تسجيل الدخول


عبد بن عبد غنم

أبو هُريرة بن عامر بن عبد ذي الشَّري الدوسي:
أَخرجه أَبو نُعَيم، وأَبو موسى، وأَبو عمر، وهو صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَكثرهم حديثًا عنه، وهو دَوْسِيّ من دَوْسِ بن عُدْثان بن عبد اللَّه، وقد اختلف في اسمه كثيرًا، فقال النووي في مواضع من كتبه: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولًا، وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولًا مذكورة في الكنى للحاكم، وفي "الاستيعاب"، وفي تاريخ ابن عساكر، وقال ابن حجر العسقلاني: "مجموعُ ما قيل في اسمه وحْدَه نحو من عشرين قولًا: عبد شمس، وعبد نهم، وعبد تيم، وعبد غنم، وعبد العزى، وعبد ياليل؛ وهذه لا جائز أن تَبْقَى بعد أن أسلم كما أشار إليه ابن خزيمة، وقيل فيه أيضًا: عبيد بغير إضافة، وعبيد الله ــ بالإضافة ــ وسُكَين، وسكَنَ، وَعَمْرو، وعُمير، وعامر، وبرير، وبر، ويزيد، وسعد، وسعيد، وعبد الله، وعبد الرحمن، وجميعُها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخير؛ فإنه إسلامي جَزْمًا، والذي اجتمع في اسم أبيه خمسة عشر قولًا: عائذ، وعامر، وعمرو، وعمير، وغنم، ودومة، وهانئ، ومل، وعبد نهم، وعبد غنم، وعبد شمس، وعبد عمرو، والحارث، وعِشْرقة، وصخر؛ فهذا معنى قَوْل مَنْ قال: اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قولًا"، وحكى ابْنُ مَنْدَه في أسمائه عَبْد بغير إضافة، وذكر ابن لَهِيعة أن اسمه كردوس بن عامر.
قال البخاري: "اسمه في الإِسلام عبد اللَّه، ولولا الاقتداءُ بهم لتركنا هذه الأَسماءَ فإِنها كالمعدوم لا تفيد تعريفًا، وإِنما هو مشهور بكنيته"، وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: قال لي بعض أصحابنا، عن أبي هريرة كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صَخْر، فسماني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكُنيت أبا هريرة؛ لأني وجدت هِرَّةً فحملتها في كمِّي، فقيل لي أبو هريرة، وأخرج الترمذي بسندٍ حسن، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: قلت لأبي هريرة: لِمَ كُنيت بأبي هريرة؟ قال: كُنتُ أرعى غَنَمَ أهلي، وكانت لي هرةٌ صغيرة، فكنتُ أضَعُها بالليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبتُ بها معي، فلعبتُ بها فكنوني أبا هريرة. وفي صحيح البُخَارِيِّ أنّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال له: "يَا أَبَا هِرٍّ"(*)، قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة فإن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كناني أبا هرّ والذَّكَرُ خير من الأنثى(*).
أمّه هي ابنة صُفَيح بن الحارث بن شَابِي، وكان سعد بن صُفَيح خال أبي هريرة من أشدّاء بني دوس فكان لا يأخذ أحدًا من قريش إلاّ قتله بأبي أُزَيهر الدَّوسِي، وقد ألقى الله محبة أبي هريرة وأمه في قلوب المؤمنين، فقد روى أبو كثير الغُبَري، عن أبي هريرة أنّه قال: والله لا يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني، قال قلتُ: وما يُعْلِمُك ذاك؟ قال فقال: إني كنتُ أدعو أمّي إلى الإسلام فَتأْبَى عَلَيَّ، قال فدعوتُها ذاتَ يوم إلى الإسلام فأسمعتني في رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما أكرَهُ فجئتُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلتُ: يا رسول الله إني كنتُ أدعو أمَّ أَبِي هريرة إلى الإسلام فتأبَى عليّ وإني دعوتُها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادْعُ الله أن يَهْدِيَ أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ففعل فجئتُ فإذا البابُ مُجافٌ وسمعتُ خَضْخَضَة الماء فلبستْ درعها وعَجلَتْ عن خمارها ثمّ قالت: ادخل يا أبا هريرة فدخلتُ فقالت: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله، فجئتُ أسعى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيتُ من الحزن، فقلتُ: أبْشِرْ يا رسول الله فقد أجاب الله دَعْوَتَك، قد هدى الله أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ثمّ قلتُ: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحَبّبَني وأمّي إلى المؤمنين والمؤمنات وإلى كلّ مؤمن ومؤمنة، فقال: "اللهمّ حَبّبْ عُبيدك هذا وأمّه إلى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة"، فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني(*)، روى ابن شهاب أنّ أبا هريرة لم يكن يحجّ حتى ماتت أمّه لصحبتها، وروى محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة أنّه قال: خرجتُ يومًا من بيتي إلى المسجد لم يُخْرِجْني إلاّ الجوع، فوجدتُ نَفَرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا هريرة ما أخْرَجَك هذه الساعة؟ فقلتُ: ما أخرجني إلاّ الجوع، فقالوا: نحن والله ما أخرجنا إلاّ الجوع، فقُمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "ما جاء بكم هذه الساعة؟" فقلنا: يا رسول الله جاء بنا الجوع، قال فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بطَبَقٍ فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: "كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء فإنّهما سَتَجْزِيانكم يومكم هذا"، قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرةً وجعلتُ تمرة في حُجْزَتي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة لِمَ رَفَعْتَ هذه التمرة؟" فقلتُ: رفعتُها لأمّي، فقال: "كُلْها فإنّا سَنُعْطيك لها تمرتين"، فأكلتها فأعطاني لها تمرتين(*).
وقال سَلِيم بن حَيَّان: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: نشأتُ يتيمًا وهاجرتُ مسكينًا وكنتُ أجيرًا لبُسرَة بنت غَزوان بطعام بطني وعُقْبَةِ رِجْلي، فكنتُ أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا فزوّجنيها الله فالحمد لله الذي جعل الدين قِوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا، وفي رواية عن أبي هريرة قال: أكْرَيْتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعُقبة رجلي، قال فكانت تكلّفني أن أرْكَبَ قائمًا وأن أردي أو أورِدَ حافيًا، فلمّا كان بعد ذلك زَوّجنيها الله فكلّفتُها أن تَرْكَبَ قائمة وأن تَرِدَ أو تَرْدِيَ حافية، وفي رواية أخرجها ابْنُ خُزَيْمَةَ: وكانت إذا أتت على مكان سهلٍ نزلت، فقالت: لا أريم حتى تجعلي لي فيّ عصيدة، فهأَنَذَا أتيت على نحوٍ من مكانها، قلت: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة، وقال حُصَين بن عُرْفُطَةَ اليَرْبُوعي: كانت لأبي هريرة امرأة، فبقِيَتْ زمانًا لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم إنها اشتكت، فقال أبو هريرة: مَنَعَتْنَا هذه طلاقها بشكواها.
وجاء في ورعه ــ رضي الله عنه ــ أنه كان لا يحلي ابنته الذهب روى ذلك معاوية بن عبد الله بن بدر قال: دخلت على أبي هريرة وابنةٌ له تَنْزُو على ظهره وهو يقول: يَا بُنَيَّة، لا أحَلِّيك الذهب، إني أخشى عليك اللهب، كذلك فقد روى عمر بن سعيد، عن عبد الرحمن بن سابط وأبا الزبير قالا: لَقِيَتْ أبا هريرة ابْنَةٌ له فقالت: إن الجواري يُعَيِّرنَني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب، فقال: قولي لهن: إنّ أَبَاي لا يُحَلِّيني الذهب، يخشى عَلَيَّ حَرّ اللهَب، وفي رواية عن أبي هريرة، أنه رأى على ابنةٍ له ذهبًا فقال: يا بنية لا تلبسي الذهب، فإني أخاف عليكِ اللهب، ومن أقواله ــ رضي الله عنه ــ ما رواه معاوية المُزَنِيّ عنه أنه قال: لا تكونن أميرًا ولا جابيًا ولا عريفًا ولا نقيبًا.
وفي وصفه ــ رضي الله عنه ــ روى عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن عبد الرحمن بن لُبَيْنَة الطائفي أنّه قال: رأيتُ أبا هريرة وهو في المسجد، قال ابن خُثَيْم فقلتُ لعبد الرحمن: صِفْه لي، فقال: رجل آدم بعيد ما بين المنكبين، ذو ضَفَرَينِ، أفرق الثنيّتَينِ، كذلك فقد روى ضَمْضَم بن جَوْس قال: دخلتُ مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ يضْفرُ رأسه برّاق الثنايا، قلتُ: مَن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو هريرة، وروى ابن أَبِي ذِئْب، عن عثمان بن عبيد الله قال: رأيتُ أبا هريرة يصفّر لحيته ونحن في الكُتَّاب، وروى عمار بن أبي عمار أَن مروان بن الحكم أَتَتْه مَطَارِفُ من خزّ فكساها أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكسا أبا هريرة مِطْرَفًا أغْبَرَ فكان يُثْنيه عليه ثلاثة أثناء من سَعَته، فأصابه شيء فتشبّكه تشبّكًا ولم يَرْفُه كما يرفون، فكأني أنظر إلى طرائفه من إِبْرَيْسَم، وروى سعيد بن أبي سعيد قال: رأيتُ على أبي هريرة ساجًا مزرّرًا بديباج، وقال خَبَّاب بن عروة: رأيتُ أبا هريرة عليه عمامة سوداء، وقال محمد بن سِيرِين أنّ أبا هريرة كان يلبس الثياب الممشّقة، وقال قُرَّة بن خالد: قلتُ لمحمد بن سِيرِين أكان أبو هريرة مُخْشَوْشِنًا؟ قال: لا بل كان ليّنًا، قلتُ: فما كان لونه؟ قال: أبيض، قلتُ: هل كان يخضب؟ قال: نعم نحو ما ترى، قال: وأهْوى محمد بيده إلى لحيته وهي حمراء، قلتُ: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى، قال: وعلى محمد ثوبان مُمَشَّقَان من كَتَّان، قال: وتمخّط يومًا فقال: بَخْ بَخْ، أبو هريرة يتمخّط في الكتّان؟! وقال أبو هلال: حدّثنا شيخ أظنّه من أهل المدينة قال: رأيتُ أبا هريرة يُحْفِي عارضيْه يأخذ منهما، قال ورأيتُه أصفر اللحية، وقال ثابت بن مِشْحَل مولى أبي هريرة: كنتُ رَدِيف أبي هريرة على دابته قال فتأتيني الريحُ بريحِ المسك من لحيته، قال: فأدنِي رأسي منه قال: فيقول: كأنك تحب ريح الطيب أو ريح المسك؟ قال فأقول: نعم، فيضحك، وروى يحيَى بن أبي كَثِير أنّ أبا هريرة كان يكره أن ينتعل قائمًا وأن يأتَزِرَ فوق قميصه، وروى ذَكْوَان أن أبا هريرة كان لا يلبس قَميصًا ــ وأُرَاهُ ــ قال ثيابًا إلاّ بدأَ بميامِنِه.
أَسلم أَبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفي ذلك يروي خُثَيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن نفر من قومه أنّ أبا هريرة قدم المدينة في نفر من قومه وافدين وقد خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة رجلًا من بني غِفَار يقال له: سِباع بن عُرْفُطَةَ، فأتيناه وهو في صلاة الصبح فقرأ في الركعة الأولى: {كهيعص} [سورة مريم: 1] وقرأ في الركعة الثانية: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [سورة المطففين: 1] قال أبو هريرة: فأقول في الصلاة ويل لأبي فلانٍ له مِكْيالان إذا اكتال اكتال بالوافي وإذا كال كال بالناقص، فلمّا فرغنا من صلاتنا أتَيْنا سِباعًا فزوّدنا شيئًا حتى قدمنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر فكلّم المسلمين فأشركونا في سُهْمانهم، وروى قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قلتُ في الطريق:
يا ليلةً
من
طولها
وعنائها على أنّها منْ دارة الكُفْرِ نَجَّتِ
قال: وَأَبَقَ منِّي غلامٌ في الطريق فلمّا قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هذا غلامك"، فقلتُ: هو لوجه الله، فأعْتَقْتُه(*)، وروى عمّار بن أبي عمّار أنّ أبا هريرة قال: ما شهدتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا قطّ إلاّ قَسَمَ لِي منه إلاّ ما كان مِنْ خيبر، فإنّها كانت لأهل الحُدّيْبِية خاصّة، وكان أبو هريرة وأبو موسى قَدِمَا بَيْنَ الحُديبية وخيبر، وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: وَعَدَنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم غَزْوَ الهِند فإن أدرِكها أنفق فيها مالي ونفسي فإن قتلتُ فأنا مِنْ أفضل الشهداء، وإن رجعتُ فأنا أبو هريرة المُحَرَّر(*).
وروى الحسن، عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى الله عليه وسلم بثلاث لستُ بتاركهن حتى ألقاه: الوترَ قبل النوم، وصيام ثلاث من الشهر، والغسل يوم الجمعة(*)، ومن أقواله ــ رضي الله عنه ــ ما رواه عنه عَطَاء بن أَبِي رَبَاح أنه قال: ما وجع أحبّ إليَّ من الحُمَّى لأنها تُعْطي كلّ مَفْصِلٍ قِسْطَه من الوجع وإنّ الله يعطي كلّ مفصلٍ قسطه من الأجر، وروى أبو يزيد المدني قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مقاما دون مقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعَتَبَةٍ، ثم قال: الحمد لله الذي هَدَى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي عَلَّمَ أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي مَنَّ على أبي هريرة بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي أطعمني الخَمِيرَ وألبسني الحَبِيرَ، الحمد لله الذي زوَّجني ابنَةَ غَزوان بعدما كنت أجيرًا لها بطعام بطني وعُقبة رِجْلي، أَرْحَلَتني فَأَرْحَلتُها كما أرحلتني، وروى أبو يونس، عن أبي هريرة أنه قال: والله يا أهل الإسلام إن كانت إِجَارَتي إلا على كِسرة يابسة أو عُقبة في ليلة مظلمة، وروى أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة، قال: إني لأشحذ سيفي منذ خمس عشرة سنة للمسيح الدجال ــ وفي رواية قال: منذ أربع عشرة سنة، وإن عيسى بن مريم نازل، فمن أدركه منكم فَليُقْرِئْه مني السلام، وقد روى أبي صالح، عن أبي هريرة قال: إني لأرجو أن آكل مع عيسى بن مريم بأصبعي هذه.
وكان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ من أهل الصفة روى عنه الوليد بن رَبَاح قال: إن كان ليُغْشَى عَلَيَّ فيما بين حجرة عائشة وأم سلمة من الجوع، وفي رواية محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: لقد رأيتُني أصرَع بين منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة فيقال: البائس مجنون وما بي إلا الجوع، وروى داود بن فَرَاهيجِ، عن أبي هريرة قال: ما كان لنا طعام على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلاّ الأسْوَدَان التمرُ والماءُ، وروى مُسلم المكّي، أن أبا هريرة حدثه أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائمًا لا يقدر على شيء، قال: فانصرفتُ وراء أبي بكر، فسألني أبو بكر كيف أنت يا أبا هريرة؟ ثم انْصَرَفَ، قال: فَعرِفتُ أَنْ ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفت وراء عُمر عِشَاءً قال: فسألني كيف أنت يا أبا هريرة؟ وانْصَرَفَ، فعرفتُ أن ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفتُ وراء عَلِيٍّ عِشاءً بعد المغرب، فقال ادخل يا أبا هريرة، فأيُّ فَرَحٍ فَرِحْتُ، فقال: يا بنتَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَطْوِي بطنكِ الليلة لله، فإن عندنا ضيفًا، قال: فجاء بخُبْزَتَيْن مثل هَاتَيْن قال: وقام عَلِيٌّ إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، قال: وحرّكا أفواهَهما وليس يأكلان شيئا، قال: يا بنت رسول الله هل من شيء؟ قال: فتُخرِج من تحت فخذها مِزوَدًا مثل تيّه وقال بكفه كلها وفيه كفٌّ من سويق، فقال بنصف كفّهِ وخمس تمرات أو ستّ، قال: فأكلتهنّ ولم يَقَعْنَ منّي موقعًا. وفي ذلك أيضًا يروي عبد الرحمن بن عَبْد، عن أبي هريرة قال: إن كنت لأتبع الرجلَ أسأله عن الآية من كتاب الله لأنا أعلم بها منه ومن عشيرته، وما أتبَعُه إلا ليُطعِمني القبضةَ من التمر أو السُّفَّةَ من السَّوِيق أو الدّقيق أَسُدُّ بها جوعي، قال: فأقبلت أمشي مع عُمر بن الخطاب ذات يوم أُحدّثه حتى بلغ بابه، قال: فأسند ظهره إلى الباب واستقبلني بوجهه، وقال بيده على الباب كلما فرغت من حديث حدثته بآخر، حتى إذَا لَمْ أَرَ شيئًا انطلقتُ، فلما كان بعد ذلك لقيني فقال: أبا هِرّ، أما إنه لو كان في البيت شيء لأطعمناك. وروى أَبو رافع أن أبا هريرة قال: ما أحد من الناس يهدي إليَّ هدية إلا قبلتها فأما أن أسأل فلم أكن لأسأل، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لا خير في فضول الكلام.
وقد جاء في زهده ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: ما أحِبّ أن لي سبعين راحلة وأنا بالمدينة لا أشهد الجمعة، ولأن أصلي بالحرم أحب إليّ من أن أَتَخَطَّى، وروى هشام بن عروة، عمّن سمع أبا هريرة يقول: درهم يكون من هذا وكأنّه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحبُّ إليّ من مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف مِن مالِ فلان، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لَأَن أدع أربعمائة درهم دَينًا أحب إلي من أن أدَع أربعمائة درهم عَيْنًا، وروى أَبو الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان، أن مروان بعث معه إلى أبي هريرة بمائة دينار فلما كان من الغد قال له اذهب فقل له إني إنما أخطأت ليس إليك بَعَثَ بها فإنما أراد مروان أن يَعلَم أيمسكها أبو هريرة أو يُفَرِّقها قال فأتيته فقال ما عندي منها شيء ولكن إذا خَرج عطائي فاقبضُوها.
وفي فضله ــ رضي الله عنه ــ روى غالب بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان يقول إِذَا ذَكَرَ عثمان وعليًّا، لا يقول للميت إلا خيرا، ولا يقول للحي إلا خيرا، وروى مَعْمَر بن راشد قال: بلغني أن أبا هريرة مَرَّ على رجل فسلّم عليه فقيل له: إنه يهودي فرجع إليه فقال: رُدّ عليّ سلامي وأدعو، قال: قد رددته، قال: اللهم أكثر مالَه وولده، وروى الزُّهْرِيّ، عن أبي هريرة أنه كان إذا صلى على الميت قال: اللّهُم إن كانت هذه النفس زاكِيَةً فزكّها، وإن كانت خاطئة فاغفِر لها، وقال أَبو المُهَزِّم: رَأَى أبو هريرة رجلًا راكبًا على دابة وغلامه يسعى خلفه فقال: يا عبد الله احمِلْهُ! فإنما هو أخوك رُوحُه مثل رُوحِكُ، وروى الحكم بن الصَّلت، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه قال: لولا الحج والعمرة والغزوُ لأحببت أن أموت وأنا عبد مملوك، لأن المملوك إذا أدى فريضة الله عليه ونصح لمواليه كان له أجران، وإنّ للحُرِّ أجرًا واحدًا، وروى أبو بكر بن أبي مريم، عن شيخ له قال: سألتُ أبا هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذَّبِّ عنهم، وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أَبِي مَنْبُوذَة كان لأبي هريرة بِرْذَونٌ وَبَعير وكان من المدينة على خمسة أميال، فربما لم يَجِئ الجمعة كثيرًا.
وفي عبادته ــ رضي الله عنه ــ قال أبو أيوب: كان لأبي هريرة مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب دارِهِ، إِذَا خَرَج صلى فيها جميعا، وإذا دَخل صلى فيها جميعًا، وروى أبو المُهَزِّم قال: كان لأبي هريرة مَكّوك يسبّح فيه بالنوى، وروى محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدّثنا شيخ من أهل مكة أنه رأى أبا هريرة يُسَبِّح بالنَّوَى المُجزّع، وروى عِكْرِمَة أن أبا هريرة كان يسبّح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول أسبِّح بقدر دِيَتي، وروى النَّخَعِيّ، أن أبا هريرة دخل الحمّام فقال: لا إله إلا الله، وقال أبو عثمان النَّهْدِيّ: تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكانوا يَعْتَقِبُون الليلَ أثلاثًا، ثُلُثًا هو، وثُلُثًا امرأته، وثلثا خادمه، قال: وقلت لأبي هريرة: كيف تصوم يا أبا هريرة؟ قال: أما أنا فإني أصوم من الشهر ثلاثًا، فإن حَدَثَ حَدَثٌ كنت قد قضيته، وروى شراحيل أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس وقال إنهما يومان تُرفع فيهما الأعمال.
يروي أبو عطاف، أن أبا هريرة كان يقول: أَي رَبِّ لا أَزْنِيّن، أي ربّ لا أَسْرِقَنّ، أَيْ رَبِّ لا أكفُرَنّ، قيل له أو تخاف؟ قال: أمنت بِمُحَرِّفِ القلوب ثلاثًا، وروى أبو الربيع قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن هذه الكناسة مُهلِكةٌ دنياكم وآخرتكم.
روى سليمان بن أبي سليمان، عن أبيه قال: رأى أبو هريرة زِنجيّةً كأنها شيطان فقال: يا أبا سليمان، اشْتَرِ لي هذه الزنجية، فانطلقت فاشتريتها وهو على حمار معه ابنٌ له، فقال أبو هريرة لابنه: أَرْدِفْها خَلْفي، قال: فكره ابنه ذاك، فجعل ابنه يُزْجِيه ليخرجه من السوق، فقال: أَرْدِفها خلفي وَيْحَك، والله لَشُعْلَةٌ من نارٍ أجد مَسّها خلفي أحبّ إليّ من أن أرغب عن هذه ألاَّ أَحْمِلَها، إني لو انْتَسَبْتُ وانْتَسَبَتْ لم نُجاوز إلا قليلًا حتى نجتمع أردِفْها، فأردَفَها خلفَه، وأخرج البَيْهَقِيُّ في "المدخل" بسنده عن أبي هريرة قال: لقي كعبًا فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيتُ رجلًا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة.
وقد صحب أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين، روى ذلك دَاوُدَ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن حميد الحِمْيَري قال: صحبت رجلًا صحبَ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة(*)، وأخرج أَحْمَدُ، من حديث أبيّ بن كعب أن أبا هريرة كان جريئًا على أنْ يسألَ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره(*).
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في كتاب "المُزَاحِ"، والزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فيه، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رجلًا قال له: إني أصبحتُ صائمًا، فجئتُ أبي فوجدتُ عنده خبزًا ولحمًا، فأكلت حتى شبعت، ونسيتُ أني صائم، فقال أبو هريرة: الله أطعمك، قال: فخرجت حتى أتيتُ فلانًا فوجدتُ عنده لِقْحَة تحلب فشربتُ من لبنها حتى روِيت، قال: الله سقاك، قال: ثم رجعت إلى أهلي وثقلت فلما استيقظتُ دعوت بماء فشربته، فقال: يا ابن أخي، أنتَ لم تعود الصيام.
وكان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ عاملًا علي البحرين في عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ ثم عزله، روى محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: قال لي عمر يا عدوّ الله وعدوّ كتابه أسَرَقْتَ مال الله؟ قال فقلتُ: ما أنا بعدوّ الله ولا عدوّ كتابه ولكني عدوّ مَن عاداهما، ولا سرقتُ مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال قلتُ: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق، قال: فأمر بها أمير المؤمنين فقُبِضَتْ، قال فكان أبو هريرة يقول: اللهمّ اغفر لأمير المؤمنين، وفي رواية أخرى لمحمد بن سِيرِين، عن أبي هريرة قال: فأخذ مني اثني عشر ألفًا، قال: ثمّ أرسل إليّ بعدُ أن لا تعمل؟ قلتُ: لا، قال: لِمَ؟ أليس قد عمل يوسف؟ قلتُ: يوسف نبيّ ابن نبيّ فأخشى من عَمَلكم ثلاثًا أو اثنتين، قال: أفلا تقول خمسًا؟ قلت: لا، أخاف أن يشتموا عرضي ويأخذوا مالي ويضربوا ظهري، وأخاف أن أقولَ بغير حِلْم وأقضي بغير علم، وروى إسحاق بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب قال لأبي هريرة: كيف وجدتَ الإمارةَ يا أبا هريرة؟ قال: بعثتَني وأنا كاره ونزعتَني وقد أحببتُها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين فقال: أظَلَمْتَ أحدًا؟ قال: لا، قال: أخذتَ شيئًا بغير حقّه؟ قال: لا، قال: فما جئتَ به لنفسك؟ قال: عشرين ألفًا، قال: من أين أصبتَها؟ قال: كنتُ أتّجِرُ، قال: انظر رأسَ مالك ورِزْقَك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.
وروى الحكم، عن أبي جعفر قال: كان يكون مروان على المدينة فإذا خرج منها استخلف أبا هريرة، وقال أبو رافع: كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حمارًا قد شَدّ عليه، قال عفّان: قُرْطاطًا، وقال عارم: بَرْذَعَةً، وفي رأسه خُلْبة من ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول: الطريقَ! قد جاءَ الأمير، وربّما أتَى الصبيانَ وهم يلعبون بالليل لعْبَةَ الغراب فلا يشعرون بشيء حتى يُلْقِي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيفرّون، وربمّا دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العُراق للأمير، فأنظر فإذا هو ثَرِيدَةٌ بزيت.
وروى عطاء بن أَبي مروان الأَسْلَمِيّ، عن أبي هريرة أنّه سمعه وهو في مجلس أسلم، ومجلسهم قريب من المنبر، وأبو هريرة يخطب الناس، ثمّ التفت إلى مجلس أسلم فيقول: موتوا سَرَوات أسلم، موتوا ثلاث مرّاتٍ، يا معشر أسلم موتوا ويموت أبو هريرة، وروى عُبَيْد بن بَاب قال كنتُ أصبّ على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضّأ فَمَرّ به رجل فقال: أين تريد؟ قال: السّوق، فقال: إن استطعتَ أن تشتري الموتَ من قبل أن ترجع فافعل، ثمّ قال أبو هريرة: لقد خِفْتُ الله ممّا استعجل القَدَرَ، وروى حَبِيب بن أَبِي فَضَالة أنّ أبا هريرة ذكر الموت فكأنّه تَمنّاه فقال بعض أصحابه: وكيف تمنّى الموت بعد قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس لأحدٍ أن يتمنى الموت لا برّ ولا فاجر، أمّا برّ فيزداد بِرًّا وأمّا فاجر فيَسْتَعْتِب"، فقال: وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف أن تُدْرِكَني ستّة: التهاون بالذّنْبِ، وإمْرة السفهاء، وبَيْع الحِكَم، وتقاطع الأرحام، وكثرة الشُّرَطِ، ونَشَأٌ يَتَّخِذُونَ القرآن مزاميرَ(*).
وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّه دخل على أبي هريرة وهو مريض فقال: اللهمّ اشْفِ أبا هريرة، فقال أبو هريرة: اللهمّ لا تُرْجِعْني، قال: فأعادها مرّتين، فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة إن استطعتَ أن تموت فمُتْ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده لَيُوشِكَنّ أن يأتي على العلماء زمنٌ يكون الموت أحبّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، أو ليوشكنّ أن يأتي على الناس زمانٌ يأتي الرجل قبرَ المسلم فيقول: وددتُ أني صاحب هذا القبر، وروى أَبو المُهَزِّم، عن أبي هريرة أنّه كان إذا مرّت به جنازة قال: امضي فأنا على الأَثر، وروى عبد الرحمن بن مِهْران مولى أبي هريرة أنّ أبا هريرة لما حضرته الوفاةُ قال: لا تضربوا عليّ فُسطاطًا ولا تتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعًا فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إذا وُضِعَ الرجل الصالح أو المؤمن على سريره قال: قدّموني، وإذا وُضِعَ الكافر أو الفاجر على سريره قال: يا ويلتي أين تذهبون بي!"(*)، وروى المَقْبُرِيّ عن أبي هريرة أن مروان دخل عليه في شَكْوِاه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة! فقال أبو هريرة: اللهمّ إني أحبّ لقاءك فأحِبّ لقائي، قال فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة، وروى سَلْم بن بشير بن جَحْل قال: بكى أبو هريرة في مرضه فقيل له: ما يُبْكيك يا أبا هريرة؟ قال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنّي أبكي لبُعْد سفري وقلّة زَادي، أصْبَحْتُ في صَعُودٍ مَهْبِطُهُ على جَنّةٍ ونارٍ فلا أدري إلى أيّهما يُسْلَكُ بي، وروى أَبو سَلَمَة قال: دخلتُ على أبي هريرة وهو يموت فقال لأهله: لا تُعَمّمُوني ولا تُقَمّصُوني كما صُنعَ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وروى ثابت بن مِشْحَل قال: نزل الناس من العوالي لأبي هريرة وكان الوليدُ بن عُتْبة أميرَ المدينة فأرسل إليهم لا تدفنوه حتى تُؤذِنُوني، ونام بعد الظهر فقال ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وقد حضرا: اخرجوا به، فخرجوا به بعض الظهر فانتهوا به إلى موضع الجنائز وقد دنا أذان العصر، فقال القوم: صَلّوا عليه، فقال رسول الوليد: لا يصلّى عليه حتى يجيءَ الأمير، فخرج للعصر فصلّى بالناس ثمّ صلّى عليه وفي الناس ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وفي رواية: صلّى عليه الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة ومروان بن الحَكَم يوم شهد أبا هريرة معزولًا من عمل المدينة، وروى محمد بن هلال، عن أبيه قال: شهدتُ أبا هريرة يوم مات وأبو سعيد الخُدْري ومروان يمشيان أمام الجنازة، وروى عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: كنتُ مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها ويُكْثِرُ الترحّم عليه ويقول: كان مِمّن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المسلمين، وروى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان قال: لمّا مات أبو هريرة كان ولد عثمان يحملون سريره حتى بلغوا البقيع حفظًا بما كان من رأيه في عثمان، وقال ثابت بن مِشْحَل: كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يُخْبرُه بموت أبي هريرة فكتب إليه: انظر من ترك فادفع إلى وَرَثَتِه عشرة آلاف درهم وأحْسِنْ جِوارَهم وافعل إليهم معروفًا فإنّه كان مِمّن نصر عثمان وكان معه في الدار فرحمه الله، وقال محمد بن عمر: كان أبو هريرة ينزل ذا الحُليفة وله دار المدينة تصدّق بها على مواليه فباعوها بعد ذلك من عمر بن بَزِيع.
توفّي ــ رضي الله عنه ــ سنة تسعٍ وخمسين في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان؛ قاله الواقدي، وأبو عبيد، وغيرهما، وكان له يومَ توفّي ثمان وسبعون سنة، وهو الذي صلّى على عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمانٍ وخمسين، وهو الذي صلّى على أمّ سَلَمة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شوّال سنة تسعٍ وخمسين، وكان الوالي على المدينة حينئذٍ الوليد بن عُتبة، فركب إلى الغابة وأمر أبا هريرة يصلّى بالناس، فصلّى على أمّ سلمة في شوّال ثمّ توفي أبو هريرة بعد ذلك في هذه السنة، وقال هشام بن عروة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وقد تردد البخاري فيه فقال: مات سنة سبع وخمسين، وكانت وفاته ــ رضي الله عنه ــ بقَصْره بالعقيق، فحُمِل إلى المدينة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال