تسجيل الدخول


الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس...

الطُّفَيْلُ بن عَمْرو ــ وقيل: ابن الحارث ــ ابن طريف ــ وقيل: ابن ثعلبة، وقيل: ابن حُمَمة ــ الكلبيّ الدَّوْسِي.
لقبه ذو النُّور، وقيل: هو الطفيل، ويقال: عبد الله بن الطفيل، وروى الطبريُّ، عن ابن الكلبيّ قال: سببُ تسمية الطفيل بذي النُّور أنه لما وفد على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فدعا لقومه قال له: ابعثني إليهم، واجعل لي آية، فقال: "اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ"، فسطع نورٌ بين عينيه، فقال: يا رب، أخاف أن يقولوا مُثْلة، فتحوّل إلى طرف سَوْطه، فكان يضيء له في الليلة المظلمة(*)، وذكر أبُو الفَرَجِ الأصبهانيّ، عن ابْنُ الكَلْبِيّ أن الطُّفَيل لما قدم مكّة ذكر له ناس من قريش أمْرَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الإخلاصّ والمعوَّذَتَيْنِ، فأسلم في الحال، وعاد إلى قومه، وذكر قصّة سَوْطِه ونوره، قال: فدعا أبويه إلى الإسلام، فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومَه، فأجابه أبو هريرة وَحْدَه؛ ثم أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: هل لك في حِصْنٍ حَصِين ومنَعة ــ يعني أرْضَ دَوْس؟(*) قال: ولما دعا النبي صَلَّى الله عليه وسلم لهم قال له الطفيل: ما كنتُ أحبّ هذا، فقال: إن فيهم مثلك كثيرًا، قال: وكان جندب بن عمرو بن حُممة الدّوسي يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقًا، لكني لا أدري مَنْ هو، فلما سمع بخبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسةٌ وسبعون رجلًا من قومه، فأسلم وأسلموا، وقال أبو هريرة: فكان جندب يقدمهم رجلًا رجلًا، وكان عمرو بن حمُمة حاكمًا على دَوْس ثلثمائة سنة.
ولمّا ارتدّت العرب خرج الطفيل مع المسلمين، فجاهد حتى فرغوا من طُليحة وأرض نجدٍ كلّها، ثمّ سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطّفيل، فقُتل الطّفيل بن عمرو باليمامة شهيدًا وجُرِحَ ابنه عمرو بن الطّفيل وقُطِعَتْ يده، ثمّ استبلّ وصحّت يده، فبينا هو عند عمر بن الخطّاب إذ أُتي بطعام فتنحّي عنه فقال عمر: ما لك لعلّك تَنَحّيتَ لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تَسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بَعْضُه في الجنّة غيرك. وكان ولده أبيّ بن الطفيل مع عليّ بالكوفة، وله معه أخبار وأشعار حسان، ذكره ابن الكلبيّ.
وقال ابْنُ سَعْدٍ: أسلم الطفيل بمكّة، ورجع إلى بلاد قومه، ثم وافى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في عُمْرة القضّية، وشهد الفَتْحَ بمكة، وروى عبد الواحد بن أبي عون الدّوْسيّ ــ وكان له حِلْفٌ في قريش ــ قال: كان الطّفيل بن عمرو الدّوْسيّ رجلًا شريفًا شاعرًا مَليئًا كثير الضيافة فقدم مكّة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طُفيل إنّك قدمتَ بلادَنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضلَ بنا وفرّق جماعتنا وشَتّتَ أمرَنا وإنّما قوله كالسّحْر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا فلا تكلّمه ولا تَسْمَعْ منه، قال الطّفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلّمه، فغدوتُ إلى المسجد وقد حشوتُ أذُني كُرْسُفًا، يعني قُطنًا فَرقًا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القُطْنَتَينِ، قال فغدوتُ يومًا إلى المسجد فإذا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قائم يصلّي عند الكعبة فقمتُ قريبًا منه فأبَى الله إلاّ أن يُسْمِعَني بعضَ قوله فسمعتُ كلامًا حسنًا فقلتُ في نفسي: واثُكْلَ أمّي والله إنّي لَرجل لبيب شاعر ما يَخْفى عليّ الحَسَنُ من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قَبِلْتُه وإن كان قبيحًا تركتُه، فمكثتُ حتى انصرف إلى بيته ثمّ اتّبعتُه حتى إذا دخل بيته دخلتُ معه فقلتُ: يا محمد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما تركوني يخوّفوني أمرك حتى سددتُ أذُني بكُرْسُفٍ لِئَلاَّ أسمع قولك، ثمّ إنّ الله أبَى إلاّ أن يُسْمِعَنِيه فسمعتُ قولًا حسنًا فاعرِضْ عليّ أمرك، فعرض عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: لا والله ما سمعتُ قولًا قطّ أحسن من هذا ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحقّ فقلتُ: يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: "اللهم اجْعَلْ له آيَةً"، قال فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنتُ بثنيّةٍ تُطْلِعُني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلتُ اللهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مُثْلة وَقَعَتْ في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءوْنَ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق، فدخل بيته قال: فأتاني أبي فقلتُ له: إليك عني يا أبتاه فلستَ مني ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بُنيّ؟ قلتُ: إني أسلمتُ واتّبعتُ دين محمد، قال: يا بنيّ ديني دينك، قال فقلتُ: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك، ثمّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثمّ أتَتْني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست مني، قالت: ولِمَا بأبي أنتَ؟ قلتُ: فرّق بيني وبينك الإسلامُ، إني أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمد، قالت: فديني دينك، قلتُ: فاذهبي إلي حِسْي ذي الشّرى فتطهّري منه، وكان ذو الشّرى صَنَمَ دَوْسٍ، والحِسْيُ حِمًى له يحمونه، وبه وَشَلٌ من ماءٍ يهبط من الجبل، فقالت: بأبي أنت أتخاف على الصبيّة من ذي الشّرى شيئًا؟ قلتُ: لا أنا ضامن لما أصابك، قال فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمّ جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ثمّ دعوت دَوْسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، ثمّ جئتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكّة فقلتُ: يا رسول الله قد غلبَتْني دَوْسٌ فادعُ الله عليهم، فقال: "اللهمّ اهْدِ دَوْسًا"(*)، وروى أبو سلمة قال: قال أبو هريرة قيل يا رسول الله ادْعُ الله على دَوْسٍ فقال: "اللهمّ اهْدِ دوسًا وأتِ بها"(*)، رجع الحديث إلى حديث الطّفيل قال: فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اخرج إلى قومك فادْعُهم وارفق بهم"، فخرجتُ إليهم فلم أزل بأرض دوسٍ أدْعوها حتى هاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحُد والخندق، ثمّ قدمتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمَن أسلم من قومي ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخَيبر حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثمّ لحقْنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين وقلنا: يا رسول الله اجْعَلْنا مَيْمَنَتَك واجْعَلْ شِعارَنا مبرورًا، ففعل فشعار الأزد كلّها إلى اليوم مبرور، قال الطفيل: ثمّ لم أزل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى فتح الله مكّةَ فقلتُ: يا رسول الله ابْعثني إلى ذي الكَفّينِ صَنَمِ عمرو بن حُمَمَةَ حتى أحَرّقَه، فبعثه إليه فأحرقه، وجعل الطّفيل يقول وهو يوقد النار عليه وكان من خَشَبٍ:
يا ذا الكَفَيْنِ لَسْتُ من عُبّادكا ميلادُنا أقْدَمُ من ميلادكا
أنا حَشَوتُ النّارَ في فؤادكا
قال الطّفيل: فلمّا أحرقتُ ذا الكفّين بان لمن بقي ممّن تمسّك به أنّه ليس على شيء فأسلموا جميعًا، ورجع الطّفيل بن عمرو إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكان معه بالمدينة حتى قُبضَ(*).
وأنشد المَرْزَبَانِيّ في معجمه للطفيل بن عمرو يخاطب قريشًا، وكانوا هدّدوه لما أسلم
ألاَ أبْلِغْ لَدَيكَ بَنِي لُؤَيٍّ عَلَى الشَنَآنِ وَالعَضَبِ المُرَدِّ
بِأنَّ الله رَبَّ النَّاسِ فَرْدٌ تَعَالَى جَدُّهُ عَنْ
كُلّ
نِدِّ
وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ دَلِيلُ هُدًى وَمُوضِحُ ُكلِّ رُشْدِ
وَأنَّ
الله
جَلَّلهُ
بَهَاءً وَأعْلَى جَدَّهُ فِي كُلِّ جَدِّ
وقال ابْنُ أبِي حَاتِمٍ: قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم مع أبي هريرة بخَيْبَر ولا أعلم روى عنه شيئًا، وأخرج البَغَويُّ عن الطفيل بن عَمْرو الدّوسي، قال: أقْرَأنِي أبيّ بنَ كعب القرآن، فأهديت له قوسًا.... الحديث(*).
استشهد الطفيل باليمامة، وقيل: باليرموك، وقيل: بأجنادين، بل ولده عَمْرو بن الطفيل هو الذي استشهد باليرموك، وقال الطفيل: لما بعث أبو بكر بَعْثَه إلى مسيلمة الكذّاب خرجْتُ، ومعي ابني مع المسلمين عمرو بن الطّفيل، حتى إذا كنا ببعض الطَّريق رأيْتُ رؤيا، فقلت لأصحابي: إني رأيْتُ رؤيا عَبِّرُوها، قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأةَ لقيتني وأدخلتني في فَرْجها، وكان ابني يطلبني طلبًا حثيثًا، فحيل بيني وبينه، قالوا: خيرًا، فقال: أما أنا والله فقد أوّلتها، أما حلق رأسي فقطْعُه، وأما الطَّائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرْض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رَجَوْت أَنْ أقْتَل شهيدًا، وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشَّهادة، ولا أراه يلحق بسفرنا هذا، فقُتل الطفيل شهيدًا يوم اليمامة، وجرح ابنُه، ثم قتل ابنه هذا باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطّاب شهيدًا(*).
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال