تسجيل الدخول


عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري

عبد الرّحمن بن عوف بن عبد عوف القرشيّ الزهريّ:
روى عمرو بن دينار قال: كان اسم عبد الرّحمن بن عوف عبدَ الكعبة فسمّاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: عبدَ الرّحمن(*)، وفي رواية كان اسمه في الجاهليّة: عبد عمرو.
يكنى أبا محمّد. وروى يعقوب بن عُتبة الأخنسي قال: وُلِد عبد الرّحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين. وأمّه الشّفاءُ بنت عوف بن عبد الزُهْرِيّة، وحكى ابن منده أن اسمُ أُمّه صفية، ويقال الصفاء. وروى أنس بن مالك أن عبد الرّحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاريّ فقال له سعد: أخي أنا أكثر أهل المدينة مالًا فانْظُرْ شَطْرَ مالي فخُذْه، وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتّى أطَلّقَها لك، فقال عبد الرّحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّوني على السّوق، فدلّوه على السّوق فاشترى وباع فربح فجاء بشيئٍ من أقِطٍ وسمنٍ، ثمّ لَبِثَ ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه درع من زعفران، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَهْيَمْ؟" فقال: يا رسول الله تزوّجتُ امرأة، قال: "فما أصْدَقْتَها؟" قال: وَزْنَ نواة من ذهب، قال: "أوْلمْ ولو بشاةٍ"، قال عبد الرّحمن: فلقد رأيْتُني ولو رفعت حَجَرًا رجوتُ أن أصيبَ تحته ذَهَبًا أو فضّةً(*). وكان لعبد الرّحمن بن عوف من الولد: سالمٌ الأكبرُ مات قبل الإسلام، وأمّه أمّ كلثوم بنت عُتبة بن ربيعة، وأمُّ القاسم وُلدت أيضًا في الجاهليّة، وأمّها بنت شَيْبَة بن ربيعة بن عبد شمس، ومحمّدُ وبه كان يُكنى، وإبراهيمُ وحُميدُ وإسماعيلُ وحَميدةُ وأمَةُ الرّحمن؛ وأمّهم أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط العبشمية، ومَعْنُ وعُمَرُ وزيدُ وأمَةُ الرّحمن الصغرى؛ وأمّهم سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ البَلوية، من قُضاعة وهم من الأنصار، وعروةُ الأكبرُ قُتل يوم إِفريقية؛ وأمّه بَحْرِيّةُ بنت هانئ بن قبيصة، وسالمُ الأصغرُ قُتل يومَ فتح إِفريقية، وأمّه سَهْلَةُ بنت سُهيل بن عمرو، وأبو بكر؛ وأمُّه أمُّ حكيم بنت قارظ بن خالد، وعبدُ الله بن عبد الرّحمن قُتل بإِفريقية يومَ فُتحت؛ وأمّه ابنةُ أبي الحَيْسَر بن رافع الأوسية الأنصارية، وأبو سَلَمَةَ وهو عبدُ الله الأصغر؛ وأمّه تُماضرُ بنت الأصبع بن عمرو الكلبية، وهي أوّلُ كَلْبيّة نكحها قُرَشيّ، وعبدُ الرّحمن بن عبد الرّحمن؛ وأمّه أسماء بنت سلامة بن مُخَرّبَةَ، ومُصْعَبُ وآمنةُ ومريمُ؛ وأمّهم أمّ حُريث، من سبيِ بَهْرَاءَ، وسُهَيلُ وهو أبو الأبيض؛ وأمّه مَجْدُ بنت يزيد بن سلامَة الحمْيَرِيّة، وعثمانُ؛ وأمّه غزال بنت كسرى، أمّ ولَدٍ من سبي سعد بن أبي وقّاص يومَ المدائن، وعُرْوة دَرَجَ، ويحيَى، وبلال؛ لأمّهاتِ أولاد درجوا، وأُمُّ يحيَى بنت عبد الرّحمن؛ وأمّها زينبُ بنت الصبّاح بن ثعلبة، مِنْ سبي بَهْرَاءَ، وجُويرية بنت عبد الرّحمن؛ وأُمّها باديةُ بنت غيلان بن سَلَمَةَ بن مُعتِّبِ الثَّقَفيّ. بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى دُومَة الجندل إلى كلب وعمَّمَه بيده، وسدلها بين كتفيه، وقال له:‏ ‏"‏سِرْ بِاسْمِ اللَّهِ"(*)، وأوصاه بوصاياه لأمراء سراياه، ثم قال له:‏ ‏"‏إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَتَزَوَّجْ بِنْتَ مَلِيكِهِمْ‏"،‏ أو قال:‏ ‏"‏بِنْتَ شَرِيِفِهِمْ"(*)، وكان الأصبغ بن ثعلبة الكلبيّ شريفَهم، فتزوَّج بنته تماضر بنت الأصبغ، وهي أمُّ ابنه أبي سلمة الفقيه‏، ورخص النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم لعبد الرّحمن بن عوف في لُبْس الحَريرِ؛ فقد روى هشام بن عروة، عن أبيه أنّ عبد الرّحمن بن عوف كان يلبس الحرير من شَرًى كان به، وقال الحسن: وكان المسلمون يلبسون الحرير في الحرب، وروى أنس بن مالك أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم رَخّصَ لعبد الرّحمن بن عوف في قميص من حرير في سفرٍ من حِكّة كان يجدها بجلده(*)، وروى سعد بن إبراهيم قال: كان عبد الرّحمن بن عوف يلبس البُرْدَ أو الحُلة تُساوي خمسمائة أو أربعمائة، وروى ابن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عَمّمَ عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء، وقال: "هَكذا تَعَمّمْ"(*)، وروى قبيصة بن جابر قال‏: دخلت على عُمر، وعن يمينه رجلٌ كأنه قلب فضّة، وهو عبد الرّحمن بن عوف، قال‏ الواقديّ: كان رجلًا طويلًا فيه جَنَأ، أبيض مُشْرَبًا بالحمرة، حسن الوجه، رقيق البشرة، ولا يغيّر لحيته ولا رأسه، وروت سهلة بنت عاصم زوجُهُ قالت‏: كان عبد الرّحمن بن عوف أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقْنَى الأصابع، طويل النّابين الأعليين، ربما أدمى شفتيه، له جمّة، ضخم الكفّين، غليظ الأصابع. جُرح يوم أُحُدٍ إِحدى وعشرين جراحة، وجُرح في رِجْلِه فكان يَعْرُجُ مِنْهَا، وسَقَطَتْ ثنيتاه فكان أَهتم.
أَسلم قبل أَن يدخل الرسول صَلَّى الله عليه وسلم دارَ الأَرْقمِ، وكان أَحد الثمانية الذين سبقوا إِلى الإِسلام، وأَحد الخمسة الذين أَسلموا على يد أَبي بكر، وهاجر عبد الرّحمن بن عوف إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا في رواية محمّد بن إسحاق، ومحمّد بن عمر، وروى المسْوَرُ بن مَخْرَمَة قال: بينما أنا أسير في رَكْبٍ بين عثمان وعبد الرّحمن بن عوف، وعبد الرّحمن قُدّامي عليه خَميصة سوداء، فقال عثمان: مَنْ صاحب الخميصة السوداء؟ قالوا: عبد الرّحمن بن عوف، فناداني عثمان: يا مسْوَرُ، فقلتُ: لبّيك يا أمير المؤمنين، فقال: مَنْ زعم أنّه خير من خالك في الهجرة الأولى، وفي الهجرة الآخرة فقد كَذَبَ. وشهد عبد الرّحمن بن عوف بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتَ يوم أُحُدٍ، حين وَلّى النّاسُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف ــ أن عبد الرحمن مرض فأغمي عليه فصاحت امرأتُه، فلما أفاق قال: أتاني رجلان فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين؛ فلقيهما رجل فقال: لا تنطلقا به؛ فإنه ممن سبقت له السعادةُ في بَطْن أمه، وروى ابْنُ الْمُبَارَكِ في "الزُّهْدِ" قال: كان عبد الرحمن يصلِّي قبل الظهر صلاةً طويلة، فإذا سمع الأذان شدَّ عليه ثيابَه وخرج، وهو الذي رجع عُمَرُ بحديثه من سَرْغ، ولم يدخل الشام من أجل الطاعون، وروى سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، وعبد الله بن عامر إنّ عمر رجع بالناس لحديثِ عبد الرحمن؛ وهو في الصحيحين بتمامه، ورجع إليه عُمر في أخذ الجزية من المجوس؛ رواه البخاري، وأخرج التِّرْمِذِيُّ، وَالسَّرَّاجُ في "تَارِيخِهِ"، من طريق نوفل بن إياس الهُذَلي قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جَلِيسًا، ونعم الجليس، فانقلب بنا ذات يَوْم إلى منزله فدخل فاغتسل؛ ثم خرج فأتانا بقَصْعَة فيها خبز ولحم، ثم بكى، فقلنا: ما يُبْكيك يا أبا محمد؟ قال: مات رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهله من خُبز الشعير، ولا أرانا أُخِّرْنا لما هو خَيْرٌ لنا(*)، وقال جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ: بلغني أنَّ عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة، ومِنْ وجه آخر عن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان عبد الرحمن حَرَّم الخمر في الجاهلية، وروى أَبو عيسى الترمذي بسنده، عن عبد الرحمن بن حُمَيْد، عن أَبيه: أَن سعيدَ بنَ زيد حدثه في نَفَر أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٍّ، وَعُثْمَانُ، وَالْزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ" قَالَ: فَعَدّ هَؤُلاَءِ الْتِّسْعَةَ، وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ فَقَالَ الْقَوْمُ: نَنْشُدُكَ اللّهَ مَنِ العَاشر؟ قال: "نَشَدْتُمُونِي بِالله، أَبُو الْأَعْوَرِ فِي الْجَنَّةِ" قَالَ: هُوَ سَعِيْدُ بْنُ زَيْدَ بْنِ عَمْرِو"(*)أخرجه الترمذي في السنن 5/605 كتاب المناقب (50) باب (26) حديث رقم 3748.، وروى الواقدي بسنده، عن نِيَار الأسلمي، عن أبيه قال: كان عبد الرحمن ممن يُفتى على عَهْد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى الزهري قال: تصدّق عبد الرحمن بن عوف على عَهْد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بشطر ماله، ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة وقيل: إنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا، وقال عُمَرُ: عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين، وروى أبو الهَيَّاج قال‏: رأَيت رجلًا يطوفُ بالبيت وهو يقول:‏ "اللهم قِنِي شُحَّ نفسي"‏، فسألت عنه فقالوا:‏ هذا عبد الرّحمن بن عوف، وقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "عَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ أَمِيْنٌ فِي الْسَّمَاءِ، أَمِيْنٌ فِي الْأَرْضِ"(*)، ولما توفي عمر رضي الله عنه، قال عبد الرحمن بن عوف لأَصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم: من يُخْرِج نفسه منها، ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إِلى ذلك، فقال: أَنا أُخرج نفسي من الخلافة وأَختار للمسلمين، فأَجابوه إِلى ذلك وأَخذ مواثيقهم عليه، فاختار عثمان فبايعه، والقصة مشهورة، وكان عظيم التجارة مجدودًا فيها، كثير المال، قيل: إِنه دخل على أُم سلمة فقال: يا أُمَّهْ، قد خفت أَن يُهلكني كثرة مالي، قالت: "يا بُنَيّ، أَنفِق"، وروى أَنس بن مالك أَن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان، فقال له: إِن لي حائطين، فاخْتَر أَيَّهُما شئت؟ فقال: "بَارَكَ الله لَكَ فِي حَائِطَيْكَ مَا لِهَذَا أَسْلَمْتُ دُلَّنِي عَلَى الْسُّوق"، قال: فدله، فكان، يشتري السمَينة، والأُقَيْطة، والأهاب، فجمع فتزوج، فأَتى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "بَارَكَ الله لَكَ، أَوْلَمْ وَلَوْ بِشَاةِ"قال: فكثر ماله، حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البُرّ، وتَحْمِل الدقيق والطعام، قال: فلما دخلت المدينة سُمِع لأَهل المدينة رجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها: عِير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق والطعام، فقالت عائشة: سمعت النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "يَدْخُلُ [[عَبْدُ]] الْرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْجَنَّةَ حَبْوًا"، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْرَّحْمَنِ قال: "يَا أُمَّه إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِهَا وَأَحْلَالَهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ"(*)أخرجه أحمد في المسند 6/115.، كذا في هذه الرواية أَنه آخى بينه وبين عثمان، والصحيح أَن هذا كان، مع سعد بن الربيع الأَنصاري، وروى الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بشَطْر ماله أَربعة آلاف، ثم تصدق بأَربعين أَلفًا، ثم تصدق بأَربعين أَلف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة، وروى أَنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأَيام سبقتمونا بها، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ" (*)أخرجه البخاري في الصحيح 5/10 كتاب فضائل أصحاب النبي ومسلم في الصحيح 4/1967 كتاب فضائل الصحابة (44) حديث رقم (221/2540)، وأحمد في المسند 3/11، 54.؛ وهذا إِنما كان بينهما لَمَّا سَيَّر رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد إِلى بني جَذِيمة بعد فتح مكة، فقتل فيهم خالدٌ خَطَاءً، فودى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم القتلى، وأَعطاهم ثمن ما أُخِذ منهم، وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية "عوف بن عبد عوف" والد عبد الرحمن بن عوف، وقتلوا الفاكه بن المغيرة، عَمَّ خالد، فقال له عبد الرحمن: إِنما قتلتهم لأَنهم قتلوا عمك، وقال: خالد: إِنما قتلوا أَباك، وأَغلظ في القول، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم ما قال، وروى سعد بن إِبراهيم، عن أَبيه: أَن عبد الرحمن أُتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قُتِل مصعب بن عمير، وهو خير مني فَكُفِّن في بردته، إِن غُطِّي رأْسهُ بدت رجلاه، وإِنْ غُطِّي رجْلاه بَدَا رأْسهُ ــ وأُراه قال: وقُتِل حمزة وهو خير مني ــ ثم بُسِط لنا من الدنيا ما بُسِط ــ أَو قال: أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا ــ وقد خشينا أَن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام أخرجه البخاري في الصحيح 2/98 في كتاب الجنائز.، وروى إِبراهيم بن سعد، عن أَبيه، عن جده، عن عبد الرحمن بن عوف أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انتهى إِلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس أَراد عبد الرحمن بن عوف أَن يتأَخر فأَومأَ إِليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم: أَنْ مكانك؛ فصلى، وصلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بصلاة عبد الرحمن أخرجه أحمد في المسند 4/248، 249.، وخلَّف عبد الرحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخل منه قوت أهله سنة، وروى حُميد بن عبد الرّحمن بن عوف، عن أمّه أمّ كلثوم، وكانت من المهاجرات الأُوَل، في قوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [سورة البقرة: 45]، قالت: غُشي على عبد الرّحمن بن عوف غَشْيَةً ظنّوا أنّ نفسه فيها، فخرجت امرأته أمّ كلثوم إلى المسجد تستعين بما أُمِرَتْ أن تستعين به من الصبر والصلاة، وروى هشام بن عُروة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعبد الرّحمن بن عوف: "كيف فعلتَ يا أبا محمّد في استلام الحَجَرِ؟" فقال: كلّ ذلك فعلتُ، استلمتُ وتركتُ، فقال: "أصَبْتَ"(*)، وروى عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ، عن أبيه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لمّا آخى بين أصحابه؛ آخى بين عبد الرّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص(*)، وقال عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خَطّ الدّور بالمدينة فخَط لبني زُهْرَة في ناحية من مؤخّر المسجد، فكان لعبد الرّحمن بن عوف الحُشّ، والحُشّ: نَخْلٌ صغار لا يُسْقَى(*)، وروى هشام بن عروة، عن أبيه أنّ عبد الرّحمن بن عوف قال: أشْهَدُ أنّ رسول الله أقْطَعَني وعُمَرَ بن الخطّاب أرضَ كذا وكذا، فذهب الزّبير إلى آل عُمَرَ فاشترى منهم نصيبَهم، وقال: الزّبير لعثمان: إنّ ابن عوف قال كذا وكذا، فقال: هو جائز الشهادة له وعليه(*)، وروى سعد بن إبراهيم قال عبد الرّحمن بن عوف قطع لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أرضًا بالشّأم يقال لها: السّليل فتوفّي النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ولم يكتب لي بها كتابًا وإنّما قال لي: "إذا فَتَحَ الله علينا الشّأم فهيَ لَكَ"(*)، وروى عمرو بن وهب قال: كنّا عند المغيرة بن شُعْبة فسُئل: هَلْ أَمَّ النّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أحدٌ من هذه الأمّة غيرُ أبي بكر؟ قال: نعم، قال فزاده عندي تصديقًا الذي قَرُبَ به الحديث، قال كنّا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فلمّا كان من السَّحر ضَرَبَ عُنُقَ راحلتي فظنَنتُ أنّ له حاجة، فعدلتُ معه فانطلقنا حتّى تبرّزنا عن النّاس، فنزل عن راحلته ثمّ انطلق فتغيّب عني حتى ما أراه فمكث طويلًا ثمّ جاء فقال: "حاجتك يا مغيرة؟" قلتُ: ما لي حاجةٌ، قال: "فهل معك ماءٌ؟" قلت: نعم، فقمتُ إلى قربة أو قال: سَطيحةٍ معَلّقَةٍ في آخرِ الرّحْلِ فأتَيْتُهُ بها؛ فصَبَبْتُ عليه فغسَلَ يديه فأحسن غسلهما ــ قال: وأشُكّ دَلَكَهما بتُرابٍ أم لا ــ ثمّ غسل وجهه ثمّ ذهب يحسرُ عن يديه وعليه جُبَّةٌ شآميّةٌ ضَيّقَةُ الكُمّ فضاقت فأخرج يديه من تحتها إخراجًا فغسل وجهه ويديه، قال: فتجيء في الحديث غسل الوجه مرّتين فلا أدري أهكذا كان، ثمّ مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخُفّين، ثمّ ركبنا فأدركنا النّاس وقد أقيمت الصلاة، فَتَقَدّمهم عبد الرّحمن بن عوف وقد صلّى ركعة وهم في الثانية، فذهبتُ أُوذُنُه فنهاني، فصلّينا الرّكعة التي أدركنا وقضينا التي سَبَقَتْنا(*)، قال ابن سعد: فذكرتُ هذا الحديث لمحمّد بن عمر قال: كان هذا في غزوة تبوك، وكان المغيرة يحمل وضوءَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم حين صلّى خَلْفَ عبد الرّحمن بن عوف: "ما قُبض نبيّ قطّ حتّى يصلّي خلف رجل صالح من أُمّته"(*)، وروى سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: كان عبد الرّحمن بن عوف إذا أتى مَكّةَ كَرِهَ أن ينزل منزله الّذي هاجر منه، قال يزيد في حديثه: منزله الذي كان ينزله في الجاهليّة، حتى يخرج منها، وروى إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنّه قال: "ياابن عوف، إنّك من الأغنياء ولن تَدْخُلَ الجنَّة إلاّ زَحْفًا، فأقْرِضِ الله يُطْلِقْ لك قَدَمَيْكَ"، قال ابن عوف: وما الذي أُقْرض الله يا رسول الله؟ قال: "تبْدأ بما أمسيتَ فيه"، قال أمِنْ كُلّه أجْمَعَ يا رسول الله؟ قال: "نعم"، قال فخرج ابن عوف وهو يهُمّ بذلك فأرسل إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "إنّ جبريل قال: مُرِ ابن عوف فَلْيُضِفِ الضّيْفَ، ولْيُطْعِمِ المِسْكِينَ، وَلْيُعْطِ السّائِلَ، وَيَبْدَأ بمَنْ يَعولُ فإنّه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه"(*)، وروى حبيب بن أبي مرزوق قال: قَدِمَتْ عِيرٌ لعبد الرّحمن بن عوف، قال فكان لأهل المدينة يومئذ رَجَّةٌ فقالت عائشة: ما هذا؟ قيل لها: هذه عيرُ عبد الرّحمن بن عوف قدمت، فقالت عائشة أمَا إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "كأنّي بعبد الرّحمن بن عوف على الصراط يَمِيلُ به مَرَّةً ويستقيم أُخرى حتّى يُفْلتَ ولم يَكَدْ"، قال فبلغ ذلك عبدَ الرّحمن بن عوف فقال: هي وما عليها صَدَقَةٌ، قال وما كان عليها أفضلُ منها، قال وهي يومئذٍ خمسمائة راحلة(*)، وأخرج علي بن حرب في فوائده بسنده، عن ابْنِ أَبي نَجِيح أَنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الَّذِي يحَافِظُ عَلَى أَزْوَاجِي مِنْ بَعْدِي هُوَ الصَّادِقُ البَّارُّ"، فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهنَّ، ويحجّ معهن، ويجعل على هوادِجهنّ الطيالسة، وينزل بهنّ في الشِّعب الذي ليس له منفذ(*)، وروت أمّ سَلَمَةَ زوج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قالت: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول لأزواجه: "إنّ الّذي يحافظ عَلَيْكُنّ بَعْدي لهو الصادق البارّ، اللّهُمّ اسْقِ عبدَ الرّحمن بن عوف من سلسبيل الجنَّة"(*)، وروى إبراهيم بن سعد، قال حدّثني بعض أهلي من ولد عبد الرّحمن بن عوف أنّ عبد الرّحمن بن عوف باع أمواله من كَيْدَمَةَ، وهو سهمه من بني النضير، بأربعين ألف دينار فقَسَمَها على أزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وروت أمّ بكر بنت المِسْوَر أنّ عبد الرّحمن بن عوف باع أرضًا له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك في فقراء بني زُهْرَةَ وفي ذي الحاجة من النّاس وفي أمّهات المؤمنين، قال المِسْوَر: فأتَيْتُ عائشة بنصيبها من ذلك فقالت: مَنْ أرسَلَ بهذا؟ قلتُ: عبد الرّحمن بن عوف، فقالت: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لا يحنو عَلَيْكُنّ بعدي إلاّ الصابرون، سَقَى الله ابن عوف من سلسبيل الجنّة"(*)، وقال الزّبير بن بكّار:‏ كان عبد الرّحمن بن عوف أمينَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على نسائه.
روى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن عمر، وروى عنه أولاده: إبراهيم، وحميد، وعمر، ومصعب، وأبو سلمة، وابن ابنه المِسْوَر بن إبراهيم، وابن أخته المِسْوَر بن مَخْرَمة، وابن عباس، وابن عمر، وجُبَير بن مطعم، وجابر، وأَنس، ومالك بن أوس بن الحدثان، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وبَجَالة بن عَبَدة، وآخرون، وقال أَبُو نُعَيْمٍ: روى عنه عمر؛ فقال فيه العدل الرضى، وقال محمّد بن عمر: وقد روي عن أبي بكر الصديق، وروى أَبو سَلَمة بن عبد الرحمن، عن أَبيه، عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ سَبْعِيْنَ دَرَجَةً، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الْسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"(*)أخرجه أبو نعيم في الحلية 9/45، والمنذري في الترغيب 1/102، والهيثمي في الزوائد 1/125..
وقد تولى عبد الرّحمن الشُّورى، والحجَّ، فقد روت أمّ بكر بنت المِسْوَر، عن أبيها قال: لما وَليَ عبد الرّحمن بن عوف الشورى كان أحَبّ النّاس إليّ أن يليَه، فإن تركه فسعدُ بن أبي وقّاص، فلحقني عمرو بن العاص فقال: ما ظنّ خالك بالله أنْ ولّى هذا الأمرَ أحدًا وهو يعلم أنّه خيرٌ منه، قال فقال لي ما أُحِبّ، فأتيتُ عبد الرّحمن فذكرتُ ذلك له، فقال: من قال ذلك لك؟ فقلتُ: لا أُخبرُك، فقال: لئن لم تخبرني لا أُكَلّمُكَ أبدًا، فقلتُ: عمرو بن العاص، فقال عبد الرّحمن: فوالله لأنْ تُؤخَذَ مُدْيَةٌ فتوضَعَ في حَلْقي ثمّ يُنْفَذَ بها إلى الجانب الآخر أحَبّ إليّ من ذلك، وروى ابن عمر أنّ عبد الرّحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هَلْ لَكُمْ إلى أنْ أخْتَار لَكُمْ وأتَفَصّى منها؟ فقال عليّ: نعم، أنا أوّل من رضي فإنّي سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "أنت أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض"(*)، قالوا: لمّا استُخْلِفَ عمرُ بن الخطّاب سنةَ ثلاث عشرة بعث تلك السنة على الحجّ عبدَ الرّحمن بن عوف؛ فحَجّ بالنّاس وحَجّ مع عمر أيضًا آخرَ حجّةٍ حَجّها عمرُ سنة ثلاث وعشرين، وأذِنَ عمر تلك السنة لأزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في الحجّ فَحُمِلْنَ في الهوادج وبَعَثَ معهنّ عثمان بن عفّان، وعبد الرّحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهنّ فلا يَدَعُ أحدًا يدنو منّهنّ، وكان عبد الرّحمن بن عوف يسير من ورائهنّ على راحلته فلا يدعَ أحدًا يدنو منهنّ، وينزلن مع عمر كلّ منزل، فكان عثمان وعبد الرّحمن ينزلان بهنّ في الشّعاب فَيُقبِّلُونَهُنّ الشّعاب وينزلان هما في أوّل الشّعب فلا يتركان أحدًا يمُرّ عليهنّ، فلمّا استُخلِفَ عثمان بن عفّان سنة أربعٍ وعشرين بعث تلك السنة على الحجّ عبد الرّحمن بن عوف فحجّ بالنّاس.
قال يعقوب بن عُتبة: مات عبد الرّحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين، وهو يومئذ ابن خمس وسبعين، وروى سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيت سعدَ بن مالك عند قائمَتَيْ سرير عبد الرّحمن بن عوف وهو يقول: واجبلاه، قال يحيَى بن حَمّاد في حديثه: وَوَضَعَ السريرَ على كاهله، وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه أنّه سمع عليّ بن أبي طالب يقول يومَ مات عبد الرّحمن بن عوف: اذْهَب ابنَ عوف فقد أدْرَكْتَ صَفْوَها، وسَبَقْتَ رَنْقَها، وروى أيضًا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه أنّه سمع عمرو بن العاص يومَ ماتَ عبد الرّحمن بن عوف يقول: اذْهَبْ عَنْكَ ابنَ عَوْف فقَدْ ذَهَبْتَ ‏ببِطْنَتِكَ ما تَغَضْغَضَ منها من شيئٍ، وروى مَخْرَمَةُ بن بُكير، عن أبي الأسود قال: أوصى عبد الرّحمن بن عوف في السبيل بخمسين ألف دينار، وروى عثمان بن الشريد قال: تَرَكَ عبد الرّحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاةٍ بالنَّقِيعِ ومائة فرس تَرْعَى بالنَّقِيع، وكان يزرع بالجُرُفِ على عشرين ناضحًا، وكان يُدْخِلُ قوتَ أهله من ذلك سنة، وروى عبد الرّحمن بن عوف تُوفي، وكان فيما ترك ذَهَبٌ قُطعَ بالفُئُوس حتّى مَجِلَتْ أيدي الرّجال منه وترك أربع نسوة فأُخرِجَتْ امرأةٌ من ثمُنها بثمانين ألفًا، وروى صالح بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: أصابَ تُماضِرَ بنت الأصبغ رُبعُ الثّمنِ فأُخرجتْ بمائة ألف وهي إحدى الأربع، وقال أبو صالح: مات عبد الرّحمن بن عوف، وترك ثلاث نسوة فأصاب كلّ واحدةٍ ممّاترك ثمانون ألفًا،ثمانون ألفًا، ومات سنة إحدى وثلاثين بالمدينة، وقيل سنة اثنتين؛ وهو الأشهر، وعاش اثنتين وسبعين سنة، وقيل: خمسًا وسبعين سنة، وقيل ثمانيًا وسبعين؛ والأول أثبت؛ ودُفِن بالبَقِيع، وصلَّى عليه عثمان، ويقال: الزبير بن العوام، وقال الزهري: أَوصى عبدُ الرحمن لمن بقي ممن شهد بدرًا، لكل رجل أَربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأَخذوها، وأَخذها عثمان فيمن أَخذ: وأَوصى بأَلف فرس في سبيل الله.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال