تسجيل الدخول


أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي

أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، عَمّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وشقيق أبيه:
أمُّه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية، وقد اشتهر بكنيته، واسمه عبد مناف على المشهور، وقيل: عمران، وقال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته. وُلِد قبل النبي بخمس وثلاثين سنة. أخرج أحْمَدُ عن حبة العرني؛ قال: رأيت عليًا ضحك على المنبر حتى بدَتْ نواجذه، ثم تذكر قول أبي طالب وقد ظهر علينا وأنا أصلِّي مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم ببطن نخلة؛ فقال له: ماذا يصنعان؟ فدعاه إلى الإسلام، فقال: ما بالذي تقول من بأس، ولكن والله لا يعلوني استي أبدًا(*). وأخرج البُخَارِيُّ في "التَّارِيخِ"، عن عقيل بن أبي طالب؛ قال: قالت قريش لأبي طالب: إن ابْنَ أخيك هذا قد آذانا... فذكر القصة؛ فقال: يا عقيل، ائتني بمحمد، قال: فجئتُ به في الظهيرة، فقال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنكَ تُؤذيهم فَانْتَهِ عن أذاهم، فقال: "أترون هذه الشمس أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 187 عن عقيل بن أبي طالب وابن حجر في المطالب العالية 4/ 192 حديث رقم 4278 وقال هذا إسناد صحيح. ؟فما أنا بأقدر على أن أدعَ ذلك"، فقال أبو طالب: والله ما كذب ابْنُ أخي قط(*)، وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26]؛ قال: نزلت في أبي طالب؛ كان ينهى عن أذى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به(*). وأخرج ابْنُ عَدِيٍّ، عن أنس؛ قال: مرض أبو طالب فعاده النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي، ادْعُ ربَّك الذي بعثكَ يُعافيني، فقال: "اللَّهُمَّ اشْفِ عَمِّي"، فقام كأنما نشط من عِقَال؛ فقال: يا ابن أخي، إن ربك لَيُطِيعك! فقال: "وأنْتَ يَا عَمّاهُ لَوْ أطَعْتَهُ لَيُطِيَعنكَ"(*) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 432 عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه مرض أبو طالب فجاءت قريش فجاء النبي صَلَّى الله وعليه وسلم... الحديث قال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.. وقال أبو السفر: بعث أبو طالب إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: أطعمني من عنب جنَّتك، فقال أبو بكر: إن الله حَرَّمَها على الكافرين(*)، لما مات عبد المطلب أوْصَى بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي طالب، فكفله وأحسن تربيته، وسافر به صحبته إلى الشام، وهو شابٌّ، ولما بعث قام في نصرته وذَبَّ عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله لما استسقى أهل مكة فسقوا:
وَأبْيَضُ
يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثمَالُ
اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأرَامِلِ
ومنها قوله من قصيدة:
وَشَقَّ
لُهُ
مِنَ
اسْمِهِ
لِيُجِلَّهُ فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
قال علي بن زيد: ما سمعتُ أحسنَ من هذا البيت. وقال الحسين بن علي: سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد ابنُ أخي، وكان والله صدوقًا؛ قال: قلت له: بم بعثت يا محمد؟ قال: "بِصِلَة الأرْحَامِ، وَإقامِ الصَّلَاةِ، وَإيتاءِ الزَّكَاةِ". وعن أبي رافع أنه سمع أبا طالب يقول: حدثني محمد أن الله أَمره بصِلَة الأرحام، وأَن يُعبد الله وحده ولا يعبد معه أحَد؛ ومحمد عندي الصدوق الأمين(*)، قال الخَطِيبُ: لا يُثبت هذا الحديث أهلُ العلم بالنقل، وفي إسناده غير واحد من المجهولين، وجعفَر ذاهبُ الحديث. وعن عمرو بن سعيد: أَنَّ أبا طالب قال: كنْتُ بذي المجاز مع ابْنِ أخي، فأدركني العطَش، فشكوتُ إليه ولا أرى عنده شيئًا؛ قال: فثنى وَركه، ثم نزل فأَهوى بعصاه إلى الأرض، فإذا بالماء؛ فقال: "اشرب يا عَمّ"(*)، فشربت.
قيل: مات مسلمًا، وقيل: بل مات كافرًا، وذكر جمع من الرافضة أنه مات مسلمًا، وتمسكوا بما نُسب إليه من قوله:
وَدَعَوْتَنِي
وَعَلِمْتُ أنَّكَ صَادِقٌ وَلَقَدْ صَدَقْتُ فَكُنْتَ قَبْلُ أمِينَا
وَلَقَدْ عَلِمْتُ
بِأنَّ
دِينَ مُحَمَّدٍ مِنْ
خَيرِ
أدْيَان
البَرِيَّةِ
دِينَا
وهناك روايات عند بعض الشيعة أثبتوا فيها إسلامَ أبي طالب؛ منها ما رواه محمد بن إسحاق، عن ابن عباس؛ قال: لما أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبا طالب في مرضه قال له: "يَا عَمِّ، قُلْ لَا إلهَ إلَّا الله، كَلِمَةً أسْتَحِلُّ بِهَا لَكَ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ" أخرجه البخاري في الصحيح 2/ 119 بنحوه. ومسلم في الصحيح 1/ 54 عن المسيب بلفظه كتاب الإيمان (1) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت... (9) حديث رقم (29/ 24)، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 343، وأبو عوانة في المسند 1/ 14، 15، وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/ 134.، قال: يا ابن أخي؛ والله لولا أن تكون سُبَّةً علي وعلى أهلي من بعدي يرونَ أني قُلْتَها جزعًا عند الموت لقُلْتُها، لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرِّك شفتيه، فأصغى إليه العباس فسمع قوله، فرفع رأسه عنه، فقال: قد قال ــ والله ــ الكلمة التي سأله عنها(*)، وعن علي: أنه لما أسلم قال له أبو طالب: الزم ابْنَ عمك، وعن عمران بن حُصين، أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم: قبل جناح ابن عمك، فصلى جعفر مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم(*)، وعن ابن عباس؛ قال: جاء أبو بكر بأبي قُحافة، وهو شيخ قد عمي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ألا تركْتَ الشيخ حتى آتيه" رواه الطبراني في الكبير 9/ 29. وأورده الهيثمي في الزوائد 6/ 177 وقال رواه الطبراني والبزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.، قال: أردت أن يأجره الله، والذي بعثكَ بالحق لأنا كنْتُ أشد فرحًا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك(*)، وأسانيد هذه الأحاديث واهية؛ وليس المرادُ بقوله في الحديث الأخير إثباتَ إسلامِ أبي طالب، فقد أخرج عمر، عن أنس في قصة إسلام أبي قحافة؛ قال: فلما مَدَّ يده يبايعه بكى أبو بكر، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا يُبْكِيكَ؟" قال: لأن تكون يد عمك مكان يده ويسلم ويقرّ الله عينك أحبُّ إليّ من أين يكون(*)، وسنَدُه صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
قال ابْنُ عَسَاكِرَ في صدر ترجمته: قيل إنه أسلم، ولا يصحُّ إسلامه. وعلى تقدير ثبوت هذه الأحاديث فقد عارضها ما هو أصحُّ منها. أما الأول ففي الصحيحين: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية؛ فقال: "يَا عَمِّ، قُلْ لَا إلهَ إلا الله كَلِمَةً أحاج لَكَ بِهَا عِنْدَ الله"، فقال له أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغَبُ عن مِلَّةِ عبد المطلب؛ فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال: هو على مِلَّة عبد المطلب، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أنْهَ عَنْكَ" أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 66، 6/ 141، وأحمد في المسند 5/ 433 والحاكم في المستدرك 2/ 336 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه فإن يونس وعقيلًا أرسلاه ووافقه الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 343.، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية، ونزلت: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56](*)، فهذا هو الصحيح برد الرواية التي ذكرها ابن إسحاق؛ إذ لو كان قال كلمة التوحيد ما نهى الله تعالى نبيَّه عن الاستغفار له، وهذا الجوابُ أولى من قول من أجاب بأن العباس ما أدَّى هذه الشهادة وهو مسلم، وإنما ذكرها قبل أن يسلم، فلا يعتدُّ بها، وأما الثاني وفيه شهادةُ أبي طالب بتصديق النبي صَلَّى الله عليه وسلم فالجوابُ عنه وعما ورد من شعر أبي طالب في ذلك أنه نظير ما حكى الله تعالى عن كفار قريش: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]، فكان كفرهم عنادًا، ومنشؤه من الأنفة والكبر؛ وإلى ذلك أشار أبو طالب بقوله: لولا أن تعيِّرَني قريش، وأما الثالث وهو أثَر الهَوْزَنِيُّ فهو مرسل، ومع ذلك فليس في قوله: "وَصَلتكَ رَحِمٌ"(*) ما يدلُّ على إسلامه؛ بل فيه ما يدلُّ على عدمه، وهو معارضتُه لجنازته، ولو كان أسلم لمشى معه وصلّى عليه، وقد ورد ما هو أصحُّ منه؛ وهو ما أخرجه أبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ، وصححه ابْنُ خُزَيْمَةَ عن علي؛ قال: لما مات أبو طالب أتيتُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الضالَّ قد مات، فقال لي: "اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحَدِّثْنِي شَيْئًا حَتَّى تَأتِيني"(*)أخرجه النسائي في السنن 1/ 110 كتاب الطهارة باب 128 الغسل من مواراة المشرك حديث رقم 190. وأحمد في المسند 1/ 131، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 348.، ففعلت ثم جئت فدعا لي بدعوات، وأما الرابع والخامس؛ وهو أمْر أبي طالب ولديه باتباعه، فتركهُ ذلك هو من جملة العناد، وهو أيضًا من حسن نصرته له وذبه عنه ومعاداته قومه بسببه، وأما قول أبي بكر فمراده لأنا كنْتُ أشدَّ فرحًا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي؛ أي لو أسلم، ويبين ذلك ما أخرجه أبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ، عن ابن عمر، قال: جاء أبو بكر بأبي قُحَافة يقوده يوم فَتْحَ مكة، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ألا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى نَأتِيَهُ؟" قال أبو بكر: أردتُ أن يأجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنْتُ أشد فرحًا بإسلام أبي طالب لو كان أسلم مني بأبي(*)، وذكر ابْنُ إسْحَاقَ: أنَّ عمر لما عارض العباس في أبي سفيان لما أقبل به ليلةَ الفتح، فقال له العباس: لو كان من بني عدي ما أحببت أن يقتل. فقال عمر: إنا بإسلامك إذا أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب، يعني لو كان أسلم.
قال راشد الحماني: سُئل أبو عبد الله ــ يعني جعفر بن محمد الصادق ــ من أهل الجنة؟ فقال: الأنبياء في الجنة، والصالحون في الجنة، والأسباط في الجنة، وأجلُّ العالمين مجدًا محمد صَلَّى الله عليه وسلم؛ يقدم آدم فمن بعده من آبائه، وهذه الأصنافُ يحدثون به ويحشر عبد المطلب به نور الأنبياء، وجمال الملوك، ويحشر أبو طالب في زُمْرَته، فإذا سارُوا بحضرة الحساب وتبوَّأ أهل الجنة منازِلهم، ودحر أهل النار ارتفع شهابٌ عظيم لا يشكُّ من رآه أنه غَيْمٌ من النار، فيحضر كلُّ من عرف ربَّه من جميع الملل، ولم يعرف نبيه، ومن حشر أمةً وحده، والشيخ الفاني، والطفل، فيقال لهم: إن الجبَّار تباركَ وتعالى يأمركم أن تدخلوا هذه النار، فكلُّ من اقتحمها خلص إلى أعلى الجنان، ومن كع عنها غشيته، وهذا ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة، ومن ولد أكمه أعمى أصم، ومن ولد مجنونًا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك، وأن كلًّا منهم يُدْلِي بحجة ويقول: لو عقلت أو ذكرت لآمنْتُ، فترفع لهم نار، ويقال لهم: ادخلوها، فمن دخلها كانت عليه بَرْدًا وسلامًا، ومن امتنع أدخلها كرهًا، هذا معنى ما ورد من ذلك، ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعًا فينجو، لكن ورد في أبي طالب ما يدفعُ ذلك، وهو ما تقدم من آية براءة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ}... وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي صَلَّى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عَمّك أبي طالب! فإنه كان يحوطك ويغضب لك، فقال: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَل"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 65، 8/ 57. ومسلم في الصحيح 1/ 194 عن العباس بن عبد المطلب بن عبد المطلب بزيادة في أوله كتاب الإيمان (1) باب شفاعة النبي صَلَّى الله وعليه وسلم لأبي طالب... (90) حديث رقم (357/ 209)، وأحمد في المسند 1/ 206، 207، 210 وعبد الرزاق في المصنف 9939، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 34093. ، فهذا شأنُ مَنْ مات على الكفر؛ فلو كان مات على التوحيد لنجا من النار أصلًا، والأحاديثُ الصحيحة، والأخبار المتكاثرة طافحةٌ بذلك، وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج بالمدينة وكاتَبَه المكاتبات المشهورة، ومنها في كتاب المنصور: وقد بُعث النبي صَلَّى الله عليه وسلم وله أربعة أعمام، فآمَن به اثنان أحدهما أبي، وكفر به اثنان أحدهما أبوك. ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين:
وَأنْتُمْ بَنُو
بِنْتِهِ
دُونَنَا وَنَحْنُ
بَنُو عَمِّهِ المُسْلِمِ
وأخرج الرَّافِضِيُّ أيضًا عن متيم، عن علي بن أبي طالب، قال: تَبع أبو طالب عبدَ المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملَّته، وأوصاني أن أدفِنه في قبره، فأخبرتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "اذهب فواره"(*)، وأتيتُه لما أنزل به فغسلته وكفنته، وحملته إلى الحجون فنبشت عن قبر عبد المطلب، فوجدتُه متوجهًا إلى القبلة فدفنته معه، قال متيم: ما عبد علي ولا أحد من آبائه إلا الله إلى أن ماتوا، وهذه سلسلة شيعية من الغُلَاة في الرَّفْضِ، فلا يُفرح به؛ وقد عارضه ما هو أصح منه مما تقدم فهو المعتمد، ثم استدل الرافضي بقول الله تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] قال: وقد عزَّره أبو طالب بما اشتهر وعلم، ونابذ قُريشًا وعاداهم بسببه مما لا يدفعه أحد من نقلة الأخبار، فيكون من المفلحين. قال ابن حجر العسقلاني: وهذا مبلغهم من العلم؛ وإنا نسلم أنه نصره وبالغ في ذلك، لكنه لم يتبع النُّور الذي أنزل معه، وهو الكتابُ العزيز الداعي إلى التوحيد، ولا يحصل الفَلَاحُ إلا بحصول ما رتب عليه من الصفات كلها. ومما لم يذكره الرَّافِضِيُّ من الأحاديث الواردة في هذا الباب، حديث الوليد بن مسلم عن عبد الله بن عمر المرفوع أَنه: "إذا كان يوم القيامة شفعتُ لأَبي، وأُمِّي، وعَمّي أبي طالب، وأخٍ لي كان في الجاهلية"(*)، وقال تُمَّامُ: الوليد منكر الحديث، وقال ابن عساكر: والصحيح ما أخرجه مسلم مِنْ حديث أبي سعيد الخُدْري: أَنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذكر عنده أبو طالب فقال: "يَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ"(*).
وقد مات أبو طالب في السنة العاشرة من المبعث في نصف شوال منها، وكان له يوم مات بضع وثمانون سنة. وجاء عن ابْن المُبَارَكِ، عن أبي عامر الهوزني: أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خرج مُعَارضًا جنازة أبي طالب، وهو يقول: "وَصَلتكَ رَحِمٌ"(*).
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال