تسجيل الدخول


أسيد بن حضير الأشهلي

يُكْنَى أبا يحيى، وقيل أبو حضير، وقيل: أبو عيسى، لقول النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم له: "يَا أبَا عِيسَى". ، وقيل غير ذلك. وكان أبوه حُضير الكتائب شريفًا في الجاهليّة، وكان رئيس الأوس يوم بُعاث، وهي آخر وقعةٍ كانت بين الأوس، والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقُتل يومئذٍ حضير الكتائب، وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكّة قد تَنَبَّأَ، ودعا إلى الإسلام، ثمّ هاجر بعدها بستّ سنين إلى المدينة. وكان أُسيد بن الحُضير بعد أبيه شريفًا في قومه في الجاهليّة، وفي الإسلام يُعَدّ من عُقلائهم، وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربيّة في الجاهليّة، وكانت الكتابة في العرب قليلًا، وكان يُحسن العوم، والرمي، وكان يُسَمّى من كانت هذه الخصال فيه في الجاهليّة الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد. وكان إسلام أسيد بن الحُضير، وسعد بن معاذ على يَدَي مُصعب بن عُمير العَبْدَريّ في يوم واحد، تَقَدَّمَ أسيدٌ سعدًا في الإسلام بساعة، وكان مصعب بن عمير قد قدم المدينة قبل السبعين أصحاب العَقَبة الآخرة يدعو النّاس إلى الإسلام، ويعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين بأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وشهد أسيد العقبَة الآخرة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد أُسيد بدرًا، وتخلّف هو، وغيره من أكابر أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من النقباء، وغيرهم عن بدر، ولم يظنّوا أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يلقى بها كيدًا، ولا قتالًا، وإنّما خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومن معه يتعرّضون لعير قريش حين رجعت من الشام، فبلغ أهلَ العير ذلك، فبعثوا إلى مكّة من يخبر قريشًا بخروج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إليهم، وساحَلوا بالعير، فأفلتت، وخرج نَفير قريش من مكّة يمنعون عَيرَهم، فالتقوا هم، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومن معه على غير مَوْعِدٍ ببدرٍ. ولقي أُسيد بن الحُضير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين أقبل من بدر، فقال: الحمد لله الذي أظفرك، وأقرّ عينك، والله يا رسول الله، ما كان تَخَلّفي عن بدرٍ، وأنا أظنّ أنّك تلقى عدوًّا، ولكن ظننت أنّها العير، ولو ظننتُ أنّه عدوّ ما تخلّفت، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "صدقتَ". وشهد أُسيد أُحُدًا، وجُرح يومئذٍ سبع جراحات، وثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين انكشف الناس، وشهد الخندق، والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان من عِلْيَة أصحاب، وشهد مع عمر فتح البيت المقدس. كان أُسيد بن الحُضير، وعبّاد بن بشر عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ليلةٍ ظلماء حِنْدَسٍ، فتحدّثا عنده حتى إذا خرجا أضاءتْ لهما عَصَا أحَدِهما، فمشيا في ضوئها، فلمّا تفرّق لهما الطريق أضاءت لكلّ واحدٍ منهما عصاه، فمشى في ضوئها. وروى أسيد بن حضير ــ وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، أنه قال: قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني، وهو غلام، فجالت الفرس، فقمت، وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت، فجالت الفرس، فقمت، وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت، فجالت الفرس، فرفعت رأسي، فإذا شيء كهيئة الظلة في مثل المصابيح، مقبل من السماء فهالني، فسكت، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اقْرَأْ يَا أَبا يَحْيَى"، فَقُلْتُ قَدْ قَرَأْتُ، فَجَالَتْ، فَقُمْتُ لَيْسَ هَمٌّ لِي إِلَّا ابْنِي، فَقَالَ لِي: "اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى"، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ، فَجَالَتِ الفَرسُ فَقَالَ: "اقْرَأْ أَبَا حُضَيْر"، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِيهَا المَصَابِيحُ، فَهَالَنِي، فَقَالَ: "تِلْكَ المَلَائِكَةُ دَنَوْا لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ حَتَّى تُصْبِح؛ لأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ". وقالت عائشة رضي الله عنها: كان أُسيد بن حُضير من أفاضل الناس، وروت عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ثلاثةٌ من الأنصار لم يكن أَحَدٌ يعتد عليهم فَضْلًا، كلّهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأُسيد بن حُضير، وعباد بن بشر‏. وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على أحوال ثلاث؛ لكنت حين أسمع القرآن، أو أقرؤه، وحين أسمع خطبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإذا شهدت جنازة. وروى أبو هريرة أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، نِعْمُ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ". وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم، وكان أبو بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ يكرمه، ولا يقدم عليه واحدًا، ويقول: إنه لا خلاف عنده. وكان أُسَيْد ين حُضَيْر أحَد العقلاء الكَمَلة من أهلِ الرّأي، وآخى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلّم بينه، وبين زَيْد بن حارثة. وفاته: توفي أسيد سنة إحدى وعشرين. وقال محمود بن لبيد: تُوفّي أسيد بن الحُضير في شعبان سنة عشرين، فحمله عمر بن الخطّاب بين العمودين من بني عبد الأشهل حتى وضعه بالبقيع، وصلّى عليه بالبقيع.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال