تسجيل الدخول


الزبير بن العوام الأسدي

الزُّبَيْرُ بن العَوَّام بن خُوَيْلِد القرشي الأسدي، حَوَارِيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
أخرجه الزبير بن بكّار. وكانت أمه تكنيه أبا الطاهر، بكنية أخيها الزبير بن عبد المطلب، واكتنى هو بأبي عبد اللّه، بابنه عبد اللّه، فغلبت عليه، وأُمّه صَفيّةُ بنت عبد المطّلب بن هاشم. وُلِدَ الزَّبير، وعلي، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص، في عام واحد.
روى‏ هشام بن عروة عن أبيه قال: قاتلَ الزّبيرُ بمكّة، وهو غلام، رجلًا فكَسَرَ يَدَهُ وضربه ضربًا شديدًا، فمُرّ بالرجل على صفيّة وهو يُحْمَلُ فقالَت: ما شأنه؟ قالوا: قاتلَ الزّبير، فقالت:
كَيفَ رَأيْتَ زَبْرَا
أَأَقِطًا أَوْ تمرا
أمْ مُشْمَعِلًّا صَقْرَا؟
وروى هشام بن عروة عن أبيه أيضا أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "لكلّ أُمّة حَواريّ وحواريّي الزّبير ابن عَمّتي"(*). وقال اللَّيثُ: حدثني أبو الأسود، قال: كان عمّ الزّبير يعلقه في حصير ويدخّن عليه ليرجع إلى الكفر؛ فيقول: لا أكفر أبدًا، وقال الزُّبَيْرُ بْنَ بَكَّار في كتاب "النّسب": حدّثني عمي مصعب، عن جدّي عبد الله بن مصعب أن العوَّام لما مات كان نوفل بن خُويلد يلي ابْنَ أخيه الزبير، وكانت صفية تضربه وهو صغير وتغلظ عليه، فعاتبها نوفل وقال: ما هكذا يُضرب الولد؛ إنك لتضربينه ضَرْب مُبْغضة فرجزت به صفية:
مَنْ قَالَ إِنِّي أُبْغضه فقد كـذب وَإِنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَـي يَلَبْ
وَيَهْزِمَ الجَيْشَ وَيَأْتِـي بَالسَّلَبْ وَلا يَكُن لِمَالِهِ خَبْأٌ مُخَبْ

يَأْكُلُ فِي البَيْتِ مِنْ تَمْرِ وَحَبْ
فقال نوفل: يا بني هاشم، ألا تزجرونها عنّي؟. وكان للزبير من الولد أحد عشر ذكرًا وتسع نسوة: عبدُ الله، وعُروة والمنذر، وعاصمٌ والُمهاجر ـــ ماتا ولم يتركا أولادًا ـــ وخَديجة الكبرى وأمّ الحسن وعائشة؛ وأمّهم أسماء بنت أبي بكر الصدّيق، وخالد وعمرو وحبيبة وسَوْدة وهند؛ وأُمّهم أمّ خالد؛ وهي أمَة بنت خالد بن سعيد بن العاص، ومُصْعَب وحَمْزَة وَرَمْلَة؛ وأمّهم الرّباب بنت أُنَيْف بن عُبيد، وعُبيدة وجعفر؛ وأمّهما زينب؛ وهي أمّ جعفر بنت مَرْثَد بن عمرو، وزينب؛ وأُمّها أُمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط، وخديجة الصّغرى؛ وأمّها الحلال بنت قيس بن نوفل.
روى هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزّبير بن العوّام: إنّ طلحة بن عُبيد الله التيميّ يسمّي بَنيه بأسماءِ الأنبياء، وقد عَلمَ أنْ لا نبيّ بعد محمّد، وإني أُسمّي بَنيّ بأسماء الشهداء لعلّهم أن يُستَشْهَدوا، فسَمّى عبد الله بعبد الله بن جَحش، والمنذر بالمنذر بن عمرو، وعروة بعروة بن مسعود، وحمزة بحمزة بن عبد المطّلب، وجعفرًا بجعفر بن أبي طالب، ومصعبًا بمصعب بن عُمير، وعُبيدة بعبيدة بن الحارث، وخالدًا بخالد بن سعيد، وعَمرًا بعمرو بن سعيد بن العاص، قُتل يوم اليرموك.
روى محمّد بن كعب القُرَظيّ أنّ الزّبير كان لا يُغَيّرُ الشيب، وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: ربما أخذت بالشعر على مَنْكِبي الزّبير وأنا غلام فأتَعَلّقُ به على ظهره، وقال محمّد بن عمر: وكان الزّبير بن العوّام رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى الخفّة ما هو في اللحم، ولحيته خفيفة، أسمرَ اللّون أشعَر ـــ رحمه الله ـــ وقال عُرْوَةُ: كان الزبير طويلًا تخطّ رجلاه الأرض إذا ركب.
روى أبو الأسود محمد بن عبد الرَّحِمن عن عروة، قال:‏ أسلم الزّبير وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل: أنّ عليّ بن أبي طالب، والزّبير بن العوَّام أسلما، وهما ابنا ثماني سنين، وقيل: أسلم الزُّبير وهو ابن ستَّ عشرة سنة، وقيل:‏ أسلم الزّبير وهو ابنُ خمس عشر سنةً، وكان إسلام الزّبير بعد أبي بكر، كان رابعًا أو خامسًا، وهاجر الزّبير إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا.
روى محمّد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قَتادة قال: لمّا هاجر الزّبير بن العوّام من مكّة إلى المدينة نزل على المنذر بن محمّد بن عقبة، وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين الزّبير وبين ابن مسعود(*). وقيل: أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حين آخى بين أصحابه آخى بين الزّبير وطلحة(*). وقيل: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين الزّبير بن العوام وكعب بن مالك(*).
روى موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال: كان الزّبير بن العوّام يُعْلِمُ بعصابة صفراء، وكان يحدّث أنّ الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بُلْق عليها عمائم صُفْر، فكان على الزّبير يومئذٍ عصابة صفراء، وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت على الزّبير رَيْطَةٌ صفراء مُعْتَجرًا بها يوم بدر، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ الملائكة نزلت على سيماء الزّبير"(*). ولم يكن مع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، يوم بدر غيرَ فرَسَين أحَدُهما عليه الزّبير.
شهد الزّبير بن العوّام بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتَ معه يوم أُحُد، وبايعه على الموت، وكانت مع الزّبير إحدى رايات المهاجرين الثلاث في غزوة الفتح. وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: أبَواكَ والله مِنَ الذين اسْتَجابوا لله وَالرّسول مِنْ بَعْد ما أصابَهُم القَرْحُ. وروى أبو سعيد عبد الله بن بُسْر عن أبي كَبْشة الأنْماريّ قال: لمّا فتح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكّة كان الزّبير بن العوّام على المُجَنِّبَة اليسرى، وكان المِقْداد بن الأسود على المُجَنِّبَة اليمنى، فلمّا دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكّة وهَدَأ النّاس جاءا بفرسيهما فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَمْسَحُ الغبارَ عن وجوههما بثوبه وقال: "إني قد جعلتُ للفرس سهمَين وللفارس سهمًا فَمَنْ نَقَصَهما نَقَصَه الله"(*). وشهد الزبير فتح مصر، وقال عُرْوة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسَّيف كنتُ أدخِل أصابعي فيها: ثنتين يوم بَدْرِ، وواحدة يوم اليَرمُوك.
وسُئل سعيد بن أبي عروبة عن لُبس الحرير فأخبرنا عن قتادة عن أنس بن مالك أن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، رَخّصَ للزبير في قميص حرير(*). وروى الزّهريّ عن عُبيد الله ابن عبد الله بن عُتبة أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا خَطّ الدّورَ بالمدينة جعل للزبير بقيعًا واسعًا(*). وروى هشام بن عروة عن أبيه أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أقطع الزّبير أرضًا فيها نَخْلٌ كانت من أموال بني النّضير، وأنّ أبا بكر أقْطَعَ الزّبير الجُرُفَ، قال أنس بن عياض في حديثه: أرْضًا مَواتًا. وقال عبد الله بن نُمير في حديثه: وأنّ عمر أقطع الزّبير العقيقَ أجمعَ(*).
قال زِرّ بن حبيش: جاء ابن جُرْمُوزٍ يَسْتأذِنُ على عليّ ـــ رضي الله عنه ـــ فقال له الآذِنُ: هذا ابن جرموز قاتل الزّبير على الباب يستأذن، فقال عليّ ـــ رضي الله عنه: ليَدْخُلْ قاتل ابنِ صَفيّةَ النّاَر، سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "إن لكلّ نبيٍّ حواريًّا وحواريّي الزّبير"(*). وقيل: إنَّ عليّ لم يقل في حديثه ليدخل قاتل ابن صفيّة النار.
روى محمّد بن المُنْكدر عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "مَنْ يأتيني بخبر القوم؟"، فقال الزّبير: أنا، فقال: "من يأتيني بخبر القوم؟" فقال الزّبير: أنا، فقال: "من يأتيني بخبر القوم؟" فقال الزّبير: أنا، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ لكلّ نبيّ حواريًّا وإنّ حواريّي الزّبيرُ"(*).
روى هشام بن عروة أنّ غلامًا مرّ بابن عمر فسُئلَ من هو فقال: ابن حواريّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: فقال ابن عمر: إنْ كنتَ من ولد الزّبير وإلاّ فلا، قال فسُئل: هل كان أحدٌ يقال له: حواريّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، غيرُ الزّبير؟ قال: لا أعلمه.
وروى هشام بن عروة أنّ الزّبير بُعث إلى مصر فقِيل له: إنّ بها الطاعون، فقال: إنّما جِئْنا للطعن والطاعون، فوضعوا السّلاليمَ فصَعِدوا عليها. وروى هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام لمّا قُتِل عُمَرُ محا نفسه من الديوان.
وروى قيس بن الربيع عن أبي حُصين أنّ عثمان بن عفّان أجاز الزّبير بن العوّام بستّمائة ألف فنزل على أخواله بني كاهل فقال: أيّ المال أجود؟ قالوا: مال أصبهان، قال: أعطوني من مال أصبهان. وروى سفيان بن منصور عن إبراهيم قال: جاء ابنُ جُرْموز يستأذن على عليّ فاستجفاه فقال: أما أصحاب البلاء، فقال عليّ: بفيك التراب، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزّبير من الذين قال الله في حقّهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[سورة الحجر: 47].
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان ــ ولا إخالهُ يُتّهم علينا ـــ قال: أصاب عثمان الرعاف سَنَة الرعاف، حتى تخلف عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف، قال: وقالوه؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: فسكت، ثم دخل عليه رجل آخر فقال مثل ما قاله الأول، ورد عليه نحو ذلك، قال: فقال عثمان: الزبير بن العوام؟ قال: نعم، قال: أما والذي نفسي بيده إن كان لأخيرهم ــ ما علمت ــ وأحبَّهم إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ودعا له النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم حينئذ بخير، والله لا يضيع دعاءه(*).
وروى هشام بن عروة، عن أبيه أَن أَول رجل سلّ سيفه في سبيلِ الله الزّبير، ذلك أَنه نفخت نفخة من الشَّيطان أخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأقبل الزّبير يشقّ النّاس بسيفه، والنبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بأعلى مكّة، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: ‏‏"‏مَا لَكَ يَا زُبَيْرُ"؟‏ قال:‏ أُخبرتُ أَنك أُخذت، فصلّى عليه، ودعا له، ولسيفه(*)أخرجه البيهقي في السنن 6/367، وابن أبي شيبة في المصنف 5/344، 12/93، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 9647، 20429، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم 36621، 36637.
قال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏"الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيي مِنْ أُمَّتِي"‏‏. وقال محمد بن سلام‏: سألْتُ يونس بن حبيب عن قوله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏حَوَارِيّي الزُّبَيْرُ‏"‏‏. ‏فقال:‏ من خلصائه. وذكر الكلبيّ، عن محمد بن السّائب، أنه كان يقول:‏ الحواريّ الخليل، وذكر قول جرير:
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِهِمِ خَلِيلَ مُحَمَّدٍ تَرْجُو الْعُيُونَ مَعَ الْرَّسُولِ سَبِيلًا
وقال غيره:‏ ‏الحواري النّاصر، وذكر قول الأعور الكلابي‏:
وَلَكِنَّهُ أَلْقَى زِمَامَ قَلُوصِهِ فَيَحْيَا كَرِيمًا أَوْ يَمُوتُ حَواريَا
وقال معمر، عن قتادة: الحواريّون كلّهم من قريش، أبو بكر، وعمر وعثمان، وعليّ، وحمزة وجعفر، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن مظعون، وعبدَ الرّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة، والزّبير.‏ وقال روح بن القاسم، عن قتادة أنه ذكر يومًا الحواريين فقيل له‏: وما الحواريَّون؟ قال:‏ الَّذين تصلح لهم الخلافة.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أنّ الزّبير بن العوّام جعل دارًا له حَبيسًا على كلّ مردودة من بناته. قال عبد الله بن الزّبير: لمّا وقف الزّبير يومَ الجمل دعاني فقمتُ إلى جنبه فقال: يا بُنيّ إنّهُ لا يُقْتَلُ اليومَ إلاّ ظالمٌ أو مظلومٌ وإني لا أراني إلاّ سأُقتَلُ اليومَ مظلومًا وإنّ من أكْبَرِ همّي لَدَيْنِي، أفَتَري دَيْننا يُبْقي من مالنا شيئًا؟ ثمّ قال: يا بُني بعْ مالنا واقْض ديني وأوْص بالثّلُث فَإن فضل من مالنا من بعد قضاء الدّين شيءٌ فثُلثُه لوَلدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله بن الزّبير قد وازى بعضَ بني الزّبير خُبَيْبٌ وعَبّادٌ، قال: وله يومئذ تسعُ بنات، قال عبد الله بن الزّبير: فجعل يوصيني بدَيْنه ويقول يا بُنيّ إنْ عجِزْتَ عن شيءٍ منه فاستعِنْ عليه مولايَ، قال فوالله ما دَرَيْتُ ما أراد حتّى قلتُ يا أبَتِ من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعتُ في كُرْبةٍ من دَيْنه إلاّ قلت يا مولى الزّبير اقْض عنه دينه، فيَقْضيه، قال: وقُتلَ الزّبير ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرَضين فيها الغابة، وإحدى عشرة دارًا بالمدينة، ودارَين بالبصرة، ودارًا بالكوفة، ودارًا بمصرَ. وإنّما كان دَيْنهُ الذي كان عليه أنّ الرجل كان يَأتيه بالمال ليستودعه إيّاه فيقول الزّبير: لا ولكن هو سَلَفٌ، إني أخْشَى عليه الضّيْعَةَ، وما وَليَ إمارةً قطّ ولا جبايةً ولا خراجًا ولا شيئًا إلا أن يكون في غزوٍ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر، وعثمان، قال عبد الله بن الزّبير: فحَسَبْتُ ما عليه من الدّيْن فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف: فلقيَ حكيمُ بن حزامٍ عبدَ الله بن الزّبير فقال: يابن أخي كم على أخي من الدّين؟ قال فكتمه وقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تتّسع لهذه، فقال له عبد الله: أفرأيتك إنْ كانت ألفيْ ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تُطيقون هذا فإن عَجزْتُمْ عن شيء منه فاستعينوا بي، وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بن الزّبير بألف ألف وستّمائة ألف ثمّ قام فقال: مَنْ كان له على الزّبير شيءٌ فَلْيُوافنا بالغابة، قال فأتاه عبدُ الله بن جعفر وكان له على الزّبير أربعمائة ألف، فقال لعبد الله بن الزّبير: إنْ شئْتُمْ تركتُها لكم وإن شئتُم فأخّروها فيما تُؤخّرون، إنْ أخّرْتُمْ شيئًا، فقال عبد الله بن الزّبير: لا، قال: فاقطَعوا لي قطْعة، فقال له عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا، قال فباعه منها بقضاء ديْنه فأوفاه وبقي منها أربعة أسْهُم ونصف، قال: فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير وابن زَمْعَة، قال: فقال له معاوية: كم قُوّمَت الغابةُ؟ قال: كلّ سهمٍ مائةَ ألف، قال: كم بقيَ؟ قال: أربعةُ أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهمًا بمائة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمائة ألف، وقال ابن زَمْعة: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف فقال معاوية: فكم بقي؟ قال: سهمٌ ونصف، قال: أخذته بخمسين ومائة ألف، وباع عبدُ الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف، فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقْسِمْ بيننا ميراثنا، قال: لا والله لا أقسِمُ بينكم حتّى أناديَ في الموسم أربع سنين ألا مَنْ كان له على الزّبير دين فَلْيَأتنا فَلْنَقْضِهِ، فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم، فلمّا مضت أربع سنين قسم بينهم، وكان للزّبير أربع نسوة، قال: وَرَبّعَ الثُّمُن فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائة ألف، فجميع ماله خمسة وثلاثون ألفَ ألف ومائتا ألف، وقيل: اقْتُسِمَ ميراث الزّبير على أربعين ألف ألف، وقيل: كانت قيمة ما ترك الزّبير أحدًا وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف.
روى أبو حمزة عبد الواحد بن ميمون عن عروة قال: كان للزّبير بمصرَ خططٌ وبالإسكندريّة خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور، وكانت له غَلاّتٌ تَقْدُمُ عليه من أعراض المدينة، وروى عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انتفض حراء قال: "اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيُّ وَصَدِّيقٌ وَشَهِيدٌ". وكان عليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، وعبد الرحمن، وسَعْد، وسَعِيد بن زيد(*)أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1880 كتاب فضائل الصحابة (44) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما (6) حديث رقم (50/ 2417) والنسائي في السنن 6/ 236 كتاب الأحباس (29) باب وقف المساجد (4) حديث رقم 3609، وأحمد في المسند 1/ 188 والدارقطني في السنن 4/ 198، والبيهقي في السنن 6/ 167.. وروى عبد اللّه بن الزبير بن العوام، عن أبيه، قال: لما نزلت: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] قال الزبير: يا رسول الله، وأي النعيم نُسأل عنه، وإنما هما الأسودان: التمر والماء؟ قال: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ". قيل: كان للزبير ألف مملوك، يؤدون إليه الخراج، فما يُدْخِل إلى بيته منها درهمًا واحدًا، كان يتصدق بذلك كله، ومدحه حسان ففضله على الجميع فقال:
أَقَامَ عَلَى عَهْـدِ النَّبِـيِّ
وَهَـدْيـهِ حَوَارِيةُّ
وَالقَوْلُ
بِالفِعْـلُ
يُعْـدَلُ
أَقَامَ
عَلَى
مِنْهَاجِـهِ
وَطَـرِيـقِـهِ يُوَالِي وَلِيَّ
الحَقِّ
وَالحَـقُّ أَعْـدَلُ
هُوَ الفَارِسُ المَشْهُورُ وَالبَطَلُ الَّذِي يَصُولُ إِذَا مَا كَانَ
يَـوْمٌ
مُحجَّـلُ
وَإِنَّ امْرَأً
كَانَتْ
صَـفِيَّـةُ
أُمَّـهُ وَمِنْ أَسَدٍ فِـي
بَيْـتِـهِ
لَـمُرَفَّـلُ
لَهُ مِنْ رَسُولِ الله قُرْبَـى
قَرِيبَـةٌ وَمِنْ
نُصْرَةِ الإِسْلَامِ
مجْدٌ مُـؤَثَّـلُ
فَكَمْ كُرْبَةٍ
ذَبَّ
الـزُّبَيرُ
بِـسَيْفِـهِ عَنِ المُصْطَفَى، وَاللَّهُ يُعْطِي وَيجْزِلُ
إِذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا الحَرْبُ حَشَّهَا بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلَـى
المَـوْتِ
يُرْقِـلُ
فَمَا مِثْلُهُ فِيهِمْ
وَلَا كَـانَ
قَبْـلَـهُ وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَـا دَامَ
يَـذْبُـلُ
وقال هشام بن عروة: أوصى إلى الزبير سبعةٌ من أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم منهم: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والمقداد، وابن مسعود، وغيرهم. وكان يحفظ على أولادهم مالهم، وينفق عليهم من ماله، وقال عمر في السّتة أهلِ الشّورى‏: تُوفِّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عنهم. وهو أَيضًا منْ العشرة، الذين شهد لهم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بالجنّة، وثبت عن الزّبير أنه قال:‏ ‏جمع لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَبويه مرتين: يوم أحد، ويوم قريظة. وقال عبد الله بن الزّبير: قلت لأبي يومَ الأحزاب: قد رأيْتُكَ يَاأَبَهْ، تُحْمَلُ على فرس لك أشقر، قال: قد رأيْتَني أيْ بُنَيّ؟ قلت: نعم، قال: فإنّ رسول الله حينئذ جمع لي أبَوَيْهِ يقول: "فِداك أبي وأمي".
وقال أبو إسحاق السّبيعي:‏ ‏سألت مجلسًا فيه أكثر من عشرين رجلًا من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏: مَنْ كان أَكرمَ النّاس على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالوا‏: الزّبير، وعليّ بن أَبي طالب، وقال أَبو عمر: كان الزّبير تاجرًا مَجْدُودًا في التّجارة، وقيل له يومًا:‏ بم أدركت في التّجارة ما أدركت؟ فقال:‏ إني لم أشتر عينًا، ولم أردْ ربحًا، والله يباركُ لمن يشاء،‏ وفضّلَه حسّان على جميعهم، كما فضل أبو هريرة على الصَّحابة أَجمعين جعفر بن أَبي طالب، وروى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عن مطيع بن الأسود أنه أَوْصى إلى الزّبير فأبى، فقال: أسألك بالله والرحم إلَّا ما قبلت؛ فإني سمعْتُ عمر يقول: إن الزبير ركن من أركان الدّين.
وروى عامرَ بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه قال: قلت للزّبير: ما لي لا أسمعك تُحَدّثُ عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كما يحدّث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه منذُ أسلمتُ ولكني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "مَنْ كَذَبَ عَلَيّ فَلْيَتَبَوّأ مَقْعَدًا من النّار". قال وهب بن جرير في حديثه عن الزّبير: والله ما قال مُتَعَمّدًا وأنْتُم تقولون متعمّدًا(*).
روى صخر بن جويرية، عن هشام بن عروة قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد اللّه صَبِيحةَ الجَمَل، فقال: ما مني عضو إلا قد جرح مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فَرْجِه. وشهد الزبير الجمل مقاتلًا لعلي، فناداه علي ودعاه، فانفرد به وقال له: أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فنظر إلي وضحك وضحكتُ فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوَة فقال: "ليس بمُزْهٍ، ولتقاتِلنَّه وأنت له ظالم"، فذكر الزبير ذلك، فانصرف عن القتال، فنزل بوادي السباع، وقام يصلي فأتاه ابن جُرموز فقتله وجاء بسيفه إلى علي فقال: إن هذا سيف طالما فَرَّج الكُرب عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال: بَشِّر قاتل ابن صَفِيَّة بالنار، وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة ست وثلاثين، وقيل: إن ابن جرموز استأذن على علي، فلم يأذن له، وقال للآذن: بَشِّرْه بالنار، فقال:
أَتَيْتُ عَلِيًّا بِـرَأْسِ
الزُّبَيْـ ـرِ أَرْجُو
لَدَيهْ بهِ
الزُّلَفَهْ
فَبَشَّرَ
بِالنَّارِ
إِذْ جِئْتُـهُ
فَبِئْسَ البِشَارَةُ وَالتُّحفَهْ
وَسَيَّانَ عِنْديَ قَتْلُ الزُّبَيْــر وَضَرْطَةُ عَنْزٍ بِذِي الجُحْفَـهْ
وقيل: إن الزبير لما فارق الحرب وبلغ سَفَوَان أتى إنسان إلى الأحنف بن قيس فقال: هذا الزبيرِ قد لُقِيَ بِسَفَوان، فقال الأحنف: ما شاء الله؟ كان قد جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجِبَ بعض بالسيوف، ثم يلحق ببيته وأهله! فسمعه ابن جرموز، وفضالة بن حابس ونفيع، في غواة بني تميم، فركبوا، فأتاه ابن جرموز من خلفه فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير، وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار، حتى إذا ظن أنه قاتله، نادى صاحبيه، فحملوا عليه فقتلوه، وكان عمره لما قتل سبعًا وستين سنة، وقيل: ست وستون، قال ابن الأثير: وكثير من الناس يقولون: إن ابن جرموز قتل نفسه لما قال له علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار؛ وليس كذلك، وإنما عاش بعد ذلك حتى ولي مصعب بن الزبير البصرة فاختفى ابن جرموز، فقال مصعب: ليخرج فهو آمن، أيظن أني أقِيدُه بأبي عبد اللّه ـــ يعني: أباه الزبير ـــ ليسا سواء، فظهرت المعجزة بأنه من أهل النار، لأنه قتل الزبير ـــ رضي الله عنه ـــ وقد فارق المعركة، وهذه معجزة ظاهرة.
روى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ في "تاريخه"، قال عمرو بن جاوان: لما التقوا قام كعب بن سور ومعه المُصْحف ينشدهم اللهَ والإسلام، فلم ينشب أن قُتِل؛ فلما التقى الفريقان كان طلحة أول قتيل. ودُفِنَ الزّبير، رحمه الله، بوادي السباع، وجلس عليّ يبكي عليه هو وأصحابه، وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل، وكانت تحت الزّبير بن العوّام، وكان أهل المدينة يقولون: مَنْ أرَادَ الشّهَادَةَ فَلْيَتَزَوّجْ عاتكة بنت زيد، وكانت عند عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ثمّ كانت عند عمر بن الخطّاب فقُتل عنها، ثمّ كانت عند الزّبير فقُتل عنها، فقالت:
غَدَرَ ابنُ جُرْموز بفارس بُهمةٍ يَوْمَ اللّقاء وكانَ
غيرَ مُعــَرِّدِ
يا عمر و لو نبّهْتَهُ
لَوَجَدْتَهُ لا طائِشًا رَعِشَ الجنَان ولا اليد
شَلّـت يمينُك إنْ قتَلتَ لَمُسلمًا حَلّتْ
عَليــْكَ عُقوبــةُ لمُتَعَمـِّد
ثكلتك أُمّك هلْ ظفِرْتَ بمثْله فيمن مضى فيما تروحُ وتَغتدي؟
كمْ غمـْرَةٍ قد خاضها لـم يَثْنِه عنـها طرادُك يابـنَ فَقْع الـقرْدد
وقال جرير بن الخَطَفي:‏
إنّ الرّزيـّةَ مَـنْ تضَمّنَ قبرَهُ واديَ السّباع لكلّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمّا أتـى خبَرُ الزّبيرِ تواضَعَـتْ سُورُ المدينةِ
والجبَالُ
الخُشّعُ
وبكى الزّبيرَ بنَاتُه في مَـأتَـمٍ مـاذا يـرُدّ بُكـاءَ مَنْ لا يَسْمَــــعُ!
قال عروة بن الزبير: قُتل أبي يوم الجمل وقد زاد على الستّين أربع سنين، وقال محمّد بن عمر: سمعتُ مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير يقول: شهد الزّبير بن العوّام بدرًا وهو ابن تسع وعشرين سنة، وقتل وهو ابن أربع وستّين سنة، وقال جرير بن حازم: سمعتُ الحسن ذكر الزّبير فقال: يا عجبًا للزّبير، أخذ بِحَقْوَيْ أعرابيّ من بني مجاشع، أجرْني أجرْني، حتّى قُتل، والله ما كان له بقِرْنٍ، أما والله لقد كنت في ذمّة منيعة!.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال