إباية بن أثال
روي أن رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضْرَمي إلى المنذر بن ساوى في رجَب سنة تسع، فأسلم المنذر، ورجع العلاء فمرَّ باليمامة، فقال له ثمامةُ بن آثال: أنتَ رسولُ محمد؟ قال: نعم، قال: لا تصل إليه أبدًا، فقال له عمه عامر: مالك وللرجل؟ قال: فقال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اهْدِ عَامِرًا وأمْكِّني مِنْ ثُمَامَةَ"، فأسلم عمه عامر، وأهدر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دم ثمامة لأنه أراد قتل رسوله.
وعن أبي هريرة قال: كان إسلام ثمامة بن أثال الحنفي أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بما عرض أن يمكنه منه، وكان عرض لرسول الله وهو مشرك، فأراد قتله، فأقبل ثمامة معتمرًا وهو على شركه حتى دخل المدينة، فتحير فيها حتى أُخذ؛ فأتي به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليه، فقال:"مَا لَكَ يَا ثُمَامُ هَلْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكَ"؟ فقال: قد كان ذلك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالًا تُعْطَه، فمضى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وتركه، حتى إذا كان من الغد مر به، فقال: "مَا لَكَ يَا ثُمَامُ"؟ قال: خير يا محمد؛ إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالا تعطه، ثم انصرف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة: فجعلنا المساكين، نقول بيننا: ما نصنع بدم ثمامة؟ والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة، فلما كان من الغد مر به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "مَا لَكَ يَا ثُمَامُ"؟ قال: خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالًا تعطه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَطْلِقُوهُ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامُ" (*)، وخرج ثمامة حتى أتى حائطًا من حيطان المدينة، فاغتسل فيه وتطهر، وطهر ثيابه ثم جاء إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال: يا محمد، لقد كنت وما وجه أبغض إليّ من وجهك، ولا دين أبغض إليّ من دينك، ولا بلد أبغض إليّ من بلدك، ثم لقد أصبحت وما وجه أحب إليّ من وجهك، ولا دين أحب إليّ من دينك، ولا بلد أحب إليّ من بلدك؛ وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله يا رسول الله، إني كنت خرجت معتمرًا، وأنا على دين قومي، فأسرني أصحابك في عمرتي؛ فسيِّرْني ــ صلى الله عليك ــ في عمرتي، فسيره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في عمرته، وعلَّمه، فخرج معتمرًا، فلما قدم مكة، وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد، قالوا: صبأ ثمامة، فقال: والله ما صبوت ولكنني أسلمت وصدقت محمدًا وآمنت به، والذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة من اليمامة، وكانت ريف أهل مكة، حتى يأذن فيها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، فجهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم، إلا كتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام؛ ففعل ذلك رسول الله. وكان ثمامة سيّد أهل اليمامة.
فلمّا ظهر مُسَيلمة وادّعى النبوّة، قام ثُمامة بن أثال في قومه فوعظهم وذكّرهم وقال: إنـّه لا يجتمع نبيّان بأمر واحد، وإنّ محمدًا رسول الله لا نبيّ بعده ولا نبيّ يُشرَك معه، وقرأ عليهم: }حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذنَّبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ َلا ِإلَهَ إِلَّا هُوَ إلَيْهِ الْمَـصِيرُ{[غافر 1ــ3] هذا كلامُ الله، أين هذا مِنْ يا ضِفْدَعُ نِقّي لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدَرين؟! والله إنّكم لترون أنّ هذا كلام ما خرج من إلٍّ، فلمّا قدم خالد بن الوليد اليمامة شكر ذلك له وعرف به صحّة إسلامِه. ومر العلاء بن الحضرمي ومن معه على جانب اليمامة يريدون البحرين، وبها الحُطَم ومن معه من المرتدين من ربيعة، فقال ثمامة: ما أرى أن نتخلف عن هؤلاء ــ يعني: ابن الحضرمي وأصحابه ــ وهم مسلمون، وقد عرفنا الذي يريدون، وقد مروا بنا ولا أرى إلا الخروج معهم، فمن أراد منكم فليخرج، فخرج ممدًا للعلاء ومعه أصحابه من المسلمين، ففت ذلك في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد بني حنيفة، وشهد مع العلاء قتال الحطم، فانهزم المشركون وقتلوا، وقسم العلاء الغنائم، ونفل رجالًا فأعطى العلاء خميصةً ـــ كانت للحطم يباهي بها ـــ رجلًا من المسلمين، فاشتراها منه ثمامة، فلما رجع ثمامة بعد هذا الفتح رأى بنو قيس بن ثعلبة ــ قوم الحطم ــ خميصته على ثمامة فقالوا: أنت قتلت الحطم، قال: لم أقتله، ولكني اشتريتها من المغنم، فقتلوه.