفيما لا ينبغي، قال عمر: فالله المستعان إنما هو حَقّهم أُعْطوه وأنا أسْعَدُ بأدائه إليهم منهم بأخْذِه، فلا تَحْمَدَنّي عليه فإنّه لو كان من مال الخطّاب ما أُعطيتموه ولكنّي قد علمتُ أنّ فيه فضلًا ولا ينبغي أن أحْبِسَه عنهم، فلو أنّه إذا خرجَ عطاءُ أحد هؤلاء العُرَيْبِ ابْتاعَ منه غَنَمًا فجعلها بسوادهم ثمّ إذا خرج العطاءُ الثانيةَ ابتاعَ الرأسَ فجعله فيها فإني، ويحك يا خالد بن عُرْفُطة، أخاف عليكم أنْ يَلِِِيَكُم بعدي وُلاةٌ لا يُعَدّ العطاءُ في زمانهم مالًا، فإن بقيَ أحدٌ منهم أو أحدٌ من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه فَيَتّكئُونَ عليه، فإنّ نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقْصى ثَغْر من ثغور المسلمين وذلك لما طَوّقَني الله من أَمرهم، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ ماتَ غَاشًّا لرعيّتِه لم يَرِحْ رائحةَ الجنّة". (*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عمرو السُّمَيْعيّ عن الحسن قال: كتب عمرُ إلى حُذيفة أن أعْطِ النّاس أعْطِيَتَهم وأرزاقهم. فكتب اليه: إنّا قد فعلنا وبقي شيء كثير، فكتب إليه عمر إنّه فيْؤهم الذي أفاءَ الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر اقْسِمْه بينهم. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الزّهريّ وعبد الملك بن سليمان عن إسماعيل بن محمّد بن سعد عن السائب بن يزيد قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: والذي لا إله إلا هو، ثلاثًا، ما من النّاس أحدٌ إلاّ له في هذا المال حَقٌّ أُعْطِيَه أو مُنِعَهُ، وما أحَدٌ بأحَقّ به من أحَد إلا عبدٌ مملوك، وما أنا فيه إلاّ كأحَدِهم ولكنّا على منازلنا من كتابِ الله وقِسْمنا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجُل وقِدَمه في الإسلام، والرّجل وغَناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيتُ لَيَأْتِيَنّ الراعيَ بجبل صنعاءَ حَظُّه من هذا المال وهو مكانه. قال إسماعيل بن محمّد: فذكرتُ ذلك لأبي فعرف الحديث. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد اللّيثيّ عن محمّد بن المنكدر عن مالك بن أوس بن الحدَثان قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: ما على الأرض مسلمٌ لا يملكون رَقَبَتَهُ إلاّ له في هذا الفيء حقّ أُُعطِيَه أو مُنِعَه، ولَئن عِشْتُ لَيَأْتِيَنّ الراعيَ باليمن حَقّه قبل أن يحْمَرّ وَجْهُه، يعني في طلبه. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هُريرة أّنه قدم على عمر من البحرين، قال أبو هُريرة: فلقيتُه في صلاة العشاء الآخرة فسلّمتُ عليه فسألني عن النّاس، ثمّ قال لي: ماذا جئتَ به؟ قلتُ: جئتُ بخمسمائة ألف درهم، قال: هل تدري ما تقول؟ قلت: جئتُ بخمسمائة ألف درهم، قال: ماذا تقول؟ قال قلت: مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، حتّى عددت خمسًا. قال: إنّك ناعس فارجع إلى أهلك فنَمْ فإذا أصبحتَ فأتني، فقال أبو هُريرة: فغدوتُ إليه، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم، قال عمر: أطَيّبٌ؟ قلت: نعم لا أَعلم إلا ذلك فقال للنّاس: إنّه قد قدِمَ علينا مالٌ كثير فإن شئتم أن نعدّ لكم عددًا وإن شئتم أن نكيله لكم كيلًا، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إني قد رأيتُ هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديوانًا يُعطون النّاس عليه، قال: فدَوّنَ الديوان وفرض للمهاجرين الأوّلين في خمسة آلاف خمسة آلاف، للأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأزواج النّبيّ، عليه السلام، في اثني عشر ألفًا. قال يزيد: قال محمّد بن عمرو وحدّثني يزيد بن خُصَيْفة عن عبد الله بن رافع عن بَرْزَةَ بنت رافع قالت: لمّا خَرَجَ العطاء أرْسَلَ عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلمّا دخل عليها قالت: غفر الله لعمر! غيري من أَخَواتي كان أقْوَى على قَسْم هذا مني، فقالوا: هذا كلّه لك، قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوب، قالت: صُبّوه واطْرَحوا عليه ثوبًا، ثمّ قالت لي: أدخِلي يَدَكِ فاقبِضي منه قَبْضَة فاذْهبي بها إلى بني فلان وبني فلان، من أهل رحمها وأيتامها، فَقَسَمَتْه حتّى بقيت بقيّةٌ تحت الثوب فقالت لها برزة بنت رافع: غفر الله لكِ يا أمّ المؤمنين! والله لقد كان لنا في هذا حَقّ، فقالت: فلكم ما تحت الثوب. قالت: فكشفنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهمًا، ثمّ رفعت يديها إلى السماء فقالت: اللّهمّ لا يُدْرِكني عطاءٌ لعمر بعد عامي هذا. فماتت. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو عَقيل يحيَى بن المتوكّل قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: قَدِمَتْ رُفْقَةٌ من التّجّار، فنزلوا المُصَلَّى، فقال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: هل لك أن نَحْرُسَهم اللّيلة من السَّرَق؟ فباتا يحرسانهم ويصلّيان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاءَ صبيّ فتوجّه نحوه فقال لأمّه: اتّقي اللَّه وأحْسِني إلى صبيّك، ثمّ عاد إلى مكانه، فسمع بكاءَه فعاد إلى أمّه فقال لها مثل ذلك ثمّ عاد إلى مكانه، فلمّا كان في آخر اللّيل سمع بكاءه فأتى أمّه فقال: ويحكِ، إني لأراكِ أمّ سوءٍ، ما لي أرى ابنكِ لا يَقِرّ منذ اللّيلة؟ قالت: يا عبد الله قد أبْرَمْتَني منذ اللّيلة، إني أريغُه عن الفِطام فيأبَى، قال: ولِمَ؟ قالت: لأن عمر لا يَفْرِضُ إلاّ للفُطُمِ، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، قال: ويحك لا تُعْجِليه! فصلّى الفجر وما يَستبينُ النّاسُ قراءته من غلبة البكاء، فلمّا سلّم قال: يا بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين! ثمّ أمَرَ مناديًا فنادى: ألا لا تُعْجِلوا صِبْيانَكم عن الفطام فإنّا نفرض لكلّ مولودٍ في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق: إنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. قال: أخبرنا قبيصة بن عُقبة قال: أخبرنا سفيان عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: استشارهم عمر في العطاء بمن يبدأ فقالوا: ابدأ بنفسك، قال فبدأ بالأقارب من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قبل قومه. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: والله لئن بقيتُ إلى هذا العام المُقبِل لألْحِقَنّ آخر النّاس بأوّلهم ولأجْعَلَنّهُم رجلًا واحدًا. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّه سمع عمر بن الخطّاب قال: لئن بقيتُ إلى الحوْل لألْحِقَنّ أسفل النّاس بأعلاهم. قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرّب عن عمر قال: لئنْ عشتُ حتّى يكثر المال لأجْعَلَنّ عطاء الرجل المسلم ثلاثة آلاف، ألفٌ لكُراعه وسلاحه، وألف نفقة له، وألف نفقة لأهله. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: أخبرنا أبو الأشهب قال: أخبرنا الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب: لو قد علمتُ نصيبي من هذا الأمر لأتى الراعيَ بسروات حِمْيَرَ نصيبه وهو لا يعْرَقُ جبينه فيه. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن عمرو قال: قَسَمَ عمر بن الخطّاب بين أهل مكّة مرّة عشرة عشرة فأعْطى رجلًا، فقيل: يا أمير المؤمنين إنّه مملوك، قال ردّوه ردّوه، ثمّ قال: دعوه. قال: أخبرنا يعلى بن عُبيد قال: أخبرنا هارون البربريّ عن عبد الله بن عُبيد بن عُمير قال: قال عمر: إني لأرجو أن أكيلَ لهم المالَ بالصاع. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن يحيَى بن سعيد أنّ عمر بن الخطّاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير، يحمل الرجلَ إلى الشأم على بعير ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير، فجاءه رجل من أهل العراق قال: احملني وسُحَيْمًا، فقال عمر: أنشدك بالله أسحيم زِقّ؟ قال: نعم. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان عمر بن الخطّاب يرسل إلينا بأحْظائنا حتّى من الروءس والأكارع. قال: أخبرنا يعلى بن عُبيد قال: أخبرنا هارون البربريّ عن عبد الله بن عُبيد بن عُمير قال: قال عمر بن الخطّاب: لأزيدَنّهم ما زاد المال، لأعُدّنّهُ لهم عَدًّا، فإنْ أعياني لأكِيلنّه لهم كيلًا، فإنْ أعياني حَثَوْتُه بغير حساب. قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا أبو هلال قال: أخبرنا الحسن قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى: أمّا بعد فأعْلَمُ يومًا من السنة لا يبقى في بيت المال درهَمٌ حتّى يُكْتَسَحَ اكتساحًا حتّى يعلم الله أني قد أدّيْتُ إلى كلّ ذي حَقّ حَقّه. قال الحسن: فأخذ صَفْوَها وترك كَدِرَها حتّى ألحقه الله بصاحبيْه. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة قال: أخبرنا حُمَيد بن هلال قال: أخبرنا زهير بن حَيّان قال: وكان زهير يلقى ابن عبّاس ويسمع منه، قال: قال ابن عبّاس: دعاني عمر بن الخطّاب فأتَيْتُه فإذا بين يديه نِطَعٌ عليه الذهب منثور حَثًا، قال: يقول ابن عبّاس، أخبرنا زهير، هل تدري ما حَثًا؟ قال قلت: لا، قال: التّبْر، قال: هلمّ فاقْسِمْ هذا بين قومك، فالله أعْلَمُ حيثُ زَوَى هذا عن نبيّه، عليه السلام، وعن أبي بكر فأُعْطيتُه لخير أعطيته أو لشرّ، قال فأكببت عليه أقسم وأزَيّل، قال فسمعتُ البكاء، قال فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه: كلا والذي نفسي بيده ما حبسه عن نبيّه، عليه السّلام، وعن أبي بكر إرادة الشّرّ لهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له! قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن هشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين أنّ صِهْرًا لعمر بن الخطّاب قدم على عمر فعرّض له أن يُعْطيَه من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردتَ أن ألقى اللَّه ملكًا خائنًا. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلْبِ ماله عشرة آلاف درهم. قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن سعيد بن زيد عن سالم أبي عبد الله قال: فرض عمر بن الخطّاب للناس حتّى لم يَدَعْ أحدًا من النّاس إلاّ فرض له حتّى بقيت بقيّةٌ لا عشائر لهم ولا موالي ففرض لهم ما بين المائتين وخمسين إلى ثلاثمائة. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب فرض لأهل بدرٍ من المهاجرين من قريش والعرب والموالي خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار ومواليهم أربعة آلاف أربعة آلاف. قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زُهير قال: أخبرنا أبو إسحاق عن مصعب بن سعد أنّ عمر أوّلُ من فرض الأعطية، فرض لأهل بدرٍ والمهاجرين والأنصار ستّة آلاف ستّة آلاف، وفرض لأزواج النّبيّ، عليه السلام، ففضّل عليهنّ عائشة، فرض لها في اثني عشر ألفًا ولسائرهنّ عشرة آلاف عشرة آلاف غير جويرية وصفيّة فرض لهما في ستّة آلاف ستّة آلاف، وفرض للمهاجرات الأوَل: أسماءَ بنت عُمَيس وأسماءَ بنت أبي بكر وأمّ عبد، أمّ عبد الله بن مسعود، ألفًا ألفًا. قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زُهير قال: أخبرنا أبو إسحاق قال: رُوي عن حارثة بن مضرّب قال: قال عمر: لئن عِشْتُ لأجعلنّ عطاء المسلمين ثلاثة آلاف. قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس عن شيخ لهم قال: قال عمر بن الخطّاب: لئن عشتُ لأجْعَلَنّ عطاءَ سَفِلَةِ النّاس ألفين. قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال عمر بن الخطّاب: والله لأزيدَنّ النّاس ما زاد المال، لأعُدّنّ لهم عدًّا فإنْ أعْياني كَتْرتُهُ لأحْثُوَنَّ لهم حَثْوًا بغير حساب، هو مالهم يأخذونه. قال: أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن حارثة بن مُضَرّب أنّ عمر أمر بجَريب من طعام فعُجِن ثمّ خُبزَ ثمّ ثُرد، ثمّ دعا عليه ثلاثين رجلًا فأكلوا منه، ثمّ فعل في العشاء مثل ذلك، ثمّ قال: يكفي الرجلَ جَريبان كل شهر، فَرَزَقَ الناس جريبَين كلّ شهر، المرأة والرجل والمملوك جريبين كلَّ شهر. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عاصم بن عبد الله بن أسعد الجُهني عن عمران بن سُويد عن ابن المسيّب عن عمر قال: أيّما عاملٍ لي ظَلَمَ أحدًا فبلغتني مَظْلَمَتُهُ فلم أُغَيّرْهَا فأنا ظَلَمْتُهُ. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهريّ عن عمر بن الخطّاب قال: إني لأتَحَرّج أنْ أستعملَ الرجل وأنا أجِدُ أقوى منه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عاصم بن عمر عن محمّد بن عمرو عن يحيَى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر قال: لو مات جَمَلٌ ضَياعًا على شَطّ الفرات لَخَشِيتُ أن يسألني الله عنه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عكرمة بن عبد الله بن فَرّوخَ عن أبي وَجْزَةَ عن أبيه قال: كان عمر بن الخطّاب يحمي النقيع لخيل المسلمين ويحمي الرّبَذَةَ والشرَف لإبل الصدقة، يَحْمِلُ على ثلاثين ألف بعيرٍ في سبيل الله كلّ سنة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا يزيد بن فراس عن يزيد بن شريك الفزاريّ قال: عقلتُ عمر بن الخطّاب يحمل على ثلاثين ألف بعيرٍ كلّ حول في سبيل الله، وعلى ثلاثمائة فرس، وكانت الخيل ترعى في النقيع. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني محمد بن عبد الله الزهريّ عن الزهريّ عن السائب بن يزيد قال: رأيتُ خيلًا عند عمر بن الخطّاب، رحمه الله، موسومة في أفْخاذها: حَبيسٌ في سبيل الله. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عكرمة بن عبد الله بن فَرّوخ عن السائب بن يزيد قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب السّنة يُصْلِحُ أداة الإبل التي يحمل عليها في سبيل الله بَرَاذِعَها وأقْتَابَها، فإذا حَمَلَ الرجلَ على البعير جَعَلَ معه أداته. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني كثير بن عبد الله المُزَنيّ عن أبيه عن جَدّه أنّ عمر بن الخطّاب استأذنَه أهل الطريق يبنون ما بين مكّة والمدينة فأذِنَ لهم وقال: ابن السبيل أحقّ بالماءِ والظلّ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني قيس بن الربيع عن عاصِم الأحول عن أبي عثمان النهديّ عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يُغْزي الأعْزَب عن ذي الحَليلَة، ويُغْزي الفارس عن القاعد. قال: أخبرنا محمد بن عمر حدّثني ابن أبي سَبْرَة عن خارجة بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يُعقب بين الغزاة وينهى أن تُحْمَلَ الذّرّيّةُ إلى الثغور. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زاذان عن سلمان أنّ عمر قال له: أمَلِكٌ أنا أم خَلِيفَة؟ فقال له سلمان: إنْ أنْتَ جَبَيْتَ من أرض المسلمين درهمًا أو أقلَ أو أكثر ثمّ وضعته في غير حَقّه فأنتَ مَلِكٌ غير خليفَة. فاستعبر عمر. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن الحارث عن أبيه عن سفيان بن أبي العوجاءِ قال: قال عمر بن الخطّاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم مَلِكٌ، فإن كنتُ مَلِكًا فهذا أمرٌ عظيم. قال قائل: يا أمير المؤمنين إنّ بينهما فَرْقًا، قال: ما هو؟ الخليفة لا يأخُذُ إلاّ حَقًّا ولا يضعه إلا في حَقّ، فأنت بحمد الله كذلك، والمَلِكُ يَعْسِفُ الناسَ فيأخذ من هذا ويُعطي هذا. فسكت عمر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن محمد بن عقبة بن سالم عن ابن عمر أنّ عمر أمر عُمّالَهُ فكتبوا أموالهم، منهم سعد بن أبي وقّاص، فشاطرهم عمرُ أموالهم فأخذ نصفًا وأعطاهم نصفًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني سفيان بن عُيينة عن مُطَرّف عن الشعبيّ أنّ عمر كان إذا استعمل عاملًا كتب ماله. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عثمان بن عبد الله بن زياد مولى مصعب بن الزّبير عن أيّوب بن أبي أُمامة بن سهل بن حُنَيْف عن أبيه قال: مَكَثَ عمرُ زمانًا لا يأكل من المال شيئًا حتى دَخَلَتْ عليه في ذلك خَصاصةٌ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاستشارهم فقال: قد شغلتُ نفسي في هذا الأمر، فما يصلح لي منه؟ فقال عثمان بن عفّان: كُلْ وأطْعِمْ، قال وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، وقال لعلي ّ: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غَداءً وعَشاءً، قال فأخذ عمر بذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون عن محمّد بن المنكدر عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر استشار أصحاب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: والله لأطَوّقَنّكُمْ من ذلك طَوْقَ الحمامة، ما يصلُحُ لي من هذا المال؟ فقال عليّ: غَداءً وعَشاءً. قال: صدقتَ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: كان عمر يقوت نفسه وأهله، ويكتسي الحُلّة في الصيف، ولرُبّما خُرِقَ الإزار حتى يرقعَه، فما يبَدّلَ مكانه حتى يأتيَ الإبّّانُ، وما من عام يَكْثُرُ فيه المالُ إلا كُسْوَتُه ـــ فيما أرى ـــ أدْنى من العام الماضي. فكَلّمتْه في ذلك حفصة فقال: إنّما أكتسي من مال المسلمين وهذا يُبَلّغني. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال: كان عمر بن الخطّاب يستنفق كلّ يوم درهمَين له ولعياله، وإنّه أنفق في حجتّه ثمانين ومائة درهم. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عمر بن صالح عن صالح مولى التّوأمة عن ابن الزبير قال: أنفق عمر ثمانين ومائة درهم فقال: قد أسْرَفْنا في هذا المال. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عليّ بن محمّد عن أبيه عن ابن عمر أنّ عمر أنفق في حجته ستة عشر دينارًا فقال: يا عبد الله بن عمر أسْرَفْنا في هذا المال. قال وهذا مثلُ الأوّل على صرف اثني عشر درهمًا بدينار. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عبد الله عن الزهريّ عن عروة عن عائشة قالت: لما وَلِيَ عمر أكَلَ هو وأهله من المال واحْتَرَف في مال نفسه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن سليمان عن عبد الله بن واقد عن ابن عمر قال: أهْدى أبو موسى الأشعريّ لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طُنْفُسَةً أراها تكون ذراعًا وشبرًا فدخَلَ عليها عمرُ فرآها فقال: أنّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعريّ، فأخذها عمر فضرب بها رأسها حتى نَغَضَ رأسُها ثمّ قال: عليّ بأبي موسى الأشعريّ وأتْعِبوه. قال فأُتيَ به قد أُتْعِبَ وهو يقول: لا تعجَلْ عليّ يا أمير المؤمنين! فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثمّ أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خُذْها فلا حاجة لنا فيها!. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر وعبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال لي عمر: يا أسلم أمْسِكْ على الباب ولا تأخذَنّ من أحدٍ شيئًا. قال فرَأى عليّ يومًا ثوبًا جديدًا فقال: مِنْ أيْنَ لك هذا؟ قلت: كَسانيه عبيدُ الله بن عمر، فقال: أمّا عبيد الله. فخُذْه منه وأمّا غيره فلا تأخذنّ منه شيئًا. قال أسلم: فجاء الزبير وأنا على الباب فسألني أن يدخل فقلت: أمير المؤمنين مشغول ساعةً. فرفع يده فَضَرَبَ خَلْفَ أُذُنَيّ ضربةً صيّحتني، قال فدخلتُ على عمر فقال: ما لك؟ فقلت: ضربني الزبير، وأخبرتُه خبره، قال فجعل عمر يقول: الزبيرُ والله أرى، ثمّ قال: أدْخلْه. فأدْخَلْتُهُ على عمر فقال عمر: لم َضربتَ هذا الغُلام؟ فقال الزبير: زعم أنّه سيمنعنا من الدّخول عليك؟ فقال عمر: هل رَدّكَ عن بابي قَطّ؟ قال: لا، قال عمر: فإن قال لك اصْبر ساعةً فإنّ أمير المؤمنين مشغولٌ لم تَعْذِرْني، إنّه والله إنّما يَدْمى السّبُعُ للسّباع فتأكُلُه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: جاء بلال يريد أن يستأذن على عمر فقلت: إنّه نائم فقال: يا أسلم كيف تجدون عمر؟ فقلت: خيرَ النّاس إلاّ أنّه إذا غَضِبَ فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنتُ عِنده إذا غَضِبَ قَرَأتُ عليه القرآن حتى يَذْهَبَ غَضَبُه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عون بن مالك الدار عن أبيه عن جدّه قال: صاح عليّ عمر يومًا وعلاني بالدّرّة، فقلت أذَكّرُكَ بالله، قال فطرحها وقال: لقد ذَكّرْتَني عظيمًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: ما رأيْتُ عمر غَضِبَ قطّ، فذُكِرَ الله عنده، أو خُوّفَ، أو قرأ عنده إنسانٌ آيةً من القرآن إلاّ وقف عمّا كان يريد. قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدّثني حزام بن هشام عن أبيه قال: لما صدر النّاس عن الحجّ سنة ثماني عشرة أصابَ النّاسَ جَهْدٌ شديد وأجْدَبَت البلاد وهلكت الماشية وجاع الناس وهلكوا حتى كان الناس يُرَوْن يَسْتَفّون الرمّة ويَحْفِرُون نُفَقَ اليرابيع والجُرْذان يُخْرِجون ما فيها. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة عن عبد المجيد بن سُهيل عن عوف بن الحارث عن أبيه قال: سُمّيَ ذلك العام عامَ الرمادة لأنّ الأرض كلها صارت سوداءَ فشُبّهتْ بالرماد وكانت تسعةَ أشهر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى عمرو بن العاص عامَ الرمادة: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، سلامٌ عليك، أمّا بعد أفَتَرَاني هالكًا ومن قِبَلي وتَعيشُ أنت ومن قبلك؟ فيا غَوْثاه، ثلاثًا، قال فكتب إليه عمرو بن العاص: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذى لا اله هو، أمّا بعد أتاكَ الغَوْثُ فلبّث لبّث، لأَبْعَثَنَّ إليك بعيرٍ أوّلُها عندك وآخرها عندي، قال فلمّا قدم أوّل الطعام كَلّم عمر بن الخطّاب الزّبير بن العوَّام فقال له: تعترض للعير فتميلُها إلى أهل البادية فتَقْسِمُها بينهم، فوالله لعلّك ألا تكونَ أصَبْتَ بعدَ صُحْبَتك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، شيئًا أفضلَ منه. قال فأبَى الزّبير واعتلّ، قال وأقبل رجلٌ من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال عمر: لكنّ هذا لا يأبَى. فكلّمه عمر ففعل وخرج فقال له عمر: أمّا ما لقيتَ من الطّعام فمِلْ به إلى أهل البادية، فأمّا الظروف فاجْعَلْها لُحُفًا يلبسونها وأمّا الإبل فانْحَرْها لهم يأكلون من لحومها ويحملون من وَدَكها ولا تَنْتَظر أن يقولوا ننتظر بها الحيا، وأمّا الدّقيق فيصطنعون ويُحرزون حتى يأتي أمرُ الله لهم بالفرج. وكان عمر يصنع الطعام وينادي مناديه: مَنْ أحَبّ أن يحضر طعامًا فَيأكُلَ فَلْيَفْعَلْ، ومن أحبّ أن يأخذ ما يكفيه وأهله فليأت فليأخذه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني إسحاق بن يحيَى قال: حدّثني موسى بن طلحة قال: كَتَبَ عمرُ إلى عمرو بن العاص أن ابْعَث إلينا بالطعام على الإبل وابعث في البحر، فبعث عمرو على الإبل فَلُقِيَتْ الإِبِلُ بأفواه الشأم فعَدَلَ بها رُسُلُه يمينًا وشمالًا ينحرون الجزر ويُطعمون الدقيق ويُكْسون العَباء. وَبَعَثَ رجلًا إلى الجار إلى الطعام الذي بعث به عمرو من مصر في البحر فحُمل إلى أهل تهامة يُطعَمونه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيتُ رُسُلَ عمر ما بين مكّة والمدينة يُطعمون الطعام من الجار، وبعث إليه يزيد بن أبي سفيان من الشأم بطعام، قال ابن سعد: هذا غلط، يزيد بن أبي سفيان كان قد مات يومئذ وإنّما كتب إلى معاوية، فبعث إليه من يتلقّاه بأفواه الشأم يصنع به كالذي يصنعُ رُسُلُ عمر ويُطعمون النّاس الدقيقَ وينحرون لهم الجزر ويُكسونهم العَبَاءَ. وبعث إليه سعد بن أبي وقاص من العراق بمثل ذلك، فأرسل إليه من لقيه بأفواه العراق فجعلوا ينحرون الجزر ويُطعمون ويُكسونهم العباءَ حتى رفع الله ذلك عن المسلمين. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عون المالكي عن أبيه عن جدّه قال: كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يبعث إليه من الطعام، فبعث عمرو في البرّ والبحر وكتب إلى معاوية: إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينا من الطعام بما يُصْلِحُ مَنْ قِبَلَنا فإنّهم قد هلكوا إلاّ أنْ يَرْحَمَهُم اللُه، قال ثمّ بعث إلى سعد يبعث إليه فبعث إليه، قال فكان عمر يُطعم الناس الثريد، الخبز يَأدُمُه بالزيت قد أُفيرَ في القدور وينحر بين الأيّام الجزور فيجعلها على الثريد، وكان عمر يأكل مع القوم كما يأكلون. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال: كان عمر يصوم الدهر. قال فكان زمانَ الرمادة إذا أمسى أُتي بخبز قد ثُرد بالزيت إلى أن نحروا يومًا من الأيّام جزورًا فأطعمها النّاس، وغرفوا له طيبها فأُتي به فإذا فِدَرٌ من سَنامٍ ومن كَبِدٍ، فقال: أنّى هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، قال: بَخْ بَخْ بئس الوالي أنا إن أكلتُ طيبَها وأطعمتُ الناس كراديسها، ارْفَعْ هذه الجفنة، هات لنا غير هذا الطعام. قال فأُتي بخبز وزيت، قال فجعل يكسر بيده ويَثْرُدُ ذلك الخبز ثمّ قال: ويحك يا يَرْفَا! احْمِلْ هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثَمْغ فإني لم آتِهم منذ ثلاثة أيّام، وأحْسَبُهم مُقْفِرين، فضَعْها بين أيديهم. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: كان عمر بن الخطّاب أحْدَثَ في زمان الرمادة أمرًا ما كان يفعله، لقد كان يصلّي بالناس العشاءَ ثمّ يخرج حتى يدخل بيته فلا يزال يصلّي حتي يكون آخر الليل، ثمّ يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللّهُمّ لا تجعَلْ هَلاكَ أمّةِ محمّدٍ على يَدَيّ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن يزيد الهُذَليّ قال: سمعتُ السائب ابن يزيد يقول: ركب عمر بن الخطّاب عام الرمادة دابّة فراثت شعيرًا، فرآها عمر، فقال: المسلمون يموتون هُزْلًا، وهذه الدابّة تأكل الشَّعِيرَ؟ لا والله لا أركَبُها حتى يحيا الناس!. قال: أخبرنا محمد بن عمر وإسماعيل بن أبي أُوَيس قالا: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيَى بن سعيد عن محمّد بن يحيَى بن حَبّان قال: وأخبرنا سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد عن يحيَى بن سعيد بن محمّد بن يحيَى بن حَبّان قال: أُتي عمر بن الخطّاب بخُبْزٍ مَقْتُوتٍ بسمن عامَ الرمادة فدعا رجلًا بَدَويًّا فجعل يأكل معه، فجعل البدويّ يتبع باللقمة الودك في جانب الصّحفة فقال له عمر: كأنّك مُقْفِر من الودك، فقال: أجل ما أكلتُ سمنًا ولا زيتًا ولا رأيتُ آكلًا له منذ كذا وكذا إلى اليوم، فحَلَفَ عمر لا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يحيا الناس أوّل ما أحيوا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: لم يأكل عمر بن الخطّاب سمنًا ولا سمينًا حتى أحيا الناس. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير عن عُبيد الله عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك قال: تَقَرْقَرَ بَطْنُ عمر بن الخطّاب وكان يأكل الزيتَ عامَ الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فَنَقَرَ بَطْنَه بإصبعه، قال: تَقَرْقَرْ تقرقرك إنّه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس. قال: أخبرنا سعد بن منصور قال: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عُمير عن عبد الرحمن بن أبي بَكَرَةَ عن أبيه قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: لَتَمْرُنَنّ أيّها البطن على الزيت ما دام السمن ُيباع بالأواقي. قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن محمد بن مُطَرّف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أصابَ الناسَ عامُ سنةٍ فغلا السمن وكان عمر يأكله، فلمّا قلّ قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت، فقال: يا أسلم اكسر عني حرّه بالنار، فكنت أطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن أُسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن عمر بن الخطّاب عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب حرّم على نفسه اللحم عامَ الرمادة حتى يأكله الناس، فكان لعبيد الله بن عمر بَهْمَة فجُعلت في التنّور فخرج على عمر ريحها فقال: ما أظنّ أحدًا من أهلي اجترأ عليّ، وهو في نفر من أصحابه، فقال: اذهب فانْظُرْ، فوجدُتها في التنّور فقال عبيدُ الله: اسْتُرْني سَتَرَكَ الله! فقال: قد عرف حين أرسلني أن لن أكذبه؛ فاستخرجها ثمّ جاء بها فوضعها بين يديه واعتذر إليه أن تكون كانت بعلمه، وقال عبيد الله: إنّما كانت لابني اشتريتُها فقَرِمْتُ إلى اللحم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد قال: حدّثني نافع مولى الزّبير قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: يرحم الله ابن حنتمة، لقد رأيته عام الرمادة وإنّه ليحمل على ظهره جرابَين وعكّة زيت في يده، وإنّه ليعتقب هو وأسلم، فلمّا رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريبًا، قال فأخذتُ أُعْقِبُه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا صِرْمٌ نحو من عشرين بيتًا من مُحارب فقال عمر: ما أقْدَمَكُم؟ قالوا: الجهْدُ، قال: فأخرجوا لنا جلد الميتة مشويًّا كانوا يأكلونه ورمّة العظام مسحوقة كانوا يَسُوّنها فرأيتُ عمر طرح رداءَه ثمّ اتّزَرَ فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا، وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة، ثمّ كساهم. وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب عام الرمادة مَرّ على امرأة وهي تَعْصِدُ عَصيدةً لها فقال: ليس هكذا تعصدين. ثمّ أخذ المِسْوَط فقال: هكذا، فأراها. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني موسى بن يعقوب عن عمّته عن هشام بن خالد قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: لا تَذُرّنّ إحداكنّ الدقيقَ حتى يَسْخُنَ الماءُ ثمّ تَذُرّه قليلًا قليلًا وتسوطُه بِمسْوَطِها فإنـّه أريَعُ له وأحرى أن لا يتقرّد. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن يزيد عن عياض بن خليفة قال: رأيتُ عمر عامَ الرمادة وهو أسود اللّون، ولقد كان أبيض، فنقول: مِمّ ذا؟ فيقول: كان رجلًا عربيًّا وكان يأكل السمن واللّبن فلمّا أمحل الناس حرّمها حتى يحيوا فأكل بالزّيت فغَيّر لونه وجاع أكثر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال: كنّا نقول: لو لم يرْفَع الله المحْلَ عام الرمادة لظننّا أنّ عمر يموت هَمًّا بأمر المسلمين. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن صفيّة بنت أبي عبيد قالت: حدّثني بعض نساء عمر قالت: ما قَرِبَ عمر امرأةً زمن الرمادة حتى أحيا الناس همًّا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني يزيد بن فراس الديلي عن أبيه قال: كان عمر بن الخطّاب ينحر كلّ يوم على مائدته عشرين جزورًا من جزر بعث بها عمرو بن العاص من مصر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني الجحّاف بن عبد الرحمن عن عيسى بن عبد الله بن مالك الدار عن أبيه عن جدّه قال: لما كتب عمر إلى عمرو بن العاص يبعث بالطعام في البرّ والبحر بعث إليه في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيقَ والوَدَك، وبعث إليه في البرّ بألف بعيرٍ تحمل الدقيق، وبعث إليه معاوية بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عَباءَة، وبعث إليه عمرو بن العاص بخمسة آلاف كساءٍ، وبعث إليه والي الكوفة بألفي بعير تحمل الدقيق. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الجحّاف بن عبد الرحمن عن عيسى بن مَعْمر قال: نظر عمر بن الخطّاب عام الرمادة إلى بطّيخة في يد بعض ولده فقال: بَخْ بَخْ يا ابن أمير المؤمنين، تأكلُ الفاكهة وأمّة محمّد هَزْلى؟ فخرج الصبيّ هاربًا وبكى فأسكت عمر بعدما سأل عن ذلك فقالوا اشتراها بكَََفٍّ من نَوًى. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني محمد بن الحجازي عن عَجوز من جُهينة أدركت عمر بن الخطّاب وهي جارية، قالت: سمعتُ أبي وهو يقول: سمعتُ عمر بن الخطّاب وهو يُطْعم الناس زمن الرمادة يقول: نُطْعِمُ ما وَجَدْنَا أن نُطعم فإن أعْوَزََنَا جعلنا مع أهل كلّ بيت ممّن يجد عدّتهم ممّن لا يجد إلى أن يأتي الله بالحيا. قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر قال: لو لم أجد للناس من المال ما يسعُهم إلاّ أن أُدْخِلَ على كلّ أهلِ بيْت عدّتهم فيقاسمونهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بحيا فعلتُ، فإنـّـهم لن يَهْلكوا عن أنصاف بطونهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن أمّ بكر بنت المِسْور بن مَخْرمة عن أبيها قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول بعدما رفع الله المحلَ في الرمادة: لو لم يرفعه الله لجعلتُ مع كلّ أهل بيت مثلهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لمّا كان عام الرمادة تََجَلّبَت العرب من كلّ ناحية فقدموا المدينة فكان عمر بن الخطّاب قد أمر رجالًا يقومون عليهم ويَقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم فكان يزيد ابن أخت النمر، وكان المِسْوَر بن مخرمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكانوا إذا أمْسَوا اجتمعوا عند عمر فيخبرونه بكلّ ما كانوا فيه، وكان كلّ رجل منهم على ناحية من المدينة، وكان الأعراب حلولًا فيما بين رأس الثنيّة إلى راتج إلى بني حارثة إلى بني عبد الأشهل إلى البقيع إلى بني قريظة، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة هم مُحدقون بالمدينة، فسمعتُ عمر يقول ليلةً وقد تعشّى الناس عنده: أحْصوا من تعشّى عندنا، فأحْصَوْهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وقال: أحْصوا العيالات الذين لا يأتون والمرضى والصبيان، فأحصوا فوجدوهم أربعين ألفًا. ثمّ مكثنا ليالي فزاد الناس فأمر بهم فأحصوا فوجدوا من تعشّى عنده عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفًا، فما بَرِحوا حتى أرسل الله السماء، فلمّا مَطَرَتْ رأيتُ عمر قد وكّل كلّ قومٍ من هؤلاء النفر بناحيتهم يُخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتًا وحُمْلانًا إلى باديتهم، ولقد رأيتُ عمر يُخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموتُ فَأُرَاهُ مات ثلثاهم وبقي ثلثٌ، وكانت قُدورُ عمر يقوم إليها العمّال في السحر يعملون الكركور حتى يُصْبحوا ثمّ يطعمون المرضى منهم ويعملون العصائد، وكان عمر يأمر بالزيت فَيُفَارُ في القُدور الكبار على النار حتى يذهب حُمّتُه وحرّه ثمّ يُثْرَدُ الخبز ثمّ يؤدم بذلك الزيت، فكانت العرب يُحَمّون من الزيت، وما أكل عمر في بيت أحد من ولده ولا بيت أحد من نسائه ذواقًا زمان الرمادة إلاّ ما يتعشّى مع الناس حتى أحيا الله الناس أول ما أحْيَوْا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد عن عمران بن بشير عن مالك بن أوس بن الحَدَثان من بني نَصر قال: لما كان عام الرمادة قدم على عمر قومي مائة بيت فنزلوا بالجبّانة، فكان عمر يُطعم الناس من جاءَه، ومن لم يأتِ أرسل إليه بالدّقيق والتمر والأدم إلى منزله، فكان يرسل إلى قومي بما يُصلحهم شهرًا بشهر، وكان يتعاهد مَرْضاهم وأكْفانَ مَن مات منهم. لقد رأيت الموت وقع فيهم حين أكلوا الثُّفْلَ، وكان عمر يأتي بنفسه فيصلّي عليهم، لقد رأيتُه صلّى على عشرة جميعًا، فلما أحيَوْا قال: اخْرُجوا من القرية إلى ما كنتم اعتدْتم من البرّية. فجعل عمر يحمل الضعيف منهم حتى لحقوا ببلادهم. قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا زكريّاء بن أبي زائدة عن الشعبي عن عبد الله بن عمر قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يَتَحَلّبُ فوهُ فقلتُ له: ما شأنك؟ فقال: أشْتَهي جرادًا مقليًّا. قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ذُكرَ لعمر جراد بالرّبَذَةِ فقال: لوَدِدْتُ أنّ عندنا منه قَفْعَةًً أو قفعتين فنأكل منه. قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: سمعتُ عمر يقول على المنبر: وددتُ أنّ عندنا خَصَفَةً أو خَصفتين من جراد فأصَبْنَا منه. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب وهو يومئذٍ أمير المؤمنين يُطرحُ له صاعٌ من تمر فيأكلها حتى يأكل حَشَفَها. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: أخبرنا همّام قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدّثني أنس أنّه رأى عمر أكل صاعًا من تمر بحَشفه. قال: أخبرنا معن بن عيسى عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مثلَ ذلك. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين، أخبرنا سفيان بن عُيينة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم أنّ عمر كان يَمْسَحُ بنَعْلَيْه ويقول: إنّ مناديل آل عمر نعالهم. قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمّد عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: ربّما تعشّيْتُ عند عمر بن الخطّاب فيأكل الخبز واللحم ثمّ يمسح يده على قَدَمه ثمّ يقول: هذا منديل عمر وآل عمر. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة ووُهيب بن خالد قالا: أخبرنا حُميد عن أنس قال: كان أحبّ الطعام إلى عمر الثُّفْلَ وأحبّ الشراب إليه النّبيذ. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم ومسلم بن إبراهيم قالا: أخبرنا جعفر بن سليمان قال: أخبرنا مالك بن دينار عن الحسن قال: ما ادّهَنَ عمر بن الخطّاب حتى قُتِل إلا بسمنٍ أو إهالةٍ أو زيت مُقَتت. قال: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال: أُتي عمر بلحم فيه سمن فأبَى أن يأكلهما وقال: كلّ واحد منهما أُدْمٌ. قال: أخبرنا الوليد بن الأغَرّ المكّي قال: أخبرنا عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم قال: دخل عمر بن الخطّاب على حفصة ابنته فقَدّمَتْ إليه مَرَقًا باردًا وخُبزًا وصَبّتْ في المرق زيتًا فقال: أُدْمانِ في إناءٍ واحدٍ!؟ لا أذوقه حتى ألقى الله!. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام عن الحسن أنّ عمر دخل على رجل فاستسقاه وهو عطشان فأتاه بعَسَلٍ فقال: ما هذا؟ قال: عسل، قال: والله لا يكون فيما أحاسب به يوم القيامة. قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير وعبد الله بن نُمير قالا: أخبرنا الأعمش عن شقيق عن يسار بن نمير قال: والله ما نخلتُ لعمر الدقيق قطّ إلاّ وأنَا له عاصٍ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر بن راشد عن الزهريّ عن السائب بن يزيد عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يصلّي في جوف الليل في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، زمانَ الرمادة وهو يقول: اللّهمّ لا تُهْلِكْنا بالسّنين وارْفَعْ عنّا البلاءَ، يردّد هذه الكلمة. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا زُهير عن أبي عاصم الغطفاني عن يسار بن نُمير قال: ما نخلتُ لعمر الدقيق قطّ إلاّ وأنا له عاصٍ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني يزيد بن فراس الديلي عن السائب بن يزيد قال: رأيتُ على عمر بن الخطّاب إزارًا في زمن الرمادة فيه ستّ عشرة رُقْْعَة، ورداؤه خمس وشبر، وهو يقول: اللّهُمّ لا تجعل هَلَكَةَ أمّة محمد على رِجْلَيّ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن ساعدة قال: رأيتُ عمر إذا صلّى المغرب نادى: أيـّها الناس استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه وسَلُوه من فضله واستسقوا سُقيا رحمةٍ لا سُقيا عذاب. فلم يزل كذلك حتى فَرّجَ الله ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد قال: حدَّثني من حَضَرَ عمر ابن الخطّاب عام الرمادة وهو يقول: أيّها النّاس ادْعوا الله أن يُذْهِبَ عنكم المحلَ، وهو يطوف على رقبته دِرّةٌ. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني الثوريّ عن عن مُطرّف عن الشعبيّ أنّ عمر خرج يستسقي فقام على المنبر فقرأ هذه الآيات: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [سورة نوح:الآية 10] ويقول: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [سورة هود: 3]، ثمّ نزل فقيل: يا أمير المؤمنين ما منَعَك أن تستسقي؟ قال: قد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي ينزل بها القطر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر بن حفص عن أبي وَجْزَةَ السعديّ عن أبيه قال: رأيتُ عمر خرج بنا إلى المصلّى يستسقي فكان أكثرُ دعائه الاستغفار حتى قلتُ لا يزيد عليه، ثمّ صلّى ودعا الله فقال: اللهمّ اسْقِنا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الملك بن وهب عن سليمان بن عبد الله ابن عُويمر الأسلمي عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال: لما أجمع عمر على أن يستسقي ويخرج بالناس كتب إلى عمّاله أن يخرجوا يومَ كذا وكذا وأن يتضرّعوا إلى ربـّهم ويطلبوا إليه أن يرفع هذا المحل عنه، قال وخرج لذلك اليوم عليه بُرْدُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى المصلّى فخطب الناس وتضرّع، وجعل النّاس يُلِحُّون فما كان أكثر دعائه إلا الاستغفار حتى إذا قرب أن ينصرف رفع يديه مدًّا وحوّل رداءَه وجعل اليمين على اليسار ثمّ اليسار على اليمين، ثمّ مَدّ يديه وجعل يلحّ في الدّعاء، وبكى عمر بكاءً طويلًا حتى أخْضَلَ لحيته. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني خالد بن إلياس عن يحيَى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه أنّ عمر صلّى بالنّاس عام الرمادة ركعتين قبل الخطبة وكبّر فيها خمسًا وسبعًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون قال: قال عمر بن الخطّاب للعبّاس بن عبد المطّلب: يا أبا الفضل كم بقي علينا من النجوم؟ قال: العَوّاءُ؟ قال: كم بقي منها؟ قال: ثمانية أيـّام، قال عمر: عسى الله أن يجعل فيها خيرًا. وقال عمر للعبّاس: اغْدُ غَدًا إن شاءَ الله. قال فلمّا ألحّ عمر بالدّعاء أخذ بيد العبّاس ثمّ رفعها وقال: اللهّمّ إنّا نتشفع إليك بعمّ نبيّك أنْ تُذهِبَ عنّا المحل وأن تَسْقِينَا الغيث. فلم يبرحوا حتى سُقُوا وأطبقت السماء عليه أيّامًا، فلمّا مُطِرُوا وأحْيَوْا شيئًا أخْرَجَ العرب من المدينة وقال: الْحَقوا ببلادكم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد عن ميمون بن ميسرة عن السائب بن يزيد قال: نظرتُ إلى عمر بن الخطّاب يومًا في الرمادة غدا متبذّلًا متضرّعًا عليه بُرْد لا يبلغ رُكْبَتَيْه، يرفع صوته بالاستغفار وعيناه تهراقان على خدّيـْه، وعن يمينه العبّاس بن عبد المطّلب فدعا، يومئذٍ وهو مستقبل القبلة رافعًا يديه إلى السماء وعَجّ إلى رَبّه، فدعا ودعا الناس معه، ثمّ أخذ بيد العبّاس فقال: اللهّمّ إنّا نستشفع بعمّ رسولك إليك. فما زال العبّاس قائمًا إلى جنبه مليًّا والعبّاس يدعو وعيناه تهْمُلان. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن حاطب عن يحيَى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: رأيتُ عمر أخذ بيده العبّاس فقام به فقال: اللّهمّ إنّا نستشفع بعمّ رسولك إليك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني نافع بن ثابت عن أبي الأسود عن سليمان بن يسار قال: خطب عمر بن الخطّاب الناس عام الرمادة فقال: أيّها النّاس اتّقوا الله في أنفسكم وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتُليت بكم وابتُليتُم بي فما أدري ألسُّخْطةُ عليّ دونكم أو عليكم دوني أو قد عمّتْني وعمّتكم، فهلمّوا فلندْعُ الله يُصْلِحْ قلوبنا وأن يرحمنا وأن يرفع عنّا المحل. قال فرُئي عمر يومئذٍ رافعًا يديه يدعو الله، ودعا الناس وبكى وبكى الناس مَليًّا، ثمّ نزل. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعتُ عمر يقول: أيـّها النّاس إنّي أخشى أن تكونَ سُخْطَةٌ عَمّتْنا جميعًا فأعْتِبوا ربّكُم وانْزِعوا وتوبوا إليه وأحدثوا خيرًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنّا في الرمادة لا نرى سحابًا، فلمّا استسقى عمر بالنّاس مكثنا أيّامًا ثمّ جعلنا نرى قَزَعَ السحاب، وجعل عمر يُظهر التّكبير كلّما دخل وخرج ويُكبّرُ الناس حتى نظرنا إلى سحابة سوداء طلعت من البحر ثمّ تشاءَمت فكانت الحيا بإذن الله. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر عن أبي وجزة السعديّ عن أبيه قال: كانت العرب قد علمت اليوم الذي استسقى فيه عمر وقد بقيت غُبّراتٌ منهم فخرجوا يستسقون كأنـّهم النّسور العِجاف تخرج من وكورها يَعِجّون إلى الله. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سعيد بن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن جدّه قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب حين وقع المطر عام الرمادة يُخْرِجُ الأعراب يقول: اخْرُجوا اخرجوا، الْحقوا ببلادكم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني خالد بن إلياس عن يحيَى بن عبد الرحمن بن حاطب أنّ عمر أخَرّ الصدقةَ عام الرمادة فلم يبعث السعاة، فلمّا كان قابل، ورفع الله ذلك الجدب، أمرهم أن يخرجوا فأخذوا عِقالَين فأمرهم أن يَقْسِموا عِقالًا ويقدموا عليه بعقال. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني طلحة بن محمّد عن حَوْشَب بن بشر الفزاري عن أبيه قال: رأيتنا عام الرمادة وحصّت السنة أموالنا فيبقى عنه العدد الكثير الشيء الذي لا ذكرَ له، فلم يبعث عمر تلك السنّة السعاة، فلمّا كان قابل بعثهم فأخذوا عِقالين فقسموا عقالًا وقدموا عليه بعقال، فما وجد في بني فزارة كلّها إلاّ ستّين فريضة، فقُسم ثلاثون وقُدم عليه بثلاثين، وكان عمر يبعث السعاة فيأمرهم أن يأتوا الناس حيث كانوا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني سُفيان بن عُيينة عن ابن أبي نَجيح عن كَرْدَمٍ أنّ عمر بعثَ مصدّقًا عام الرمادة فقال: أعْطِ من أبقت له السنة غنمًا وراعيًا ولا تُعطِ من أبقت له السنة غنمين وراعيين. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الحكم بن الصَّلْت قال: سمعتُ يزيد بن شريك الفزاري يقول: أنّا في زمن عمر بن الخطّاب أرْعى البَهْمَ، قلت: من كان يُبْعَثُ عليكم؟ قال: مسلمة بن مُخَلّد، وكان يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيردّها على فقرائنا.)) ((قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ عن أَيّوب وابن عون وهشام، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، عن محمّد بن سيرين عن الأحنف قال: كنّا جلوسًا بباب عمر فمَرّتْ جاريةٌ فقالوا سُرّيّّةُ أمير المؤمنين، فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرّيـّة وما تَحِلّ له، إنّها من مال الله، فقلنا: فماذا يحلّ له من مال الله؟ فما هو إلا قَدْرُ أنْ بلغت وجاءَ الرسول فدعانا فأتيناه فقال: ماذا قلتم؟ قلنا: لم نقل بأسًا مرّت جارية فقلنا هذه سُرِّيـَّةُ أمير المؤمنين، فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرّيـّة وما تحِلّ له، إنّها من مال الله، فقلنا: فماذا يحلّ له من مال الله؟ فقال: أنا أخْبركم بما أسْتَحِلّ منه، يَحِلّ لي حُلّتان، حُلّة في الّشتاء وحُلّة في القَيظْ، وما أحُجّ عليه وأعْتَمِرُ من الظَّهْر، وقُوتي وقُوتُ أهلي كقُوت رجلٍ من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثمّ أنا بعدُ رجلٌ من المسلمين يُصيبُني ما أصابهم. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وقبيصة بن عقبة قالا: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مُضَرّب قال: قال عمر بن الخطّاب: إني أنزلتُ نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيتُ استعففتُ وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف. قال وكيع في حديثه: فإن أيْسَرْتُ قضيتُ. قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا زكريّاءُ بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرّب عن عمر أنه قال: إني أنزلتُ مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، فإن استغنيتُ عفَفْتُ عنه وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا زائدة بن قُدامة عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال عمر: إني أنزلتُ مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، مَن كان غنيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة أنّ عمر بن الخطّاب قال: لا يَحِلّ لي من هذا المال إلا ما كنتُ آكلًا من صُلْب مالي. قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا سلام بن مسكين قال: أخبرنا عمران أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاسْتَقْرَضَه، فربّما عَسُرَ فيأتيه صاحبُ بيت المال يتقاضاه فيَلْزَمُه فيحتال له عمر، وربّما خرج عطاؤه فقضاه. قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر قال: أخبرنا عيسى بن حفص قال: حدّثني رجل من بني سلمة عن ابنٍ للبراء بن مَعْرُور أنّ عمر خرج يومًا حتّى أتى المنبر، وقد كان اشتكى شكوى له فنُعِتَ له العَسَلُ وفي بيت المال عُكّة فقال: إنْ أذنْتم لي فيها أخذتها وإلاّ فإنّها عليّ حرام، فأذِنوا له فيها. قال: أخبرنا أنس بن عياض أبو ضمرة الليثيّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر قال: أرسل إليّ عمر يَرْفا فأتيتُه وهو في مُصَلاّه عند الفجر أو عند الظهر، قال فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يَحِلّ لي من قبل أن ألِيَه إلا بحقّه، وما كان قطّ أحرم عليّ منه إذ وَليتُه فعاد أمانتي وقد أنفقتُ عليك شهرًا من مال الله، ولستُ بزائدك ولكني مُعينك بثمّر مالي بالغابة فاجدده فبِعْه ثمّ ائْتِ رجلًا من قومك من تُجّارهم فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئًا فاسْتَشْرِكْه فاسْتَنْفِقْ وأنْفِقْ على أهلك. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حمّاد بن سلمة عن حُميد عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب رأى جارية تطيش هُزالًا فقال عمر: من هذه الجارية؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك، قال: وأيّ بناتي هذه؟ قال: ابنتي، قال: ما بَلَغَ بها ما أرى؟ قال: عملك، لا تُنْفِقُ عليها، فقال: إنّي والله ما أغُرّك من ولدك فأُوسِعَ على ولدك أيّها الرجل. قال: أخبرنا يزيد بن هارون وأبو أُسامة حمّاد بن أُسامة قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد قال: قالت حفصة بنت عمر لأبيها، قال يزيد يا أمير المؤمنين، وقال أبو أُسامة يا أبتِ، إنّه قد أوسع الُّله الرّزق وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير فلو طَعِمْتَ طعامًا ألين من طعامك ولَبِسْتَ لباسًا ألين من لباسك، فقال: سأُخاصمُكِ إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَلْقَى من شدّة العيش؟ قال فما زال يُذكّرها حتّى أبكاها، ثمّ قال: إني قد قلتُ لك إني والله لئن استطعتُ لأشاركَنّها في عيشهما الشديد لَعَليّ ألْقى معهما عيشهما الرخيّ. قال يزيد بن هارون: يعني رسول الله وأبا بكر. (*) أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عَقيل قال الحَسن: إنّ عمر بن الخطّاب أبَى إلاّ شدّةً وحَصْرًا على نفسه فجاء الله بالسعة فجاء المسلمون فدخلوا على حفصة فقالوا: أبَى عمر إلاّ شدّةً على نفسه وحصرًا وقد بسط الله في الرزق، فَلْيَبْسُطْ في هذا الفَيءِ فيما شاءَ منه وهو في حِلّ من جماعة المسلمين. فكأنّها قاربتهم في هواهم، فلمّا انصرفوا من عندها دَخَلَ عليها عمر فأخبرته بالذي قال القوم فقال لها عمر: يا حفصة بنت عمر نَصَحْتِ قومك وغَشَشْتِ أباكِ، إنّما حق أهلي في نفسي ومالي فأمّا في ديني وأمانتي فلا. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن غالب، يعني القطّان، عن الحسن قال: كلّموا حفصة أن تُكَلّمَ أباها أن يُلين من عيشه شيئًا فقالت: يا أبتاه، أو يا أمير المؤمنين، إنّ قومك كلّموني أن تُلين من عيشك، فقال: غششتِ أباكِ ونصحتِ لقومك. قال: أخبرنا يحيَى بن حمّاد والفضل بن عنبسة قالا: أخبرنا أبو عوَانة عن الأعمش عن إبراهيم أنّ عمر بن الخطّاب كان يتّجر وهو خليفة. قال يحيَى في حديثه: وجهّز عيرًا إلى الشأم فبعث إلى عبد الرّحمن بن عوف، وقال الفضل: فبعث إلى رجل من أصحاب النّبي،ّ عليه السلام، قالا جميعًا يستقرضه أربعة آلاف درهم، فقال للرسول: قل له يَأخُذُها من بيت المال ثمّ ليرُدّها. فلمّا جاءه الرسول فأخبره بما قال شَقّ ذلك عليه فلقيه عمر فقال: أنت القائل ليأخذها من بيت المال؟ فإن مِتّ قبل أن تَجيء قلتم أخَذَها أمير المؤمنين دَعوها له وأُوخَذُ بها يومَ القيامة، لا ولكن أردتُ أن آخذها من رجلٍ حريص شحيح مثلك فإن مِتّ أخَذَها، قال يحيَى من ميراثي، وقال الفضل من مالي. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير، قال إسماعيل بن أبي خالد قال: أخبرني سعيد بن أبي بُرْدَة عن يسار بن نُمير قال: سألني عمرُ: كم أنفقنا في حجّتنا هذه؟ قلت: خمسة عشر دينارًا. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن سفيان عن يحيَى بن سعيد عن شيخ لهم قال: خرج عمر بن الخطّاب إلى مكّة فما ضرب فُسطاطًا حتّى رجع، كان يستظلّ بالنّطْع. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال حمّاد بن زيد عن يحيَى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: وأخبرنا الفضل بن دُكين وعبد الوهّاب بن عطاء قالا: أخبرنا عبد الله العُمري عن عبد الرّحمن بن القاسم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: صَحِبْتُ عمر بن الخطّاب من المدينة إلى مكّة في الحجّ ثمّ رجعنا فما ضرب فسطاطًا ولا كان له بناءٌ يستظلّ به إنّما كان ُيلقي نطعًا أو كساء على شجرة فيستظلّ تحته. قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة قال: حدّثني جرير بن حازم قال: سمعتُ الحسن يحدّث قال: قَدِمَ أبو موسى في وفد أهل البصرة على عمر، قال: فقالوا كنّا ندخل كلّ يوم وله خُبَز ثلاث فربّما وافقناها مأدومةً بزيتٍ وربّما وافقناها بسمن، وربّما وافقناها باللّبن، وربّما وافقناها بالقدائد اليابسة قد دُقّت ثمّ أُغلي بها، وربّما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل. فقال لنا يومًا. أيّها القوم إنّي والله لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم لطعامي، وإنّي والله لو شئتُ لكنتُ أطْيَبَكم طَعَامًا وَأَرْفَعَكُم عيشًا، أما والله ما أجهلُ عن كَرِاكرَ وأَسْنمة وعن صِلَاءٍ وصِنَاب وصلائق، ولكني سمعتُ الله، جلّ ثناؤه، عَيّرَ قوْمًا بأمرٍ فعلوه فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[سورة الاحقاف: 20]، وإنّ أبا موسى كلّمنا فقال: لو كلّمتم أمير المؤمنين يَفْرِضُ لنا من بيت المال أرْزاقنا، فوالله ما زال حتّى كلّمناه فقال: يا معشر الأمراء أما ترضون لأنفسكم ما أرضاه لنفسي؟ قال قلنا: يا أمير المؤمنين إنّ المدينة أرضٌ العيشُ بها شديد ولا نرى طعامك يُعَشِّي ولا يُؤكَل، وإنّا بأرضٍ ذات ريف، وإنّ أميرنا يُعشّي وإنّ طعامه يؤكل. فنكت في الأرض ساعة ثمّ رفع رأسه فقال: فنَعَمْ فإني قد فرضتُ لكم كلّ يوم من بيت المال شاتين وجريبين فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكلْ أنت وأصحابك ثمّ ادْعُ بشرابك فاشْرَبْ، ثمّ اسقِ الذي عن يمينك، ثمّ الذي يليه، ثمّ قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثمّ ادْعُ بشرابك فاشرب، ألا وأشْبعوا النّاس! في بيوتهم وأطعموا عيالهم فإنّ تجفينكم للنّاس لا يُحسّن أخلاقهم ولا يُشْبِعُ جائعهم، والله مع ذاك ما أظنّ رُسْتاقًا يُؤخَذُ منه كلّ يومٍ شاتان وجريبان إلاّ يُسْرِعَانِ في خرابه. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ عن يونس عن حُميد بن هلال أنّ حفص بن أبي العاص كان يَحْضُرُ طعام عمر فكان لا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إنّ طعامك جَشِبٌ غليظ وإني راجع إلى طعام ليّنٍ قد صُنع لي فأصيب منه، قال: أتراني أعْجِزْ أنْ آمُرَ بشاةٍ فيُلْقى عنها شَعْرُها وآمُرَ بدَقيقٍ فَيُنْخَلَ في خرقة ثمّ آمُرَ به فيُخْبَزَ خبزًا رقاقًا وآمُرَ بصاع من زبيب فيُقْذَف في سُعْن ثمّ يُصَبّ عليه الماء فيُصبحَ كأنه دَمُ غزال؟ فقال: إني لأراك عالمًا بطيب العيش، فقال: أجَلْ! والّذي نفسي بيده لولا أن تنتقض حَسَنَاتي لَشَارَكْتُكم في لين عيشكم. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نَضْرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنّه وفد إلى عمر بن الخطّاب فأعجبته هيئته ونحوه فشكا عمر طعامًا غليظًا أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين إنّ أحَقّ النّاس بطعامٍ لَيّنٍ ومركبٍ ليّنٍ وملبسٍ لَيّنٍ لأنْتَ. فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه وقال: أما واللهِ ما أراكَ أردتَ بها الله وما أردتَ بها إلاّ مقاربتي إن كُنْتُ لأحْسِب أنّ فيك خيرًا ويحك! هل تَدْري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم؟ قال: مثلُ قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنْفِقْ علينا: فهل يَحِلّ له أن يستأثر منها بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: فكذلك مثلي ومثلهم. ثمّ قال عمر: إني لم أستعمل عليكم عُمّالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم ولكني استعملتهم ليعلّموكم كتابَ ربّكم وسنّة نبيكم، فمن ظَلَمَه عاملهُ بمظلمة فلا إذنَ له عليّ ليرفعها إليّ حتّى أُقِصّه منه. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين أرأيت إنْ أدّبَ أميرٌ رجلًا من رعيّته أتُقِصّه منه؟ فقال عمر: وما لي لا أُقِصّه منه وقد رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يُقِصّ من نفسه؟ وكتب عمر إلى أمراء الأجناد: لا تَضْرِبوا المُسلمين فتُذِلّوهم ولا تَحْرِموهم فتُكْفِرُوهم ولا تُجمّرُوهم فتَفْتِنوهم ولا تُنْزِلوهم الغِياض فتُضَيّعوهم.)) ((قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسيّ وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا شُعبة عن عاصم بن عُبيد الله قال: سمعتُ سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر أنّه استأذن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في العُمْرة فأذِنَ له فقال له النّبيّ: "لا تَنْسَنَا يا أخي من دعائك". قال سليمان في حديثه قال فقال لي كلمةً ما يَسُرّني أنّ لي بها الدّنيا، (*)قال سليمان قال شعبة: ثمّ لقيت عاصمًا بعدُ بالمدينة فحدّثتهُ فقال: قال: "أشْرِكْنا يا أخي في دعائك".(*) قال أبو الوليد: هكذا في كتابي عن ابن عمر. قال: أخبرنا سعيد بن محمّد الثقفيّ عن المغيرة بن زياد الموصليّ عن الوليد بن أبي هشام قال: استأذن عمر بن الخطّاب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في العمرة وقال إني أريد المشي. فأذِنَ له، قال فلمّا ولّى دعاه فقال: "يا أخي شُبْنا بشىءٍ من دعائك ولا تَنْسَنَا".(*) قال: حدّثنا عبد الله بن نُمير عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة قال: قال عبد الله: أفرسُ النّاس ثلاثة، أبو بكر في عمر، وصاحبة موسى حين قالت اسْتَأجِرْهُ، وصاحب يوسف‏.)) ((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطّاب.(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال محمّد بن عُمَر: وَ أخبرنا عبد الله بن جعفر عن سعد بن إبراهيم قالا: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين عمر بن الخطّاب وعُويم بن ساعدة.(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين عمر بن الخطّاب وعِتْبان بن مالك، قال محمّد بن عمر: ويقال بين عمر ومُعاذ بن عَفراء.(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: منزل عمر بن الخطّاب بالمدينة خِطّة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.)) الطبقات الكبير. ((كان من أَشرف قريش وإِليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أَن قريشًا كانوا إِذا وقع بينهم حرب أَو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرًا، وإِن نافرهم منافر أَو فاخرهم مفاخر، رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا.)) أسد الغابة. ((روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في انصرافه من حجّته التي لم يحج بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله، يُعْطِي مَنْ يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي ـــ يعني ضَجَنان ـــ أرعى إبلًا للخطّاب، وكان فظًّا غليظًا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل:[البسيط]

لَا شَيْء مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ يَبْقَـى الإِلَهُ وَيُودِي المَالُ
وَالوَلَدُ

لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ وَالخلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خلدُوا

وَلَا سُلَيْمَانُ إِذْ تَجْرِي الرِّيَاحُ لَهُ وَالجِـنُّ وَالإِنِس فِيمَا بَيْنَهـا
بُرُدُ

أَيْنَ المُلُوكُ
الَّتِي كَانَتْ
لِعزَّتِهَا مِـنْ كُلِّ أَوْبٍ
إِلَيَها وَافِدٌ يَفِـدُ

حَوْضٌ هُنَالِكَ مَورُودٌ بِلَا كَذِبٍ لَا بُدَّ مِنْ وِرْدِه يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا
وروينا عن عمر رضي الله عنه أنه قال في حين احتضر ورأسه في حجر ابنه عبد الله‏: [الطويل]

ظَلُومٌ لِنَفْسِِي غَيْرَ أَنِّيَ مُسْلِـمٌ أُصَلِّـي الصَّلَاةَ كُلَّهَا وَأَصُومُ
حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا قاسم بن جعفر بن محمد الصائغ، حدّثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدّثنا إبراهيم بن سعد الزهريّ، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة، عن أم كلثوم بنت أبي بكر ـــ أنَّ عائشة حدثتها أَنَّ عمر رضي الله عنه أذِن لأزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أن يحججن في آخر حجّة حجّها عمر ـــ قالت:‏‏ فلما ارتحل من الخَطمَة أقبل عليه رجل متلثم، فقال، وأنا أسمع‏: ‏ أين كان منزل أمير المؤمنين؟ فقال قائل ـــ وأنا أسمع‏: هذا كان منزله، فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنى: [الطويل]

عَلَيكَ سَلَامٌ مِنْ
أَمِيرٍ
وَبَاركَـتْ يـَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ

فَمَنْ يَجْرِ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْت بِالأَمْسِ يُسْبَقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَـا بـَوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ
تُفـتَّقِ
قالت عائشة: فقلت لبعض أهلي: أَعلموني مَنْ هذا الرّجل؟ فذهبوا فلم يجدوا في مناخه أحدًا قالت عائشة: فوالله إني لأحسبه من الجن‏ّ. فلما قُتل عمر قال النّاس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار، أو لأخيه مزرد.‏ قال أبو عمر رحمه الله:‏ كانوا إخوة ثلاثة كلّهم شاعر. وروى مسعر، عن عبد الملك بن عمير، عن عروة، عن عائشة قالت:‏ ‏ ناحت الجنّ على عمر قبل أن يُقتل بثلاث فقالت:‏‏ [الطويل]

أَبَعْـدَ
قَتِيـلٍ
بِالمَدِينَةِ
أَظْلَمَـتْ لَهُ الأَرْضُ تَهْتَزُّ العِضَاهُ بِأَسوقِ

جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ إِمَامٍ وَبَارَكَتْ يَـدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيم المُمَزَّقِ

فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ لِيُـدْرِكَ مَا قَدّمْتَ بِالأَمْسِ يُسْبَقِ

قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَها بَـوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَـا لَمْ تُفـتَّقِ

فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَفَـاتُهُ بِكَفَّيْ سَبَتْني أَزْرَقِ العَيْنِ مُطْرِقِ
ويروى بكفي سبنتٍ، والسبنت والسبنتي: النمر الجريء‏. ‏وقد تمد السبنتاء.‏‏ والمطرق‏: الحنق، قال الملتمس‏: [الطويل]

فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاع وَلَوْ يَرَى مَسَاغًـا لنَابَيْهِ الشُّجَـاعُ لَصمَّما)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همّام بن يحيَى عن قتادة قال: أوصى عمر بن الخطّاب بالرُّبْع. قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقيّ قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن هشام ابن عروة عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب لم يتشهّد في وصيّته. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ وإسحاق بن يوسف الأزرق وعبد الوهّاب بن عطاء العجلي عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: أصابَ عمرُ أرضًا بخَيْبَرَ فأتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فاستأمَره فيها فقال: أصبتُ أرضًا بخيبر لم أُصِبْ مالًا قطّ أنفسَ عندي منه، فما تأمر به؟ قال: "إن شئتَ حَبَسْتَ أصلَها وتصدّقتَ بها"، قال فتصدّقَ بها عمرُ، قال لا يُباعُ أصلُها ولا توهَبُ ولا تورثُ، وتصدّق بها في الفقراء والقُرْبَى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيَها أنْ يَأكُلَ منها بالمعروف ويُطعِمَ صديقًا غيرَ مُتَمَوِّل فيها.(*) قال ابن عون فحدّثتُ به محمد بن سيرين فقال: غيرَ مُتأثّل مالًا، قال إسماعيل قال ابن عون وحدّثني رجل أنّه قرأ في قطعة أدم، أو رقعة حمراء، غير متأثّل مالًا. أخبرنا مطرّف بن عبد الله اليساري قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ أوّل صدقةٍ تُصُدّقَ بها في الإسلام ثَمْغٌ صَدَقَةُ عُمَرَ بن الخطّاب. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا الضحّاك بن عثمان عن عثمان بن عروة قال: كان عمر بن الخطّاب قد استسلف من بيت المال ثمانين ألفًا فدعا عبد الله بن عمر فقال: بِعْ فيها أموالَ عمر فإن وَفَتْ وإلاّ فَسَلْ بني عديّ فإن وفَتْ وإلاّ فسَلْ قريشًا ولا تَعْدُهم. قال عبد الرحمن بن عوف: ألا تستقرضها من بيت المال حتى تُؤدّيَها؟ فقال عمر: معاذَ الله أن تقولّ أنتَ وأصحابك بعدي أمّا نحن فقد تركنا نصيبنا لعمر فَتعُرُّونِي بذلك فتَتْبَعَني تَبِعَتُهُ وأقَعَ في أمر لا يُنْجيني إلا المَخْرَجُ منه. ثمّ قال لعبد الله بن عمر: اضْمَنْها، فضمنها، قال فلم يُدْفَنْ عمر حتى أشْهَدَ بها ابنُ عمر على نفسه أهلِ الشورى وعدّةً من الأنصار، وما مضت جمعةٌ بعد أن دُفن عمر حتى حَمَلَ ابن عمر المالَ إلى عثمان بن عفان وأحضر الشهود على البراءة بدفع المال.)) ((قال محمّد بن سعد: سألتُ أبا بكر بن محمّد بن أبي مُرّة المَكّيّ، وكان عالمًا بأمور مكّة، عن منزل عمر بن الخطّاب الذي كان في الجاهليّة بمكّة فقال: كان ينزل في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهليّة العاقر فنُسب إلى عمر بعد ذلك، وبه كانت منازل بني عديّ بن كعب.)) الطبقات الكبير. ((أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي يعلى، أَنبأَنا أَبو رُشَيْد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، حدثنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أَبو بكر بن مَرْدُويه، حدثنا عبد اللّه بن جعفر، حدثنا أَحمد بن يونس، حدثنا عبد العزيز ابن أَبان، حدثنا أَبو الأَحوص سَلام بن سُلَيم، عن الأَعمش، عن أَبي وائل قال: قال ابن مسعود: لو أَن عِلْم عمر وُضِع في كفّة ميزان، ووُضِع عِلم الناس في كِفة ميزان لرجح علم عمر. فذكرته لإِبراهيم فقال: قد والله، قال عبد اللّه أَفضل من هذا. قلت: ماذا قال؟ قال: لما مات عمر ذهب تسعة أَعشار العلم. أَنبأَنا إِسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن الزهري، عن حمزة بن عبد اللّه بن عمر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رأَيت كأَني أُتيتُ بقَدَح لبن، فشربت منه، وأَعطيت فَضْلي عُمَر بن الخطاب". فقالوا: ما أَوّلته يا رسول الله؟ قال: "العلم" أخرجه الترمذي ف السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3687.. أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم الحافظ إِجازة أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو الأَغرّ قَراتِكِين بن الأَسعد، حدثنا أَبو محمد الجوهري، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح، حدثنا أَبو جعفر أَحمد بن عبد اللّه النِّيِري، حدثنا أَبو السائب قال: سمعتُ شيخًا من قريش يذكر عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبِيصة بن جابر قال: والله ما رأَيت أَحدًا أَرأَف برعيته، ولا خيرًا من أَبي بكر الصديق. ولم أَر أَحدًا أَقرأَ لكتاب الله، ولا أَفقه في دين الله، ولا أَقْومَ بحدود الله، ولا أَهيبَ في صدور الرجال من عمر بن الخطاب. ولا رأَيت أَحدًا أَشد حياء من عثمان بن عفان. أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم الدمشقي إِجازة، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو بكر بن لمَزْرَفي، حدثنا أَبو الحسين بن المهتدي، أَنبأَنا علي بن عمر بن محمد الحَرْبي، حدثنا أَبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا أَحمد بن عبد اللّه، حدثنا سفيان، عن إِسماعيل بن أَبي خالد، عن قيس بن أَبي حازم، قال: قال طلحة بن عبيد اللّه: ما كان عمر بن الخطاب بأَوّلنا إِسلامًا ولا أَقدمنا هجرة، ولكنه كان أَزهدنا في الدنيا، وأَرغبنا في الآخرة. قال: وأَنبأَنا أَبي، حدثنا أَبو علي المقرئُ كتابة ـــ وحدثني أَبو مسعود الأَصبهاني عنه ـــ أَنبأَنا أَبو نعيم الحافظ، حدثنا أَبي، حدثنا أَبو عبد اللّه محمد بن أَحمد بن أَبي يحيى، حدثنا أَحمد بن سعيد بن جرير، حدثنا عبد الرحمن بن مغْراءَ الدوسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أَبي سلمة قال: قال سعد بن أَبي وقاص: والله ما كان عمر بأَقدمنا هجرة، وقد عَرَفْتُ بأَيّ شيءَ فَضَلَنَا؛ كان أَزهدنا في الدنيا. أَنبأَنا ابن أَبي حَبَّة وغيره، أَنبأَنا أَبو غالب بن البنا، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حَيُّوية، وأَبو بكر محمد بن إِسماعيل بن العباس قالا: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، أَنبأَنا الحسين بن الحسن، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، أَنبأَنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت: أَن عمر استسقى، فأُتِي بإِناء من عَسَل فوضعه على كفه ـــ قال: فجعل يقول: "أَشربها فتذهب حلاوتها و تبقى نقمتها"، قالها ثلاثًا، ثم دفعه إِلى رجل من القوم فشربه.(*) أَنبأَنا أَبو محمد القاسم بن علي، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا إِسماعيل بن أَحمد أَبو القاسم، أَنبأَنا أَبو الحسين بن النَّقُور، أَنبأَنا أَبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد البَغَويّ، حدثنا داود بن عمرو، أَنبأَنا ابن أَبي غَنِية، هو يحيى بن عبد الملك، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال: قال الأَحنف: كنت مع عمر بن الخطاب، فلقيه رَجُل فقال: يا أَمير المؤمنين، انطلق معي فَأَعْدِني على فلان، فإِنه قد ظلمني. قال: فرفع الدّرة فخفق بها رأْسه فقال: تَدَعُونَ أَمير المؤمنين وهو مُعْرِض لكم، حتى إِذا شُغِل في أَمر من أُمور المسلمين أَتيتموه: أَعدِنِي أَعدِنِي! قال: فانصرف الرجل وهو يتذَمَّر ـــ قال: عَلَيّ الرجلَ. فأَلقى إِليه المخْفَقَة وقال: امتثل. فَقَالَ: لا والله، ولكن أَدَعُها لله ولك. قال: ليس هكذا، إِما أَن تدعها لله إِرادة ما عنده أَو تدعها لي، فأَعلم ذلك. قال: أَدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاءَ يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب، كنت وضيعًا فرفعك الله، وكنت ضالًا فهداك الله، وكنت ذليلًا فأَعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءَك رجل يَسْتَعدِيك فضربته، ما تقول لربك غدًا إِذا أَتيته؟ قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أَنه خير أَهل الأَرض. قال: وحدثنا أَبي، حدثنا أَبو بكر محمد بن الحسن، أَنبأَنا أَبو الحسين المهتدي، أَنبأَنا عيسى بن علي، أَنبأَنا عبد اللّه بن محمد، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن [[أبي]] مُلَيكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعامًا إِذ جاءَ الغلام فقال: هذا عتبة بن فَرْقَد بالباب، قال: وما أَقدم عتبة؟ ائذن له. فلما دخل رأَى بين يدي عمر طعامه: خبز وزيت. قال: اقترب يا عتبة فأَصب من هذا. قال: فذهب يأْكل فإِذا هو طعام جِشَب لا يستطيع أَن يُسِيغه. قال: يا أَمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحُوَّاري؟ قال: ويلك، ويَسَع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله. قال: ويلك يا عُتْبة، أَفأَردت أَن آكل طَيِّبًا في حياتي الدنيا وأَستمتع؟. وقال محمد بن سعد: أَنبأَنا الوليد بن الأَغر المكي، حدّثنا عبد الحميد بن سليمان، عن أَبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته، فقدمت إِليه مَرَقًا باردًا وخبزًا وصَبَّت في المَرَق زيتًا، فقال: أُدْمان في إِناء واحد! لا أَذوقه حتى أَلقى الله عز وجل. أَنبأَنا عمر بن محمد بن طَبَرْزد، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد الجوهري، أَنبأَنا أَبو عمر بن حيُّوية وأَبو بكر بن إِسماعيل قالا: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسين بن الحسن، أَنبأَنا عبد اللّه بن المبارك، أَنبأَنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أَنس قال: لقد رأَيت بين كتفي عمر أَربع رِقاع في قميصه. وأَنبأَنا غير واحد إِجازة، أَنبأَنا أَبو غالب بن البناء، أَنبأَنا أَبو محمد، أَنبأَنا أَبو الفضل عُبَيد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عبد اللّه بن أَبي داود، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، حدثني أَبي، حدثنا شعبة، عن سعيد الجريري، عن أَبي عثمان قال: رأَيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه إِزار مرقوع بقطعة جِرَاب. أَنبأَنا أَبو عبد اللّه محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه، وأَبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أَبي العز، وأَبو عبد اللّه الحسين بن أَبي صالح بن فَنَّاخِسْرو التكريتي وغيرهم بإِسنادهم إِلى محمد بن إِسماعيل الجعفي: حدثنا سعيد بن أَبي مريم، أَنبأَنا الليث، حدثني عُقَيل، عن ابن شهاب قال: أَخبرني سَعِيد بن المسيَّب رضي الله عنه: أَن أَبا هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذْ قال: "بينا أَنا نائم رأَيتُني في الجنة فإِذا امرأَة تتوضأَ إِلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالت: لعمر. فذكرت غَيْرته، فولّيت مدبرًا". فبكى عمر وقال: أَعليك أَغار يا رسول الله؟!(*)أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 12 كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. قال: وحدثنا محمد بن إِسماعيل: حدثنا محمد بن عبيد اللّه، حدثنا إِبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أَبي أُمامة بن سهل أَنه سمع أَبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بينا أَنا نائم رأَيت الناس يعرَضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثُديَّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليّ عمر ابن الخطاب وعليه قميص يَجُرُّه" قالوا: فما أَوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 1 / 12 كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.. أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، أَنبأَنا أَبو رُشَيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويه، حدثنا أَحمد بن محمد بن عبد اللّه بن زياد، حدثنا أَحمد بن عبد الجبار العُطَاردي، حدثنا أَبو معاوية الضرير، عن الأَعمش، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِن أَهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدرِّي في الأُفق من آفاق السماءِ، وإِن أَبا بكر وعمر منهم وَأَنْعما"(*)أخرجه الترمذي في السنن 5 / 567 كتاب المناقب (50) باب مناقب أبي بكر الصديق (14) حديث رقم 3658، و ابن ماجه في السنن 1 / 37 في المقدمة باب فضل أبي بكر الصديق حديث رقم 96، و أحمد في المسند 3 / 27، 72، 93، و الطبراني في الكبير 6 / 160، و المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32650.. أَنبأَنا أَبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي، أَنبأَنا أَبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القَيْسِي، أَنبأَنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي، أَنبأَنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أَبي نصر، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيْثَمة بن سليمان بن حيْدَرة الأَطرابلسي، حدّثنا أَبو قِلاَبَةَ الرقاشي، حدثنا محمد بن الصباح، حدّثنا إِسماعيل بن ذكريا، عن النضر أَبي عُمر الخَزَّاز، عن عكرمة، عن ابن عباس أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انتفض حِرَاءُ قال: "اسكن حراءُ، فما عليك إِلا نبي وصديق وشهيد". وكان عليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأَبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحةُ، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وسعيد بن زيد.(*) قال: وأَنبأَنا أَبو الحسن خيثمة: حدّثنا محمد بن عوف الطائي وأَبو يحيى بن أَبي سبرة قالا: حدثنا أَبو جابر محمد بن عبد الملك، حدثنا المعلى بن هلال، حدّثنا ليث بن أَبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وزيراي من أَهل السماءِ جبريل وميكائيل، ووزيراي من أَهل الأَرض أَبو بكر وعمر".(*) قال: وأَنبأَنا خيثمة، أَنبأَنا إِبراهيم بن أَبي العنبس القاضي، حدثنا عبيد اللّه بن موسى، أَنبأَنا يونس ابن أَبي إِسحاق، عن الشعبي، عن علي بن أَبي طالب قال: كنت مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فأَقبل أَبو بكر وعمر فقال لي النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "يا علي، هذان سيدا كهول أَهل الجنة من الأَولين والآخرين، إِلا النبيين والمرسلين"، ثم قال لي: "يا علي، لا تخبرهما"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 570 كتاب المناقب (50) باب مناقب أبي بكر و عمر رضي الله عنهما كليهما (16) حديث رقم 3664، والهيثمي في الزوائد 9 / 56، و المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32652، 36090، 36128، 36149.. أَنبأَنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن محمد وغيره بإِسنادهم عن أَبي عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أَبو عامر هو العَقدي، حدثنا خارجة بن عبد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه". قال: وقال ابن عمر: "ما نزل بالناس أَمر قَطّ فقالوا فيه، وقال فيه عمر ـــ أَو: قال ابن الخطاب ـــ شك خارجة ـــ إِلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 576 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3682 و أحمد في المسند 2 / 53، 401، و الطبراني في الكبير 1 / 339، 19 / 313، و الهيثمي في الزوائد 9 / 69، و ابن حبان في صحيحه حديث رقم 2183، 2185. وذلك نحو ما قال في أَسارى بدر، فإِنه أَشار بقتلهم، وأَشار غيره بمفاداتهم، فأَنزل الله تبارك وتعالى: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال/ 68]. وقوله في الحجاب، فأَنزله الله تعالى، وقوله في الخمر. قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا محمد بن المُثَنَّى، حدّثنا عبد اللّه بن داود الواسطي أَبو محمد، حدّثني عبد الرحمن ابن أَخي محمد بن المُنْكَدِر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال عمر لأَبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال أَبو بكر: أَما إِنك إِن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت الشمس على رجل خَيْر من عمر"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 577 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3684.. قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدثنا سلمة بن شَبِيب، حدّثنا المُقْرِئَ، عن حيوة بن شُرَيح، عن بكر بن عمْرو، عن مِشْرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (18) حديث رقم 3686.. قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا علي بن حُجْر، حدّثنا إِسماعيل بن جعفر، عن حُمَيد، عن أَنس: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة، فإِذا أَنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لشاب من قريش، فظننت أَني أَنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 578 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3688.. قال: وأَنبأَنا أَبو عيسى، حدّثنا الحسين بن حُرَيث، أَنبأَنا عليّ بن الحسين بن واقد، حدّثني أَبي، حدّثنا عبد اللّه بن بُريدة قال: سمعت بُريدة يقول: خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي في السنن 5 / 579 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر ابن الخطاب (18) حديث رقم 3690. في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءَت جارية سوداءُ فقالت: يا رسول الله، إِني كنت نذرت إِن ردك الله سالمًا أَن أَضرب بين يديك بالدفِّ وأَتغنى. قال: "إِن كنت نذرت فاضربي، وإِلاَّ فلا". فجعلت تضرب، فدخل أَبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فأَلقت الدفَّ تحت استها، وقعدت عليه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن الشيطان أخرجه الترمذي في السنن 5 / 579 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3690 و البيهقي في السنن 10 / 77 وأورده ابن حجر في الفتح 11/ 588 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 35839. ليخاف منك يا عمر، إِني كنت جالسًا وهي تضرب، فدخل أَبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخلتَ أَنتَ يا عمر فأَلقت الدف".(*) قال: وحدّثنا أَبو عيسى: حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث، عن ابن عجلان، عن سعد بن إِبراهيم عن أَبي سَلَمَة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قد كان يكون في الأُمم مُحَدِّثون، فإِن يكن في أُمتي أَحد فعمر بن الخطاب"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 581 كتاب المناقب (50) باب مناقب عمر بن الخطاب (18) حديث رقم 3693.. أَنبأَنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي، أَنبأَنا أَبو رشيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور، أَنبأَنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم، أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويه، حدثنا محمد بن سفيان بن إِبراهيم، حدثنا مسلم بن سعيد، أَنبأَنا مجاشع بن عمرو، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أَبيه، عن الحسن: أَن عمر بن الخطاب خطب إِلى قوم من قريش بالمدينة فردوه، وخطب إِليهم المغيرة بن شعبة، فزوجوه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد رَدُّوا رجلًا ما في الأَرض رجلٌ خيرًا منه".(*) قال: وأَنبأَنا أَبو بكر قال: أَنبأَنا عبد الرحمن بن الحسن الأَسدي، حدثنا عيسى بن هارون بن الفرج، حدثنا أَحمد بن منصور، حدثنا إِسحاق بن بشر، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أَنه قال: أَكثروا ذكر عمر، فإِنكم إِذا ذكرتموه ذكرتم العدل، وإِذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى. قال: وأَنبأَنا أَبو بكر، حدثنا عبد اللّه بن إِسحاق، حدثنا جعفر الصائغ، حدثنا حسين بن محمد المرودي، حدثنا فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، عن أَبيه: أَنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فعرض له في خطبته أَن قال: "يا ساريةَ بن حصن، الجبل الجبل ـــ من استرعى الذئب ظَلَم". فتلفَّت الناسُ بعضهم إِلى بعض، فقال عليّ: صدق، والله ليخرجن مما قال. فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيءٌ سنح لك في خطبتك؟ قال: ما هو؟ قال: قولك: "يا سارية، الجبلَ الجبلَ، من استرعى الذئب ظلم" قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم، وجميع أَهل المسجد قد سمعوه. قال: إِنه وقع في خلَدِي أَن المشركين هَزَموا إِخواننا، فركبوا أَكتافهم، وأَنهم يمرون بجبل، فإِن عدلوا إِليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وأَن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أَنك سمعته. قال: فجاءَ البَشِير بالفتح بعد شهر، فذكر أَنهُ سُمع في ذلك اليوم في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر، يقول: "يا ساريةَ ابن حصن، الجبلَ الجبلَ" قال: فعدلنا إِليه، ففتح الله علينا. قال: وحدثنا أَبو بكر، حدثنا دعْلَج بن أَحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر، حدثنا أَبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا المختار بن نافع، عن أَبي حَيَّان التَّيْمِي، عن أَبيه، عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رحم الله أَبا بكر، زَوجني ابنته، وحملني إِلى دار الهجرة، وأَعتق بلالًا من ماله، رحم الله عمر، يقول الحق وإِن كان مرًّا، تركه الحق وماله من صديق"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 591 كتاب المناقب (50) باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه (20) حديث رقم 3714.. قال: وحدثنا أَبو بكر حدثنا أَحمد بن كامل، حدثنا أَبو إِسماعيل الترمذي، حدثنا إِسحاق بن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن بشير، عن حرب بن الخطاب، عن روح، عن أَبي سلمة، عن أَبي هريرة قال: إِن نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "ركب رجل بقرة فقالت البقرة: "إِنا والله ما لهذا خلقنا! ما خلقنا إِلا للحراثة". فقال القوم: سبحان الله! فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "أَنا أَشهد، وأَبو بكر وعمر يشهدان، وليسا ثَمَّ" أخرجه الترمذي في السنن 5 / 575 كتاب المناقب (50) باب (17) حديث رقم 3677.(*) قال: وحدثنا أَبو بكر، حدثنا محمد بن أَحمد بن إِبراهيم، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة"(*) أورده الهيثمي في الزوائد 9 / 73.. أَخبرنا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد الخطيب، أَنبأَنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن الحسين السراج، أَنبأَنا الحسن بن أَحمد بن شاذان، أَنبأَنا عثمان بن أَحمد بن السماك، حدثنا أَحمد بن الخليل البُرْجُلاني، حدثنا أَبو النضر المسعودي، عن أَبي نهشل، عن أَبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: فضل الناسَ عمرُ بن الخطاب بأَربع: بذكر الأَسرى يوم بدر، أَمر بقتلهم، فأَنزل الله تعالى: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وبذكر الحجاب، أَمر نِساءَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَن يَحْتَجِبْنَ، فقالت زينب: إِنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا، فأَنزل الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} وبدعوة النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهم أَيِّد الإِسلام بعمر"، وبرأْيه في أَبي بكر(*) أخرجه أحمد في المسند 1 / 456، و الهيثمي في الزوائد9 / 70.. أَنبأَنا أَبو محمد، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو طالب علي بن عبد الرحمن، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أَنبأَنا أَبو محمد بن النحاس، أَنبأَنا أَبو سعيد بن الأَعرابي، حدثنا الغَلاَبي ـــ وهومحمد بن زكريا ـــ حدثنا بشر بن حجر السامي، حدثنا حفص بن عمر الدارمي، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم من الشيعة يشتمون أَبا بكر وعمر، وينتقصونهما، فأَتيت علي بن أَبي طالب فقلت: يا أَمير المؤمنين إِني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أَبا بكر وعمر وينتقصونهما، ولولا أَنهما يعلمون أَنك تضمر لهما على ذلك لما اجترأوا عليه! فقال علي: معاذ الله أَن أُضمر لهما إِلا على الجميل! أَلا لعنة الله على من يضمر لهما إِلا الحسن! ثم نهض دامع العين يبكي، فنادى: الصلاةَ جامعةً، فاجتمع الناس، وإِنه لعلى المنبر جالس، وإِن دموعه لتتحادر على لحيته، وهى بيضاء، ثم قام يخطب خطبة بليغة موجزة، ثم قال: "ما بالُ أَقوام يذكرون سَيِّدَيْ قريش وأَبوَي المسلمين بما أَنا عنه متنزه ومما يقولون بريءٌ، وعلى ما يقولون معاقب، فوالذي فلق الحبةَ وبرأَ النسمة لا يحبهما إِلا كل مؤمن تقي، ولا يُبْغِضهما إِلا كل فاجر غَوِيّ، أَخوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه..." الحديث. قال: وأَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو الحسن علي بن أَحمد منصور الفقيه، حدثنا أَبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن أَحمد بن رزق، حدثنا أَحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أَبو سهل الكَلْوَذَانِي، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال: وقف أَعرابي على عمر بن الخطاب فقال: [الرجز]

يَا عُمَرَ الْخَيرِ جُزِيتَ الْجَنَّةْ جَهِّزْ بُنَيَّاتِـي وَاكْسُهُنَّـهْ

أُقْسِمُ
بِـالله
لَتَفْعَلَنَّـهْ
قال: فإِن لم أَفعل يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: أَقْسِم باللّهِ لأَمْضِيَنَّه. قال: فإِن مَضَيتَ يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: [الرجز]

وَالله عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ ثُمَّ تَكُونُ الْمَسْأَلاَتُ عَنَّهْ

وَالْوَاقِفُ الْمَسْؤُولُ بَيْنَهُنَّهْ إِمَّا إِلَى نَـارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ
قال: فبكى عمر حتى اخضَلَّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام، اعطه قميصي هذا، لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أَملك قميصًا غيره!. وروى زيد بن أَسلم، عن أَبيه أَن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإِذا هو بامرأَة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإِذا قدْر على النار قد ملأَتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أَمة الله، أَيْشٍ بكاءُ هؤلاءِ الصبيان؟ فقالت: بكاؤُهم من الجوع. قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعَللِّهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أَن فيها شيئًا من دقيق وسمن. فجلس عمر فبكى، ثم جاءَ إِلى دار الصدقة فأَخذ غرَارة، وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأَ الغرارة، ثم قال: يا أَسلم، احمل عليّ. فقلت: يا أَمير المؤمنين، أَنا أَحمله عنك! فقال لي: لا أُمَّ لك يا أَسلم، أَنا أَحمله لأَني أَنا المسؤول عنهم في الآخرة ـــ قال: فحمله على عنقه حتى أَتى به منزل المرأَة ـــ قال: وأَخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحرك بيده وينفخ تحت القدر ـــ قال أَسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأَيت الدخان يخرج من خَلَل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وَرَبض بحذائهم كأَنه سَبْعٌ، وخفت منه أَن أَكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أَسلم، أَتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أَمير المؤمنين! قال: رأَيتهم يبكون، فكرهتُ أَن أَذهب وأَدعهم حتى أَراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.)) ((أَنبأَنا القاسم بن علي بن الحسن إِجازة، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَتنا فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه قالت: أَنبأَنا أَبو بكر أَحمد بن الخطيب، أَنبأَنا أَبو بكر الحِيْرِي، أَنبأَنا أَبو العباس الأَصم، أَنبأَنا الرَّبيع قال: قال الشافعي: أَخبرني عمي محمد بن علي بن شافع، عن الثقة ـــ أَحسبه محمد بن علي بن الحسن أَو غيره ـــ عن مولى لعثمان بن عفان قال: بينا أَنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف، إِذ رأَى رجلًا يسوق بَكْرَين، وعلى الأَرض مثل الفراش من الحر، فقال: ما على هذا لو أَقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح. ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟ فنظرت فقلت: أَرى رجلًا مُعْتَمًّا بردائه، يسوق بَكْرَين. ثمّ دنا الرجل فقال: انظر. فنظرت فإِذا عمر بن الخطاب، فقلت: هذا أَمير المؤمنين. فقام عثمان فأَخرج رأْسه من الباب فإِذا نَفْح السموم، فأَعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أَخرجك هذه الساعة؟ فقال: بكران من إِبل الصدقة تخلَّفا، وقد مُضِي بإِبل الصدقة، فأَردت أَن أُلْحِقَهما بالحِمَى، وخشيت أَن يضيعا، فيسأَلني الله عنهما. فقال عثمان: يا أَمير المؤمنين، هَلُمَّ إِلى الماءِ والظل ونكفيك. فقال: عُدْ إِلى ظلك. فقلت: عندنا من يكفيك! فقال: عد إِلى ظلك. فمضى، فقال عثمان: من أَحب أَن ينظر إِلى القوي الأَمين فلينظر إِلى هذا! فعاد إِلينا فأَلقى نفسه. روى السَّرِيّ بن يحيى، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي، حدثنا عمر بن نافع الثقفي، عن أَبي بكر العبسي قال: دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أَبي طالب، فجلس عثمان في الظل، وقام عليّ على رأْسه يملي عليه ما يقول عمر، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر، عليه بردتان سوداوان، متزر بواحدة وقد وضع الأُخرى على رأْسه، وهو يتفقد إِبل الصدقة، فيكتب أَلوانها وأَسنانها. فقال علي لعثمان: أَما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الْأَمِينُ}، وأَشار علي بيده إِلى عمر، فقال: هذا هو القوي الأَمين. أَنبأَنا غير واحد إِجازة، عن أَبي غالب بن البناءِ، أَنبأَنا أَبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف، حدثنا أَبو الحسن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن أَحمد بن حماد الموصلي، حدَّثنا أَبو الحسين محمد بن عثمان، حدثنا محمد بن أَحمد بن أَبي العوام، حدثنا موسى ابن داود الضبي، [[أَنبأَنا]] محمد بن صبيح، عن إِسماعيل بن زياد قال: مَرَّ علي بن أَبي طالب على المساجد في شهر رمضان، وفيها القناديل، فقال: نور الله على عُمَرَ قبره كما نور علينا مساجدنا.)) أسد الغابة.
((ذكر سيف بن عمر، عن عبيدة بن مُعَتّب، عن إبراهيم النخعيّ. قال: أول من ولي شيئًا من أمور المسلمين عمر بن الخطاب؛ وَلّاه أبو بكر القضاء، فكان أول قاضٍ في الإسلام. وقال‏: اقْض ِ بين النّاس، فإني في شغل؛ وأمر ابن مسعود بعس ِ المدينة.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((خِلَافَتُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ وَسِيْرَتُهُ: أَنبأَنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإِسنادهم، عن محمد بن إِسماعيل قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن نُمَير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد اللّه، حدثني أَبو بكر بن سالم، عن سالم، عن عبد اللّه بن عمر: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "رأَيت في المنام أَني أَنزع بدلو بَكْرَة على قليب، فجاءَ أَبو بكر فنزع ذُنوبًا أَو ذنوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاءَ عمر بن الخطاب فاستحالت غَرْبًا، فلم أَر عبقريًّا يفري فَرْيه، حتى رَوِيَ الناس، وضربوا بعَطَن"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 13، كتاب المناقب باب فضل عمر وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32691. وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد، وحمل من الأَموال، وما غنمه المسلمون من الكفار. وقد ورد في حديث آخر: "وإِن وليتموها ـــ يعني الخلافة ـــ تجدوه قويًا في الدنيا، قويًّا في أَمر الله"، وقد تقدّم. قال أَحمد بن عثمان: أَنبأَنا أَبو رُشَيد، أنبأَنا أَبو مسعود سليمان، أَنبأَنا أَبو بكر بن مَرْدُويه الحافظ قال: حدّثنا سليمان بن أَحمد، حدّثنا هاشم بن مرثد، حدّثنا أَبو صالح الفراءُ، حدّثنا أَبو إِسحاق الفزاري، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كُهَيل، عن أَبي الزعراء ـــ أَو: عن زيد بن وهب ـــ أَن سويد بن غفلة الجُعْفي دخل على علي بن أَبي طالب في إِمارته فقال: يا أَمير المؤمنين، إِني مَرَرْتُ بنفر يذكرون أَبا بكر وعمر بغير الذي هُم أَهلٌ له من الإِسلام.. وذكر الحديث، قال: فلما حَضَرت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الوفاة قال: "مُرُوا أَبا بكر أَن يصلي بالناس" (*)، وهو يرى مكاني، فصلى بالناس سبعة أَيام في حياة رسول صَلَّى الله عليه وسلم، فلما قَبَضَ الله نبيه ارتدّ الناسُ عن الإِسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطي الزكاة، فرضي أَصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبَى أَبو بكر منفردًا برأْيه، فرَجَحَ برأْيه رأْيهم جميعًا، وقال: "والله لو منعوني عَقَالًا ما فَرَض الله ورسوله لجاهدتهم عليه، كما أُجاهدهم على الصلاة". فأَعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أَوّل من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أَنا، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة، فخرج منها سليمًا، فسار فينا بسيرة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لا ننكر من أَمره شيئًا، حتى حضرته الوفاة، فرأَى أَن عمر أَقوى عليها، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وقالوا: أَتؤمر علينا من كان عَنَّانًا وأَنت حَيّ؟ فماذا تقول لربك إِذا قدمت عليه؟ قال: أَقول لربي إِذا قدمت عليه: إِلهي أَمَّرتُ عليهم خير أَهلك" فأَمَّر علينا عمر، فقام فينا بأَمر صاحبيه، لا ننكر منه شيئًا، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا، فتح الله به الأَرضين، ومَصَّرَ به الأَمصار، لا تأْخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب سواءٌ في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه، حتى إِن كنا لنظن أَن السكينة تنطق على لسانه، وأَن ملكًا بين عينيه يُسَدِّده ويوفقه.. الحديث. قال: وأَنبأَنا ابن مَرْدُويه، حدثنا عبد اللّه بن إِسحاق بن إِبراهيم، حدثنا أَحمد بن القاسم البزار، حدثنا يحيى بن مسعود، حدثني عبد اللّه بن محمد بن أَيوب، حدثني إِسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن عبد خيْر، عن علي بن أَبي طالب قال: إِن الله جعل أَبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إِلى يوم القيامة، فسبقا والله سبقًا بعيدًا، وأَتعبا والله من بعدهما إِتعابًا شديدًا، فذِكْرُهما حُزنٌ للأُمة، وطَعْنٌ على الأَئمة. أَنبأَنا عبد الوهاب بن هبة الله إِذنًا، أَنبأَنا أَبو بكر محمد بن عبد الباقي، أَنبأَنا الحسن ابن علي، أَنبأَنا أَبو عمر، أَنبأَنا أَبو الحسن، أَنبأَنا الحسين بن القَهْم، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا محمد بن عمر، حدثني أَبو بكر بن عبد اللّه بن أَبي سبرة، عن عبد المجيد بن سُهَيل، عن أَبي سلمة بن عبد الرحمن (ح) قال: وأَخبرنا بَرَدان بن أَبي النضر، عن محمد ابن إِبراهيم بن الحارث التيمي، قال: وأَنبأَنا عمرو بن عبد اللّه بن عَنْبَسة، عن أَبي النضر، عن عبد اللّه البهي ـــ دخل حديث بعضهم في بعض ـــ أَن أَبا بكر الصدّيق لما مرض دعا عبد الرحمن ـــ يعني ابن عوف ـــ فقال له: أَخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال عبد الرحمن: ما تسأَلني عن أَمر إِلا وأَنت أَعلم به مني! قال أَبو بكر: وإِن! فقال عبد الرحمن: هو والله أَفضل من رأْيك فيه. ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أَخبرني عن عمر. فقال: أَنت أَخبرنا به! فقال: على ذلك يا أَبا عبد اللّه. فقال عثمان: اللهم عِلْمي به أَن سريرته خير من علانيته، وأَن ليس فينا مثله! فقال أَبو بكر يرحمك الله! والله لو تركتهُ ما عدوتك. وشاوَرَ معهما سعيد بن زيد أَبا الأَعور، وأَسيد بن حُضَير وغيرهما من المهاجرين والأَنصار، فقال أَسيد: "اللهم أَعلمه الخِيرَة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرّ خير من الذي يُعْلِن، ولن يَلِيَ هذا الأَمر أَحد أَقوى عليه منه"، وسَمِعَ بعضُ أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أَبي بكر وخَلْوتهما به، فدخلوا على أَبي بكر، فقال له قائل منهم: "ما أَنت قائل لربك إِذا سأَلك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟" فقال أَبو بكر: أَجلسوني، أَبالله تخوفونني؟ خاب من تزوّد من أَمركم بظلم، أَقول: "اللهم، استخلفت عليهم خير أَهلك، أَبْلِغْ عني ما قلت لك مَنْ وَرَاءَك" ثم اضطجع، ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما عَهِد أَبو بكر بن أَبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أَوّل عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يُؤمِنُ الكافر، ويُوقِنُ الفاجر، ويصدُقُ الكاذب؛ أَنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأَطيعوا، وإِني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإِياكم خيرًا، فإِن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإِن بَدّل فلكل امرئٍ ما اكتسب والخيرَ أَردت، ولا أَعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أَيّ منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله". ثم أَمر بالكتاب فختمه، ثم أَمره فخرج بالكتاب مختومًا ومعه عمر بن الخطاب، وأَسد بن سَعْيَة القُرَظي، فقال عثمان للناس: أَتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به ـــ قال ابن سعد: على القائل ـــ وهو عمر، فأَقروا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا، ثم دعا أَبو بكر عمر خاليًا فأَوصى بما أَوصاه به، ثم خرج فرفع أَبو بكر يديه مدًا، ثم قال: اللهم، إِني لم أُرِدْ بذلك إِلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم ما أَنت أَعلم به، واجتهدت لهم رأَيي، فولَّيت عليهم خيرهم وأَقواهم عليهم، وأَحرصهم على ما فيه رشدهم، وقد حضرني من أَمرك ما حضرني، فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، وأَصلح لهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين يَتَّبعْ هدي نبي الرحمة وهدي الصالحين بعده، وأَصلح له رعيته.(*) وروى صالح بن كيسان، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أَبيه: أَنه دخل على أَبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأَصابه مُفِيقًا، فقال له عبد الرحمن: أَصبحت بحمد الله بارئًا. فقال أَبو بكر: تُرَاه؟ قال: نعم. قال: إِني على ذلك لشديد الوجَع، وما لَقِيتُ منكم يا معشر المهاجرين أَشدّ عليّ من وجعي، إِني وَلَّيت أَمركم خيركم في نفسي، فكلكم وَرِم من ذلك أَنفُه، يريد أَن يكون الأَمر له، قد رأَيتم الدنيا قد أَقبلت ولَمَّا تُقبل، وهي مُقْبِلة حتى تتخذوا سُتور الحرير ونضائد الديباج، وتأَلموا من الاضطجاع على الصوف الأَذْرَبِيِّ، كما يأْلم أَحدكم أَن ينام على حَسَك السعدان. أَنبأَنا أَبو محمد بن أَبي القاسم، أَنبأَنا أَبي، أَنبأَنا أَبو القاسم بن السمرقندي، أَنبأَنا أَبو الحسين بن النَّقُّور، أَنبأَنا عيسى بن علي، أَنبأَنا أَبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أَبِي غَنِيَّة عن الصلت بن بهرام، عن يسار قال: لما ثقل أَبو بكر أَشرف على الناس من كُوَّة فقال: يا أَيها الناس، إِني قد عهدت عهدًا أَفترضون به؟ فقال الناس: قد رضينا يا خليفة رسول الله. فقال علي: لا نرضى إِلا أَن يكون عمر بن الخطاب. أَنبأَنا أَبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْري التغلبي، أَنبأَنا الشريف أَبو طالب علي بن حَيْدَرَة بن جعفر العلوي الحُسَيني وأَبو القاسم الحُسين بن الحسن بن محمد الأَسدي قالا: أَنبأَنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاءِ، أَنبأَنا أَبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، أَنبأَنا أَبو الحسن خَيثمة بن سليمان بن حَيْدَرة، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني، أَنبأَنا عبد الغفار بن داود الحراني، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أَبي خيثمة، عن جدّته الشفاء ـــ وكانت من المهاجرات الأَوَل ـــ وكان عمر إِذا دخل السوق أَتاها، قال: سأَلتها من أَوّل من كتب: "عمر أَمير المؤمنين"؟ قالت: كتب عمر إِلى عامله على العراقين: "أَن ابعث إِليّ برجلين جَلدين نبيلين، أَسأَلهما عن أَمر الناس"، قال: فبعث إِليه بعديّ بن حاتم، ولَبيد بن ربيعة، فأَناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فاستقبلا عمرو بن العاص، فقالا: استأْذن لنا على أَمير المؤمنين. فقلت: أَنتما والله أَصبتما اسمه، وهو الأَمير، ونحن المؤمنون. فانطلقت حتى دخلت على عمر، فقلت: يا أَمير المؤمنين. فقال: لتخرجَنَّ مما قلت أَو لأَفعلن! قلت: يا أَمير المؤمنين، بعث عامل العراقين بعديّ بن حاتم ولبيد بن ربيعة، فأَناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم استقبلاني فقالا: استأْذن لنا على أَمير المؤمنين، فقلت: أَنتما والله أَصبتما، اسمه هو الأَمير، ونحن المؤمنون. وكان قبل ذلك يكتب: "من عمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم"، فجرى الكتاب "من عمر أَمير المؤمنين" من ذلك اليوم. وقيل: إِن عمر قال: إِن أَبا بكر كان يقال له "يا خليفة رسول الله"، ويقال لي: يا خليفة خليفة رسول الله، وهذا يطول، أَنتم المؤْمنون وأَنا أَميركم. وقيل: إِن المغيرة بن شعبة قال له ذلك، والله أَعلم.)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا سعيد بن عامر قال: أخبرنا صالح بن رستم عن ابن أبي مُليكة عن عائشة قالت: لمّا ثَقُلَ أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله ماذا تقول لربّك إذا قدمت عليه غدًا وقد استخلفت علينا ابن الخطّاب؟ فقال: أجْلِسوني، أبالله تُرْهِبوني؟ أقولُ استخلفتُ عليهم خيرَهم. قال: أخبرنا الضّحّاك بن مَخْلَد أبو عاصم النبيل قال: أخبرنا عُبيد الله بن أبي زياد عن يوسف بن ماهَكَ عن عائشة قالت: لمّا حضرت أبا بكرٍ الوفاةُ استخلف عمر فدخل عليه عليّ وطلحة فقالا: مَن استخلفتَ؟ قال: عمر، قالا: فماذا أنت قائلٌ لربّك؟ قال: أبالله تُفرّقاني؟ لأنا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول استخلفتُ عليهم خيرَ أهلك. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد اللّيثي عن محمّد بن حمزة بن عمرو عن أبيه قال: توفي أبو بكر الصّدّيق مساء ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر، رحمه الله. قال: أخبرنا أسْباط بن محمّد عن أشعث عن الحسن قال فيما نظنّ أنّ أوّلَ خُطبةٍ خطبها عمر حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فقد ابتُليتُ بكم وابتُليتم بي وخلفتُ فيكم بعد صاحبيّ، فمنّ كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ومهما غابَ عَنّا وَلّيْنا أهلَ القوّة والأمانة، فمَنْ يُحْسِنْ نَزِدْهُ حُسنًا ومن يُسىء نُعاقبه ويغفر الله لنا ولكم. قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير عن الأعمش عن جامع بن شدّاد عن أبيه قال: كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللّهُمّ إنّي شديد فلَيّنيّ وإني ضعيف فقوّني وإني بخيل فسَخّني. قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شعبة عن جامع بن شدّاد عن ذي قرابة له قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: ثلاث كلمات إذا قلتها فهيمنوا عليها: اللّهمّ إني ضعيف فقوّني، اللّهمّ إني غليظ فلَيّنّي، اللّهمّ إني بخيل فسخّني. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم ووهب بن جرير قالا: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعتُ حُميد بن هلال قال: أخبرنا مَن شَهِدَ وفاةَ أبي بكر الصّدّيق فلمّا فرغ عمر من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثمّ قام خطيبًا مكانه فقال: إنّ الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبيّ، فوالله لا يَحْضُرُني شيءٌ من أمركم فيَليَه أحدٌ دوني ولا يتغيّبُ عنّي فآلو فيه عن الجَزْءِ والأمانة، ولِئنْ أحْسنوا لأحْسِنَنّ إليهم ولئن أُساءُوا لأنَكّلَنَّ بهم. قال الرجل: فوالله ما زاد على ذلك حتّى فارق الدّنيا. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد عن القاسم بن محمّد قال: قال عمر بن الخطّاب: لِيَعْلَمْ من وَليَ هذا الأمر من بعدي أن سَيُريدُه عنه القريبُ والبعيدُ، إني لأقاتلُ النّاسَ عن نفسي قتالًا ولو علمتُ إن علمت أنّ أحدًا من الناس أقوى عليه منّي لكنتُ أَنْ أُقدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقي أحبُّ إليَّ مِنْ أن ألِيَه.)) الطبقات الكبير.
((أنبأَنا سعيد بن سيد، حدّثنا عبد الله بن محمد بن عليّ، حدّثنا أحمد بن خالد، حدّثنا أبو يعقوب الدَّيْري، حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهري، عن سالم، عن ابن عمرَ أنّ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصًا أبيض، وقال: "جَدِيدٌ قَمِيصُكَ أَمْ غَسِيلٌ‏"؟ قال: بل غسيل. قال: "الْبِسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمتْ شَهِيدًا، وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّة عَيْن فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" ‏‏أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 402، وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/ 707، والهندي في كنز العمال حديث رقم 44292.، قال: وإياك يا رسول الله.(*))) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا عمرو بن عبد الله عن مهاجر أبي الحسن عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يقول في دعائه الذي يدعو به: اللهمّ تَوَفّني مع الأبرار ولا تُخلّفني في الأشرار وقِني عذاب النار وألْحِقني بالأخْيار. قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أنّها سمعت أباها يقول: اللهمّ ارْزُقْني قَتْلًا في سبيلك ووفاة في بلد نبيّك. قال: قلت وأنّى ذلك؟ قال: إنّ الله يأتي بأمره أنّى شاء. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول في دعائه: اللهمّ إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلدة رسولك. قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرّقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك ابن عُمير عن أبي بُردة عن أبيه قال: رأى عوف بن مالك أنّ النّاس جُمعوا في صعيد واحد فإذا رجلٌ قد علا الناس بثلاثة أذرع، قلتُ من هذا؟ قال: عمر بن الخطّاب، قلت: بمَ يعلوهم؟ قال: إنّ فيه ثلاثَ خِصال، لا يخاف في الله لَوْمَةَ لائم، وإنّه شهيدٌ مستشهَد، وخليفة مستخلَف، فأتى عوفٌ أبا بكر فحدّثه فبعث إلى عمر فبشّرَه فقال أبو بكر: قُصّ رؤياك، قال فلمّا قال خليفة مستخلَف انتهره عمر فأسكته، فلمّا وَليَ عمر انطلق إلى الشأم فبينما هو يخْطُب إذ رأى عوف بن مالك، فدعاه، فصَعِدَ معه المنبر فقال: اقصص رؤياك، فقَصّها، فقال: أمّا ألاّ أخاف في الله لومة لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم، وأمّا خليفة مستخلَف فقد اسْتُخْلِفْتُ فأسأل الله أن يُعينني على ما ولاّني، وأمّا شهِيد مستشهَد فأنّى لي الشّهادة وأنا بين ظَهْرَانَيْ جزيرة العرب لستُ أغزو الناس حولي؟ ثمّ قال: ويلي ويلي يأتي بها الله إن شاء الله. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنّ عمر بن الخطّاب دعا أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، وكانت تحته، فوجدها تبكي فقال: ما يُبْكيك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهوديّ، تعني كعب الأحبار، يقول إنّك على بابٍ من أبواب جهنّم، فقال عمر: ما شاءَ الله، والله إنّي لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيدًا. ثمّ أرسل إلى كعب فدعاه، فلمّا جاءه كعب قال: يا أمير المؤمنين لا تَعْجَلْ عليّ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجّة حتى تدخل الجنّة. فقال عمر: أيّ شيء هذا؟ مرّةً في الجنّة ومرّة في النّار، فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنّا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنّم تَمْنَعُ الناسَ أن يقعوا فيها فإذا مِتّ لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعريّ قال: رأيتُ كأنّي أخذتُ جَوَادّ كثيرة فاضمحلّت حتى بقيت جادّة واحدة، فسلكتُها حتى انتهيتُ إلى جبل فإذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فوقه وإلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومىء إلى عمر أن تعال، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات والله أمير المؤمنين. فقلت: ألا تَكْتُبُ بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنْتُ لأنْعي له نفسَه. قال: أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة قال: وأخبرنا عبد الله بن جعفر الرّقّي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو جميعًا عن عبد الملك بن عُمير عن رِبْعيّ بن حِراش عن حُذيفة قال: كنتُ واقفًا مع عمر بن الخطّاب بعَرَفَات وإنّ راحلتي لِبجنْبِ راحلته وإنّ رُكْبَتي لتَمس ركبته، ونحن ننتظر أن تَغْرُبَ الشّمْسُ فنُفيضَ. فلمّا رأى تكبير النّاس ودعاءهم وما يصنعون أعْجَبَه ذلك فقال: يا حذيفة كَمْ ترى هذا يبقى للناس؟ فقلت: على الفِتْنَةِ باب فإذا كُسِرَ الباب أو فُتِحَ خرجتْ، ففَزِعَ فقال: وما ذلك الباب وما كَسْرُ باب أو فتحُه؟ قلت: رجل يموت أو يُقْتَلُ، فقال: يا حُذيفة من تَرى قومَك يُؤمّرون بعْدي؟ قال: قلتُ رأيتُ الناس قد أسندوا أمرهم إلى عثمان بن عفّان. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمّع الأنصاريّ قال: أخبرني ابن شهاب أن محمد بن جُبَير حدّثه عن جُبَير بن مطعم قال: بينما عمر واقف على جبال عَرَفَة سمع رجلًا يَصْرُخُ يقول: يا خليفة، يا خليفة، فسَمِعَه رجلٌ آخر وهم يعتافون فقال: مالك؟ فَكّ الله لَهَوَاتِكَ! فأقْبَلْتُ على الرجل فصَخِبْتُ عليه قلت: لا تَسُبّنّ الرجل، قال جُبير بن مطعم: فإني الغَدَ واقفٌ مع عمر على العَقَبَةِ يرميها إذ جاءت حصاةٌ عاثرة فنَقَفَتْ رأسَ عُمَرَ ففصدت، فسمعتُ رجلًا من الجبل يقول: أُشْعِرْتَ وربّ الكعبة، لا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبدًا. قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرَخ فينا بالأمس فاشتَدّ ذلك عَلَيّ. قال ابن شهاب: فأخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أنّ أمّه أمّ كلثوم بنت أبي بكر حدّثته عن عائشة قالت: لما كان آخر حجّة حَجّها عمر بأمهّات المؤمنين قالت إذ صدرنا عن عرفة مررتُ بالمحصّب سمعتُ رجلًا على راحلته يقول: أين كان عمر أمير المؤمنين؟ فسمعتُ رجلًا آخر يقول: هاهنا كان أمير المومنين. قال فأناخ راحلته ثمّ رفع عَقِيرَتَه فقال‏: ‏

عليـكَ سَـلامٌ مـن إمامٍ وبارَكــَتْ يدُ الله في ذاك الأديمِ المُمَزَّقِ

فمنْ يَسْعَ أوْ يرْكَبْ جَناحيْ نعامةٍ ليُدرِك ما قدّمتَ بالأمس يُسبَقِ

قـضيْتَ أمـورًا ثمّ غادَرْتَ بعدها بَوائـــقَ في أكـــمامها لم تُفَــتَّقِ
فلم يَحْرُكْ ذاك الراكبُ ولم يُدْرَ من هو، فكنّا نتحدّث أنّه من الجنّ، قال فَقَدِمَ عمر من تلك الحجّة فطُعِنَ فمات. قال: حدثنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر ومحمّد بن عبيد الله عن الزهريّ عن محمّد بن جُبير بن مطعم عن أبيه بنحو هذا الحديث وقال: الذي قال بعرفة يا خليفة قاتَلَكَ اللُّه لا يَقِفُ عمرُ هذا الموقف بعد العام أبدًا، والذي قال على الجمرة أُشْعِرْتَ والله ما أَرى أمير المؤمنين إلاّ سيُقْتَلُ، رجلٌ من لِهْبٍ، بطن من الأزد، وكان عائفًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة قال: قالت عائشة: من صاحب هذه الأبيات:‏ ‏

جزى الله خَيرًا من إمامٍ وبارَكَتْ
فقالوا: مزرّد بن ضِرار، قالت فلقيت مُزرّدًا بعد ذلك فحلف بالله ما شَهِدَ تلك السنة الموسم. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد بن سعيد بن المسيّب أنّ عمر لما أفاض من مِنًى أناخ بالأبطح فكَوّمَ كَوْمَة من بطحاءَ وطرح عليها طَرَفَ ثوبه ثمّ استلقى عليها ورفع يديه إلى السماءِ وقال: اللّهُمّ كَبِرَتْ سِنّي وضَعُفَتْ قُوّتي وانْتَشَرَتْ رَعيّتي فاقْبِضْني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط. فلمّا قدم المدينة خطب الناس فقال: أيّها الناس قد فُرِضَتْ لكم الفرائض وسُنّتْ لكم السّنن وتُرِكتُم على الواضحة، ثمّ صَفَقَ يمينه على شماله، إلاّ أن تَضِلّوا بالناس يمينًا وشمالًا، ثمّ إيّاكم أن تَهْلِكوا عن آية الرجم وأن يقول قائل لا نُحَدّ حَدّين في كتاب الله، فقد رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، رجم ورجمنا بعده، فوالله لولا أن يقول الناس أحْدَثَ عمر في كتاب الله لكتبتُها في المُصْحَفِ، فقد قرَأناها، والشيخُ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتّة. قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجّة حتى طُعن.(*) قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا أبو الأشهب قال: سمعتُ الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب: اللهمّ كبرت سنّي وَرَقّ عظمي وخشيتُ الانتشار من رعيّتي فاقْبِضْني إليك غير عاجز ولا ملومٍ. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا يوسف بن سعد ابن عفّان عن عثمان بن أبي العاص عن عمر بن الخطاب قال: اللهمّ كبرت سنّي وَرَقّ عظمي وخشيتُ الانتشار من رعيّتي فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم. قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك المدني عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد أيّها الناس إنّي أُرِيتُ رؤيا لا أُراها إلاّ لحضور أجَلي، رأيتُ أنّ ديكًا أحمرَ نقرني نَقْرَتَين، فحدّثتها أسماءَ بنت عُميس فحدّثتني أنّه يقتلني رجل من الأعاجم. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن محمد قال: قال عمر رأيتُ كأنّ ديكًا نقرني نقرتين فقلت يَسوقُ الله إليّ الشهادة ويقتلني أعجم أو عجميّ. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همّام بن يحيَى قال: وأخبرنا عمرو بن الهيثمّ أبو قَطَنٍ قال: أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قال: وأخبرنا شبابة بن سَوّار الفزاريّ قال: أخبرنا شعبة بن الحجّاج، قالوا: جميعًا عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن مَعْدان بن أبي طلحة اليَعْمَري أنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس في يوم جمعة فذكر نبيّ الله وذكر أبا بكر فقال: إني رأيتُ أنّ ديكًا نقرني ولا أراه إلا حضور أجلي فإنّ أقوامًا يأمرونني اسْتَخْلِفْ وإنّ الله لم يكن ليُضَيّعَ دينه ولا خلافته، والذي بعث به نبيّه صَلَّى الله عليه وسلم، فإن عَجِلَ بي أمْرٌ فالخلافة شُورى بين هؤلاء الرهط الستّة الذين تُوُفّيَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عنهم راضٍ، وقد علمتُ أنّ أقوامًا سيَطْعُنُونَ في هذا الأمر بعدي أنا ضربتُهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا فأولئك أعداءُ الله الكُفّار الضُّلاّل، ثمّ إني لم أدَعْ شيئًا هو أهمّ إليّ من الكَلَالة وما راجعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في شيء ما راجعتُه في الكلالة، وما أغْلَظَ لي في شيء منذُ صاحَبْتُه ما أغْلَظَ لي في الكلالة حتى طعن بإصبعه في بطني فقال: "يا عمر تكفيك الآيةُ التي في آخر النّساء" وإن أعِشْ أقْضِ فيها بقَضِيّة يَقْضي بها مَن يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآنَ، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أُشْهِدُكَ على أُمراءِ الأمصار فإنّّي إنما بعثتُهم ليعلّموا الناس دينهم وسُنّةَ نبيّهم ويَعْدلوا عليهم ويقسموا فَيْئهم بينهم ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم، ثمّ إِنّكُم أيّها النّاس تأكلون من شَجَرَتَين لا أراهما إلاّ خبيثتين، البَصَل والثّوم، وقد كنت أرى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إذا وَجَدَ ريحهما من الرجل في المسجد أمر فأُخِذَ بيده فأُخرِجَ من المسجد إلى البقيع، فمن أكلهما لا بُدّ فلْيُمتْهُما طَبْخًا.(*) قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمرو أبو عامر العَقَدي وهشام أبو الوليد الطيالسي قالوا: أخبرنا شعبة بن الحجّاج عن أبي حمزة قال: سمعتُ رجلًا من بني تميم يُقال له جويرة بن قُدامة قال: حججتُ عامَ تُوُفّيَ عمر فأتى المدينة فخطب فقال: رأيتُ كأنّ ديكًا نقرني. فما عاش إلا تلك الجمعة حتى طُعن، قال: فدخل عليه أصحاب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ أهل المدينة، ثمّ أهل الشأم، ثمّ أهل العراق، قال: فكُنّا آخِرَ مَن دخَلَ عليه، قال فكلّما دخل قوْم بَكَوْا وأثنوا عليه، قال فكنتُ في من دخل فإذا هو قد عصب على جراحته. قال: فسألناه الوصيّة، قال: وما سألهُ الوصيّة أحدٌ غيرُنا، فقال: أوصيكم بكتاب الله فإنّكم لن تَضلّوا ما اتّبعْتُموه، وأوصيكم بالمهاجرين فإنّ الناس يُكثرون ويُقلّون، وأوصيكم بالأنصار فإنّهم شِعْبُ الإسلام الذي لجأ إليه، وأوصيكم بالأعراب فإنّهم أصلكم ومادُتكم، قال شعبة: ثمّ حدّثنيه مَرّة أخرى فزاد فيه فإنّهم أصلكم ومادُتكم وإخوانكم وعدوّ عدوّكم، وأوصيكم بأهل الذمّة فإنّهم ذِمّة نبيّكم وأرْزَاق عيالكم. قوموا عني. قال: أخبرنا محمد بن الفُضيل بن غَزْوَان الضبّي قال: أخبرنا حُصَين بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون قال: جئتُ فإذا عمرُ واقف على حُذيفة وعثمان بن حُنيف وهو يقول: تَخافان أن تكونا حَمَّلْتُمَا الأرض ما لا تُطيق، فقال عثمان: لو شئتُ لأضْعفتُ، وقال حذيفة: لقد حمّلتُ الأرض أمرًا هي له مطيقة وما فيها كبير فضل، فجعل يقول: انظرا ما لَدَيْكُما أَنْ تكونا حَمَّلْتُمَا الأرض ما لا تطيق، ثمّ قال: والله لئَنْ سلّمَني الله لأدَعَنّ أرامل أهل العراق لا يحتَجْنَ إلى أحَدٍ بعْدي أبدًا. قال فما أتت عليه إلا رابعةٌ حتى أصيب. وكان إذا دخل المسجد قام بين الصّفوف ثمّ قال: اسْتَوُوا، فإذا استووا تقدّم فكبّر، فلمّا كبّر طُعِنَ، قال فسمعتُه يقول: قَتَلَني الكَلبُ، أو أكلني الكلبُ، ما أدري أيّهما قال. وطار العِلْج في يده سكّين ذات طرفين ما يَمُرّ برجل يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه، فأصاب ثلاثة عشر رجلًا من المسلمين، فمات منهم تسعة، قال فلّما رأى ذلك رجلٌ من المسلمين طرح عليه بُرْنُسًا له ليأخذه فلمّا ظنّ أنّه مأخوذ نَحَرَ نَفَسَه. قال وما كان بيني وبينه، يعني عمر، حين طُعِن إلاّ ابن عبّاس، فأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقَدّمَه فصلّوا الفجر يومئذٍ صلاة خفيفة. قال فأمّا نواحي المسجد فلا يَدْرون ما الأمر إلا أنهم حين فقدوا صوت عمر جعلوا يقولون: سبحان الله سبحان الله! قال فلمّا انصرفوا كان أوّلُ من دخل على عمر بنَ عبّاس فقال: انْظُرْ مَن قتلني، فخرج ابن عبّاس فجال ساعة ثمّ أتاه فقال: غلام المغيرة بن شعبة الصنّاع، قال وكان نجارًا، قال: ما له قاتَلَه الله؟ واللِّه لقد كنْتُ أمرتُ به معروفًا. ثمّ قال: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلامَ، ثمّ قال لابن عبّاس: لقد كنْتَ أنتَ وأبوك تُحِبّان أن تكثُرَ العلوج بالمدينة، فقال ابن عبّاس: إنْ شِئتَ فَعَلْنا، فقال، أبَعْدَما تكلّموا بكلامكم وصلّوا بصلاتكم ونَسَكوا نُسْككم؟ فقال له الناس: ليس عليك بأسٌ، فدعا بنبيذ فشربه فخرج من جُرْحه، ثمّ دعا بلَبَن فشربه فخرج من جرحه، فلمّا ظنّ أنّه الموت قال: يا عبد الله بن عمر انظر كم عليّ من الدّين، قال فَحَسَبَه فوجده ستّةً وثمانين ألف درهم. قال: يا عبد الله إن وَفَى لها مالُ آل عمر فأدّها عني من أموالهم، وإن لم تَفِ أموالُهم فاسألْ فيها بني عديّ بن كعب، فإن لم تفِ من أموالهم فاسأل فيها قريشًا ولا تعْدُهم إلى غيرهم. ثمّ قال: يا عبد الله اذّهب إلى عائشة أمّ المؤمنين فقلْ لها يَـقْرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقُلْ أمير المؤمنين، فإنّي لستُ لهم اليوم بأمير، يقول تأذَنين له أن يُدْفَن مع صاحبيه؟ فأتاها ابن عمر فوجدها قاعدة تبكي فسلّم عليها ثمّ قال: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يُدْفَنَ مع صاحبيه، [[فقالت]]: قد واللِّه كنتُ أريده لنفسي ولأوثِرنّه به اليومَ على نفْسي. فلمّا جاء قيل هذا عبد الله بن عمر فقال عمر: ارْفعاني، فأسْنَده رجلٌ فقال: ما لديك؟ فقال: أذِنَتْ لك. قال عمر: ما كان شيءٌ أهمّ إليّ من ذلك المضْجع يا عبد الله بن عمر انْظُر إذا أنا مِتُّ فاحْملْني على سريري ثمّ قِفْ بي على الباب فقل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذِنَتْ لي فأدْخِلْني، وإن لم تأذن فادْفنّي في مقابر المسلمين. فلمّا حُمل فكأنّ المسلمين لم تُصبهم مصيبةٌ إلا يومئذٍ قال فأذنتْ له فدُفن، رحمه الله، حيث أكرمه الله مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر. وقالوا له حين حَضَرَه الموت: اسْتَخْلِفْ، فقال: لا أجدُ أحدًا أحَقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين تُوُفّيَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عنهم راضٍ فأيّهم اسْتُخْلِفَ فهو الخليفة من بعدي، فسَمّى عليًّا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعدًا، فإنْ أصابَتْ سعدًا فذاك وإلا فأيّهم استُخلِفَ فَلْيَسْتَعِنْ به، فإنّي لم أعْزِلْه عن عَجْز ولا خيانة. قال وجَعَلَ عبدَ الله معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيءٌ، قال فلمّا اجتمعوا قال عبد الرحمن: اجْعَلوا أمركم إلى ثلاثة نفر منكم، فجعل الزبير أمره إلى عليّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، وجعل سعدٌ أمره إلى عبد الرحمن، فَأْتَمَرَ أولئك الثلاثة حين جُعِلَ الأمرُ إليهم، فقال عبد الرحمن: أيّكُم يَبْرَأُ من الأمر ويَجْعَلُ الأمْرَ إليّ ولكم الله عَلَيّ ألاّ آلُوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، فأسْكَتَ الشيخان عليّ وعثمان، فقال عبد الرحمن: تَجْعَلانِهِ إليّ وأنا أخْرُجُ منها فوالله لا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، قالوا: نَعَمْ، فخَلا بعَليّ فقال: إنّ لك من القرابة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والقِدَم والله عليك لَئن استخلفتَ لَتَعْدِلَنّ ولئن استخلف عثمان لَتَسْمعَنّ ولتُطيعَن، فقال: نعم، قال وخلا بعثمان فقال مثلَ ذلك، قال فقال عثمان فنعم، قال فقال ابْسُطْ يدك يا عثمان، فبسط يده فبايعه عليّ والناس. ثمّ قال عمر: أُوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله والمهاجرين الأوّلين أن يَحفَظَ لهم حقهم وأن يعرف لهم حُرمتهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا فإنّهم رِدْءُ الإسلام وغَيْظُ العَدوّ وجباةُ المال أن لا يُؤخذ منهم إلا فضلهم عن رِضًى منهم، وأوصيه بالأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}[سورة الحشر: 9] أن يَقْبَلَ من مُحْسِنِهِمْ ويتجاوزَ عن مسيئِهِمْ، وأوصيه بالأعراب خيرًا فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام وأن يؤخَذَ من حواشي أموالهم فيُرَدّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله أن يُوفَي لهم بعهدهم وأن لا يُكَلَّفُوا إلا طاقتهم وأن يقاتل مَنْ وَراءهم. قال: أخبرنا معاوية بن عمرو الأزدي والحسن بن موسى الأشيب وأحمد بن عبد الله بن يونس قالوا: أخبرنا زهير بن معاوية أبو خيْثَمَة قال: أخبرنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدتُ عمرَ حين طُعِن قال: أتاه أبو لؤلؤة وهو يُسَوِّي الصفوف فطَعنه وطعن اثني عشر معه هو ثالث عشر، قال: فأنا رأيت عمر باسطًا يده وهو يقول: أدْرِكوا الكَلْبَ فقد قتلني، قال فماج الناس وأتاه رجل من ورائه فأخذه، قال فمات منهم سبعة أو ستّة، قال فحُمل عمر إلى منزله، قال فأتَى الطبيب فقال: أيّ الشراب أحبّ إليك؟ قال: النبيذ، قال فدعى بنبيذ فشرب منه فخرج من إحدى طَعَنَاتِه، فقالوا إنّما هذا الصّديد صديد الدم، قال فدعى بلبن فشرب منه فخرج، فقال: أوْصِ بما كنتَ موصيًا، فوالله ما أراك تُمسي، قال فأتاه كعب فقال: ألَمْ أقُلْ لك إنّك لا تموت إلا شهِيدًا وأنت تقول من أين وأنا في جزيرة العرب؟ قال فقال رجلٌ الصلاةَ عِبادَ الله قد كادت الشمس تَطْلُعُ، قال فتدافعوا حتى قدّموا عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن: {والعَصْر} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[سورة الكوثر: 1]، قال فقال عمر: يا عبد الله ائتني بالكتف التي كتبتُ فيها شأن الجَدّ بالأمس. وقال: لو أراد الله أن يُتِمّ هذا الأمرَ لأتمّه، فقال عبد الله: نحن نَكفيك هذا الأمر يا أميرالمؤمنين، قال: لا، وأخَذَه فمحاه بيده، قال فدعا ستّة نفر: عثمان وعليًّا وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام، قال فدعا عثمان أوّلَهم فقال: يا عثمان إنْ عَرََفَ لك أصحابك سِنّك فاتّقِ الله ولا تَحْمِلْ بني أبي مُعيط على رقاب الناس، ثمّ دعا عليًّا فأوصاه، ثمّ أمر صُهيبًا أن يصلّي بالناس. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدتُ عمر يوم طُعِن فما مَنََعَني أن أكون في الصفّ المقُدّم إلاّ هَيْبتُه، وكان رجلًا مَهيبًا فكنتُ في الصفّ الذي يليه، وكان عمرُ لا يُكبّرُ حتى يسْتَقْبِلَ الصفّ المقدّم بوجهه فإن رأى رجلًا متقدّمًا من الصفّ أو متأخرًّا ضَرَبَه بالدِّرّة، فذلك الذي منعني منه، فأقبل عمر فعَرَض له أبو لؤلؤة غلامُ المغيرة بن شعبة فناجى عمر غيرَ بعيد ثمّ طَعَنَه ثلاث طعنات. قال فسمعتُ عمر وهو يقول هكذا بيده وقد بسطها: دونكم الكلبَ قد قتلني. وماج النّاسُ فجَرَحَ ثلاثة عشر، وشدّ عليه رجلٌ مِنْ خَلْفِهِ فاحتضنه، واحتُمِل عمر وماج الناس بعضهم في بعض حتى قال قائل: الصّلاةَ عبادَ الله قد طلعت الشمسُ، فدَفعوا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بنا بأقصر سورتين في القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[سورة النصر: 1] و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[سورة الكوثر: 1]، واحتُمل عمر فدَخَلَ الناس عليه فقال: يا عبد الله بن عبّاس اخْرُجْ فنادِ في الناس أيّها النّاس إنّ أمير المؤمنين يقول أعَنْ مَلأٍ منكم هذا؟ فقالوا: مَعَاذَ الله ما عَلمنا ولا اطّلَعْنَا، فقال: ادعوا لي طبيبًا، فدُعِيَ له الطبيب فقال: أيّ شرابٍ أحبّ إليك؟ قال: نبيذ، فسُقيَ نبيذًا فخرج من بعض طعناته فقال الناس: هذا صديدٌ، اسْقوهُ لَبَنًا، فسُقي لبنًا فخرج فقال الطبيب: ما أرى أن تُمسَى فما كنتَ فاعِلًا فافْعَلْ، فقال: يا عبد الله بن عمر ناوِلْني الكَتِفَ فلو أراد الله أن يُمْضَي ما فيها أمضاه، فقال له ابن عمر: أنَا أكْفيكَ مَحْوَهَا، فقال: لا والله لا يَمْحُوها أحدٌ غيري، فمحاها عمر بيده وكان فيها فريضة الجَدّ. ثمّ قال: ادْعوا لي عليًّا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدًا، فلم يُكلّمْ أحدًا منهم غيرَ عليّ وعثمان فقال: يا عليّ لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لكَ قَرابتَك من النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وصِهْرَك وما آتاك الله من الفِقْه والعلم فإن وَليتَ هذا الأمرَ فاتِّق الله فيه، ثمّ دعا عثمان فقال: يا عثمان لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لك صِهرْك من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وسِنّكَ وشَرَفَك، فإنْ وَليتَ هذا الأمرَ فاتّقِ اللَّه ولا تَحْمِلَنّ بني أبي مُعَيْطٍ على رقاب الناس. ثمّ قال: ادْعوا لي صُهيبًا، فدُعي فقال: صلّ بالناس ثلاثًا وليَخْلُ هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالَفَهم فاضْربوا رأسَه. فلمّا خرجوا من عند عمر قال عمر: لو وَلّوْها الأجْلَحَ سَلَكَ بهم الطريق، فقال له ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكْرَهُ أن أتَحَمّلَهَا حيًّا ومَيّتًا. ثمّ دخل عليه كعبٌ فقال: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة: 147]، قد أنْبأتُك أنّك شهيد فقلتَ مِنْ أيْنَ لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب؟ قال: أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي قال: أخبرنا حاتم بن أبي صَغِيرَةَ عن سِماك أنّ عمر بن الخطّاب لما حُضِرَ قال إن أسْتَخْلِفْ فسُنّةٌ وإلاّ أستخلفْ فسنّةٌ، توفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يستخلف، وتوفّيَ أبو بكْر فاسْتَخْلَفَ. فقال عليّ: فعرفتُ والله أنّه لن يَعْدِلَ بسُنّة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فذاك حين جعلها عمرُ شورى بين عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص، وقال للأنصار أدْخِلوهُمْ بيتًا ثلاثة أيّام فإن استقاموا وإلاّ فادْخُلوا عليهم فاضربوا أعْناقَهم. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة عن حسين بن عمران عن شيخ عن عبد الرحمن بن أبْزى عن عمر قال: هذا الأمرُ في أهل بَدْرِ ما بقي منهم أحدٌ، ثمّ في أهل أُحُد ما بقي منهم أحَدٌ، وفي كذا وكذا، وليس فيها لطليقٍ ولا لولدِ طليق ولا لمُسْلِمَى الفَتْحِ شيءٌ. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد بن جُدْعان عن أبي رافع أنّ عمر بن الخطّاب كان مُسْتَندًا إلى ابن عبّاس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال: اعْلَموا أنّي لم أقُلْ في الكلالة شيئًا ولم أسْتَخْلِفْ بعْدي أحدًا، وأنّه مَنْ أدْرَكَ وفاتي من سَبْي العرب فهو حُرّ من مال الله. قال سعيد بن زيد بن عمرو: إنّك لَوْ أشَرْتَ برجل من المُسلمين ائتَمنَك الناسُ، فقال عمرُ: قد رأيتُ من أصحابي حِرْصًا سيّئًا وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستّة الذين مات رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عنهم راضٍ. ثمّ قال: لو أدْرَكَني أحدُ رجلين فجعلتُ هذا الأمرَ إليه لوَثِقْتُ به: سالم مولى أبي حُذيفَة وأبي عُبيدة بن الجرّاح. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عمر: مَنْ اسْتَخْلِفُ لو كان أبو عُبيدة بن الجرّاح، فقال له رجلٌ: ياأمير المؤمنين فأينَ أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتَلَك الله والله ما أردتَ اللهَ بهذا، أسْتَخْلِفُ رجلًا ليس يُحْسنُ يُطلّق امْرَأتَه! قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: أخبرنا أيّوب عن عبد الله ابن أبي مُليكة أنّ ابن عمر قال لعمر بن الخطّاب: لو استخلفتَ، قال: مَنْ؟ قال: تَجْتَهِدُ فإنّك لستَ لهم بربٍّ تجتهد، أرأيتَ لو أنّك بعثْتَ إلى قيّم أرضك ألم تكن تُحِبُّ أن يَسْتَخْلِفَ مكانَه حتى يَرْجِعَ إلى الأرض؟ قال: بلى، قال: أرأيتَ لو بعثتَ إلى راعي غنمك ألم تكن تُحبّ أن يَسْتَخْلِفَ رجلًا حتى يرجع؟ قال حمّاد: فسمعتُ رجلًا يحدّث أيّوب أنّه قال: إنْ أسْتَخْلِفْ فقد استخلف مَنْ هو خير منّي، وإن أتْرُكْ فقد ترك من هو خير منّي. فلمّا عرّض بهذا ظننتُ أنّه ليس بمستخلف. قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا هارون البربريّ عن عبد الله بن عبيد قال: قال ناس لعمر بن الخطّاب: ألا تَعْهَدُ إلينا؟ ألا تُؤمّرُ علينا؟ قال: بأيّ ذلك آخُذْ فقد تَبَيّنَ لي. قال: أخبرنا شهاب بن عباد العبدي قال: حدّثنا إبراهيم بن حُميد عن ابن أبي خالد قال: أخبرنا جُبير بن محمّد بن مُطعم بن جُبير بن مطعم قال: أُخبرتُ أنّ عمر قال لعليّ: إن وليتَ من أمر المسلمين شيئًا فلا تحملنّ بني عبد المطّلب على رقاب النّاس، وقال لعثمان: يا عثمان إن وليتَ من أمر المسلمين شيئًا فلا تحملنّ بني أبي مُعيط على رقاب الناس. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهريّ عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله أنّ عبد الله بن عمر قال: دخل الرهطُ على عمر قُبَيْلَ أنْ ينْزِلَ به عبدُ الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وسعد فنظر إليهم فقال: إني قد نظرتُ لكم في أمر الناس فلم أجِدْ عند الناس شِقاقًا إلاّ أن يكون فيكم، فإن كان شقاقٌ فهو فيكم، وإنّما الأمر إلى ستّة: إلى عبد الرحمن وعثمان وعليّ والزبير وطلحة وسعد، وكان طلحة غائبًا في أمواله بالسراة، ثمّ إنّ قومكم إنّما يؤمّرون أحدكم أيها الثلاثة، لعبد الرحمن وعثمان وعليّ، فإنْ كنتَ على شيءٍ من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تَحْمِلْ ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملنّ بني أبي مُعيط على رقاب الناس، وإن كنتَ على شيءٍ من أمر الناس يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب الناس. ثمّ قال: قوموا فتشاوروا فأمّروا أحدكم. قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورون. فدعاني عثمانُ مرّةً أو مَرّتَين ليُدْخِلَني في الأمر ولا والله ما أحبّ أني كنت فيه عِلْمًا أنّه سيكون في أمرهم ما قال أبي. والله لَقَلَّما رأيتُه يُحَرّكُ شَفَتَيْه بشيء قطّ إلاّ كان حَقًّا، فلمّا أكثرَ عثمانُ عَلَيّ قلتُ له: ألا تَعْقِلُونَ؟ أتُؤمّرُونَ وأميرُ المؤمنين حَيّ؟ فوالله لكأنّما أيقظتُ عمر من مَرْقَد، فقال عمر: أمْهِلوا فإن حَدَثَ بي حَدَثٌ فَلْيُصَلّ لكم صُهَيْبٌ ثلاثَ ليال ثمّ أجْمِعوا أمركم، فمن تَأمّرَ منكم على غير مشورةٍ من المسلمين فاضْرِبوا عنقه. قال ابن شهاب قال سالم: قلتُ لعبد لله أبَدَأ بعبد الرحمن قبلَ عليّ؟ قال: نعم والله. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن أبي معشر قال: حدّثنا أشياخنا، قال: قال عمر: إنّ هذا لأمرٌ لا يَصْلُحُ إلاّ بالشدّة التي لا جَبَرِيّةَ فيها وباللين الذي لا وَهْنَ فيه. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهريّ عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: كان عمر لا يَأذَنُ لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يَذْكُرُ له غُلامًا عنده صَنَعًا ويستأذنه أن يُدْخِلَهُ المدينة ويقول إنّ عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للناس، إنّه حدّادٌ نَقّاشٌ نجّارٌ. فكتب إليه عمر فأذِنَ له أن يُرْسِلَ به إلى المدينة، وضَرَبَ عليه المغيرةُ مائة درهم كل شهر، فجاءَ إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج فقال له عمر: ماذا تُحِسنُ من العمل؟ فذكر له الأعمال التي يُحْسِنُ، فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كُنْهِ عَمَلِك. فانصرف ساخطًا يَتَذَمّرُ فلبثَ عمر لياليَ، ثمّ إنّ العبد مَرّ به فدعاه فقال له: ألَمْ أُحَدَّثْ أنّك تقول لو أشاءُ لصنعتُ رَحًى تَطْحَنُ بالرّيح؟ فالتفت العبد ساخطًا عابسًا إلى عمر، ومع عمر رهطٌ، فقال: لأصْنَعَنّ لك رَحًى يتحدّثُ بها النّاس!. فلمّا وَلّى العبدُ أقْبَلَ عمرُ على الرهط الذين معه فقال لهم: أوْعَدَني العبدُ آنفًا، فلبث ليالي ثمّ اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نِصابه في وَسَطِهِ فكَمِنَ في زاوية من زوايا المسجد في غَلَسِ السَّحَر، فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناسَ للصّلاةِ صلاةِ الفجر، وكان عمر يفعل ذلك، فلمّا دنا منه عمر وَثَب عليه فطَعَنه ثلاثَ طعنات أحداهنّ تحتَ السرّة قد خرقت الصِّفاقَ، وهي التي قَتَلَتْه، ثمّ انحاز أيضًا على أهل المسجد فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلًا، ثمّ انتحر بخنجره، فقال عمر حين أدركه النّزْفُ وانْقَصَفَ النّاسُ عليه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فَلْيُصَلّ بالناس، ثمّ غلب عمرَ النزفُ حتى غُشي عليه. قال ابن عبّاس: فاحتملتُ عمرَ في رهط حتى أدخلته بيته، ثمّ صلّى بالنّاس عبدُ الرحمن فأنكر الناس صوت عبد الرحمن فقال ابن عبّاس: فلم أزل عند عمر ولم يزل في غَشْيَةٍ واحدة حتى أسفر الصبح، فلمّا أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصَلّى الناسُ؟ قال فقلتُ: نعم، فقال: لا إسلامَ لمن ترك الصّلاة. ثمّ دعَا بوضوء فتوضّأ، ثمّ صلّى ثمّ قال: اخْرُجْ يا عبد الله بن عبّاس فسَلْ من قتلني. قال ابن عبّاس: فخرجتُ حتى فتحتُ باب الدار فإذا النّاسُ مجتمعون جاهلون بخَبَرِ عمر، قال فقلت: من طعن أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدوّ الله أبو لؤلؤة غلامُ المغيرة بن شعبة. قال فدخلتُ فإذا عمر يُبِدُّنِِي النظر يَستْأني خبرَ ما بعثني إليه فقلتُ أرسلني أمير المؤمنين لأسْألَ من قتله فكلّمتُ الناس فزعموا أنّه طعنه عدوّ الله أبو لؤلؤة غلامُ المغيرة بن شعبة، ثمّ طعن معه رهطًا، ثمّ قتل نفسه. فقال: الحمدُ لله الذي لم يجعل قاتلي يُحاجّني عند الله بَسجْدَةٍ سجدها له قَطّ، ما كانت العرب لِتَقْتُلَني. قال سالم فسمعتُ عبد الله بن عمر يقول: قال عمر أرْسِلوا إليّ طبيبًا ينظر إلى جُرْحي هذا. قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسَقَى عمر نبيذًا فشَبَه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرّة، قال فدعوتُ طَبيبًا آخر من الأنصار ثمّ من بني معاوية فسقاه لَبَنًا فخرج اللبن من الطعنة يَصْلِد أبيض، قال فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين اعْهَدْ، فقال عمر: صَدَقَني أخو بني معاوية ولو قلتُ غير ذلك لَكَذّبتُك. قال فبكى عليه القومُ حين سمعوا فقال: لا تبكوا علينا، من كان باكيًا فَلْيَخْرُجْ، ألَمْ تَسمْعوا ما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "يُُعَذَّبُ المَيّتُ ببُكاءِ أهْله عليه"، فمِنْ أجل ذلك كان عبد الله بن عمر لا يُقِرّ أن يُبْكى عنده على هالك من ولده ولا غيرهم. وكانت عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، تُقيمُ النّوْحَ على الهالك من أهلها فحُدّثَت بقول عمر عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقالت: يرحم الله عمر وابن عمر فوالله ما كَذَبَا ولكنّ عمر وَهِلَ، إنّما مَرّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على نُوّحٍ يبكون على هالكٍ لهم فقال: "إنّ هؤلاء يبكون وإنّ صاحبهم ليعذَّب"، وكان قد اجْتَرَمَ ذلك.(*) قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني هشام بن عُمارة عن أبي الحُويرث قال: لمّا قَدِمَ غُلامُ المغيرة بن شعبة ضرب عليه عشرين ومائة درهم كلّ شهر، أربعةَ دراهم كلّ يوم. قال وكان خبيثًا إذا نظر إلى السّبْي الصغار يأتي فيَمْسَحُ رءوسهم ويَبْكي ويقول: إنّ العرب أكلت كَبِدي. فلمّا قدم عمر من مكّة جاء أبو لؤلؤة إلى عمر يريده فوجده غاديًا إلى السوق وهو متّكِئٌ على يد عبد الله بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين إنّ سيّدي المغيرة يُكلّفُني ما لا أطيق من الضريبة، قال عمر: وكم كلّفك؟ قال: أربعة دراهم كلّ يوم، قال: وما تعملُ؟ قال: الأرْحاء، وسكت عن سائر أعماله. فقال: في كم تعمل الرحى؟ فأخبره، قال: وبِكَمْ تَبِيعُها؟ فأخبره، فقال: لقد كلّفك يسيرًا، انْطَلِقْ فأعْطِ مولاك ما سَألَك. فلّما ولّى قال عمر: ألا تجعل لنا رَحًى؟ قال: بلى أجعل لك رحى يتحدّث بها أهل الأمصار. ففزَعَ عمر من كلمته، قال وعَلِيّ معه فقال: ما تراه أراد؟ قال: أوعدك يا أمير المؤمنين، قال عمر: يكفيناه الله، قد ظننتُ أنّه يريد بكلمته غَوْرًا. أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن حَزْم قال: كان أبو لؤلؤة من سَبْي نهاوند. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: لمّا طُعِنَ عمر هرب أبو لؤلؤة، قال وجعل عمر ينادي: الكلب الكلب. قال فطَعَنَ نفرًا فأخذ أبا لؤلؤة رهطٌ من قريش عبدُ الله بن عوف الزهريّ وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ورجل من بني سَهْم فطرح عليه عبد الله بن عوف خميصةً كانت عليه فانتحر بالخنجر حين أُخذ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه قال: إنّما طعن نفسه به حتى قتل نفسه، واحْتَزّ عبدُ الله بن عوف الزهريّ رأسَ أبي لؤلؤة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن محمّد بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعتُ عمرَ يقول لقد طعنني أبو لؤلؤة وما أظنّه إلاّ كلبًا حتى طعنني الثالثة. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة عن جعفر ابن محمّد عن أبيه قال: لمّا طُعن عمر بن الخطّاب اجتمع الناس إليه، البدريّون المهاجرون والأنصار، فقال لابن عبّاس: اخْرُجْ إليهم فَسَلْهُم: عن ملأٍ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟ قال فخرج ابن عبّاس فسألهم فقال القوم: لا والله ولَوَدِدْنَا أنّ الله زاد في عمرك من أعمارنا. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يومَ أُصيب عليه إزارٌ أصفر، قال وكنتُ أدعُ الصفّ الأوّل هيبةً له وكنتُ في الصفّ الثّاني يومئذٍ، قال فجاء فقال: الصلاةَ عِبادَ الله اسْتَوُوا، ثمّ كبّر، قال فطعنه طعنة أو طعنتين، قال وعليه إزارٌ أصفر قد رفعه على صدره فأهْوى وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [سورة الأحزاب: 38]. قال ومال على النّاس فقَتَل وَجَرَحَ بضعة عشر، فمال الناس عليه فاتّكأ على خنجره فقَتَل نفسه. قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: لما طُعن عمر تلك الطعنة انْصرف وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}، قال فطلبوا القاتل وكان عبدًا للمغيرة بن شعبة، وكان في يده خنجر له طرفان، قال فَجَعَلَ لا يدنو منه أحَدٌ إلا طعنه فجَرَحَ ثلاثة عشر رجلًا، فأفْلَتَ أربعة ومات تسعة، أو أفلت تسعة ومات أربعة. قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مِسْعَرٌ عن مهاجر عن عمرو بن ميمون قال: صلّى عمر الفجر في العام الذي أُصيب فيه فقرأ: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [سورة البلد: 1] و: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [سورة التين: 1]. قال: أخبرنا يحيَى بن حَمّاد قال: أخبرنا أبو عوانَة عن رَقَبَة بن مَصْقَلَة عن أبي صَخْرة عن عمرو بن ميمون قال: سمعتُ عمر بن الخطّاب حين طُعن يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [سورة الأحزاب: 38]. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا العُمَريّ عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه كان يكتب إلى أمراء الجيوش: لا تَجْلبوا علينا من العلوج أحدًا جرت عليه المواسي. فلمّا طعنه أبو لؤلؤة قال: من هذا؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة، قال: ألَمْ أقُلْ لكم لا تجلبوا علينا من العلوج أحدًا؟ فغلبتموني. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهِدتُ عمر من حين طُعِن وطَعن الذي طعنه ثلاثة عشر أو تسعة عشر فأمّنا عبدُ الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن، بالعَصْرِ و {إذا جاء نَصْرُ الله}، في الفجر. قال: أخبرنا يَعْلى بن عبيد قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: طَعَنَ الذي طَعَنَ عمرَ اثنى عشر رجلًا بعمر فمات منهم ستّة بعمر وأفْرَقَ ستّةٌ. قال: أخبرنا محمّد بن عمر عن عمر بن أبي عاتكة عن أبيه عن ابن عمر قال: لمّا طُعن عمر حُمل فغُشي عليه فأفاق فأخَذْنَا بيده، قال ثمّ أخذ عمر بيدي فأجلسني خلفه وتساند إليّ وجِرَاحُه تَثْعَبُ دَمًا إنّي لأضَعُ إصبعي هذه الوسطى فما تسدّ الرّتْق، فتوضْأ ثمّ صلّى الصبْح فقرأ في الأولى وَالعَصْرِ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [سورة الكافرون]. قال: أخبرنا وهب بن جرير وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعتُ يعلى بن حكيم يحدّث عن نافع قال: رأى عبد الرحمن بن عوف السكّين التي قُتل بها عمر فقال: رأيتُ هذه أمس مع الهرمزان وجُفينة فقلتُ: ما تصنعان بهذه السكّين؟ فقالا: نَقْطعُ بها اللحم فإنّا لا نَمَسّ اللحمَ. فقال له عبيد الله بن عمر: أنتَ رأيتَها معهما؟ قال: نعم. فأخذَ سَيفه ثمّ أتاهما فقََتَلَهُما فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال: ما حَمَلك على قَتلِ هذين الرجُلين وهما في ذِمّتنا؟ فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه، قال وقد كان حين بعث إليه عثمان تَقَلّدَ السيف فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه. قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقيّ المكّيّ قال: أخبرنا مسلم بن خالد قال: حدّثني عبيد الله بن عمر عَن نافع عن أسلم أنّه لما طُعن عمر قال: مَن أصابني؟ قالوا: أبو لؤلؤة، واسمه فَيْرُوزُ، غلام المغيرة بن شعبة، قال: قد نهيتكم أن تجلبوا علينا من علوجهم أحدًا فعصيتموني. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن هشام بن عروة عن أبيه عن المِسْوَر بن مخرمة أنّ ابن عبّاس دخل على عمر بعدما طُعن فقال: الصلاةَ، فقال: نعم لا حظّ لامرىءٍ في الإسلام أضاعَ الصّلاة. فصلّى والجُرْحُ يَثْعَبُ دمًا. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ عن أيّوب بن أبي مُليكة عن المِسْوَر بن مخرمة أنّ عمر لمّا طُعِن جَعَلَ يُغْمى عليه فقيل إنّكم لَنْ تُفْزِعوه بشيءٍ مثل الصّلاة إن كانت به حياة، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصّلاة قد صُلّيَتْ، فانتبه فقال: الصلاة هاءَ الله إذًا ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، قال فصَلّى وإنّ جُرحه ليَثْعَبُ دمًا. قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقديّ قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن أمّ بكر بنت المِسْوَر عن أبيها المسور بن مخرمة قال: دخلتُ على عمر بن الخطّاب حين طُعن أنا وابن عبّاس وأوذِنَ بالصّلاة فقيل: الصلاةَ يا أمير المؤمنين، قال فرفع رأسه فقال: الصلاةَ، ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة. قال فصلّى وإنّ جرحه ليثعب دمًا، قال ودُعي له طبيبٌ فسقاه نبيذًا فخرج مشاكلًا للدم، فسقاه لبنًا فخرج أبيض فقال: يا أمير المؤمنين اعْهَدْ. فذاك حين دعا أصحاب الشورى. قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا مِسْعر عن سِماك قال: سمعتُ ابن عبّاس قال: دخلتُ على عمر حين طُعِن فجعلتُ أُثْني عليه فقال: بأيّ شيءٍ تُثني عليّ، بالإِمْرةِ أو بغيرها؟ قال: قلتُ بكلّ، قال: لَيْتَني أخْرُجُ منها كَفافًا لا أجْرَ ولا وِزْرَ. قال: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي وعبيد الله بن موسى عن مِسْعَر عن سِماك الحَنَفي قال: سمعتُ ابن عبّاس يقول: قلتُ لعمر مَصَّرَ اللُّه بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل بك وفعل، فقال: لوددت أني أنجو منه لا أجْرَ ولا وِزْرَ. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لمّا حضرت عمر بن الخطّاب الوفاةُ قال: بالإمارة تَغبطونني؟ فوالله لوددت أني أنجو كَفافًا لا عليّ ولا لي. قال مالك: فقال سليمان بن يسار للوليد بن عبد الملك ذلك. فقال: كذبتَ، فقال سليمان أو كُذبتُ. قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة قالا: قال ابن شهاب أخبرنا سليمان بن يسار عن حديث المِسْور بن مخرمة عن عمر ليلةَ طُعن دخل هو وابن عبّاس فلمّا أصبَح أفْزَعوه وقالوا: الصّلاة، ففزع فقال: نعم ولا حَظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، فصلّى والجُرْحُ يَثْعَبُ دمًا. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس عن كثير النّوّاءِ عن أبي عبيد مولى ابن عبّاس عن ابن عبّاس قال: كنتُ مع عليّ فسمعنا الصيحة على عمر، قال فقام وقمتُ معه حتى دخلنا عليه البيتَ الذي هو فيه فقال: ما هذا الصوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطبيب نبيذًا فخرج وسقاه لبنًا فخرج، فقال: لا أرى تُمْسى، فما كنْتَ فاعِلًا فافْعَلْ. فقالت أمّ كلثوم: واعمراه! وكان معها نسوة فبكين معها وارتَجَّ البيتُ بكاءً فقال عمر: والله لو أنّ لي ما على الأرض من شيء لافتديتُ به من هَوْل المُطّلَع. فقال ابن عبّاس: والله إنّي لأرجو أن لا تراها إلاّ مقدار ما قال الله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم: 71]، إن كنتَ ما عَلمنا لأمير المؤمنين وأمين المؤمنين وسيّد المؤمنين تَقْضي بكتاب الله وتَقْسِمُ بالسويّة، فأعجبه قولي فاستوى جالسًا فقال: أتَشْهَدُ لي بهذا يابن عبّاس؟ قال: فكففتُ فضرب على كتفي فقال: اشهد لي بهذا يابن عبّاس، قال قلت: نعم أنا أشْهَدُ. قال: أخبرنا هَوْذة بن خليفة قال: أخبرنا ابن عون عن محمّد بن سيرين قال: لمّا طُعن عمر جعلَ النّاس يدخلون عليه فقال لرجل: انظر، فأدخل يده فنظر، فقال: ما وجدت؟ فقال: إني أجده قد بقي لك من وَتِينِك ما تَقضي منه حاجتك، قال: أنت أصدقُهم وخيرُهم. قال فقال رجل: والله إنّي لأرجو أن لا تَمَسّ النارُ جِلْدَك أبدًا. قال فنظر إليه حتى رثينا أو أوينا له ثمّ قال: إنّ عِلْمَك بذلك يا فلان لقليلٌ، لو أنّ ما في الأرض لي لافتديتُ به من هوْل المُطّلَعِ. قال: أخبرنا هَوْذة بن خليفة قال: أخبرنا عوف عن محمّد قال: قال ابن عبّاس لما كان غداةَ أصيب عمر كنتُ فيمن احتمله حتى أدخلناه الدار، قال فأفاق إفاقة فقال: من أصابني؟ قلت: أبو لؤلؤة غلامُ المغيرة بن شعبة، فقال عمر: هذا عملُ أصحابك، كنتُ أريد أن لا يَدْخُلها عِلْجٌ من السبي فغلبتموني على أن غُلِبْتُ على عقلي، فاحْفَظْ مني اثنتين: إني لم أستخلف أحَدًا ولم أقْضِ في الكلالة شيئًا، قال عوف وقال غيرُ محمّد إنّه قال: لم أقْضِ في الجَدّ والإخْوة شيئًا. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبّاس أنّه دخل على عمر لما أصيب فقال: يا أمير المؤمنين إنّما أصابك رجلٌ يقال له أبو لؤلؤة، فقال: إنّي أُشْهِدكم أني لم أقضِ في ثلاثة إلا بما أقول لكم، جعلتُ في العبد عبدًا وفي ابن الأمَة عَبْدَيْن. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عَوانة قال: أخبرنا داود بن عبد الرحمن الأوْدي عن حميد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِيّ قال: أخبرنا ابن عبّاس بالبصرة قال: أنا أوّل من أتى عمر بن الخطّاب حين طُعن فقال: احْفَظْ مني ثلاثًا، فإني أخاف أن لا يُدْركَني النّاسُ، أمّا أنَا فلمْ أقضِ في الكلالة قضاءً، ولم أستخلف على الناس خليفة، وكلّ مملوك لي عتيق، قال فقال له الناس: اسْتَخْلِفْ، فقال: أيّ ذلك ما أفعل فقد فَعَلَه من هو خير منّي، إنْ أتْرُكْ للناس أمْرَهم فقد تركه نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإنْ أسْتَخْلِفْ فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، فقُلْتُ: أبْشِرْ بالجنَّة، صاحبتَ رسولَ الله فأطلْتَ صُحبتَه، وَوَليتَ أمرَ المؤمنين فقوّيتَ وأدّيتَ الأمانَة، فقال: أمّا تبشيرك إيّاي بالجنّة فوالله الذي لا إله إلاّ هو لو أنّ لي الدنْيا وما فيها لافتديتُ به من هول ما أمامي قبل أن أعْلَمَ الخبر، وأمّا قولك في إمْرَة المؤمنين فوالله لوددتُ أنّ ذلك كَفاف لا لي ولا عليّ، وأمّا ما ذكرتَ من صُحبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فذاك. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن محمّد عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: كنتُ تاسعَ تسعةَ عشر رجلًا حين طُعن عمر فأدخلناه فشكا إلينا ألَمَ الوَجَع. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا يوسف بن سعد عن عبد الله بن حُنين عن شدّاد بن أوس عن كعب قال: كان في بني إسرائيل ملكٌ إذا ذكرناه ذكرنا عُمَرَ وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبيّ يوحَى إليه فأوحى الله إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أن يقول له: اعْهَدْ عَهدك واكتبْ إليّ وَصِيَّتك فإنّك ميّتٌ إلى ثلاثة أيّام، فأخبره النبيّ بذلك، فلمّا كان في اليوم الثالث وقع بين الجَدْرِ وبين السرير ثمّ جَأرَ إلى ربّه فقال: اللهمّ إن كنتَ تعلمُ إني كنتُ أعْدِلُ في الحكم، وإذا اختَلَفَتِ الأمورُ اتّبَعْتُ هواك وكنتُ وكنتُ، فزدني في عمري حتى يكبرَ طِفْلي وترْبُو أمّتي. فأوحى الله إلى النبيّ أنّه قد قال كذا وكذا وقد صَدَقَ وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة، ففي ذلك ما يَكْبَرُ طفلُه وتربو أمّتُه. فلمّا طُعن عمر قال كعب: لَئِنْ سَأَلَ عمر ربه لَيُبْقِيَنّهُ الله، فأُخْبِرَ بذلك عمرُ فقال عمر: اللهمّ اقْبضْني إليك غير عاجزٍ ولا ملومٍ. قال: أخبرنا محمد بن عبيد والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا هارون بن أبي إبراهيم عن عبد الله بن عُبيد بن عُمير أنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن قال له النّاسُ: يا أمير المؤمنين لو شربت شربة، فقال: اسْقوني نبيذًا، وكان من أحبّ الشراب إليه، قال فخرج النبيذ من جُرحه مع صَديد الدم فلم يَتَبَيّنْ لهم ذلك أنّه شرابه الذي شرب، فقالوا: لو شربتَ لبنًا، فأُتي به فلمّا شرب اللبن خرج من جُرحه، فلمّا رأى بياضه بكى وأبْكَى من حوله من أصحابه، فقال: هذا حينٌ، لَوْ أنّ لي ما طَلَعَتْ عليه الشمس لافتديتُ به من هَوْل المُطّلَع، قالوا: وما أبكاك إلاّ هذا؟ قال: ما أبكاني غيره، قال فقال له ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين والله إنْ كان إسلامك لنصرًا وإن كانت إمامتك لفتحًا، والله لقد مَلأتْ إمارتك الأرض عدلًا، ما من اثنين يختصمان إليك إلاّ انتهيا إلى قولك. قال فقال عمر: أجْلسوني، فلمّا جلس قال لابن عبّاس: أعِدْ عليّ كلامك، فلمّا أعاد عليه قال: أتشهد لي بذلك عند الله يومَ تلقاه؟ فقال ابن عبّاس: نعم، قال ففرح عمر بذلك وأعجبه. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير عن يحيَى بن سعيد عن القاسم بن محمّد أنّ عمر بن الخطّاب حين طُعن جاءَ النّاس يُثْنونَ عليه ويودّعونَه فقال عمر: أبا الإمارة تُزكّونَني؟ لقد صَحِبْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقبض الله رسوله وهو عني راضٍ، ثمّ صحبتُ أبا بكرٍ فسمعتُ وأطعتُ فتوفّي أبو بكر وأنا سامع مطيع، وما أصبَحْتُ أخافُ على نفسي إلا إمارتَكم هذه. قال: أخبرنا يحيَى بن خُليف بن عقبة قال: أخبرنا ابن عون عن محمّد بن سيرين قال: لمّا طُعن عمر جعل الناس يدخلون عليه فقال: لو أنّ لي ما في الأرض من شيء لافتديتُ به من هَوْل المُطّلَعِ. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: دعا عمر بن الخطّاب بلبن بعدما طُعن فشرب فخرج من جِراحته فقال: الله أكبر، فجعل جلساؤه يثنون عليه فقال: إنّ مَن غَرّهُ عمرهُ لمغرورٌ، والله لوددتُ أنّي أخرج منها كما دخلتُ فيها، والله لو كان لي ما طلعت عليه الشمسُ لافتديتُ به من هول المُطّلَع. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيّب أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق قال حين قُتل عمر: قد مررتُ على أبي لؤلؤة قاتلِ عمر ومعه جُفينة والهرمزان وهم نَجيّ فلمّا بَغَتُّهُم ثاروا فسقط من بينهم خنجرٌ له رأسان ونِصابه وسطه، فانْظُروا ما الخنجر الذي قُتل به عمر، فوجدوه الخنجر الذي نَعَتَ عبد الرحمن بن أبي بكر، فانطلق عبيدُ الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه السيف حتّى دعا الهرمزان فلمّا خرج إليه قال: انْطَلِقْ معي حتّى ننظر إلى فرس لي، وتأخّر عنه حتّى إذا مضى بين يديه عَلاهُ بالسيف، قال عبيد الله: فلمّا وجد حرّ السيف قال: لا إله إلاّ الله، قال عبيد الله: ودعوتُ جُفينة وكان نصرانيًا من نصارى الحيرة، وكان ظِئْرًا لسعد بن أبي وقّاص أقدمه المدينة للمِلْح الذي كان بينه وبيينه، وكان يعلِّمُ الكتاب بالمدينة، قال عبيد الله: فلمّا علوتُه بالسيف صَلّبَ بين عينيه، ثمّ انطلق عبيد الله فقَتَلَ ابنة لأبي لؤلؤة صغيرة تدّعي الإسلام، وأراد عبيد الله إن لا يترك سَبْيًا بالمدينة إلاّ قَتَلَه، فاجْتَمَعَ المهاجرون الأوّلون عليه فنهوه وتوعّدوه فقال: والله لأقْتُلَنّهُم وغيرَهم، وعَرَّضَ ببعض المهاجرين فلم يزل عمرو ابن العاص به حتّى دفع إليه السيف، فلمّا دفع إليه السيف أتاه سعد بن أبي وقّاص فأخذ كلّ واحد منهما برأس صاحبه يتَنَاصَيان حتى حُجز بينهما، ثمّ أقبل عثمانُ قبل أنْ يُبايَعَ له في تلك اللّيالي حتّى واقع عبيد الله فتناصيا، وأظْلَمَت الأرضُ يومَ قَتَلَ عبيد الله جُفينةَ والهرمزانَ وابنةَ أبي لؤلؤة على الناس، ثمّ حُجِزَ بينه وبين عثمان، فلمّا استُخلِفَ عثمانُ دعا المهاجرين والأنصار فقال: أشيروا عليّ في قتل هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق، فاجتمع المهاجرون على كلمة واحدة يُشايعون عثمان على قتله وجُلّ الناس الأعظمُ مع عبيد الله يقولون لجُفينة والهرمزان أبْعَدَهما الله: لعلّكم تريدون أن تُتبعوا عمرَ ابنُه؟ فكثر في ذلك اللّغطُ والاختلاف ثمّ قال عمرو بن العاص لعثمان: يا أمير المؤمنين إنّ هذا الأمر قد كان قبل إن يكون لك على الناس سلطانٌ فأعْرِضْ عنهم. وتَفَرّقَ النّاسُ عن خطبة عمرو وانتهى إليه عثمان ووُديَ الرجلان والجارية. قال محمد بن شهاب: قال حمزة بن عبد الله: قال عبد الله بن عمر: يَرْحَمُ الله حَفْصَةَ فإنّها ممّن شجّع عبيد الله على قتلهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني موسى بن يعقوب عن أبيه عن جدّه قال: جَعَلَ عثمان يومئذٍ يناصي عبيدَ الله بن عمر حتى نظرتُ إلى شعر رأس عبيد الله في يد عثمان، قال ولقد أظلمت الأرض يومئذٍ على الناس. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني موسى بن يعقوب عن أبي وَجْزَة عن أبيه قال: رأيتُ عبيد الله يومئذٍ وإنّه ليناصي عثمان، وإنّ عثمان ليقول: قاتَلَكَ الله قتلتَ رجلًا يصلّي وصبيّةً صغيرة وآخَرَ من ذِمّةِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ما في الحقّ تَرْكُك! قال فعجِبْتُ لعثمان حين وَلَي كيف تَرَكَه، ولكنّني عرفتُ أنّ عمرو بن العاص كان دخل في ذلك فَلَفَته عن رأيه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عتبة بن جَبيرَةَ عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبيد قال: ما كان عبيد الله يومئذٍ إلا كهيَئة السّبُعِ الحَرْب، وجعل يعترض العَجَمَ بالسيف حتى حُبس يومئذ في السجن، فكنتُ أحْسِبُ لو أنّ عثمان وَلَي سَيَقْتُلُه لِما كنتُ أراه صَنَعَ به، كان هو وسعدٌ أشدّ أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليه. قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر أوصى إلى حفصة، فإذا ماتت فإلى الأكابر من آل عمر. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همّام بن يحيَى عن قتادة قال: أوصى عمر بن الخطّاب بالرُّبْع. قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقيّ قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب لم يتشهّد في وصيّته. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ وإسحاق بن يوسف الأزرق وعبد الوهّاب بن عطاء العجلي عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: أصابَ عمرُ أرضًا بخَيْبَرَ فأتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فاستأمَره فيها فقال: أصبتُ أرضًا بخيبر لم أُصِبْ مالًا قطّ أنفسَ عندي منه، فما تأمر به؟ قال: "إن شئتَ حَبَسْتَ أصلَها وتصدّقتَ بها"، قال فتصدّقَ بها عمرُ، قال لا يُباعُ أصلُها ولا توهَبُ ولا تورثُ، وتصدّق بها في الفقراء والقُرْبَى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيَها أنْ يَأكُلَ منها بالمعروف ويُطعِمَ صديقًا غيرَ مُتَمَوِّل فيها.(*) قال ابن عون فحدّثتُ به محمد بن سيرين فقال: غيرَ مُتأثّل مالًا، قال إسماعيل قال ابن عون وحدّثني رجل أنّه قرأ في قطعة أدم، أو رقعة حمراء، غير متأثّل مالًا. قال: أخبرنا مطرّف بن عبد الله اليساري قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ أوّل صدقةٍ تُصُدّقَ بها في الإسلام ثَمْغٌ صَدَقَةُ عُمَرَ بن الخطّاب. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا الضحّاك بن عثمان عن عثمان بن عروة قال: كان عمر بن الخطّاب قد استسلف من بيت المال ثمانين ألفًا فدعا عبد الله بن عمر فقال: بِعْ فيها أموالَ عمر فإن وَفَتْ وإلاّ فَسَلْ بني عديّ فإن وفَتْ وإلاّ فسَلْ قريشًا ولا تَعْدُهم. قال عبد الرحمن بن عوف: ألا تستقرضها من بيت المال حتى تُؤدّيَها؟ فقال عمر: معاذَ الله أن تقولّ أنتَ وأصحابك بعدي أمّا نحن فقد تركنا نصيبنا لعمر فَتعُرُّونِي بذلك فتَتْبَعَني تَبِعَتُهُ وأقَعَ في أمر لا يُنْجيني إلا المَخْرَجُ منه. ثمّ قال لعبد الله بن عمر: اضْمَنْها، فضمنها، قال فلم يُدْفَنْ عمر حتى أشْهَدَ بها ابنُ عمر على نفسه أهلِ الشورى وعدّةً من الأنصار، وما مضت جمعةٌ بعد أن دُفن عمر حتى حَمَلَ ابن عمر المالَ إلى عثمان بن عفان وأحضر الشهود على البراءة بدفع المال. قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة قال: حدّثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدّثني يحيَى بن أبي راشد النصريّ أنّ عمر بن الخطّاب لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: يا بُنيّ إذا حضرتني الوفاةُ فاحرفني وَاجْعَلْ رُكْبَتَيْكَ في صُلْبي وضع يدك اليمنى على جبيني ويدك اليسرى على ذَقْني، فإذا قُبِضْتُ فَأَغْمِضْنِي، واقْصِدُوا في كفني فإنّه إنْ يكن لي عند الله خيرٌ أبْدَلَني خيرًا منه، وإن كنتُ على غير ذلك سلبني فأسْرَعَ سَلَبي، واقْصِدوا في حفرتي فإنّه إنْ يكن لي عند الله خيرٌ وَسّعَ لي فيها مَدّ بصَري، وإن كنتُ على غير ذلك ضَيّقَهَا عَلَيّ حتى تَخْتَلِفَ أضْلاعي، ولا تُخْرِجُنّ معي امرأةً، ولا تُزَكّوني بما ليس فيّ، فإنّ الله هو أعلم بي، وإذا خرجتم بي فأسرعوا في المَشْي فإنّه إنْ يكن لي عند الله خيرٌ قَدمْتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنْتُ على غير ذلك كنتم قد ألْقَيْتُمْ عن رقابكمْ شَرًّا تَحْمِلُونَه. قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو الأحوص عن ليث عن رجل من أهل المدينة قال: أوصى عمر بن الخطّاب عبدَ الله ابنه عند الموت فقال: يا بُنيّ عليك بخصال الإيمان، قال: وما هنّ يا أبتِ؟ قال: الصوم في شدّة أيام الصيف، وقتل الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغَيْم، وترك رَدْغة الخبال. قال فقال: وما ردغة الخبال؟ قال: شُرْب الخمر. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي رافع أنّ عمر بن الخطّاب قال لسعيد بن زيد وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس: اعْلَمُوا أني لم أسْتخلِف وأنّه من أدرك وفاتي من سَبْي العرب من مال الله فهو حُرّ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر عن حفص عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر أوصى عند الموت إن يُعْتَقَ من كان يُصلّي السجدتين من رقيق الإمارة وإن أحَبّ الوالي بعدي أن يَخْدُموه سنتين فذلك له. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ربيعة بن عثمان أنّ عمر بن الخطّاب أوصى أن تُقَرّ عُمّالُه سنةً، فأقرّهم عثمان سنة. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمّد بن سعد قال: وحدّثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمّد بن سعد عن أبيه عن عامر بن سعد قال: قال عمر بن الخطّاب إنْ وَلّيْتُمْ سعْدًا فسبيلُ ذلك وإلاّ فَلْْيَسْتَشِرْه الوالي فإنّي لم أعْزِلْه عن سخطة. قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنّ عمر قال لعبد الله بن عمر ورأسُهُ في حجْره: ضَعْ خَدّي في الأرْض، فقال: وما عليك في الأرض كان أو في حجْري؟ قال: ضَعْه في الأرض، ثمّ قال: ويْلٌ لي ولأمّي إنْ لم يغفر الله لي، ثلاثًا. قال: أخبرنا يزيد بن هارون ووهب بن جرير وكثير بن هشام قال: أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب أخذ تِبْنَةً من الأرض فقال: ليتني كنتُ هذه التبنة، ليتني لم أُخْلَقْ، لَيت أمّي لم تَلِدْني، ليتني لم أكُ شيئًا، ليتني كنتُ نَسْيًا منسيًّا. قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا مالك بن أنس قال: وأخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حمّاد بن زيد جميعًا عن يحيَى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عن عثمان بن عفّان قال: أنا آخِرُكُم عَهْدًا بعمر، دخلتُ عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضَعْ خدّي بالأرض، قال: فهل فَخِذِي والأرض إلا سواءٌ؟ قال: ضع خدّي بالأرض لا أمّ لك، في الثانية أو في الثالثة، ثمّ شَبَكَ بين رجليْه فسمعتُه يقول: ويلي وويلَ أمّي إن لم يغفر الله لي، حتى فاظت نفسه. قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن عصام بن عبيد الله قال: حدّثني أبان بن عثمان عن عثمان قال: آخِرُ كلمة قالها عمر حتى قضى: ويلي وويلّ أمّي إنْ لم يغفر الله لي، ويلي وويل أُمّي إن لم يغفر الله لي، ويلي وويل أمّي إنْ لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيَى ابن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب قال: ليتني لم أكن شيئًا قطّ، ليتني كنتُ نسيًا منسيًّا، قال ثمّ أخذ كالتّبْنَةِ أو كالعود عن ثوبه فقال: ليتني كنتُ مثلَ هذا. قال: أخبرنا أبو بكر بن محمّد بن أبي مُرّة المكّي قال: حدّثني نافع بن عمر قال: حدّثني ابن أبي مُلَيْكة أنّ عثمان بن عفّان وضع رأس عمر بن الخطّاب في حجْره فقال: أعِدْ رأسي في التراب، ويلٌ لي وويلٌ لأمّي إنْ لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن ابن أبي مُليكة قال: لمّا طُعن عمر جاءَ كعب فجعل يبكي بالباب ويقول: والله لو أنّ أمير المؤمنين يُقْسِمُ على الله أنْ يُؤخّرَه لأخّرَه، فدخل ابن عبّاس عليه فقال: يا أمير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا، قال: إذًا والله لا أسأله. ثمّ قال: ويلٌ لي ولأمّي إنْ لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حريز بن عثمان قال: أخبرنا حبيب بن عبيد الرحَبي عن المِقْدام بن مَعْدِ يكَرب قال: لمّا أصيب عمر دَخَلَتْ عليه حفْصَةُ فقالت: يا صاحب رسول الله ويا صِهْرَ رسول الله ويا أمير المؤمنين، فقال عمر لابن عمر: يا عبد الله أجْلِسْنِي فلا صَبَر لي على ما أسمع، فأسنده إلى صدره فقال لها: إني أُحَرّجُ عليْك بما لي عليك من الحقّ أن تَنْدُبِينِي بعد مجلسك هذا فأمّا عَيْنُك فلن أَمْلِكَهَا، إنّه ليس من مَيّتٍ يُنْدَبُ بما ليس فيه إلا الملائكة تَمْقُتُه. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك أنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن عَوّلَت حفصةُ فقال: يا حفصة أما سمعت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "إنّ المُعَوَّلَ عليه يُعَذَّبُ؟" قالَ وعَوّلَ صُهيْبٌ فقال عمر: يا صُهيب أما علمتَ أنّ المُعَوَّلَ عليه يُعَذَّبُ؟(*) قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسّان عن محمّد قال: وأخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا ابن عون عن محمّد قال: لما أصيب عمر حُمل فأُدخل فقال صُهيب: وأخاه! فقال عمر: ويحك يا صُهيب أما علمت أن المُعوَّل عليه يُعذَّب؟ قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عقيل قال: أخبرنا محمد بن سيرين قال: أُتي عمر بن الخطّاب بشراب حين طُعِن فخرج من جِراحته، فقال صهيب: وا عمراه وا أخاه، مَنْ لنا بعدك؟ فقال له عمر: مَهْ يا أخي أما شَعَرْتَ أنّه من يعوَّل عليه يعذَّب؟ قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقّي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عُمير عن أبي بُرْدَة عن أبيه قال: لمّا طُعِن عمر أقْبل صُهيب يبكي رافعًا صوته، فقال عمر: أعليّ؟ قال: نعم، قال عمر: أما علمتَ أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ يُبْكَ عليه يُعَذَّبُ"؟(*) قال عبد الملك: فحدّثني موسى بن طلحة عن عائشة أنّها قالت: أولئك يُعَذَّب أمواتُهم ببُكاءِ أحيائهم، تعني الكُفّار. قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وهشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر نهى أهله أن يبكوا عليه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن خالد بن رباح عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب أنّ عمر بن الخطّاب صلّى في ثيابه التي جُرحَ فيها ثلاثًا. قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أنّ عمر ابن الخطّاب أرسل إلى عائشة: ائْذَني لي أن أُدْفَنَ مع صاحبَيّ. قالت: أي والله، قال فكان الرجل إذا أُرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله لا أبَرّهم بأحَدٍ أبدًا. قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس أنّ عمر بن الخطّاب استأذن عائشة في حياته فأذِنَتْ له أن يُدْفَنَ في بيتها، فلمّا حضرته الوفاة قال: إذا مِتّ فاستأذنوها فإن أذنَتْ وإلاّ فدعوها فإني أخشى أن تكون أذِنَتْ لي لسلطاني. فلمّا مات أذنتْ لهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني نافع بن أبي نُعيم عن نافع عن ابن عمر قال: وحدّثني عبد الله بن عمر عن سالم أبي النضر عن سعيد بن مَرْجانَة عن ابن عمر أنّ عمر قال: اذْهَبْ يا غلام إلى أمّ المؤمنين فقل لها إنّ عمر يسألك أن تأذني لي أن أُدْفَنَ مع أخَوَيّ ثمّ ارْجِعْ إليّ فأخبرني. قال فأرسَلَتْ أنْ نَعَمْ قد أذِنْتُ لك، قال فأرسل فحُفر له في بيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ دعا ابن عمرَ فقال: يا بُنيّ إني قد أرسلتُ إلى عائشة أستأذنها أن أدفنَ مع أخَوَيّ فأذِنَتْ لي وأنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان، فإذا أنا مِتّ فاغْسِلْني وكَفّنّي ثمّ احملْني حتى تقف بي على باب عائشة فتقول هذا عمر يستأذن، تقول: أَألِجُ؟ فإنْ أذنت لي فادْفني معهما وإلا فادْفني بالبقيع. قال ابن عمر: فلمّا مات أبي حملناه حتى وقفنا به على باب عائشة فاستأذنها في الدّخول فقالت ادْخُلْ بسلام. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما أرسل عمر إلى عائشة فاستأذنها أن يُدفن مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر فأذِنَتْ قال عمر: إنّ البيت ضَيّقٌ، فدعا بعَصًا فأُتيَ بها فقدّر طوله ثمّ قال: احْفِروا على قَدْرِ هذه. قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدّثني أبي عن يحيَى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حَزْم وغيرهما عن عَمرة بنت عبد الرحمن الأنصاريّة عن عائشة قالت: ما زِلْتُ أضع خِماري وأتَفضّلُ في ثيابي في بيتي حتى دُفن عمر بن الخطّاب فيه، فلم أزَلْ متحفّظة في ثيابي حتى بَنَيْتُ بيني وبين القبور جِدارًا فتفضّلتُ بعدُ. قالا: ووصفت لنا قبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقبر أبي بكر وقبر عمر، وهذه القبور في سَهْوة بيت عائشة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن موسى عن إسْحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطّاب إلى أبي طلحة الأنصاريّ قُبَيل أن يموتَ بساعة فقال: يا أبا طلحة كُنْ في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنّهم فيما أحْسِبُ سيجتمعون في بيت أحدهم، فقُم على ذلك الباب بأصحابك فلا تَتْرُكْ أحدًا يَدْخُلُ عليهم ولا تتركهم يَمْضي اليومُ الثالث حتى يُؤمّروا أحدُهم، اللّهمّ أنت خليفتي عليهم. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مالك بن أبي الرّجال قال: حدّثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: وافَى أبو طلحة في أصحابه ساعةَ قُبِرَ عُمر فلَزِمَ أصحابَ الشّورى، فلمّا جعلوا أمرهم إلى ابن عوف يَخْتَارُ لهم منهم لَزِمَ أبو طلحة بابَ ابن عوف في أصحابه حتى بايع عثمانَ بن عفّان. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همّام بن يحيَى قال: أخبرنا قتادة أنّ عمر بن الخطاب طُعن يوم الأربعاء ومات يوم الخميس، رحمه الله. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمّد بن سعد عن أبيه قال: طُعن عمر بن الخطّاب يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين ودُفن يوم الأحد صَباحَ هلالِ المحرّم سنة أربعٍ وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة من مُتَوفّى أبي بكر الصّديّق على رأس اثنتين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا من الهجرة، وبُويعَ لعثمان بن عفّان يوم الاثنين لثلاث ليالٍ مضين من المحرّم. قال فذكرتُ ذلك لعثمان بن محمّد الأخْنسي فقال: ما أراك إلا قد وَهِلت، توفّي عمر لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجّة وبويعَ لعثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجّة فاسْتَقْبَلَ بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين. قال: أخبرنا يحيَى بن عبّاد قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني أبو إسحاق عن عامر بن سعد عن جَرير أنّه سمع معاوية يقول: توفّي عمر وهو ابن ثلاث وستين. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا شَريك بن عبد الله عن أبي إسحاق قال: مات عمر وهو ابن ثلاثٍ وستّين سنة. قال محمد بن عمر: ولا يُعْرَفُ هذا الحديث عندنا بالمدينة. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: توفّي عمر وهو ابن ستّين سنة، قال محمّد بن عمر: وهذا أثبت الأقاويل عندنا وقد رُوي غيرُ ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أنّه توفّي وهو ابن بضع وخمسين سنة. قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهريّ قال: توفّي عمر وهو ابن خمسٍ وخمسين سنة. قال محمد بن سعد: وأُخبرتُ عن هُشيم عن عليّ بن زيد عن سالم بن عبد الله مثلَه. قال: أخبرنا مَعْن بن عيسى قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنّ عمر بن الخطّاب غُسّلَ وكُفّن وصُلّي عليه وكان شهيدًا. قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: غُسّلَ عمر وكُفّنَ وحُنّط. قال: أخبرنا عبد الله بن مَسْلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر بن الخطّاب غُسّل وكُفّن وصلّي عليه وكان شهيدًا. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن ابن عمر أنّ عمر غُسّل وكُفّن وحُنّط وصُلّي عليه وكان شهيدًا. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا شعبة بن الحجّاج قال: سمعتُ فُضَيلًا يحدّث عن عبد الله بن مَعْقِل أنّ عمر بن الخطّاب أوصى أن لا يُغَسّلوه بمِسْك أو لا يُقرّبوه مسكًا. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: غُسّل عمر ثلاثًا بالماء والسّدْر. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ومحمّد بن عبد الله الأسديّ عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أنّ عمر كُفّن في ثلاثة أثواب، قال وكيع ثوبين سَحوليّين، وقال محمّد بن عبد الله الأسديّ صُحَاريَّين، وقميصٍ كان يلبسه. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمر أنّه كُفّن في قميص وحُلّة. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا حفص بن غياث عن الحجّاج عن فُضَيل عن عبد الله بن مَعْقِل أنّ عمر قال: لا تجعلوا في حنوطي مِسْكًا. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني قيس بن الربيع عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الفضيل بن عمرو قال: أوصى عمر ألاّ يُتْبَعَ بنارٍ ولا تَتْبَعَه امرأةٌ ولا يُحَنّطَ بمِسْك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني هشام بن سعد قال: حدّثني من سمع ابن عكرمة بن خالد يقول: لمّا وُضعَ عمر ليُصَلّى عليه أقبل عليّ وعثمان جميعًا واحدهما آخذٌ بيد الآخر فقال عبد الرحمن بن عوف ــ ولا يَظُنّ أنّهما يسمعان ذلك ــ قد أوشكتما يا بني عبد مناف، فسمعاها فقال كلّ واحد منهما: قم يا أبا يحيَى فصَلّ عليه، فصَلّى عليه صُهَيْبٌ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني طلحة بن محمّد بن سعيد بن المسيّب عن أبيه عن سعيد بن المسيّب قال: لمّا توفي عمر نظر المسلمون فإذا صهيب يصلّي بهم المكتوبات بأمر عمر، فقَدّموا صُهيبًا فصلّى على عمر. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني موسى بن يعقوب عن أبي الحُويرث قال: قال عمر فيما أوصى به: فإنْ قُبضْتُ فليصلّ لكم صهيب، ثلاثًا، ثمّ اجمعوا أمركم فبايعوا أحدكم. فلمّا مات عمر ووُضع ليصلّى عليه أقبل عليّ وعثمان أيّهما يصلّي عليه، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنّ هذا لهو الحِرْص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أُمر به غيرُكما، تَقَدّمْ يا صُهيب فصَلّ عليه، فتقدّم صهيب فصلّى عليه. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر قال: صُلّي على عمر في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر صُلّي عليه في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وسعيد بن منصور قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: صُلّي على عمر في المسجد. قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العَقَديّ قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسّان قال: سأل عليّ بن الحسين سعيدَ بن المسيّب: من صلّى على عمر؟ قال: صهيب، قال: كم كبّر عليه؟ قال: أربعًا. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار عن أبيه أنّ صهيبًا كبّر على عمر أربعًا. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن يزيد مولى الأسود قال: كنتُ عند سعيد بن المسيّب فَمَرّ عليه عليّ بن الحسين فقال: أين صُلّي على عمر؟ قال: بين القبر والمنبر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر بن راشد عن الزهريّ قال: وحدّثني كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب قالا: صلّى عمر على أبي بكر، وصلّى صُهيب على عمر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن الحارث عن أبي الحُويرث عن جابر قال: نَزَل في قبر عمر عثمان بن عفّان وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل وصُهيب بن سنان وعبد الله بن عمر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا خالد بن أبي بكر قال: دُفن عمر في بيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وجُعل رأسُ أبي بكر عند كتفَي النبيّ، وجعل رأس عمر عند حَقْوي النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أخبرنا سُويد بن سعيد قال: أخبرنا عليّ بن مُسْهِر عن هشام بن عروة قال: لما سقط الحائط عنهم في زمن الوليد بن عبد الملك أُخِذَ في بنائه فَبَدَتْ لهم قَدَمٌ ففزعوا وظنّوا أنّها قدَمُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فما وجدوا أحدًا يعْلَمُ ذلك حتى قال: لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبيّ!، ما هي إلاّ قدَمُ عمر. قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح والفضل بن دُكين ومحمّد بن عبد الله الأسديّ قالوا: أخبرنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قالت أمّ أيْمَنَ يومَ أُصيبَ عمر: اليوم وهَى الإسلامُ، قال وقال طارق بن شهاب: كان رأيُ عمر كَيَقِينِ رجُلٍ. قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازيّ قال: سمعتُ خلف بن خليفة يحدّثنا عن أبيه عن شهر بن حَوْشَب عن عبد الرحمن بن غَنْم قال: قال يومَ ماتَ عمر: اليومَ أصبَحَ الإسلامُ مُوَلِّيًا، ما رجُلٌ بأرضِ فَلاةٍ يَطْلُبُهُ العدوّ فأتاه آتٍ فقال له خُذْ حَذَرَك بأشدّ فِرارًا من الإسلام اليوم. قال: أخبرنا محمّد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا سالم المُرادي قال: أخبرنا بعض أصحابنا قال: جاء عبد الله بن سلام وقد صُلّي على عمر فقال: والله لَئِنْ كنتم سبقتموني بالصّلاة عليه لا تَسْبِقوني بالثناءٍ عليه، فقام عند سريره فقال: نِعْمَ أخو الإسلام كنتَ يا عمر، جَوادًا بالحقّ بخيلًا بالباطل، تَرْضى حين الرضى وتَغْضَبُ حين الغضَب، عفيف الطَّرْف طَيّب الظّرْف، لم تكن مدّاحًا ولا مُغْتابًا. ثُمّ جلس. قال: حدّثنا سفيان بن عُيينة قال: سمعتُ جعفر بن محمد يخبر عن أبيه لعلّه إن شاء الله عن جابر أنّ عليًّا دخل على عمر وهو مُسَجّى فقال له كلامًا حسنًا ثمّ قال: ما على الأرض أحدٌ ألقى الله بصحيفته أحبّ إليّ من هذا المُسجّى بينكم. قال: حدّثنا محمّد بن سعد قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عيينة أنّه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله ــ ولم يَشُكّ ــ قال وقال: لمّا انتهى إليه عليّ قال له: صلّى الله عليك، ما أحدٌ ألقى الله بصحيفته أحبّ إليّ من هذا المُسجّى بينكم. قال: أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليًّا لمّا غُسّل عمر بن الخطّاب وكُفّن وحُمِل على سريره وقف عليه عليّ فأثنى عليه وقال: والله ما على الأرض رجلٌ أحبّ إليّ أن ألقى الله بصَحِيفَتِهِ من هذا المُسَجَّى بالثوب. قال: أخبرنا يَعْلى ومحمّد ابنا عبيد قالا: أخبرنا حجّاج بن دينار الواسطي عن أبي جعفر قال: أتى عليّ عمرَ وهو مُسَجّى فقال: ما على الأرض رجل أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بِصَحِيفَتِه مِنْ هَذَا المُسَجَّى. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فُضيل بن مرزوق عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: نظر عليّ إلى عمر وهو مُسَجّى فقال: ما أحدٌ أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بمثلِ صَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا المُسَجَّى. قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا أبو بشر ورقاء بن عمر عن عمرو ابن دينار عن أبي جعفر عن عليّ مثلَه. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا عبد الواحد بن أيمن قال: أخبرنا أبو جعفر أنّ عليًّا دخل على عمر وقد مات وسُجِّي بثوبٍ فقال: يرحمك الله، فوالله ما كان في الأرض رجل أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بصَحِيفَتِهِ من صحيفتك. قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: حدّثني سليمان بن بلال قال: حدّثني جعفر بن محمّد عن أبيه قال: لمّا غُسّلَ عمر وكُفّنَ وحُمِل على سريره وقف عليه عليّ فقال: والله ما على الأرْضِ أحد أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بِصَحِيفَتِه من هذا المُسَجَّى بالثوب. قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا يونس بن أبي يعقوب العبدي قال: حدّثني عون بن أبي حُجيفة عن أبيه قال: كنْتُ عند عمر وقد سُجّي عليه فدخل عليّ فكشف الثوب عن وجهه وقال: رحمك الله أبا حَفْص، ما أحدٌ أحبُّ إليّ بعد النبيّ، عليه السلام، أَنْ أَلْقَى الله بِصَحِيفَتِه منك. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا بَسّام الصيرفيّ قال: سمعتُ زيد بن عليّ قال: قال عليّ: ما أحدٌ أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بمثل صَحِيفَتِهِ إلاّ هذا المُسَجَّى، يعني عمر. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب وعمرو بن دينار وأبي جَهْضَم قالوا: لمّا مات عمر دخل عليه عليّ فقال: رحمك الله، ما على الأرض أحدٌ أحبُّ أَنْ أَلْقَى الله بِمَا فِي صَحِيفَتِه من هذا المُسَجَّى. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن ابن الحَنَفِيّة قال: دخل أبي على عمر وهو مُسَجّى بالثوب فقال: ما أحدٌ من الناس أحبُّ إليّ أَنْ أَلْقَى الله بصَحِيفَتِهِ من هذا المُسَجَّى. قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزّاز الواسطي قال: حدّثنا شعبة عن الحكم عن زيد ابن وهب قال: أتينا ابنَ مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابْتَلّ الحصى من دموعه وقال: إنّ عمر كان حِصْنًا حصينًا للإسلام يدخلون فيه ولا يخرجون منه، فلمّا مات عمر انْثَلَمَ الحصنُ فالنّاس يخرجون من الإسلام. قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا عبد الملك، يعني ابن أبي سليمان، عن واصل الأحدب عن زيد بن وهب قال: أتيتُ ابنَ مسعود أسْتَقْرِئه آية من كتاب الله فَأَقْرَأَنيها كذا وكذا فقلت: إنّ عمر أقرأني كذا وكذا، خلافَ ما قرأها عبدُ الله، قال فبكَى حتى رأيْتُ دموعه خِلال الحصَى ثمّ قال: اقرَأها كما أقْرَأك عمرُ فوالله لهيَ أبْينُ من طريق السّيْلَحَين، إِنَّ عمر كان للإسلام حِصْنًا حصينًا يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه، فلمّا قُتل عمر انثلم الحصن فالإسلامُ يَخْرُجُ منه ولا يدخل فيه. قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن عبد الله بن المختار عن عاصم بن بَهْدَلة عن أبي وائل قال: قَدِمَ علينا عبدُ الله بن مسعود فنعى إلينا عمر فلم أرَ يومًا كان أكثر باكيًا ولا حزينًا منه، ثمّ قال: والله لو أعْلَمُ عمرَ كان يُحِبّ كلبًا لأحبْبَبْتُه، والله إنّي أحْسِبُ العِضَاه قد وجد فَقْد عمر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حَدّثني بَرَدان بن أبي النّضْر عن سلمة بن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف قال: لمّا مات عمر بن الخطّاب بكى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فقيل: ما يُبْكيك؟ فقال: لا يَبْعَدِ الحقّ وأهله، اليوم يَهي أمرُ الإسلام. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الملك بن زيد من ولد سعيد بن زيد عن أبيه قال: بكى سعيد بن زيد فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يُبكيك؟ فقال: على الإسلام أبْكي، إنّ موت عمر ثَلَمَ الإسلام ثلمةً لا تُرْتَقُ إلى يوم القيامة. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الرحمن بن إبراهيم المُرّي عن عيسى بن أبي عطاء عن أبيه قال: قال أبو عبيدة بن الجرّاح يومًا وهو يذكر عمر فقال: إنْ ماتَ عمر رَقّ الإسلامُ، ما أُحِبّ أنّ لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبْقى بعد عمر. قال قائل: ولِمَ؟ قال: سَتَرَوْنَ ما أقول إن بقيتُم، أمّا هو فإن وَليَ وال بعدَ عمر فأخَذَهم بما كان عُمَرُ يأخذهم به لم يُطِعْ له الناسُ بذلك ولم يَحْمِلُوه وإن ضَعُفَ عنهم قَتَلوه. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بن زياد بن أبي بشير عن الحسن قال: أيّ أهل البيت لم يجدوا فَقْدَ عمر فهم أهلُ بيت سَوْءٍ. قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سِنان عن عمرو بن مُرّة قال: قال حذيفة: ما يحبسُ البَلَاءَ عنكم فراسخَ إلا مَوْتَةٌ في عنق رجل كتب الله عليه أن يموت، يعني عمر. قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي عن جعفر بن سليمان عن أبي التّيّاح عن زَهْدَم الجَرْمي عن حُذيفة أنّه قال يومَ مات عمر: اليومَ تَرَكَ المسلمون حافّة الإسلام. قال قال زهدم: كم ظعنوا بعده من مَظعن، ثمّ قال: إنّ هؤلاء القومَ قد تركوا الحقّ حتى كأنّ بينهم وبينه وعُورَةً حتى لو أرادوا أن يرجعوا دينهم ما استطاعوا. قال: أخبرنا الفضل بن دُكين ومحمّد بن عبد الله الأسديّ قالا: أخبرنا سفيان عن منصور عن رِبْعِيّ بن حِراش عن حُذيفة: كان الإسلام في زمن عمر كالرجل المُقبل لا يزداد إلاّ قُرْبًا، فلمّا قُتل عمر، رحمه الله، كان كالرجل المُدْبر لا يزداد إلاّ بُعْدًا. قال: أخبرنا يحيَى بن عبّاد قال: أخبرنا مالك، يعني ابن مِغْوَل، قال: سمعتُ منصور بن المعتمر يحدّث عن رِبْعِيّ بن حِراش أو أبي وائل قال: قال حُذيفة: إنّما كان مَثَلُ الإسلام أيّامَ عمر مثلَ امرئ مُقبل لم يزل في إقبال، فلمّا قتل أدبر فلم يزل في إدبار. قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا سعيد بن زيد عن أبي التيّاح عن عبد الله بن أبي الهُذيل قال: لمّا قُتل عمر بن الخطّاب قال حذيفة: اليوم ترك الناس حافّةَ الإسلام، وايْمُ الله لقد جارَ هؤلاء القوم عن القصد حتى لقد حال دونه وعُورة ما يُبصرون القصد ولا يَهتدون له. قال فقال عبد الله بن أبي الهُذيل: فكم ظعنوا بعد ذلك من مظعنة. قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن بكر السهمي وعبد الوهاب بن عطاء العجلي قالوا: أخبرنا حميد الطويل قال: قال أنس بن مالك: لمّا أُصيب عمر بن الخطّاب قال أبو طلحة: ما من أهل بيت من العرب حَاضِرٍ ولا بادٍ إلاّ قد دخل عليهم بقتل عمر نَقْصٌ. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك أنّ أصحاب الشورى اجتمعوا فلمّا رآهم أبو طلحة وما يصنعون قال: لأنا كنتُ لأَنْ تَدَافَعُوها أخْوَفَ مني من أَنْ تَنَافَسُوها، فوالله ما من أهل بيت من المسلمين إلاّ وقد دخل عليهم في موت عمر نَقْصٌ في دينهم وفي دنياهم، قال يزيد فيما أعلم. قال: أخبرنا محمّد بن عبيد الطنافسي وقبيصة بن عقبة قالا: أخبرنا هارون البربريّ عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: سمعتُ ليلًا ما أراه إنْسيًّا نَعى عمر وهو يقول‏:‏

جزَى الله خيرًا من أميرٍ وباركَتْ يدُ الله في ذاكَ الأديمِ المُمَزَّقِ

فمن يمشِ أو يركبْ جناحيْ نعامةٍ لِيُدرِك ما قدّمتَ بالأمسِ يُسبقِ

قضَيْتَ أمورًا ثمّ غادرتَ بعدَهَا بوائقَ
في
أكمامهـا لم
تُفَتَّـقِ
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: قال أيّوب عن ابن أبي مُليكة ويزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أنّ الجنّ ناحت على عمر‏:‏

عَلَيْكَ سَلامٌ مِنْ أميرٍ وباركَتْ يدُ الله في ذاكَ الأديمِ المُخَرَّقِ

قضيْتَ أُمورًا ثمّ غادرْتَ بعدها بوائق في أكمامهـا لم تُفَتَّـقِ
قال أيّوب: بوائج، وقال يزيد عن سليمان: بوائق في أكمامها لم تفتّق.‏‏

فمن يَسعَ أو يركبْ جناحَيْ نعامَة ليُدرِك ما قدّمتَ بالأمسِ يُسبقِ

أبَعْـدَ قتيلٍ
بالمدينةِ
أظْلَمَـتْ له الأرضُ تَهْتَزُّ العِضاهُ بأسؤقِ؟
قال عفّان في حديثه: وقال عاصم الأسديّ:‏ ‏

فما كنْتُ أخشَى أن تكون وفاتُه بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أزرقِ العَينِ مُطْرِقِ
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدثني سليمان بن بلال عن يحيَى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: بُكِيَ على عمر حين مات. قال: أخبرنا المعلّى بن أسد قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن موسى بن سالم قال: حدّثني عبد الله بن عبيد الله بن العبّاس قال: كان العبّاس خليلًا لعمر، فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يُريَه عمر في المنام، قال فرآه بعد حول وهو يَمْسَحُ العَرَق عن جبينه فقال: ما فعلتَ؟ قال: هذا أوانُ فرغتُ وإِنْ كاد عرشي لَيُهَدّ لولا أني لَقيتُه رَءوفًا رحيمًا. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: أخبرنا أبو جَهْضَم قال: حدّثني عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس أنّ العباس قال: كان عمر لي خليلًا وإنّه لما توفّي لَبِثْتُ حولًا أدعو الله أن يرينيه في المنام، قال: فرأيتُه على رأس الحول يمسح العَرَقَ عن جبهته، قال قلتُ: يا أمير المؤمنين ما فَعَل بك ربّك؟ قال: هذا أوانُ فرغتُ وإنْ كاد عرشي لَيُهَدّ لولا أني لقيتُ ربّي رءوفًا رحيمًا. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو شهاب قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد عن محمّد بن عُمارة عن ابن عبّاس قال: دعوتُ الله سنةً أن يريني عمر، قال فرأيته في المنام فقال: كادَ عَرْشي أنْ يَهْويَ لولا أني وجدتُ ربًّا رحيمًا. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني معمر عن قتادة عن ابن عبّاس قال: دعوتُ الله سنةً أن يُريني عمر بن الخطّاب، قال فرأيتُه في النوم فقلت: ما لقيتَ؟ قال: لقيت رءوفًا رحيمًا ولولا رحمتُه لَهَوى عَرْشي. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهريّ عن ابن عبّاس قال: دعوتُ الله أن يُريني عمر في النوم فرأيتُه بعد سنة وهو يَسْلُت العَرَق عن وجهه وهو يقول: الآن خرجتُ من الحِناذ أو مثل الحِناذ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن عمر بن حفص عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن قال: سمعتُ سالم بن عبد الله يقول: سمعتُ رجلًا من الأنصار يقول: دعوتُ الله أن يريني عمر في النوم فرأيتُه بعد عشر سنين وهو يمسح العَرَق عن جبينه فقلت: يا أمير المؤمنين ما فعلتَ؟ فقال: الآنَ فرغْتُ ولولا رحمةُ ربّي لهلكتُ. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: نِمْتُ بالسقيا وأنا قافلٌ من الحجّ، فلمّا استيقظ قال: والله إنّي لأرى عمر آنِفًا أقْبَلَ يَمْشِي حتى ركض أمّ كلثوم بنت عقبة وهي نائمة إلى جنبي فأيقظها، ثمّ وَلّى مُدْبِرًا فانطلق الناس في طلبه، ودعوتُ بثيابي فلبستُها فطلبتُه مع الناس فكنتُ أوّل من أدركه، والله ما أدركتُه حتى حَسِرْتُ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد شَقَقْتَ على الناس، والله لا يُدْرِكُكَ أحدٌ حتى يَحْسَرَ، والله ما أدركتُكَ حتى حَسِرْتُ، فقال: ما أحْسَبُني أسرعتُ، والذي نَفْس عبد الرحمن بيده إنّه لَعَمَلُه.)) الطبقات الكبير. ((أَكثر الشعراء مراثيه، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأَنصاري: [المنسرح]

ثَلَاثَةٌ
بَرَّزُوَا
بِفَضْلِهُمُ نَضَّرَهُمْ
رَبُّهُمْ
إِذَا
نُشِــرُوا

فَلَيْسَ مِنْ مُؤمِنٍ لَهُ بَصَرٌ يُنْكِرُ
تَفْضِيلَهُمْ
إِذَا
ذُكــِـرُوا

عَاشُوا بِلَا فُرْقَةٍ ثَلَاثَتُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي الْمَمَاتِ إِذ قُبـِـرُوا
وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب: [الخفيف]

عَيْنُ
جُودِي
بِعَبْرَةٍ
ونَحِيبِ لاَ تَمَلِّي عَلَى الْإِمَامِ
الْنَّجِيبِ

فَجَعَتْنِي
الْمَنُونُ
بِالْفَارِسِ
الْـ مُعْلَمِ
يَوْمَ
الْهِيَاجِ
وَالْتَّلْبِيْبِ

عِصْمَةُ الْنَّاسِ وَالْمُعِينُ عَلَى الْـ دَّهْرِ وَغَيْثُ الْمُنْتَابِ وَالْمَحْرُوبِ)) أسد الغابة.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال