عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن...
كان عبد الله بن عمر كثير الصدقة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين أَلفًا.
وروى ميمون بن مِهْران عن نافع قال: أُتيَ ابنُ عمر ببضعةٍ وعشرين ألفًا فما قام من مجلسه حتى أعطاها وزاد عليها، قال لم يزل يُعْطي حتى أنفذ ما كان عنده فجاءه بعض من كان يُعْطيه فاستقرض من بعض مَن كان أعطاه فأعطاه. قال ميمون: وكان يقول له القائلُ بخيل، وكذبوا والله ما كان ببخيل فيما ينفعه.
وروى نافع أنّ ابن عمر كان لا يكاد يتعشّى وحده.
وروى نافع أيضًا أنّ ابن عمر قال: إني أشتهي حوتًا قال: فشَوَوْها ووضعوها بين يديه فجاء سائل، قال: فأُمر بها فدُفِعَتْ إليه.
وروى سعيد بن جُبير أن عبد الله بن عمر اشتهى عِنَبًا، فقال لأهله: اشتروا لي عنبًا، فاشتروا له عُنْقودًا من عِنَبٍ، فأُتي به عند فطْرِه، ثم جاء سائلٌ بالباب فسأل، فقال ابن عمر: يا جاريةُ ناوِلي هذا العنقودَ هذا السائل، قال قالت: المرأة سبحان الله، شيئًا اشتهيتَه. نحن نُعْطي السائلَ ما هو أفضل من هذا، قال يا جارية أعْطيه العنقود، فاعْطَتْه العنقود.
وروى حبيب بن أبي مرزوق أنّ ابن عمر اشتهى سَمَكًا، قال فطلبَتْ له صفيّة امرأتُه فأصابت له سمكة فصنَعَتْها فأطابت صَنْعَتَها ثمّ قرّبَتْها إليه، قال وسمع نداء مسكين على الباب فقال: ادفعوها إليه، فقالت صفيّة: أنشدك الله لما رددتَ نفسك منها بشيء، فقال: ادفعوها إليه، فقالت: نحن نرضيه منها قال: أنتم أعلم، فقالوا للسائل: إنّه قد اشتهَى هذه السمكة، قال: وأنا والله اشتهيتها، قال فَمَاكَسَهُم حتى أعطوه دينارًا، قالت: إنّا قد أرضيناه، قال: لذلك قد أرْضَوْكَ ورَضيتَ وأخذتَ الثمن؟ قال: نعم، قال: ادفعوها إليه.
وقال عبد الله بن مُسلم: رأيتُ ابن عمر وجد تمرة في الطريق فأخذها فعضَّ منها ثمّ رأى سائلًا فدفعها إليه.
وروى ميمون بن مِهْران أنّ امرأة ابن عمر عوتِبَتْ فيه فقيل لها: ما تَلْطُفينَ بهذا الشيخ؟ قالت: وما أصنع به؟ لا يُصْنَعُ له طعامٌ إلاّ دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قومٍ من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمَتْهم وقالت: لا تجلسوا بطريقه، ثمّ جاء إلى بيته فقال: أرْسِلوا إلى فلان، وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطعام وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال أرَدْتُمْ أن لا أتعشّى الليلةَ فلم يَتَعَشّ تلك الليلة.
وروى نافع أنّ عبد الله بن عمر كان إذا اشتدّ عَجَبُه بشيء من ماله قرّبه لربّه، قال: فلقد رأيتُنا ذات عشيّة وكنّا حُجّاجًا، وراح على نجيب له قد أخذه بمالٍ فلمّا أعجبَتْه رَوْحَتُه وسرّه أَنَاخَته، ثُمّ نزل عنه ثمّ قال: يا نافع، انْزعوا زِمامَه ورَحْلَه وجلّلوه وأشْعِروه وأدخلوه في البُدْن.
وروى نافع أيضًا أنّ عبد الله بن عمر كانت له جارية فلمّا اشتدّ عَجَبُه بها أعتقها وزوّجها مولًى له، قال محمد بن يزيد: قال بعض الناس: هو نافع، فولدت غلامًا، قال نافع: فلقد رأيتُ عبد الله بن عمر يأخذ ذلك الصبيّ فيقبّله ثمّ يقول: واهًا لريح فلانة، يعني: الجارية التي أعتق.
وروى نافع أيضًا أنّ عبد الله بن عمر كان إذا رأى من رقيقه أمرًا يُعْجبُه أعتقه، فكان رقيقُه قد عرفوا ذلك منه، قال نافع: فلقد رأيتُ بعض غلمانه ربّما شمّر ولزم المسجد، فإذا رآه على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: والله يا أبا عبد الرحمن ما هم إلاّ يخدعونك، قال: فيقول عبد الله: مَن خدعنا بالله انخدعنا له.
وروى عبد الله بن أبي عثمان قال: أعتق عبد الله بن عمر جاريةً له يُقال لها: رِمْثَه كان يحبّها، وقال: سمعت الله تعالى يقول: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّّى تُنفِقُوا ِممَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
وقال نافع: خَرَج ابن عُمر في بعض نواحي المدينة، ومعه أَصحاب له؛ ووضعوا السَّفرة له، فمر بهم راعي غنم، فسلم، فقال ابن عمر: هَلُم يا راعي فأَصبْ من هذه السّفْرَة. فقال له: إِني صائم. فقال ابن عمر: أَتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سَمُومُه، وأَنت في هذه الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال: والله إِني أُبَادرُ أَيامي هذه الخالية. فقال له ابن عمر ـــ وهو يريد أَن يختبر وَرَعَه: فهل لك أَن تبيعنا شاة من غنمك هذه فَنُعْطِيَك ثمنها ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه؟ قال: إِنها ليست لي بغنم، إِنها غنم سيدي. فقال له ابن عمر: فما يفعل سيدك إِذا فقدها؟ فولّى الراعي عنه، وهو رافعٌ أَصبعه إِلى السماءِ، وهو يقول: فأَين الله؟ قال: فجعل ابن عمر يَردِّد قولَ الراعي، يقول: "قال الراعي فأَين الله؟" قال: فلما قدم المدينة بعث إِلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي، فأَعتق الراعي ووهب منه الغنم.