تسجيل الدخول


أسيد بن حضير الأشهلي

أُسَيْد بن حُضَيْر بن سمَّاك الأنصاريّ الأوسي الأشهليّ:
يُكْنَى أبا يحيى، وقيل: أبو عَتيك، وقيل: أبو الحُضَيْر، وقيل: أبو الحُصَيْن، وقيل: أبو حضير، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عتيق، وقيل: أبو عيسى، لقول النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم له: "يَا أبَا عِيسَى"(*). أمّه أمّ أُسَيْد بنت النعمان بن امرئ القيس، وقيل: بنت سَكَن بن كُرْز، وكان أبوه حُضير الكتائب شريفًا في الجاهليّة، وكان رئيس الأوس يوم بُعاث، وهي آخر وقعةٍ كانت بين الأوس، والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقُتل يومئذٍ حضير الكتائب، وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكّة قد تَنَبَّأَ، ودعا إلى الإسلام، ثمّ هاجر بعدها بستّ سنين إلى المدينة، ولحضير الكتائب يقول خُفاف بن نُدْبة السُّلَميّ:‏
لوَ أنّ المنايا حِدْنَ عن ذي مَهابةٍ لَهِبْـنَ حُضيرًا يوْمَ غلّـقَ واقِمَا
يطــوفُ به حتى إذا اللّيـلُ جَـنّــه تبـــــوّأ منــه مَقْعَـدًا مُتَناعِـمـا
وقال: وواقم أُطُم حضير الكتائب، وكان في بني عبد الأشهل. وكان أُسيد بن الحُضير بعد أبيه شريفًا في قومه في الجاهليّة، وفي الإسلام يُعَدّ من عُقلائهم، وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربيّة في الجاهليّة، وكانت الكتابة في العرب قليلًا، وكان يُحسن العوم، والرمي، وكان يُسَمّى من كانت هذه الخصال فيه في الجاهليّة الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد، وكان أبوه حُضير الكتائب يُعْرَف بذلك أيضًا، ويُسَمّى به، وكان لأسيد من الولد: يحيَى، وأُمّه من كندة.
قال واقد بن عمرو بن سعد: كان إسلام أسيد بن الحُضير، وسعد بن معاذ على يَدَي مُصعب بن عُمير العَبْدَريّ في يوم واحد، تَقَدَّمَ أسيدٌ سعدًا في الإسلام بساعة، وكان مصعب بن عمير قد قدم المدينة قبل السبعين أصحاب العَقَبة الآخرة يدعو النّاس إلى الإسلام، ويعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين بأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وشهد أسيد العقبَة الآخرة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعًا، وكان أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد أُسيد بدرًا، وتخلّف هو، وغيره من أكابر أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من النقباء، وغيرهم عن بدر، ولم يظنّوا أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يلقى بها كيدًا، ولا قتالًا، وإنّما خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومن معه يتعرّضون لعير قريش حين رجعت من الشأم، فبلغ أهلَ العير ذلك، فبعثوا إلى مكّة من يخبر قريشًا بخروج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إليهم، وساحَلوا بالعير، فأفلتت، وخرج نَفير قريش من مكّة يمنعون عَيرَهم، فالتقوا هم، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومن معه على غير مَوْعِدٍ ببدرٍ.
قال عبد الله بن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال: لقي أُسيد بن الحُضير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين أقبل من بدر، فقال: الحمد لله الذي أظفرك، وأقرّ عينك، والله يا رسول الله، ما كان تَخَلّفي عن بدرٍ، وأنا أظنّ أنّك تلقى عدوًّا، ولكن ظننت أنّها العير، ولو ظننتُ أنّه عدوّ ما تخلّفت، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "صدقتَ"(*). وشهد مع عمر فتح البيت المقدس. قال محمّد بن عمر: شهد أُسيد أُحُدًا، وجُرح يومئذٍ سبع جراحات، وثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين انكشف الناس، وشهد الخندق، والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان من عِلْيَة أصحابه.
قال ابن مالك: كان أُسيد بن الحُضير، وعبّاد بن بشر عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ليلةٍ ظلماء حِنْدَسٍ، فتحدّثا عنده حتى إذا خرجا أضاءتْ لهما عَصَا أحَدِهما، فمشيا في ضوئها، فلمّا تفرّق لهما الطريق أضاءت لكلّ واحدٍ منهما عصاه، فمشى في ضوئها. وروى بُشير بن يسار، أنّ أسيد بن الحُضير كان يَؤمّ قومه، فاشتكى، فصَلَّى بهم قاعدًا، قال سليمان بن بلال في حديثه: فصلوا وراءه قعودًا. وقالت عائشة: كان أُسيد بن حُضير من أفاضل الناس، وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على أحوال ثلاث؛ لكنت حين أسمع القرآن، أو أقرؤه، وحين أسمع خطبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإذا شهدت جنازة. وروى أبو هريرة أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، نِعْمُ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ"(*)أخرجه ابن أبي شيبة 12 / 137، وأحمد 2 / 419 .
وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم، وكان أبو بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ يكرمه، ولا يقدم عليه واحدًا، ويقول: إنه لا خلاف عنده. وكان أُسَيْد ين حُضَيْر أحَد العقلاء الكَمَلة من أهلِ الرّأي، وآخى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلّم بينه، وبين زَيْد بن حارثة. وروى أبو عطارد، أنه قال: جاء عامرُ بن الطّفيل، وزَيْد إلى رسولِ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، فسألاه أنْ يجعل لهما نصيبًا من تمر المدينة، فأخذ أُسيد بن حضير الرَّمْحَ، فجعل يَقْرَع رؤوسهما، ويقول‏:‏ اخْرُجا أيها الهِجْرسان، فقال عامر: مَنْ أنت؟ فقال: أنا أُسَيْد بن حضير، قال: حُضير الكتائب؟ قال: نعم، قال: كان أبوك خيرًا منك، قال: بل، أنا خيرٌ منك، ومن أبي؛ مات أبي، وهو كافرٌ. وروت عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ثلاثةٌ من الأنصار لم يكن أَحَدٌ يعتد عليهم فَضْلًا، كلّهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأُسيد بن حُضير، وعباد بن بشر‏.
وروى أسيد، أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال للأنصار: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً"، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهَ؟ قَالَ: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ"(*)أخرجه أحمد (3 / 111، 167) والبخاري كما في الفتح في كتاب المناقب باب قول النبي صَلَّى الله عليه وسلم للأنصار (11315) (3794)، ومسلم في كتاب الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام (2 / 733/ 1059) والطبراني في الكبير 1 / 173 وابن أبي عاصم في السنن 2 / 350 وابن حبان موارد(2297) والبيهقي 6 / 144.
وروى أسيد بن حضير ــ وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، أنه قال: قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني، وهو غلام، فجالت الفرس، فقمت، وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت، فجالت الفرس، فقمت، وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت، فجالت الفرس، فرفعت رأسي، فإذا شيء كهيئة الظلة في مثل المصابيح، مقبل من السماء فهالني، فسكت، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اقْرَأْ يَا أَبا يَحْيَى"، فَقُلْتُ قَدْ قَرَأْتُ، فَجَالَتْ، فَقُمْتُ لَيْسَ هَمٌّ لِي إِلَّا ابْنِي، فَقَالَ لِي: "اقْرَأْ يَا أَبَا يَحْيَى"، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ، فَجَالَتِ الفَرسُ فَقَالَ: "اقْرَأْ أَبَا حُضَيْر"، فَقُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فِيهَا المَصَابِيحُ، فَهَالَنِي، فَقَالَ: "تِلْكَ المَلَائِكَةُ دَنَوْا لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ حَتَّى تُصْبِح؛ لأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ"(*)ذكره الهندي في الكنز 31813وبنحوه أخرجه أحمد (3 / 81) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب نزول السكينة لقراءة القرآن (1 / 548 / 796).
وروى عنه كعب بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنها، وله أحاديث في الصحيحين وغيرهما. قال المدائني: توفي أسيد سنة إحدى وعشرين. وقال محمود بن لبيد: تُوفّي أسيد بن الحُضير في شعبان سنة عشرين، فحمله عمر بن الخطّاب بين العمودين من بني عبد الأشهل حتى وضعه بالبقيع، وصلّى عليه بالبقيع. قال ابن عمر: هلك أسيد بن الحضير، وترك عليه أربعةَ آلاف درهم دَيْنًا، وكان مالُه يُغِلّ كلّ عامٍ ألفًا، فأرادوا بَيْعَهُ، فبلغ ذلك عمرَ بن الخطّاب، فبعث إلى غرمائه، فقال: هل لكم أن تقبضوا كلّ عامٍ ألفًا، فتستوفوه في أربع سنين؟ قالوا: نعم، يا أمير المؤمنين، فأخّروا ذلك، فكانوا يقبضون كلّ عام ألفًا.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال