تسجيل الدخول


هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية

قالت هند لأبيها: إِنِّي امرأةٌ قد مَلَكْتُ أَمْرِي فلا تزوّجني رجلًا حتى تعرضه عليّ، فقال لها: ذلك لك، ثمّ قال لها يومًا: إنّه قد خطبك رجلان من قومك ولست مُسَمِّيًا لك واحدًا منهما حتى أصفه لك، أمّا الأوّل ففي الشَّرَفِ الصميم، والحَسَبِ الكريم، تَخَالِين به هَوَجًا من غفلته وذلك إِسْجَاح من شيمته، حسن الصحابة، حسن الإجابة، إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك في ضعفه؛ وأمّا الآخر ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدر أَرُومَتِه، وعزّ عشيرته، يُؤَدِّب أهلَه ولا يؤدّبونه، إن اتّبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعّر بهم، شديد الغيرة، سريع الطيرة، شديد حجاب القبّة، إن حَاجّ فغير مَنْزور، وإن نُوزِع فغير مقهور، قد بيّنت لك حالهما، قالت: أمّا الأوّل فسيّد مضياع لكريمته، مُوَاتٍ لها فيما عسى ـــ إن لم تعصم ـــ أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت جنائها، إن جئت له بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطإ ما أنجبت، اطوِ ذكرَ هذا عني فلا تُسَمِّه لي، وأمّا الآخر فبعل الحرّة الكريمة، إني لأخلاق هذا لَوَامِقَة، وإني له لموافقة، وإني لآخذة بأدب البعل مع لزومي قبّتي وقلّة تلفّتي، وإنّ السليل بيني وبينه لحريّ أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، الذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، الزائن لأَرُومَتِها، غير مواكل ولا زُمَّيل عند صَعْصَعَة الحوادث، فمن هو؟ قال: ذاك أبو سفيان بن حرب، قالت: فزوّجه ولا تُلقني إليه إلقاء المتسلّس السَّلِس ولا تُسمْه سوم المواطس الضَّرِس، استخر الله في السماء، يخر لك بعلمه في القضاء. ولَمّا بَنَى أبو سفيان بن حرب بهند بنت عتبة بن ربيعة بعث عتبة بن ربيعة بابنه الوليد إلى بني أبي الحُقَيق؛ فاستعار حليّهم، ورهنهم الوليد نفسه في نفر من بني عبد شمس وذهب بالحليّ فغاب شهرًا ثمّ ردّوه وَافِرًا وفكّوا الرهن. أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وأقرها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على نكاحها، كان بينهما في الإسلام ليلة واحدة، وكانت امرأةً لها نَفسٌ وَأَنَفَةٌ، ورأي وعقل، وشهدت أُحدًا كافرةً، فلما قُتِل حمزة مَثَّلت به، وشقت بطنه، واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تطق إسَاغتها، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "لو أساغتها لم تمسها النار"، وقيل: إن الذي مثل بحمزة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، جد عبد الملك بن مروان لأمه، وقتله النبي صَلَّى الله عليه وسلم صبرًا مُنصَرَفه من أُحد. قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أُبايع محمدًا، قال: قد رأيتك تُكَذِّبِين هذا الحديث أمس! قالت: والله ما رأيت الله عُبِد حَقَّ عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين، قال: فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك، فذهبت إلى عثمان بن عفان، وقيل: إلى أخيها أبي حذيفة بن عتبة، فذهب معها فاستأذن لها فدخلت وهي مُنْتَقبة، فقال: "تُبَايِعِيْنِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكِي بِالله شَيْئًا..." ولمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها، وأتين رسول الله وهو بالأبطح فَبَايَعْنَه، فتكلّمت هند فقالت: يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك، يا محمّد إني امرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله، ثمّ كشفت عن نقابها وقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله: "مرحبا بك"، فقالت: والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يَعزّوا من خبائك، فقال رسول الله: "وزيادة"، وقرأ عليهنّ القرآن وبايعهنّ، فقالت هند من بينهنّ: يا رسول الله نماسحك؟ فقال: "إنّي لا أصافح النساء، إنّ قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة". وروي أنّ نسوة أتين النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فيهنّ هند بنت عتبة بن ربيعة وهي أمّ معاوية يبايعنه، فلمّا أن قال رسول الله: "لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن"، قالت هند: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل مسّيك فهل عليّ حرج أن أصيب من طعامه من غير إذنه؟ قال فرخص لها رسول الله في الرطب ولم يرخّص في اليابس، قال: "ولا يزنين"، قالت: وهل تزني الحرّة؟ قال: "ولا يقتلن أولادهنّ"، قالت: وهل تركت لنا ولدًا إلا قَتْلتَه يوم بدر؟ قال: "ولا يعصينك في معروف"، وقال ميمون: فلم يجعل الله لنبيّه عليهنّ الطاعة إلاّ في المعروف والمعروف طاعة الله، ولما أسلمت هند جعلت تَضْرِبُ صنمًا في بيتها بالقدوم حتى فلّذته فلذة فلذة وهي تقول: كنّا منك في غرور. شهدت اليرموك، وحَرَّضت على قتال الروم مع زوجها أبي سفيان. ماتت في خلافة عمر بعد أبي بكر بقليل في اليوم الذي مات فيه أبو قُحافة. وقيل بل ماتت في خلافة عثمان.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال