أبو العالية الرياحي
أبو العالية الرِّياحي مولى بني رياح، واسمه رفيع بن مهران، وقال أبو نعيم: زياد بن فيروز.
أخرجه ابن منده، وأبو نعيم، وذكر ابن الأثير أن قول أبي نعيم "إن اسم أبي العالية زياد"، وهم منه، إنما زياد بن فيروز آخر، وهما من كبار التابعين، وكنيته أيضًا أبو العالية، وهو البراء، وهو غير أبي العالية الرياحي، والله أعلم، وقال أبو خلدة خالد بن دينار: سألت أبا العالية الرياحي: "أدركت النبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: لا، جئت بعده بسنتين، أو ثلاث"، وروى حَجّاج بن نُصَير قال: حدّثنا أبو خَلْدَة عن أبي العالية قال: ما تركت من ذهبٍ أو فضّةٍ أو مالٍ فثُلْثه في سبيل الله، وثلثه في أهل النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وثلثه في فقراء المسلمين، وأعطوا حقّ امرأتي قال أبو خلدة: فقلت له: يسعك هذا فأين مَواليك؟ قال: سأحدّثك حديثي، إنـي كنتُ مملوكًا لأعرابيّة مُذْكَرَة فاستقبلتني يوم الجمعة فقالت: أين تنطلق يا لُكَع؟ قلتُ: أنطلق إلى المسجد، فقالت: أيّ المساجد؟ قلت: المسجد الجامع، قالت: انطلق يالكع، قال: فذهبت أتبعها حتّى دخلت المسجد، فوافقنا الإمام على المنبر فقبضت على يدي فقالت: اللهمّ اْذْخَرْهُ عندك ذخيرةً، اشهدوا يا أهل المسجد إنـّه سائبة لله ليس لأحد عليه سبيل إلا سبيل معروف، قال: فتركتني وذهبت، قال: فما تراءينا بعدُ، قال أبو العالية: والسائبة يضع نفسه حيث يشاء، وروى عمرو بن الهيثم ويحيَى بن خُلَيف قالا: حدّثنا أبو خلدة قال: سمعتُ أبا العالية يقول: كنّا عبيدًا مملوكين، منّا من يؤدّي الضرائب ومنـّا من يخدم أهله فكنـّا نختم كلّ ليلة مرّة، فشقّ ذلك علينا فجعلنا نختم كلّ ليلتين مرّة، فشقّ ذلك علينا فجعلنا نختم كلّ ثلاث ليالٍ مرّة، فشقّ علينا حتّى شكا بعضنا إلى بعض فلقينا أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فعلّمونا أن نختم كلّ جمعة أو قال: كلّ سبْع فصلّينا ونمنا ولم يشقّ علينا، وروى عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي العالية قال: قرأتُ المحْكَم بعد وفاة نبيكّم بعشر سنين، فقد أنعم الله عليّ بنعمتين لا أدري أيّتهما أفضل، أن هداني للإسلام، أم لم يجعلني حَرُوريًّا، وروى أبو خَلْدَة قال: قال أبو العالية: كنت مملوكًا أخدم أهلي فتعلّمت القرآن ظاهرًا والكتابة العربيّة، وروى يحيَى بن خليف قال: حدّثنا أبو خلدة قال: أعتق أبو العالية غلامًا له فكتب: "هذا ما أعتق رجل من المسلمين، أعتق غلامًا شابًّا سائبةً لوجه الله، فليس لأحد عليه سبيلٌ إلا السبيل المعروف"، وروى الفضل بن دُكين، عن أبي العالية قال: ما مسستُ ذَكَري بيميني مذ ستّين أو سبعين سنة، وروى أبو خلدة، عن أبي العالية قال: دخلت على ابن عبّاس وهو أمير البصرة، فناولني يده حتّى استويتُ معه على السرير، فقال رجل من بني تميم: إنـّه مولى، قال: وعلي قميص ورداء وعمامة بخمسة عشر درهمًا، قال: قلت: كيف كنت تصنع؟ قال: كنت أشتري كِرْباسة رازيـّةً باثني عشر درهمًا فأجعل منها قميصًا وعمامةً وكان يجزيني إزار ثلاثة دراهم ألبسه تحت القميص، غير أني كنتُ أستجيد الرداء يبلغ العشرين والثلاثين، وقال أبو خَلْدَة: رأيتُ على أبي العالية سراويل، قال: قلتُ: ما لك وللسراويل في البيت؟ قال: هو من ثياب الرجال وهو أستر، وقال أبو خلدة: سمعت أبا العالية يقول: لو مررتُ بباب صرّاف أو عشّار ما شربتُ من مائه، وروى عفّان بن مسلم، وعارم بن الفضل، عن شُعيب بن الحَبْحَاب: كان أبو العالية يجيء فيقول أطعمونا من طعام البيت، ولا تكلّفوا أن تشتروا لنا شيئًا، وقال أبو خَلْدَة: سمعتُ أبا العالية يقول: زارني عبد الكريم أبو أُميّة وعليه ثياب صوف فقلت له: هذا زيّ الرهبان، إنّ المسلمين إذا تزاوروا تجمّلوا، وروى حمّاد بن زيد، عن أبي العالية قال: صلّيت أول يوم فَعَلَهُ الحجّاج ـ يعني تأخير صلاة الجمعة ـ قاعدًا تلقاء وجهه فعمّاه الله عني، ولقد صلّيت خلفه حتّى لقد خفتُ الله، ولقد تركتُ الصلاة خلفه حتّى لقد خفتُ الله، وروى عارم بن الفضل، عن المهاجر أبي مَخْلَد قال: سمعتُ أبا العالية يقول: إذا سمعتم الرجل يقول: إنـّي أحبّ في الله وأبغض في الله، فلا تقتدوا به، وقال أبو خَلْدَة: كنتُ عند أبي العالية قاعدًا إذ جاء غلام له بمنديل فيه سُكّر مختوم ففضّ الخاتم وأعطاه عشر سكّرات وقال: لو خانني لم يخني بأكثر من هذا، أُمِرْنا أن نختم على الرسول والخادم لكي لا نظنّ بهم ظنًّا سيّئًا، وقال أيضًا: اشتريتُ لأبي العالية غلامًا فلم يشتره حتّى اشترط عليه أبو العالية أن يزيد في ضريبته درهمين ففعل، وقال أبو خَلْدَة: قال أبو العالية: كنـّا نرى من أعظم الذنب أن يتعلّم الرجل القرآن ثمّ ينام حتّى ينساه، لا يقرأ منه شيئًا، وقال أيضًا: دخلتُ على أبي العالية فقرّب إلي طعامًا فيه بقل فقال: كُلْ فإنّ هذا ليس من البقل الّذي نخاف أن يكون فيه شيء، هذا أرسل به أخي أنس بن مالك من بستانه قلت: وما شأن البقل؟ فقال: إنّ البقل ينبت في منبت خبيث تعلم ما هو، قال: قلتُ: وما هو؟ قال: الخرء والبول والحائض، وقال أبو خَلْدَة: أعتق أبو العالية جاريةً له ثمّ تزوّجها، قال: فسألتها كيف كان أبو العالية يؤدّي صدقة الفطر؟ قالت: كان يعطي عن نفسه قفيزًا وعنـّا مكّوكين مَكوكين، وقال أبو خَلْدَة: كان أبو العالية يبعث بصدقة ماله إلى المدينة فيدفع إلى أهل بيت النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فيضعونها مواضعها، وقال أيضًا: كان كفن أبي العالية عند بكر بن عبد الله قميص مكفوف مزرور، وكان يلبسه كلّ ليلة أربع وعشرين، ومن الغد من رمضان ثمّ يردّه، وقال أيضًا: رأيتُ أبا العالية يسجد على وسادةِ وهو جالس على فراش وهو مريض، وقال أبو خَلْدَة: شهدت أبا العالية أوصى في مرضه وكانت له دراهم عند رجلٍ يقال له الحسن فقال: اشتروا بها جزيرة، إني أكره أن أدعها دراهم، وقال أبو خَلْدَة أيضًا: أوصى أبو العالية سبع عشرة مرة وهو صحيح، ووقّت فيها أجلًا فكان إذا جاء الأجل كان فيما أوصى به إن شاء أمضاه، وإن شاء ردّه، وروى حمّاد بن زيد عن شُعَيب بن الحَبْحَاب قال: كانت لأبي العالية كُمّة مبطّنة بجلود الثعالب فكان إذا صلّى جعلها في كُمّه. وهو مشهور في التابعين، وله إدراك، ويقال: إنه دخل على أبي بكر وصلَّى خلف عمر، وأخرج أَبُو أَحْمَدَ الحاكم مِنْ طريق أبي خَلْدة، قال: قلت لأبي العالية: أدركتَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: لا، جئتُ بعده بسنتين أو ثلاث، وروى ابْنُ المَدِينِيّ، عن أبي العالية، قال: قرأت القرآن على عَهْد عمر ثلاث مرات، وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ من طريق عاصم قال: قلت لأبي العالية؛ مَنْ أكبر مَنْ رأيت؟ قال: أبو أيوب، غير أني لم آخذ عنه شيئًا، إسناده صحيح، وقال العِجْلِيُّ: هو من كبار التّابعين، وقال الآجريّ، عن أبي داود: ذهب عِلْمُ أبي العالية لم يكن له رُواة. وقد روى عنه خالد الحذّاء، وداود بن أبي هند، ومحمد وحفصة ابنا سيرين، والربيع بن أنس، وبكر بن عبد الله المزني، وثابت البُنَانيّ، وقتادة، ومنصور بن زاذان، وآخرون؛ فكأن أَبا دَاوُدَ أرادَ مَنْ نقل عنه الفِقْهَ أو التّفسير، وقد وثَقه العِجْلِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وغيرهما، وأما ما نقل عن الشافعيّ أنه قال حديث الرياحي رياح، فإنما أراد حديثًا خاصًّا وهو حديث القهقهة، كما نبه عليه ابن عديّ؛ ثم قال: وسائر أحاديثه مستقيمة، وقال شعبة: قد أدرك رُفيع عليّا ولم يسمع منه، وقال غيره: قد سمع من عمر، وأُبَيّ بن كعب وغيرهما من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان ثقةً كثير الحديث، وقال أبو خَلْدَة، عن أبي العالية قال: كنـّا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلم نرض حتّى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم، وقال أيضًا: حدّثني أبو العالية قال: أكثر ما سمعت من عمر يقول: اللّهمّ عافنا، واعفُ عنا، وقد روى أَبُو العَالِيَةِ أحاديث مرسلة عن كثير من الصحابة؛ منهم ابن مسعود، وأبو ذَر، وحذيفة، وعلي، وروى عن أَبِي مُوسَى، وأبي أيوب، وثَوْبان، ورافع بن خَدِيج، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وغيرهم، وقال أبو خَلْدة: قال أبو العالية: لمّا كان زمن عليّ بن أبي طالب، ومعاوية وإني لشابّ القتال أحبّ إليّ من الطّعام الطيّب، فتجهّزتُ بجهاز حسن حتّى أتيتهم فإذا صَفّان لا يُرى طرفاهما إذا كبـَّر هؤلاء كبـَّر هؤلاء، وإذا هَلَّلَ هؤلاء هَلَّل هؤلاء، قال: فراجعت نفسي فقلت: أيّ الفريقين أنزله كافرًا، وأيّ الفريقين أنزله مؤمنًا؟ أوَمَنْ أكرهني على هذا؟ فما أمسيت حتّى رجعت وتركتهم. وقال أَبُو خَلْدَةَ: مات سنة تسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقال المدائني: سنة ست وتسعين، وقال أبو عمر الضرير: مات سنة ثمان وتسعين، وبه جزم ابن حبان، وروى عُبيد الله بن محمّد بن حفص التيميّ، عن عاصم الأحْول أنّ أبا العالية أوصى إلى مُوَرّق العِجْليّ، وأمره أن يضع في قبره جريدتين، قال مورّق: وأوصى بُرَيْدة الأسلميّ أن توضع في قبره جريدتان، ومات بأدنى خراسان فلم توجدا إلا في جوالق حمّار، فلمّا وضعوه في قبره وضعوهما في قبره، وقال عمرو بن الهيثم أبو قَطَن: حدّثنا أبو خَلْدَة أنّ أبا العالية مات يوم الاثنين في شوّال سنة تسعين.