تسجيل الدخول


عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن...

عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشي العدويّ:
يُكْنى أبا عبد الرحمن. وكان مولده قبل المبعث بسنة، وهذا يستقيم على قول من يجعل مُقام النبي صَلَّى الله عليه وسلم بمكة بعد المبعث عشر سنين؛ لأَنه توفي سنة ثلاث وسبعين، وعمره أَربع وثمانون سنة، فيكون له في الهجرة إِحدى عشرة سنة، فيكون مولده قبل المبعث بسنة، وأَما على قول من ذهب إِلى أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لم يُجِزْه يوم أُحُد، وكان له أَربع عشرة سنة، وكانت أُحُد في السنة الثالثة، فيكون له في الهجرة إِحدى عشرة سنة، وأَما على قول من يقول: إِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَقام بعد المبعث بمكة ثلاث عشرة سنة، وأَن عُمْر عبد اللّه أَربع وثمانون سنة، فيكون مولده بعد المبعث بسنتين، وأَما على قول من يجعل عمره ستًا وثمانين سنة، فيكون مولده وقت المبعث، والله أَعلم. وقال الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ والواقدي: وُلد سنة ثلاث من المبعث النبوي.
أمّه زينب بنت مظعون بن حبيب. كان جابر بن عبد اللّه يقول: "ما منا إِلا من مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر، وابنه عبد اللّه". ويروي ابن عمر قصة إسلام أبيه قائلًا: "لما أَسْلَم عُمَر بن الخطاب قال: أَيُّ أَهْل مَكة أَنْقَلُ للحديث؟ قالوا: جَمِيل بن مَعْمَر الجُمَحِي، فخرج عُمَر وخرجتُ وراءَه، وأَنا غُلَيِّم أَعْقِل كلَّ ما رأَيتُ، حتى أَتاه، فقال: "يا جميل، أَشَعَرْت أَنِّي قد أَسلمت؟ فوالله ما راجعه الكلام حتى قام يَجُرُّ رداءَه، وخرج عمر يتبعه، وأَنا معه، حتى إِذا قام على باب المسجد صرخ: يا معشر قريش، إِن عمر قد صَبأَ، قال: كذبتَ، ولكني أَسلمت..." وذكر الحديث.
وكان عبدُ الله أشْبَهَ ولدِ عمرَ بعُمَرَ، وكان عمر يُحْفي شاربه حتى يُرى بَياضَ بَشَرته، ونهى أن يُنْقَشَ في الخاتم بالعربيّة.
كان لعبد الله بن عمر من الولد اثنا عشر وأربعُ بنات: أبو بكر، وأبو عُبيدة، وواقد، وعبد الله، وعمر، وحَفْصَةُ، وسَوْدة؛ وأمّهم صفيّة بنت أبي عُبيد بن مسعود، وعبد الرحمن ــ وبه كان يُكْنى ــ وأمّه أمّ علقمة بنت علقمة بن ناقش، وسالم ــ وكان أشبهَ ولد لأبيه ــ وعبيد الله، وحمزة؛ وأمّهم أمّ ولد، وزيد، وعائشة؛ وأمّهما أمّ ولد، وبلال؛ وأمّه أمّ ولد، وأبو سلمة، وقِلابة؛ وأمّهما أمّ ولد، ويقال: إنّ أمّ زيد بن عبد الله سَهْلة بنت مالك بن الشحاح من بني زيد بن جُشَم بن حَبيب.
قال سعيد بن المسيّب: قال لي عبد الله بن عمر: هل تدري لِمَ سَمّيْتُ ابني سالمًا؟ قلتُ: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حُذيفة، فهل تدري لِمَ سَمّيْتُ ابني واقدًا؟ قلتُ: لا، قال: باسم واقد بن عبد الله اليَرْبوعيّ، هل تدري لِمَ سَمَيْتُ ابني عبد الله؟ قلتُ: لا، قال: باسم عبد الله بن رَواحة.
قال زيد بن عبد الله الشّيباني: رأيتُ ابن عمر إذا مشى إلى الصلاة دبّ دبيبًا لو أن نملة مَشَتْ معه قلتُ لا يسبقها. وكانت عامةُ جِلْسَةِ ابن عمر أن يضع رِجْلَه اليمنى على اليسرى.
قال موسى المعلّم: رأيتُ ابن عمر دُعيَ إلى دعوة فجلس على فراش عليه ثوب مورّد، فلمّا وُضِعَ الطعام قال: بسم الله، ومد يده ثمّ رفعها وقال: إني صائم وللدعوة حقّ.
قال يحيَى البكّاء: رأيتُ ابن عمر يصلّي في إزار ورِداء. وعن قَزعة العُقيليّ: أنّ ابن عمر وجد البَرْدَ وهو مُحْرِم فقال: ألْقِ عليّ ثوبًا، فألقيتُ عليه مِطْرَفًا فلمّا استيقظ جعل ينظر إلى طرائقه وعَلَمه، وكان عَلَمه إبْريسَمًا، فقال: لولا هذا لم يكن به بأسٌ. قال نافع: ربّما رأيتُ على ابن عمر المِطْرَف ثمن خمس مائة. وكان ابن عمر لا يلبس الخزّ وكان يراه على بعض ولده فلا يُنْكِرُه، وكان يلبس المصبوغ بالمِشْق والمصبوغ بالزّعْفَران. قال نافع: كان ابن عمر لا يدخل حمّامًا ولا ماءً إلاّ بإزار.
ورأى أبو إسحاق على ابن عمر نَعْلَيِن في كلّ واحدةٍ شِسْعان، وقال أبو إسحاق: ورأيتُه بين الصفا والمروة عليه ثوبان فرأيتُه إذا أتى المَسيلَ يَرْمُل رَمَلًا هنيئًا فوق المَشْي وإذا جاوزه مشى وكلّما أتَى على كلّ واحدٍ منهما قام مُقابلَ البيت.
عن زيد بن جُبير أنّه دخل على ابن عمر فرأى له فُسْطاطَينِ وسُرادِقًا ورأى عليه نَعْلَين بقبالين ــ والقبال هو السَّير الذي يكون بين الإِصَبعين ــ ليس عليها شَعر، ملسّنه كنّا نُسَمّيها الحمصيّة. وكان ابن عمر يتّزر فوق القميص في السّفَر. وقال جَميل بن زيد الطائيّ: رأيتُ إزار ابن عمر فوق العُرْقوبين ودون العَضَلة، ورأيتُ عليه ثوبين أصفرين. وقال أبو المتوكّل الناجي: كأني أنظر إلى ابن عمر يمشي بين ثوبين كأني أنظر إلى عضلة ساقه تحت الإزار والقميص فوق الإزار. وقال يحيَى بن عُمير: رأيتُ سالم بن عبد الله وعليه قميص مشمّر فأمسك أبي بطرف قميصه ونظر إلى وجهه ثمّ قال: لَكأنّه قميص عبد الله بن عمر. وقال سليمان العِجْلي: نظرتُ إلى ابن عمر فإذا رجل جهير عليه قميصٌ دَسْتوانيّ إلى نصف الساق. وقال أبو لُؤلُؤةَ: رأيتُ على ابن عمر عِمامةً سوداء. وقال حيّان البارقيّ: رأيتُ ابن عمر يصلّي في إزار مُؤتزِرًا به، وسمعتُه يُفْتي أو يصلّي في إزار وليس عليه غيره. وقال نافع: أجمرتُ لابن عمر ثَوْبَين يوم الجمعة بالمدينة فلبسهما يوم الجمعة، ثمّ أمر بهما فرُفِعا، فخرج من الغد إلى مكّة، فلمّا أراد أن يدخل مكّة دعا بهما، فوجد منهما ريح الطيب فأبَى أن يلبسهما، وهما حُلّة بُرود.
وكان ابن عمر يُحْفي شاربه ويعتمّ ويُرْخي عمامته من خلفه أو من بين يديه، وكان يُخْرجُ يديه من البرْنُس إذا سجد. وقال عبد الله بن حَنَش: رأيتُ على ابن عمر بُرْدَين مَعَافِرِيَّيْن ورأيتُ إزاره إلى نصف ساقه. وقال أبو رَيْحانة: رأيتُ ابن عمر بالمدينة مُطْلِقًا إزاره يأتي أسواقها فيقول: كيف يُباعُ ذا، كيف يُباع ذا؟ قال الأزرق بن قيس: قَلّ ما رأيتُ ابن عمر إلاّ وهو محلول الإزار. وقال ثابت بن عُبيد: ما رأيتُ ابن عمر يَزُرّ قميصه قطّ. وقال زيد بن أسلم: رأيتُ ابن عمر يصلّي محلولَ الإزار، وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم محلول الإزار(*). قال نُباتة الحُدّانيّ: رأيتُه صائمًا في ثَوْبَينِ ممشّقين يُصَبُّ عليه الماء.
عن زيد بن أسلم: أّن ابن عمر كان يصبغ بالزّعْفَران، فقيل له فقال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يصبغ به، أو قال: رأيتُه أحبّ الصّبْغِ إليه(*). وكان ابن عمر يصبغ لحيته بالصّفْرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة فأراد أن يردّها، فأمسكها من أجل تلك الصفرة، ولم يردها، فقيل له: لِمَ تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء من الصبغ أحبّ إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابَه كلّها حتى عَمامته. وكان ابن عمر يصفّر لحيته بخلوق الوَرْس فيه المسك يغيّر به شَيْبَه حتى يُمْلأ منه ثيابه. وقال عبد الله بن أبي عثمان القرشيّ: كانت لحيته ليست بالشديدة وهى يسيرة، وكان أصلع، وترك ابن عمر الحَلْقَ مرّةً أو مَرّتين فقصّر نواحي مؤخّر رأسه، وكان يُعْفي لحيتَه إلاّ في حجّ أو عُمْرة، فكان يضع يده عند الذّقَن ويقبض، ويأخذ ما فضل عن القبضة. وعن نافع أنّ ابن عمر لم يَحُجّ سنةً فضَحّى بالمدينة وحلق رأسه. كان لابن عمر جُمّة ــ شعر ــ طويلة مفروقة تَضْرِبُ منكبيه. قال هشام: دعاني ــ يعني ابن عمر ــ وهو على المَرْوة فقبّلني، وأراه قصّر يومئذ.
كان يُحْفي شاربه حتى يفْشُوَ ذلك في وَجْهِهِ، ويظهر بياض الجِلْدة، ويظن الرائي أنه يَنْتِفُه. عن نافع: كان ابن عمر يأخذ هاتَيِن السَّبَلَتَينِ ــ يعني ما طال من الشارب. وقال حَبيب بن أبي ثابت: رأيتُ ابن عمر حلق رأسه ثمّ لطخه بخَلوقٍ. وقال يوسف بن ماهك: رأيتُ ابن عمر حلق رأسه على المَرْوة ثمّ قال للحلاّق: إن شعري ــ أي في جسده ــ كثير وإنّه قد آذاني ولستُ أطلي، أفتحلقه؟ قال: نعم، فقام فجعل يحلق صدره، واشرأبّ الناس ينظرون إليه فقال: يا أيّها الناس إنّ هذا ليس بسُنّة ولكنّ شعري كان يؤذيني.
وكان لابن عمر خاتم؛ فكان يجعله عند ابنة أبي عُبيد، فإذا أراد أن يختم أخذه فختم به. وذُكِر عند نافع خاتم ابن عمر فقال: كان ابن عمر لا يتختّم إنّما كان خاتمه يكون عند صَفيّة فإذا أراد أن يختم أرسلني فجئتُ به. وقال ابن سيرين: كان نَقْش خاتم عبد الله بن عمر "عبد الله بن عمر"، أو "لله".
قال ابن جُريج لابن عمر: رأيتُك تلبس هذه النعال السِّبْتيّه، قال: إني رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يلبسها ويستحبّها ويتوضّأ فيها(*).
كان إسلام عبد الله بن عمر بمكّة مع أبيه، ولم يكن بلغ يومئذ، وقيل: إِنَّ إِسلامه كان قبل إِسلام أبيه، ولا يصح، وكان عبد الله بن عمر يُنْكِر ذلك، وإِنما كانت هجرته قبل هجرة أَبيه، فظن بعضُ الناس أَن إِسلامه قبل إِسلام أَبيه.
وهاجر عبد الله بن عمر وهو ابنُ عشر سنين مع أبيه. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَه: كان ابْنَ إحدى عشرة ونصف. ونقل الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ عن مالك أنه مات وله سبع وثمانون سنة؛ فعلى هذا كان له في الهجرة ثلاث عشرة سنة.
قال ابن عمر: عُرِضتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومَ بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردّني، وعُرِضتُ عليه يومَ أحُدٍ وأنا ابن أربع عشرة فردّني، وعُرضتُ عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فقبِلَني(*). قال يزيد بن هارون: وهو في غزوة الخندق ينبغي أن يكون ابن ستّ عشرة سنة لأنّ بين أحُدٍ والخندق بَدْرًا الصّغْرى. قال أنس وسعيد بن المسيب: شهد ابن عمر بَدْرًا. قال الواقديّ: أجازه يوم أحد. قال ابن الأثير: الصحيح أَن أَول مشاهده الخندق، وشهد غزوة مُؤتة مع جعفر بن أَبي طالب ــ رضي الله عنه ــ وشهد اليَرْمُوك، وفتح مصر، وإِفريقية.
وكان لا يتخلَّفُ عن السّرايا على عَهْدِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ وكان في سريّة من سرايا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فحاص الناسُ حَيْصَةً فكان فيمن حاصَ، فقالوا: كيف نصنع وقد فررنا من الزّحْف وبُؤنا بالغضب؟ فقالوا: ندخل المدينة فنبيتُ بها ثمّ نذهب فلا يرانا أحد، ثمّ دخلوا فقالوا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإن كانت لنا توبةٌ أقَمْنا وإن كان غير ذلك ذهبنا، فجلسوا إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلمّا خرج قاموا إليه فقالوا: يا رسول الله، نحن الفَرَّارُون، فقال: "لا بل أنتم العَكّارون"، فدنوا فقبّلوا يده فقال صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّا فِئَةُ المُسْلمينَ"(*).
وشهد عبد الله بن عمر الحديبية، وقال بعض أهل السّير:‏ إنه أولَ مَنْ بايع يومئذ؛ ولا يصحّ، والصّحيح أَنْ أول مَنْ بايع رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم بالحديبية أبو سنان الأسديّ. قال مجاهد: شهد ابن عمر فتح مكّة وهو ابن عشرين سنة وهو على فرس جَرور ومعه رمح ثقيل وعليه بُرْدَةٌ فَلوتٌ، فأبصره النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو يختلي لفرسه فقال: "إنّ عبد الله... إنّ عبد الله..."، يعني أثنى عليه خيرًا(*).
وغزا ابن عمر العراق فبارز دهْقانًا، فقتله وأخذ سَلَبَه، فسُلّمَ ذلك له، ثمّ أتَى أباه فسلّمه له. قال نافع: لمّا غزا ابن عمر نهاوَنْد أخذه رَبْوٌ فجعل ينظم الثّومَ في الخيط ثمّ يجعله في حَسْوِه فيَطبَخُهُ فإذا أخذَ طَعْم الثومِ طرحه ثمّ حساه. وبعثَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سريّة قِبَلَ نَجْدٍ فيهم ابن عمر وبلغت سهامهم اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا، ثمّ نُفّلوا سوى ذلك بعيرًا بعيرًا فلم يغّيره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
قال عُثيم بن نِسطاس: رأيتُ ابن عمر مرّ فسَها أن يُسَلّمَ فرجع فقال: إني سهوتُ، السلام عليكم. وأجلسَ عبدُ الله بن عمر عثمانَ بن إبراهيم بن محمد في حِجْره. قال ابن عمر: ما وضعتُ لبنة على لبنة ولا غرستُ نَخْلَةً منذ توفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وأراد ابن عمر ألاّ يتزوّج فقالت له حفصة: تَزَوّجْ فإن ماتوا أُجِرْتَ فيهم وإن بَقَوا دَعَوا الله لك.
وأقام ابنُ عمر بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم ستين سنة يقدم عليه وفودُ الناس، ويفْتَيهم في الموْسم وغير ذلك، قال الشّعبي: جالستُ ابن عمر سنةٍ فما سمعته يحدّث عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا. قال ابن عمر: أيّها الناس إليكم عنّي فإنّي قد كنتُ مع من هو أعلمَ مني ولو علمتُ أنّي أبْقى فيكم حتى تفتقروا إليّ لتعلّمتُ لكم. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وكان ابن عمر يحفَظُ ما سمع من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويسأل مَنْ حضر إذا غاب عن قوله وفِعْلِهِ، فلم يَخْفَ عليه شيء من أَمرِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا أصحابه. قال مالك: كان إمامَ الناس عندنا بعد عمر زيد بن ثابت، وكان إمام الناس عندنا بعد زيد ابن عمر. وَقال يحيى بن يحيى لمالك: أسمعْتَ المشايخ يقولون مَنْ أخذ بقول ابْنِ عُمر لم يَدَعْ من الاستقصاء شيئًا؟ قال: نعم. فلم يكن من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أحد أحْذَرَ إذا سمع من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا ألاّ يزيد فيه ولا يَنقُصَ منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر، حتى أنه إذا رآه أحد كَأَنَّ به شيء من اتّباعه آثار النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حتى إِنه ينزل مَنازِلَه، ويصلي في كل مكان صلى فيه، وحتى إِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس، وكان يعترض براحلته في طريق رَأَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عرض ناقته فيها، وكان إذا وقف بعَرَفة يقِفُ في الموقف الذي وقف فيه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وعن نافع: أنّ ابن عمر سمع صوتَ زَمّارَةِ راعٍ فوضع إصْبَعَه في أذُنَيْه وعدل براحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ وأقول: نعم، فيمضي حتى قلتُ: لا، فوضع يديه عن أذُنـَيْه وعدل إلى الطريق وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وسمع صوت زمّارة راعٍ فصنع مثل هذا.
وكان ــ رضي الله عنه ــ من أهل الورَع والعلم، وكان يُعَدّ من فُقَهاء الأحداث، وكان من أعلم الصّحابة بمناسك الحجّ‏، وكان من أئمةِ الدين، شديدَ التحرِّي والاحتياط والتوقّي في فَتْواه، وكلّ ما يأخذ به نفسه، فمرة سُئِلَ عن شيء فقال: لا أدري، فلمّا ولّى الرجل أفتى نفسه فقال: أحسن ابن عمر؛ سئل عمّا لا يعلم فقال لا أعلم، ومرة سأله رجل عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسَه ولم يُجِبْه حتى ظنّ النّاس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له: يرحمك الله أما سمعتَ مسألتي؟ قال: بلى ولكنّكم كأنّكم تَرَوْنَ أنّ اللهَ ليس بسائلنا عمّا تسألوننا عنه، اتْرُكْنا ـــ يَرْحَمُك الله ـــ حتى نَتَفَهّمَ في مسألتك فإن كان لها جوابٌ عندنا وإلاّ أعلمناك أنّه لا عِلْمَ لنا به، وَمرة سُئل عن شيء فقال: لا أدري، أتريدون أن تجعلوا ظهورَنا جسورًا في جهنم؟ تقولون: أَفْتَانَا بهذا ابنُ عمر.
وأتَى نُباتةُ الحُدّانيّ ابنَ عمر بهديّة من البصرة فقبلها فسأل نُباتة الحُدّانيّ مولًى له: أيطلب الخلافة؟ قال: لا هو أكرم على الله من ذاك. واستسقى ابن عمر يومًا فأُتي بماء في قَدَحٍ من زُجاج فلمّا رآه لم يشرب. قال جرير بن حازم: شهدتُ سالمًا استسقى فأُتيَ بماءٍ في قَدَحٍ مُفَضّضٍ فلمّا مد يديه إليه فرآه كفّ يديه ولم يشرب فقلتُ لنافع: ما يمنع أبا عمر أن يشرب؟ قال: الذي سمع من أبيه في الإناء المفضّض، قلتُ: أوَما كان ابن عمر يشرب في الإناء المفضّض؟ فغضب وقال: ابن عمر يشرب في المفضّض؟ فوالله ما كان ابن عمر يتوضّأ في الصُّفْرِ، قلتُ: في أي شيء كان يتوضأ؟ قال: في الرّكاء وأقداح الخشب.
عن ابن عمر أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كساه حُلّةً سِيرَاءَ وكسا أسامةَ قُبْطِيَّتَيْنِ ثمّ قال: "ما مسّ الأرض فهو في النّار"(*). قال موسى بن طلحة: يرحَمُ الله عبد الله بن عمر إني لأحْسِبه على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الذي عهده إليه لم يُفْتَنْ بعده ولم يتغيّر، والله ما اسْتَفزَّته قريش في فتنتها.
كان ابن عمر يجلس في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى يرتفع الضّحى ولا يصلّي، ثمّ ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه ثم يجئ إلى أهله فيبدأ بالمسجد فيصلّي رَكْعَتَينِ ثمّ يدخل بيتَه. قال مجاهد: ترك الناس أن يقتدوا بابن عمر وهو شاب فلما كبر اقتدوا به. قال مالك بن أنس: قال لي أبو جعفر أمير المؤمنين: كيف أخذتم قول ابن عمر من بين الأقاويل؟ فقلتُ له: بقى يا أمير المؤمنين وكان له فضل الناس ووجدنا مَن تقدّمنا أخذ به فأخذنا به، قال: فخُذْ بقوله وإن خالف عليًّا وابن عبّاس.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما حقّ امرئٍ له ما يوصي فيه يبيتُ ثلاثًا إلاّ ووصيتُه عنده مكتوبةً"(*)، قال ابن عمر: فما بتّ ليلةً مُنْذُ سمعتُها إلاّ ووصيتي عندي. قال نافع: ما ردّ ابن عمر على أحدٍ وصيّة وَلاَ رَدَّ على أحدٍ هديّة إلاّ على المُختار. وكان المختار يبعث إلى عبد الله بن عمر بالمال فيَقْبَلُه أحيانًا ويقول: لا أسأل أحدًا شيئًا ولا أرُدّ ما رزقني الله، ومرة أُتيَ ابنُ عمر ببضعةٍ وعشرين ألفًا فما قام من مجلسه حتى أعطاها وزاد عليها، ولم يزل يُعْطي حتى أنفذ ما كان عنده فجاءه بعض من كان يُعْطيه فاستقرض من بعض مَن كان أعطاه فأعطاه، وكان يقول له القائلُ: بخيل؛ وكذبوا والله ما كان ببخيل فيما ينفعه. وقال عِمْران بن عبد الله: أرسلت عمّتي رَمْلة إلى ابن عمر بمائتي دينار فقبلها ودعا لها بالخير. وكان ابن عمر يشترط على مَن صحبه في السفر الفِطْرَ والأذانَ والذّبيحةَ، يعني الجَزْرَةَ يشتريها للقوم، وكان ابن عمر يشترط على مَن صَحِبَه أن لا يصحبه ببَعيرٍ جلاّل ولا ينازِعه الأذانَ ولا يصوم إلاّ بإذْنه، وكان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولايكاد يَفْطُرُ في الحَضَر إلاّ أن يمرض أو أيّام يَقْدَمُ فإّنه كان رجلًا كريمًا يحبّ أن يؤكَلَ عنده، وكان يقول: لأن أفطر في السفر فآخذ برُخصة الله أحبّ إليّ من أن أصوم، وكان معه ذات مرة صاحب له في السفر من بني ليث يصوم فلم يكن عبد الله ينهاه وكان يأمره أن يتعاهد سَحورَه.
قال أبو جعفر القارئ: خرجتُ مع ابن عمر من مكّة إلى المدينة وكان له جَفْنة من ثَريد يجتمع عليها بنوه وأصحابه وكلّ من جاء حتى يأكل بعضهم قائمًا، ومعه بعير له عليه مزادتان فيهما نبيذ وماء مملوءتان، فكان لكلّ رجلٍ قَدَح من سويق بذلك النبيذ حتى يتضلّع منه شَبَعًا.
كان ابن عمر إذا صنع طعامًا فمرّ به رجل له هيئة لم يَدْعُه ودعاه بنوه أو بنو أخيه، وإذا مرّ انسان مسكين دعاه ولم يدعوه وقال: يَدْعونَ مَن لا يشتهيه ويَدَعونَ من يشتهيه. وقال نافع: دفعَتْ صفيّةُ لابن عمر ليلةَ عرفاتٍ رغيفَين حتى إذا أراد أن يأخذ مضجعه جاءته به ليأكله، فأرسل إليّ وقد نِمْتُ فأيقظني، فقال: اجْلِسْ فكُلْ. ربما تصدق ابن عمر في المجلس الواحد بثلاثين أَلفًا، وكان لا يكاد يتعشّى وحده، وعوتِبَتْ امرأة ابن عمر فيه فقيل لها: ما تَلْطُفينَ بهذا الشيخ؟ قالت: وما أصنع به؟ لا يُصْنَعُ له طعام إلاّ دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قومٍ من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمَتْهم وقالت: لا تجلسوا بطريقه، ثمّ جاء إلى بيته فقال: أرْسِلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطعام وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال: أرَدْتُمْ أن لا أتعشّى الليلةَ فلم يَتَعَشّ تلك الليلة.
واشتهى ابن عمر عِنَبًا فقال لأهله: اشتروا لي عنبًا فاشتروا له عُنْقودًا من عِنَبٍ فأُتي به عند فطْرِه، ووافى سائلٌ بالباب فسأل، فقال: يا جاريةُ ناوِلي هذا العنقودَ هذا السائل، قالت المرأة: سبحان الله، شيئًا اشتهيتَه، نحن نُعْطي السائلَ ما هو أفضل من هذا، قال: يا جارية أعْطيه العنقود، فاعْطَتْه العنقود. واشتكى ابن عمر مرة فاشْترى له عنقودٌ بدرهم، فأتاهُ مِسكين، فقال: أعطوه إياه، قالوا: نحن نُعْطيه، فأبَى، فخالف إنسان فاشتراه منه بدرهم، ثم جاء به إليه، فجاءه السّائل فقال: أعطوه إياه، فخالف إنسان آخر، فاشتراه بدرهم، ثم أراد أن يرجع فمنع، ولو علم ابْنُ عمر بذلك لما ذاقَه. وَقَالَ حمزة بن عبد الله بن عمر: لو أن طعامًا كثيرًا كان عند ابن عمر لما شبع منه بعد أن يجدَ له آكلًا. قال عبد الله بن مُسلم أخو الزّهريّ: رأيتُ ابن عمر وجد تمرة في الطريق فأخذها فعضّ منها ثمّ رأى سائلًا فدفعها إليه.
قال ميمون: سألتُ نافعًا هل كان ابن عمر يجمع على المأدبَة؟ قال: ما فعل ذلك إلاّ مرّة، انكسرت ناقة له فنحرها ثمّ قال لي: أحْشِرْ عليّ أهلَ المدينة، فقلتُ يا سبحان الله! على أيّ شيء تحشرهم وليس عندك خُبْزٌ؟ فقال: اللهمّ غَفْرًا، تقول هذا لحم وهذا مَرَق فمَن شاءَ أكل ومن شاء ترك.
وكان ابن عمر يجمع أهل بيته على جفنته كلّ ليلة، فربّما سمع بنداء مسكين فيقوم إليه بنصيبه من اللحم والخبز إلي أن يدفعه إليه، فيرجع وقد فرغوا مما في الجِفنة، ثمّ يُصْبحُ صائمًا.
واشتهى ابن عمر سَمَكًا، فطلبَتْ له صفيّة امرأتُه فأصابت له سمكة فصنَعَتْها فأطابت صَنْعَتَها ثمّ قرّبَتْها إليه، وسمع نداء مسكين على الباب فقال: ادفعوها إليه، فقالت صفيّة: أنشدك الله لما رددتَ نفسك منها بشيء، فقال: ادفعوها إليه، فقالت: نحن نرضيه منها قال: أنتم أعلم، فقالوا للسائل: إنّه قد اشتهَى هذه السمكة، قال: وأنا والله اشتهيتها، فَمَاكَسَهُم حتى أعطوه دينارًا، قالت لابن عمر: إنّا قد أرضيناه، قال للسائل: لذلك قد أرْضَوْكَ ورَضيتَ وأخذتَ الثمن؟ قال: نعم، قال لأهله: ادفعوها إليه.
وكان ابن عمر يستحبّ أن ُيطيِّبَ زادَه. قال يحيَى بن عمر لنافع: أكان ابن عمر يُصيب دِقّ هذا الطعام؟ فقال: كان ابن عمر يأكل الدّجاج والفِراخ والخبيص في البُرْمة. وذكر ابن عمر مولاة لهم فقال: يرحمها الله إن كانت لتقوّتنا من الطعام بكذا وكذا. وأتَاه رجل بصُرَّة جَوارش فقال: ما هذه؟ قال: هذا يهضم الطعامَ، فقال ابن عمر: ما ملأت بطني من طعام منذ أربعة أشهر، أو قال: إنّه لَيأتيَ علي شهرٌ ما أشبَعُ من الطعام فما أصْنَعُ بهذا؟. وكان عبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف، يعني في العطاء، وكان يقول لغلمانه ومملوكيه بخيبر: إذا كتبتم إليّ فابدأوا بأنفسكم، وكان إذا كتب لم يبدأ بأحد قبله.
ومرضَ ابن عمر فنُعِتَ له الحمّام فدخله بإزار فإذا هو بغراميل الرجال ــ أي عوراتهم ــ فنكس وقال: أخْرجوني.
قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ثم قبر النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. وما كان أحد يبدأ ابنَ عمر بالسلام، فمرّ بزَنْجِيّ فسلّم عليه فلم يردّ عليه فقالوا: يا أبا عبد الرحمن إنّه زَنْجيّ طُمْطُمانيّ، قال: وما طمطمانيّ؟ قالوا: أُخْرِجَ من السفن الآن، قال ابن عمر: إني لأخرج إلى السوق وما بي من حاجة إلاّ لأسَلّمَ أو يُسَلَّمَ عليّ.
وكان ابن عمر يحبّ أن يستقبل كلُّ شيءٍ منه القِبْلةَ إذا صلّى حتى كان يستقبل بإبهامه القبلةَ.
وكان لا يروح إلى الجمعة إلاّ ادّهن وتطيّب إلاّ أن يكون حرامًا، يعني مُحْرِمًا، وكان يتطيّب للعيد، وكان الحسن يكره الترَجَّل كلّ يوم، فغضب نافع وقال: كان ابن عمر يدّهن في اليوم مرّتين.
وسار ابن عمر من مكّة إلى المدينة ثلاثًا وذلك أنّه استصرخ على صفيّة.
ورُقِيَ ابن عمر من العقرب ورُقِيَ ابن له واكتوى من اللَّقْوة ــ داءٌ يَأْخُذُ في الوَجْهِ يَعْوَجُ منه الشِّدْقُ ولا يقدر المرء على تغميض إحدى عينيه ــ وكوى ابنًا له من اللّقْوة.
قال ابن عمر: أفطرتُ على ثلاثٍ ولو أصبتُ طريقًا لازددتُ.
وكان إذا قدم مكّة نزل على آل عبد الله بن خالد بن أسيد ثلاثًا في قراهم ثمّ يُرْسِلُ إلى السوق فيُشْتَرَى له حوائجه.
قال عبد الله بن عمر: ما كنتُ بشيء بعد الإسلام أشدّ فرحًا من أنّ قلبي لم يشرّبه شيء من هذه الأهواء المختلفة.
قال رجل لابن عمر: مَن أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنّكم سِبْط وإنّكم وَسَط، فقال: سُبْحَان الله! إنّما كان السّبْط في بني إسرائيل، والأمّة الوسط أمّة محمّد جميعًا، ولكنّا أوسط هذا الحيّ من مُضَر؛ فمَن قال غير ذلك فقد كذب وفجر. وكان ابن عمر أمْلَكَ شَبابِ قريش لنفسه عن الدنيا، وكان يقول: إني لقيتُ أصحابي على أمرٍ وإني أخاف إن خالفتُهم خَشيَةَ ألاّ ألحقَ بهم. قال رجل: اللهمّ أبْقِ عبد الله بن عمر ما أبقيتَني أقتدي به فإني لا أعلم أحدًا على الأمر الأوّل غيره، وما أحد منّا أدركتْه الفتنةُ إلا لو شئتُ لقُلتُ فيه غير ابن عمر.
قال ميمون بن مِهْران: دخلتُ على ابن عمر فقوّمتُ كلّ شيء في بيته من فراشٍ أو لحافٍ أو بساطٍ وكلّ شيء عليه فما وجدتُه ُيساوي مائة درهم، ودخلتُ إليه مرّةً أخرى فما وجدتُه يَسْوى ثمن طيلساني هذا، فبيع طيلسان ميمون حين مات في ميراثه بمائة درهم. كان ابن عمر يتمثّل بهذا البيت:
يُحبّ الخمْرَ مِن مالِ النّدامى وَيَكرَهُ
أنْ تُفارِقَهُ
الفُلُوسُ
قال عطاء مولى ابن سِباع: أقرضتُ ابن عمر ألْفَيْ درهم فبعث إليّ بألفي وافٍ فَوَزَنْتُها فإذا هي تزيد مائتَيْ درهم فقلتُ: ما أرى ابن عمر إلاّ يجرّبني، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن إنّها تزيد مائتي درهم، قال: هي لك، وكانت على ابن عمر دراهم فقضى أجْوَدَ منها فقال الذي قضاه: هذه خير من دراهمي، فقال: قد عرفتُ ولكن نفسي بذلك طيّبة.
قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا اشتدّ عَجَبُه بشيء من ماله قرّبه لربّه، فلقد رأيتُنا ذات عشيّة وكنّا حُجّاجًا وراح على نجيب له قد أخذه بمالٍ، فلمّا أعجبَتْه رَوْحَتُه وسرّه أَنَاخَته، ثُمّ نزل عنه ثمّ قال: يا نافع، انْزعوا زِمامَه ورَحْلَه وجلّلوه وأشْعِروه وأدخلوه في البُدْن. وكانت لابن عمر جارية يقال لها رِمْثَه فلمّا اشتدّ عَجَبُه بها أعتقها، وقال: سمعت الله تعالى يقول: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّّى تُنفِقُوا ِممَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وزوّجها نافعًا، فولدت غلامًا.
وكان عبد الله بن عمر إذا رأى من رقيقه امرًا يُعْجبُه أعتقه، فكان رقيقُه قد عرفوا ذلك منه، قال نافع: فلقد رأيتُ بعض غلمانه ربّما شمّر ولزم المسجد فإذا رآه على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: والله يا أبا عبد الرحمن ما هم إلاّ يخدعونك، فيقول عبد الله: مَن خدعنا بالله انخدعنا له.
ودخل نافع الكعبة مع عبد الله بن عمر، فسجد ابن عمر فسمعه يقول في سجوده: اللهمّ إنّك تعلم لولا مخافتك لزاحمنا قومَنا قُريشًا في أمر هذه الدنيا.
وعن نافع أنّ عبد الله بن عمر أدركه عُروة بن الزبير في الطواف فخطب إليه ابنتَه فلم يردّ عليه ابن عمر شيئًا، فقال عروة: لا أراه وافقه الذي طلبتُ منه، لا جَرَمَ لأعاودنّه فيها، فقدمنا المدينةَ قبله فدخل على ابن عمر فسلّم عليه فقال له ابن عمر: إنّك أدركتَني في الطواف فذكرتَ لي ابنتي ونحن نَتَراءى الله بين أعيننا فذلك الذي منعني أن أجيبك فيها بشيء، فما رأيك فيما طلبتَ ألَكَ به حاجة؟ فقال عُروة: ما كنتُ قطّ أحْرَصَ على ذلك مني الساعةَ، فقال له ابن عمر: يا نافع ادعُ لي أخَوَيْها، فقال عروة لنافع: ومن وجدت من بني الزبير فادْعهُ لنا، فقال ابن عمر: لا حاجة لنا بهم، قال عروة: فمولانا فلان، فقال ابن عمر: فذلك أبعد، فلمّا جاء أخواها حَمِدَ ابنُ عمر اللهَ وأثنى عليه ثمّ قال: هذا عندكما عروة وهو ممّن قد عرفتما وقد ذكر أختكما سَوْدةَ فأنا أزوّجه على ما أخذ الله به على الرجال للنساء، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعلى ما يستحِلّ به الرجال فُرُوجَ النساء، لكذلك ياعروة؟ قال: نعم، قال: فقد زوّجتُكَها على بركة الله، قال نافع: فلمّا أوْلَمَ عروةُ بعث إلى عبد الله بن عمر يدعوه، فجاء فقال له: لو كنتَ تقدّمتَ إليّ أمسِ لم أصُمِ اليومَ فما رأيك؟ أقْعد أو أنْصَرِفُ؟ قال: بل انصرف راشدًا، فانصرف.
قال مجاهد: كنتُ مع ابن عمر فجعل الناس يسلّمون عليه حتى انتهَى إلى دابّته، فقال لي ابن عمر: يا مجاهد إنّ الناس يحبّونني حبًّا لو كنتُ أعطيهم الذهب والورِق ما زِدتُ.
قال شيخ: لما كان زمن ابن الزبير انْتُهِبَ تمر فاشترينا منه فجعلناه خلًّا فأرسلت أمّي إلى ابن عمر وذهبتُ مع الرسول فسأل ابن عمر عن ذلك فقال: أهْرِيقوه.
قال عبد الرحمن بن سعد: كنتُ عند ابن عمر فخدِرت رِجْلُهُ فقلت: يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك؟ قال: اجتمع عَصَبُها من هاهنا، قلتُ: ادْعُ أحَبّ النّاسِ إليك، قال: يا محمّد، فبسطها.
كان ابن عمر يسمع بعض ولده يلحن فيضربه، ووجد مع بعض أهله الأربع عشرة ــ لعبة عبارة عن خطٌّ مربَّع في وسطه خط مربع في وسطه خط مربع، ثم يخط من كل زاوية من الخط الأول إلى الخط الثالث، وبين كل زاويتين خطٌّ فتصير أربعة وعشرين ــ فضرب بها رأسه، وكان يكسر النّرْدَ والأربع عشرة.
قالت أم عيسى بن أبي عيسى: استسقاني ابن عمر فأتيتُه بقدح من قوارير فأبَى أن يشرب، فأتيتُه بقدح من عيدان فشرب، وسأل طَهورًا فأتيتُه بتَوْرٍ وطَسْتٍ فأبَى أن يتوَضّأ، وأتيتُه برُكوَةٍ فتوضّأ. وأتَى ابنَ عمر شاعرٌ فأعطاه درهمَين فقالوا له فقال: إنّما أفتدي به عِرْضي. كان بعد موت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مُولعًا بالحج قبل الفتنة، وفي الفِتْنة، إلى أن مات.
قال نافع: خَرَج ابن عُمر في بعض نواحي المدينة، ومعه أَصحاب له؛ ووضعوا السَّفرة له، فمر بهم راعي غنم، فسلم، فقال ابن عمر: هَلُم يا راعي فأَصبْ من هذه السّفْرَة، فقال له: إِني صائم، فقال ابن عمر: أَتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سَمُومُه، وأَنت في هذه الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال: والله إِني أُبَادرُ أَيامي هذه الخالية، فقال له ابن عمر ـــ وهو يريد أَن يختبر وَرَعَه ـــ: فهل لك أَن تبيعنا شاة من غنمك هذه فَنُعْطِيَك ثمنها ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه؟ قال: إِنها ليست لي بغنم، إِنها غنم سيدي، فقال له ابن عمر: فما يفعل سيدك إِذا فقدها؟ فولّى الراعي عنه، وهو رافعٌ أَصبعه إِلى السماءِ، وهو يقول: فأَين الله؟ فجعل ابن عمر يردِّد قولَ الراعي، يقول: "قال الراعي فأَين الله"؟ فلما قدم المدينة بعث إِلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي، فأَعتق الراعي ووهب منه الغنم.
قال ابن عمر: "البِرّ شيءَ هَيّن: وجه طلق، وكلام لين". فِي "الشُّعَبِ" للبيهقي: مات ابْنُ عمر وهو مثل عُمر في الفضل، وكان عُمر في زمان له فيه نظراء، وكان ابن عمر في زمان ليس له فيه نظير. وقال سعيد بن المسيب: لو شهدتُ لأحد من أهل الجنة لشهدتُ لابن عمر. وكان ابنُ عمر حين مات خَيْرَ من بقي.
وَقَالَ طاوس: ما رأيتُ رجلًا أوْرَع من ابْنِ عمر. مَرَّ أصحابُ نجدة الحَرُوري بإبل لابن عمر، فاستاقوها فجاء الراعي، فقال: يا أبا عبد الرحمن، احتسب الإبل، وأخبره الخبر، قال: فكيف تركوك؟ قال: انفلَتّ منهم لأنك أحبّ إليَّ منهم، فاستحلفه، فحلف؛ فقال: إني أحتسبك معها، فأعتقه، فقيل له بعد ذلك: هل لك في ناقتك الفلانية؟ تباع في السوق، فأراد أن يذهبَ إليها، ثم قال: قد كنت احتسبتُ الإبل، فلأيّ معنى أطلب الناقة؟.
وكان لابن عمر مِهْرَاس ــ الحَجَر المَنْقور ــ فيه ماءٌ فيصلى ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش فيُغْفى اغفاءَ الطائر، ثم يقوم فيتوضأ، ثم يصلي فيرجع إلى فِرَاشه فيُغْفى إغفاءَ الطائر، ثم يثب فيتوضّأ ثم يصلّي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسًا.
وأعطي عبد الله بن جعفر في نافع لعبد الله بن عمر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فقيل له: ماذا تنظر؟ قال: فهلاّ ما هو خير من ذلك؟ هو حُرّ، وأراد ابنُ عمر أن يلعن خادمًا فقال: اللهم الع، فلم يتمّها، وقال: إنها كلمة ما أحِبُّ أن أقولَها، وما لعن ابنُ عمر خادمًا قط إلا واحدًا، فأعتقه. وَقَالَ زيد بن أسلم: جعل رجل يسبُّ ابْنَ عمر وابنُ عمر ساكت، فلما بلغ بابَ داره التفت إليه، فقال: إني وأخي عاصمًا لا نسبُّ الناسَ.
وما ذكر ابنُ عمر رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم إلا بكى، وكان إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] يبكي حتى يغلبه البكاء. قيل لنافع: ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ قال: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وعن نافع: أن ابنَ عمر كان يُحيي الليل صلاة، ثم يقول: يا نافع، أَسْحَرنا، فيقول: لا، فيعاود، فإذا قال نعم قعد يستغفر الله حتى يصبح، وكان إذا فاتته صلاةٌ في جماعة صلَّى إلى الصّلاة الأخرى. قال سالم بن عبد الله: كان من شأن عبد الله بن عمر أنّه كان يأمر بثيابه فتُجَمّرُ كُلّ جُمعة وإذا حضر منه خروج إلى مكّة حاجًّا أو معتمرًا تقدّم إليهم ألاّ يجمّروا ثيابه.
وكان الحجّاج يخطب الناس وابن عمر في المسجد فخطب الناسَ حتى أمسى فناداه ابن عمر أيّها الرجل الصلاة فأقعد، ثمّ ناداه الثانيةَ فأقعد، ثمَ ناداه الثالثة فأقعد، فقال لهم في الرابعة: أرأيتم إن نهضتُ أتنهضون؟ قالوا: نعم، فنهض فقال: الصلاة فإني لا أرى لك فيها حاجةً فنزل الحجّاج فصلّى ثمّ دعا به فقال: ما حملك على ما صنعتَ؟ فقال: إنّما نجئ للصلاة فإذا حضرت الصلاةُ فصَلّ بالصلاة لوقتها ثمّ بَقْبِقْ بعد ذلك ما شئتَ من بَقْبَقَةٍ.
قال أبو عبد الملك مولى أمّ مسكين بنت عاصم بن عمر: رأيتُ عبد الله بن عمر خرج فجعل يقول: السلام عليكم السلام عليكم، فمرّ على زَنجيّ فقال: السلام عليك يا جُعَلُ، وأبصر جارية متزيّنة فجعلت تنظر إليه، فقال لها: ما تنظرين إلى شيخ كبيرٍ قد أخذته اللّقْوة وذهب منه الأطْيَبان؟.
وتصدّق ابن عمر على أمّه بغلامٍ فمرّ في السوق على شاة حَلوب تُباع فقال للغلام: أبتاعُ هذه الشاة من ضريبتك، فابتاعها وكان يُعْجِبُه أن يفطر على اللبن فأُتيَ بلبن عند فطره من الشاة فوُضِعَ بين يديه فقال: اللبن من الشاة والشاة من ضريبة الغلام والغلام صدقة على أمّي، ارفعوه لا حاجة لي فيه.
قال سِماك بن حرب: أُتِيَ ابن عمر بإنْجانة من خَزَفٍ فتوضّأ منها، وأحْسِبُه كان يكره أن يُصَبّ عليه. قال نافع: كان ابن عمر يغتسل لإحرامه ولدخوله مكّة ولوقوفه بعَرَفَةَ. قال ابن عمر: خُذوا بحظكم من العُزْلة. وأُهْدِيَتْ إلى ابن عمر أثواب هَرَويّة فردّها، وقال: إنّه لا يمنعنا من لُبْسِها إلاّ مخافة الكِبْرِ. قال نافع: قبّل ابن عمر بُنَيّةً له فمضمض. وكان ابن عمر يصلّي الصلوات بوضوء واحد، وقال: ورثتُ من أبي سيفًا شهد به بدرًا نَعْلُه كثيرة الفضّة.
قال أبو الوازع لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب وقال: إني لأحْسِبُك عِراقِيًا، وما يُدريك ما يُغلِقُ عليه ابن أمّك بابَه؟. قال زيد بن أسلم: أرسلني أبي إلى ابن عمر فرأيتُه يكتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أمّا بعدُ. وكتب إنسان عند ابن عمر: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لفُلانٍ، فقال: مَهْ إنّ اسم الله هو له.
وقرأ عبيد بن عُمير: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 41]، حتى ختم الآية، فجعل ابن عمر يبكي حتى لَثِقَتْ لحيتُه وجيبه من دموعه، فقال الذي كان إلى جنب ابن عمر: لقد أردتُ أن أقوم إلى عُبيد بن عُمير فأقول له اقْصُرْ عليك فإنّك قد آذَيْتَ هذا الشيخ. وكان ابن عمر يرفع يدَيْه عند القَاصِّ يدعو حتى تُحاذيا منكبَيْه.
وأقام ابن عمر بأذَرْبَيْجانَ ستّة أشهر حبسه بها الثلج فكان يُقْصِرُ الصلاةَ. قال نافع: كان ابن عمر لا يدع عُمْرَةَ رجب. تصدق ابن عمر بداره محبوسةً لا تباع ولا تُوهَبُ، ومرّ ابن عمر على يهود فسلّم عليهم فقيل له: إنّهم يهود، فقال: رُدّوا عليّ سلامي، وكان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه.
قال ابن عمر: لما قُتل زيد باليمامة دفع إليهم عمر بن الخطّاب ماله، قال نافع: كان عبد الله بن عمر يُقْرِضُ منه ويستقرض لنفسه فيتّجر لهم به في غزوه.
قال معاوية بن أبي مُزَرِّد: رأيتُ ابن عمر يَغْدو كلّ سَبْتٍ ماشيًا إلى قُباء ونَعْلَيْه في يديه فيمرّ بعمرو بن ثابت العُتْواريّ، بَطْنٍ من كِنانة، فيقول: يا عمرو اغْدُ بنا، فيَغْدُوانِ جميعًا يَمْشيانِ. قال مجاهد: كنتُ أسافر مع عبد الله بن عمر فلم يكن يطيق شيئًا من العمل إلاّ عَمِلَه لا يَكِلُهُ إلينا، ولقد رأيتُه يَطأ على ذِراع ناقتي حتى أركبَها.
وتعلّم ابن عمر سورة البقرة في أربع سنين.
ويعد ابن عمر من أكثر الصحابة رواية عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم. وروى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي ذَرّ، ومعاذ، وعائشة وغيرهم. وروى عنه من الصحابة: جابر، وابن عباس، وغيرهما؛ وبنوه: سالم، وعبد الله، وحمزة، وبِلاَل، وزيد، وعبد الله؛ وابن أخيه حفص بن عامر؛ ومن كبار التابعين: سعيد بن المسيب، وأسلم مولى عمر، وعلقمة بن وَقاص، وأبو عبد الرحمن النَّهْدي، ومسروق، وجُبير بن نُفَير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وممَّنْ بعدهم مواليهم: عبد الله بن دينار، ونافع، وزيد، وخالد بن أسلم؛ ومن غيرهم: مصعب بن سَعْد، وموسى بن طلحة، وعروة بن الزبير، وبشر بن سعيد، وعطاء، وطارق، ومجاهد، وابن سيرين، والحسن، وصفوان بن محرز، وآخرون.
وعن ابن عمر أنه قال: كان مَنْ رأى رُؤيا في حياة النبي صَلَّى الله عليه وسلم قَصّها عليه، فتمنيتُ أن أرَى رؤيا، وكنت غلامًا شابًّا عزبًا أنام في المسجد، فرأيتُ في المنام كأن ملكين أتياني فذهبا بي، فرأيت في يدي سَرَقة من حَرِير، فما أهْوِي بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه... الحديث، وفي آخره: فقصصتها على حَفْصة، فقصتها حفصةُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إنَّ أخَاكِ أوْ إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌُ صَالِح"(*) وفي رواية أخرى: "نِعمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كَانَ يُصلِّي من الليل"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 2/ 61، 69، 5/ 31، ومسلم في الصحيح 4/ 1928، كتاب فضائل الصحابة (44) باب (31) حديث رقم (140/ 2479)، وأحمد في المسند 2/ 146، والدارمي في السنن 2/ 127، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 1645، وأبو نعيم في الحلية 1/ 303، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 23403، 33515.، فكان بَعْدُ لا ينام من الليل إلا القليل.
قال الشّعبيّ: كان ابن عمر جيّد الحديث ولم يكن جَيّد الفِقْهِ.
وقال القعقاع بن حَكيم: كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر أن ارفع إليّ حاجتَك، فكتب إليه عبد الله: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "ابْدأ بمَن تعول، واليد العُليا خير من اليد السّفْلَى"(*)، وإني لا أحسِبُ اليد العليا إلاّ المُعطية والسفلى إلاّ السائلةَ، وإني غير سائلك ولا رادٍّ رزقًا ساقه الله إليّ منك.
وعن ابن عمر، رفعه قال: "كُلُّ مَسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الْدُّنْيَا وَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا، لَمْ يَشْرَبْ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ"(*)أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1587 كتاب الأشربة (36) باب (7) حديث رقم (73/ 2003، 77/ 2003، 74/ 2003) وباب (8) حديث رقم (76/ 2003، 77/ 2003، 78/ 2003.
قال عبد اللّه بن عمر: أَخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومًا ببعض جسدي، وقال: "يا عبد اللّه، كن في الدنيا كأَنك غريب، أَو كأَنك عابِرُ سبيل، وعْدَّ نفسك في أَهل القبور"، ثم قال لي: "يا عبد اللّه بن عمر، فإِنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، إِنما هي حسنات وسيئات، جزاءٌ بجزاءٍ، وقصاص بقصاص، ولا تتبرأَ من ولدك في الدنيا فيتبرأَ الله منك في الآخرة، فيفضحَك على رؤوس الأَشهاد، ومن جَرَّ ثوبه خُيَلاءَ لم ينظر الله إِليه يوم القيامة"(*).
وأَخْرَجَ البَغَوِيُّ، عن سعيد: ما رأيتُ أحدًا كان أشد إتِّقاءً للحديث عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من ابن عمر. وقال مجاهد: صحبْتُ ابنَ عمر إلى المدينة فما سمعتُه يحدِّثُ عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا.
ولم يقاتل ابن عمر في شيءٍ من الفتن، ولم يشهد مع علي شيئًا من حروبه، حين أَشكلت عليه، ثم كان بعد ذلك يندم على ترك القتال معه، فقال حين حضره الموت: "ما أَجد في نفسي من الدنيا إِلا أَني لم أَقاتل الفئة الباغية مع علي"، وكان لا يأتيه أميرٌ في زمان الفتنة إلاّ صلّى خلفه وأدّى إليه زكاةَ ماله. قال سيف المازني: كان ابن عمر يقول: لا أقاتل في الفتنة وأصلّي وراء من غلب. قال عبد الله بن عمر: لو اجتمعت عليّ أمّةُ محمّد إلاّ رجلين ما قاتلتهما، وقال لرجل: إنّا قاتلنا حتى كان الدين لله ولم تكن فتنة، وإنكم قاتلتم حتى كان الدين لغير الله وحتى كانت فتنة. وقال أيضًا: لقد بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فما نكثتُ ولا بدّلت إلى يومي هذا ولا بايعتُ صاحبَ فتنةٍ ولا أيْقَظْتُ مؤمنًا من مَرْقَدِه، وقال: كففتُ يدي فلم أندم والمقاتلُ على الحقّ أفضل. ودخل مَرْوَان بن الحكم في نفَر على عبد الله بن عمر بعدما قُتِل عثمان بن عفّان، فقالوا: هلمّ يدك نُبايعْ لك فإنّك سيّد العرب وابن سيّدها، قال: كيف أصنع بأهل المشرق؟ قال: ‏تقاتلهم ونقاتلهم معك، فقال: واللهِ لو اجتمع عليَّ أهلُ الأرض إلَّا أَهلَ فَدَك ما قاتلتهم، فخرجوا من عنده ومروان يقول:
إني أرَى فتْنَةً
تَغْلي مَراجِلُها والمُلْكُ بعدَ أبي ليلى لمَنْ غلَبَا
وأبو ليلى معاوية بن يزيد بن معاوية، وكان بعد يزيد أبيه أربعين ليلةً بايع له أبوه الناس، ولما قُتل عثمان قال نفر لعبد الله بن عمر: إنّك سيّد الناس وابن سيّدٍ فاخرج نبايعْ لك الناسَ، قال: إني والله لَئن استطعتُ لا يُهراق في سببي مِِحْجَمَةٌ من دم فقالوا: لَتَخْرُجَنّ أو لنقتلَنّك على فراشك، فقال لهم مثل قوله الأوّل، قال الحسن: فأطمعوه وخوّفوه فما استَقَلُّوا منه شيئًا حتى لحق بالله. وقيل لابن عمر: لو أقمت للناس أمْرَهم فإنّ الناسَ قد رضوا بك كلّهم، فقال لهم أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟ قالوا: إن خالف رجل قُتل وما قَتْلُ رجلٍ في صلاح الأمّة؟ فقال: والله ما أحبّ لو أنّ أمّةَ محمّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم أخَذَتْ بقائمة رمح وأخذت بزُجّه فقُتل رجل من المسلمين ولي الدنيا وما فيها. قال أبو العالية البراء: كنتُ أمشي خلف ابن عمر وهو لا يشعر وهو يقول: واضعين سيوفَهم على عواتقهم يَقْتُلُ بعضهم بعضًا يقولون يا عبد الله بن عمر أعْطِ بيدك. وأتَى رجل ابنَ عمر فقال: ما أحد شرَ لأمة محمد منك، فقال: لِمَ؟ فوالله ما سفكتُ دماءَهم ولا فرّقتُ جماعتَهم ولا شققتُ عصاهم، قال: إنّك لو شئتَ ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحبّ أنّها أتَتْني ورجل يقول لا وآخَرُ يقول بلى. وعن نافع أنّ ابن عمر لبس الدرع يوم الدار مرّتين. ودسّ معاوية عمرو بن العاص، وهو يريد أن يعلم ما في نفس ابن عمر، يريد القتالَ أم لا، فقال: يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك وأنت صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأنت أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قال: وقد اجتمع الناس كلّهم على ما تقول؟ قال: نعم إلاّ نُفَيرٌ يسير، قال: لو لم يبقَ إلاّ ثلاثة أعلاج بهَجَرَ لم يكن لي فيها حاجة، فعلم أنّه لا يريد القتال، قال: هل لك أن تبايعَ لِمَنْ قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه ويكتب لك من الأرَضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال: أفّ لك أخرج من عندي، ثمّ لا تدخل عليّ! ويحك إنّ ديني ليس بديناركم ولا درهمكم وإنّي أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقيّة. قيل لابن عمر زَمَنَ ابن الزبير والخوارج والخَشَبِيّة: أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضًا؟ فقال: من قال حَيّ على الصلاة أجَبْتُه، ومَن قال حَيّ على الفلاح أجَبْتُه، ومن قال حَيّ على قَتْل أخيك وأخذِ ماله قلتُ لا. قال الحَنْتَف بن السِّجْف لابن عمر: ما يمنعك من أن تبايع هذا الرجل؟ يعني ابن الزبير، قال: إني والله ما وجدتُ بَيْعَتَهم إلاّ قِقّة، أتدري ما ققّة؟ أما رأيتَ الصّبيّ يَسْلَحُ ثمّ يضع يده في سَلْحه فتقول له أمّه قِقّة؟. وقال أيضًا: إنمّا كان مَثَلُنا في هذه الفتنة كمَثَل قوم كانوا يسيرون على جادّة يعرفونها، فبينا هم كذلك إذ غَشِيَتْهم سحابة وظُلْمة فأخذ بعضُنا يمينًا وبعضُنا شِمالًا، فأخطأنا الطريق وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى تجلّى عنّا ذلك حتى أبصرنا الطريق الأوّل فعرفناه فأخذنا فيه، إنّما هؤلاء فتيان قريش يتقاتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، والله ما أُبالي ألا يكونَ لي ما يَقْتُلُ فيه بَعْضُهم بعضًا بنَعْلي، وقال أيضًا: لما كان من مَوْعد عليّ ومعاوية بدومة الجندَل ما كان أشفق معاوية أن يخرج هو وعليّ منها، فجاء معاوية يومئذٍ على بُخْتيّ عظيم طويل فقال: ومن هذا الذي يطمع في هذا الأمر أو يمد إليه عنقه ومَن أحقّ بهذا الأمر منّا؟ فما حدّثتُ نفسي بالدنيا إلاّ يومئذٍ فإني هممتُ أن أقولَ: يَطْمَعُ فيه مَن ضربك وأباك عليه حتى أدْخَلَكُما فيه، فخَشيتُ أن يكون في ذاك فسادٌ، ثمّ ذكرتُ الجنّة ونعيمها وثمارها، فأعرضتُ عنه. ولما قدمَ معاوية المدينةَ حلف على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليقتلنّ ابن عمر، فجاء عبد الله بن صَفْوان إلى ابن عمر فدخلا بيتًا وكان نافع على باب البيت، فجعل عبد الله بن صفوان يقول: أَفَتَتْرُكُهُ حتى يقتلَك؟ والله لو لم يكن إلاّ أنا وأهل بيتي لقاتلتُه دونك، فقال ابن عمر: أفلا أصْبرُ في حَرَم الله؟ وسمع نافع نَحِيَبه تلك الليلةَ مرتين فلمّا دنا معاوية تلقّاه الناس وتلقاه عبد الله بن صفوان فقال: إِيهًا ما جئتَنا به، جئتَ لتقتلَ عبد الله بن عمر! قال: ومَن يقول هذا ومن يقول هذا ومَن يقول هذا؟ ثلاثًا: والله لا أقتله، وكان معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلمّا أراد أن يبايع ليزيد بن معاوية قال: أرى ذاك أراد، إن ديني عندي إذًا لَرخيص، ولما بويعَ يزيد بن معاوية قال ابن عمر: إن كان خيرًا رضينا وإن كان بلاء صبرنا، ولما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية دعا عبدُ الله بن عمر بنيه وجمعهم فقال: إنّا بايعنا هذا الرجلَ على بَيْع الله ورسوله، وإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الغادر يُنْصَبُ له لواءٌ يومَ القيامة فيقول هذه غَدْرَةُ فلانٍ، وإنّ من أعظم الغَدْرِ ـــ إلاّ أن يكون الشرك بالله ـــ أن يُبايعَ رجل رجلًا على بيع الله ورسوله صَلَّى الله عليه وسلم ثمّ يَنْكُثَ بيعتَه"(*)، فلا يخلعنّ أحد منكم يزيدَ ولا يُسرِعَنّ أحد منكم في هذا الأمر فتكون الصَّيْلَمُ ـ أي القَطْع ــ بيني وبينه. وكتب ابن عمر إلى عبد الملك بن مراون وهو يومئذ خليفة فبدأ باسمه فكتب إليه: من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد فــ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [سورة النساء: 87]، إلى آخر الآية، وقد بلغني أنّ المسلمين اجتمعوا على البيعة لك، فإنّي قد بايعتُ لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سنّة الله وسنّة رسوله فيما استطعتُ وإنّ بَنيّ قد أقرّوا بذلك والسلام، فقال مَن حَوْلَ عبدِ الملك: بدأ باسمه قبل اسمك، فقال عبد الملك: إنّ هذا من أبي عبد الرحمن كثير. وبعث عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر بمال في الفتنة فقبله. قال نافع: كان ابن عمر يصلّي مع الحجّاج بمكّة فلمّا أخّرَ الصلاةَ ترك أن يشهدها معه وخرج منها. وخطب الحجّاج على المنبر فقال: إنّ ابن الزبير حرّف كتاب الله، فقال له ابن عمر: كذبتَ كذبتَ كذبتَ، ما يستطيع ذلك ولا أنت معه، فقال له الحجّاج: اسكت فإّنك شيخ قد خَرِفْتَ وذهب عقلُك، يُوشكُ شيخ أن يُؤخَذَ فتُضرب عنقُه فيُجَرّ قد انتفخت خُصْيَتاهُ يطوف به صبيان أهل البقيع. ودخل عبد الله بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن عثمان على الحجّاج بن يوسف، فقال الحجّاج: لقد كنتُ هممتُ أن أضرب عنق ابن عمر، فقال له عبد الله بن عبد الله: أما والله إن لو فعلتَ لَكوّسك الله في نار جهنّم، رأسك أسفَلَك، فنكسَ الحجّاج، وقيل يُأمر به الآن، ثمّ رفع رأسه وقال: أيّ قريش أكرم بيتًا وآخذ في حديثٍ غيره.
قال عثمان لعبد الله بن عمر: اقْضِ بين الناس، فقال: لا أقضي بين اثنين ولا أؤمّ اثنين، فقال عثمان: أتعصيني؟ قال: لا ولكنّه بلغني أن القُضاة ثلاثة: رجل قَضَى بجهل فهو في النّار، ورجل حَافَ ومَالَ به الهواء فهو في النّار، ورجل اجتهد فأصاب فهو كفاف لا أجْرَ له ولا وِزْرَ عليه، فقال: فإنّ أباك كان يقضي، قال: إنّ أبي كان يقضي فإذا أشكلَ عليه شيء سأل النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وإذا أشكل على النبيّ سأل جبرائيل، وإني لا أجد مَن أسأل، أما سمعتَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَن عاذ بالله فقد عاذ بمَعاذٍ"(*)؟ فقال عثمان: بَلى، فقال: فإنّي أعوذ بالله أن تستعملني، فأعفاه وقال: لا تُخْبرْ بهذا أحدًا. وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنّه قيل له: كيف ترى عبد الله بن عمر لو وَليَ من أمر الناس شيئًا؟ فقال أسلم: ما رجل قاصد لباب المسجد داخل أو خارج بأقْصَدَ من عبد الله لعمل أبيه.
ومات عبد الله بن عمر بمكة بعد قَتْلِ ابن الزّبير بثلاثة أشهر أو نحوها، وقيل: لستة أشهر. قال الواقدي: مات سنة أربع وثمانين. وقصة قتله أن الحجاج كان يخطب يومًا وأَخَّر الصَّلاة؛ فقال ابن عمر: إن الشّمس لا تنتظرك، فقال له الحجّاج: لقد هممتُ أَنْ أضْربَ الذي فيه عيناك، قال: إن تفعل فإنك سفيه مسلَّط، وقيل: إنه أَخْفَى قوله ذلك عن الحجّاج، ولم يسمعه، وكان يتقدّم في المواقف بعرفة وغيرها إلى المواضع التي كان النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وقف بها، فكان ذلك يعزُّ على الحجّاج، فأمر الحجّاجُ رجلًا معه حَرْبة يقال: إنها كانت مسمومة، فلما دفع النّاسُ من عرفة لصق به ذلك الرّجل، فأمَرَّ الحربة على قدمه عند الجمرة، وهي في غرز راحِلَتِهِ، فكان دمًا، فقال سالم: يا أبت ما هذا الدم؟ فقال: ما شعرتُ به فأنِخْ، فنزع رجله من الغَرْز وقد لَزِقَتْ قدمُه بالغرز، فقال: ما شعرتُ بما أصابني، فَرُمِي حتى أصاب الأرض فخاف أن يمنعه الألمُ من قضاء المناسك، فقال: يا ابن أمّ الدّهْماء اقْضِ بي المناسك، فمرض منها، فدخل عليه الحجّاج يعوده، فرآه ابن عمر فغمّض عينيه، فكلّمه الحجّاج، فلم يكلّمه، فسلّم عليه وهو على فراشه، فرد عليه السلام، فقال له: يا أبا عبد الرحمن هل تدري من أصاب رِجْلَك؟ فقال: لا، وما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله، فأطرق ابن عمر فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه، ثم قال: ما أراك فاعلًا، أنت الذي أَمَرْت بإدخال السّلاح في الحرم وأمرْتَ الذي بخسني بالحربة، فلمّا سمع ذلك الحجّاج وثب كالمُغْضَب فخرج يمشي مسرعًا، فلمّا خرج الحجّاج قال ابن عمر: ما آسى من الدنيا إلاّ على ثلاث: ظَمْءِ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلتُ هذه الفئةَ الباغيةَ التي حلّت بنا، فلبث أيّامًا، فلمّا حضرت ابنَ عمر الوفاةُ قال لسالم: يا بُنيّ إن أنا مِتّ فادفني خارجًا من الحرم فإني أكره أن أُدْفَنَ فيه بعد أن خرجتُ منه مهاجرًا، فقال: يا أبه، إن قدرنا على ذلك، فقال: تَسْمَعُني أقول لك وتقول إن قدرنا على ذلك؟ قال: أقول الحجّاج يغلبنا فيصلّي عليك، فسكت ابن عمر، ثم مات، وصلّى عليه الحجّاج، وغلب على أمر دفنه في الحل، فدُفِنَ في الحَرَم بفَخّ، وقيل: دفن بذي طُوىً سنةَ أربعٍ وسبعين في مقبرة المهاجرين.
قَالَ الْبُخَارِيُّ في "التاريخ" عن مالك: أنَّ ابنَ عمر بلغ سبعًا وثمانين سنة. وهذا أثبت، وقيل: مات سنة اثنتين وسبعين في ذي الحجة.
وعن نافع أنّ ابن عمر لم يوصِ، وذلك أنه لما ثقل قالوا له: أوْصِ قال: وما أوصي؟ الله أعلم ما كنتُ أصنع في مالي، وأمّا رِباعي وأرضي فإني لا أحبّ أن أشْرِكَ مع ولدي فيها أحدًا.
وكان يقول: اللهمّ لا تجعل منيّتي بمكّة، وكان أوصى رجلًا أن يُغَسّلَه فجعل يدلكه بالمسك، وكانت وصيّة عمر عند أمّ المؤمنين حفصة، فلمّا تُوفّيت صارت إلى ابن عمر، فلمّا حُضِرَ ابن عمر جعلها إلى ابنه عبد الله بن عبد الله وترك سالمًا، وكان الناس عنّفوه بذلك.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال