تسجيل الدخول


خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشية الأسدية

1 من 1
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ القرشية الأسدية. زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأول من صدقت ببعثته مطلقًا.

قال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكََّارٍ: كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة، وأمها فاطمة بنت زائدة، قرشية من بني عامر بن لؤي، وكانت عند أبي هالة بن زُرارة بن النباش بن عدي التميمي أولًا، ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم خلف عليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ هذا قول ابن عبد البر، ونسبه للأكثر.

وعن قتادة عكس هذا: إن أول أزواجها عتيق، ثم أبو هالة، ووافقه ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، وهكذا في كتاب النسب للزبير بن بكار، لكن حكى القول الأخير أيضًا عن بعض الناس، وكان تزويج النبي صَلَّى الله عليه وسلم خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة. وقيل: أكثر من ذلك، وكانت مُوسِرة، وكان سبب رغبتها فيه ما حكاه لها غلامها ميسرة مما شاهده من علامات النبوة قبل البعثة، ومما سمعته من بحيرا الراهب في حقه لما سافر معه ميسرة في تجارة خديجة، وولدت من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أولاده كلهم إلا إبراهيم.

وقد ذكرتُ في ترجمة كل منهم ما يليق به. وقد ذكرت عائشة في حديث بدء الوحي ما صنعته خديجة من تقوية قلب النبي صَلَّى الله عليه وسلم لتلقي ما أنزل الله عليه؛ فقال لها: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فقالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، وذكرت خِصَاله الحميدة، وتوجهت به إلى ورقه.(*) وهو في الصحيح.

وقد ذكره ابْنُ إسْحَاقَ؛ فقال: وكانت خديجة أول من آمن بالله، ورسوله وصدق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان لا يسمع شيئًا يكرهه من الرد عليه، فيرجع إليها إلا تثبته وتهوِّن عليه أمْرَ الناس.

وعند أبِي نُعَيْمٍ في "الدَّلَائِلِ" بسندٍ ضعيف عن عائشة ـــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان جالسًا معها إذ رأى شخصًا بين السماء والأرض، فقالت له خديجة: ادْنُ مني، فدنا منها؛ فقالت: تراه: قال: "نَعَمْ". قالت: أدخل رأسك تحت درعي، ففعل؛ فقالت: تراه؟ قال: "لَا". قالت: أبشر، هذا ملك؛ إذ لو كان شيطانًا لما استحيا، ثم رآه بأجياد، فنزل إليه وبسط له بساطًا، وبحث في الأرض فنبع الماء، فعلمه جبريل كيف يتوضأ، فتوضأ وصلى ركعتين نحو الكعبة وبشره بنبوته وعلمه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، ثم انصرف، فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال: سلام عليك يا رسول الله، فجاء إلى خديجة فأخبرها، فقالت: أرني كيف أراك، فأراها فتوضأت كما توضأ ثم صلت معه، وقالت: أشهد أنكَ رسول الله.(*)

قلت: وهذا أصرح ما وقفتُ عليه في نسبتها إلى الإسلام.

قال ابْنُ سَعْدٍ: كانت ذُكرت لورقة ابْنِ عمها، فلم يقدر، فتزوجها أبو هالة، ثم عتيق ابن عائذ؛ ثم أسند عن الواقدي بسند له عن عائشة؛ قال: كانت خديجة تكنى أم هند. وعن حكيم بن حزام أنها كانت أسنَّ من النبي صَلَّى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة.(*)

وروي عن المَدَائِنِيِّ بسند له عن ابن عباس ـــ أن نساءَ أهل مكة اجتمعن في عيد لهن في الجاهلية، فتمثَّلَ لهن رجل، فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء مكة، إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد، فمن استطاع منكن أن تكون زوجًا له فلتفعل، فحصبنه إلا خديجة؛ فإنها عضت على قوله، ولم تعرض له.

وأسند أيضًا عن الوَاقِدِيِّ، من حديث نفيسة أخت يعلى بن أمية؛ قالت: كانت خديجة ذات شرف وجمال. فذكر قصة إرسالها إلى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وخروجه في التجارة لها إلى سوق بصرى، بربح ضعف ما كان غيره يربح؛ قالت نفيسة: فأرسلتني خديجة إليه دسيسًا أعرض عليه نكاحها، فقبل، وتزوجها وهو ابنُ خمس وعشرين سنة، فولدت له القاسم، وعبد الله، وهو الطيب، وهو الطاهر؛ سمي بذلك لأنها ولدته في الإسلام وبناته الأربع؛ وكان من ولدته ستة. وكانت قابلتها سلمى، مولاة صفية، وكانت تسترضع لولدها وتُعِدّ ذلك قبل أن تلد.

ثم أسند عن عائشة أن الذي زوجها عمها عمرو؛ لأن أباها كان مات في الجاهلية.

قال الوَاقِدِيُّ: هذا المجمع عليه عندنا، وأسند من طرق أنها حين تزويجها به كانت بنت أربعين سنة.

وقد أسند الوَاقِدِيُّ قصة تزويج خديجة من طريق أم سعد بنت سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية أخت يعلى؛ قال: كانت خديجة امرأة شريفة جلدة كثيرة المال، ولما تأيمت كان كلُّ شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فلما أن سافر النبي صَلَّى الله عليه وسلم في تجارتها، ورجع بربح وافر رغبت فيه، فأرسلتني دسيسًا إليه، فقلت له: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال: "مَا فِي يَدِي شَيْءٌ". فقلت: فإن كُفيت ودعيت إلى المال والجمال والكفاءة؛ قال: "وَمْن"؟ قلت: خديجة، فأجاب.(*)

وفي الصَّحِيحَيْنِ، عن عائشة ـــ أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نَصَب.(*)

وعند مُسْلِمٍ، من رواية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن علي ـــ أنه سمعه يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ"(*)أخرجه البخاري في صحيحه 4/200، 5/47،ومسلم في الصحيح 4/1886 كتاب فضائل الصحابة 44 باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها(12) حديث رقم (69/2430) والترمذي في السنن 5/659ـــ660 كتاب المناقب (50) باب فضل خديجة رضي الله عنها (62) حديث رقم 3877 وقال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند 1/84،116، البيهقي في السنن الكبرى 9/367، والحاكم في المستدرك 2/497،3/ 184،المتقي الهندي في كنز العمال حديث 34405.

وعنده من حديث أبي زُرعة: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذِهِ خَدِيجَةُ أتَتْكَ وَمَعَهَا إنَاءٌ فيهِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَإذا هِيَ أتَتْكَ فَاقْرَأ عَلَيْهَا مِنْ رَبِّها السَّلَامَ وَمِنِّي.." الحديث(*).

قال ابْنُ سَعْدٍ: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ قالا: جاءت خولة بنت حكيم فقالت: يا رسول الله، كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة. قال: "أجَلْ، كَانَتْ أمَّ العِيَالِ وَرَبَّةَ البَيْتِ..." الحديث. وسنده قوي مع إرساله.(*)

وقال أيضًا: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن عبد الله بن عمير؛ قال: وجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على خديجة حتى خُشِيَ عليه حتى تزوج عائشة.(*)

ومن مزايا خديجة أنها ما زالت تعظِّم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وتصدقُ حديثه قبل البعثة وبعدها؛ وقالت له لما أرادت أن يتوجَّه في تجارتها: إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك؛ ذكره ابن إسحاق.

وذكر أيضًا إنها قالت لما خطبها: إني قد رغبت فيك لحُسْن خلقك، وصدق حديثك.

ومن طواعيتها له قبل البعثة أنها رأتْ ميله إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها، فوهبته له صَلَّى الله عليه وسلم؛ فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام، حتى قيل: إنه أول من أسلم مطلقًا.

وأخرج ابْنُ السُّنِّيِّ بسند له عن خديجة ـــ أنها خرجت تلتمس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأعلى مكة ومعها غذاؤه، فلقيها جبريل في صورة رجل، فسألها عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم فهابته، وخشيت أن يكون بعض من يريد أن يغتاله، فلما ذكرت ذلك للنبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لها: "هُوَ جبرِيلُ، وَقَدْ أمَرَنِي أنْ أقْرَأ عَلَيْكِ السَّلَامَ، وَبَشَّرَها بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَب فِيهِ وَلَا نَصَبَ"(*)أخرجه الحاكم في المستدرك 3/185 وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وأورده الهيثمي في الزوائد. 9/227.

وأخرجه النَّسَائِيُّ، والحَاكِمُ، من حديث أنس: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله يَقْرَأُ عَلَى خَدِيجَةَ السَّلَامَ"؛ فقالت: إنَّ الله هُوَ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وعلَيْكَ، السلام ورحمة الله.(*)

وفي "صحيح البُخَارِيِّ" عن علي ـــ رفعه: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة"(*).

ويفسر المراد به ما أخرجه ابْنُ عَبْدِ البَرِّ في ترجمة فاطمة عن عمران بن حصين ـــ أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي وجعة، فقال: "كَيْفَ تَجِدِينكَ يَا بُنَيَّةُ؟" قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيد ما بي ما لي طعامٌ آكله. فقال: "يَا بُنَيَّةُ، ألَا تَرْضِينَ أنَّكِ سَيِّدةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ؟" قالت: يا أبت، فأيْنَ مريم بنت عمران؟ قال: "تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالمهَا".(*)

فعلى هذا مريم خيرُ نساء الأمة الماضية، وخديجة خير نساء الأمة الكائنة.

ويحمل قصة فاطمة إن ثبتت على أحد أمرين: إما التفرقة بين السيادة والخيرية، وإما أن يكون ذلك بالنسبة إلى من وجد من النساء حين ذكر قصة فاطمة.

وقد أثنى النبي صَلَّى الله عليه وسلم على خديجة ما لم يثن على غيرها؛ وذلك في حديث عائشة، قالت: كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم لا يكادُ يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيُحسن الثناء عليها؛ فذكرها يومًا من الأيام، فأخذتني الغيرة؛ فقلت: هل كانت إلا عجوزًا قد أبدلك الله خيرًا منها؛ فغضب. ثم قال: "لَا، وَالله مَا أبْدَلِني الله خَيْرًا مِنْهَا، آمنَتْ إذ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إذْ كَذَّبَني النَّاسُ، وواسْتِني بِمَالها إذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي مِنْهَا الله الوَلَدَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ".

قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبة أبدًا.(*) أخرجه أبو عمر أيضًا، رويناه في كتاب الذرية الطاهرة للدُّولابي من طريق وائل بن أبي داود، عن عبد الله البهي، عن عائشة.

وفي الصحيح عن عائشة كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: "أرْسِلُوا إلَى أصْدِقَاءِ خَدِيجةَ". فقال: فذكرت له يومًا، فقال: "إنِّي لأحِبُّ حَبِيبَهَا"(*)أخرجه مسلم في الصحيح4/1888 عن عائشة كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها حديث رقم (75/2435)، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 18339 وعزاه لمسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها.

قال ابْنُ إسْحَاقَ: كانت وفاةُ خديجة وأبي طالب في عام واحد، وكانت خديجة وزيد صدقًا على الإسلام، وكان يسكن إليها. وقال غيره: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح، وقيل بأربع، وقيل بخمس.

وقالت عَائِشَةُ: ماتت قبل أن تُفْرض الصلاة، يعني قبل أن يعرج بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم، ويقال: كان موتها في رمضان.

وقال الوَاقِدِيُّ: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي بنت خمس وستين سنة، ثم أسند من حديث حكيم بن حزام أنها تُوفيت سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب، ودفنت بالحجُون، ونزل النبي صَلَّى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن شُرعت الصلاة على الجنائز.
(< جـ8/ص 99>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال