عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط...
عَاتِكَةُ بنتُ زَيْد بن عَمْرو بن نُفيل القُرَشية العَدَويّة:
أخوها سعيد بن زيد، وأمّها أمّ كُرْز بنت الحَضْرَمِيّ بن عمّار، وهي ابنة عم عمر بن الخطاب، يجتمعان في نُفَيل.
تزوَّجها عبدُ الله ابن أبي بكر الصّديق، وكانت حسناء جميلة ذات خلقٍ بارع، فأولع بها وشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها لذلك، فقال:
يَقُولُونَ
طَلِّقْهَا وَخَيِّمْ مَكَانَهَا ُقِيمًا تُمَنّي النَّفْسَ أَحْلامَ نَائِمِ
وإِنَّ فِرَاقِي أَهْلَ بَيْتٍ جَمِيعَهِم َلَى كَثْرَةٍ مِنِّي لإِحْدَى العَظَائِمِ
أَرَانِي وَأَهْلِي كَالعَجُولِ تَرَوَّحَتْ ِلَى بَوِّهَا قَبْلَ العِشَارِ الرَّوَائِمِ
وعزم عليه أبوه حتى طلقها، ثم تبعتها نَفْسه، فهجم عليه أبو بكر، وهو يقول:
َعَاتِكُ لَا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ
شَارِقٌ َمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ
َعَاتِكُ قَلْبِي كُلَّ
يَوْمٍ
ولَيْلَةٍ ِلَيكِ بِمَا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّقُ
َلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَوْمَ
مِثْلَهَا ولَا مِثْلُهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ
َلهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ وخلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ
فرق له أبوه، فأمره فارتجعها، فقال حين ارتجعها:
أَعَاتِكُ قَدْ طُلِّقْتِ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ وَرُوجِعْتِ لِلأَمْرِ الَّذِي هُوَ كَائِنُ
كَذَلِكَ أَمْرُ
اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ أُلْفَةٌ وَتَبَايُنُ
وَمَا زَالَ قَلْبي
لِلَّتفَرُّقِ طَائِرًا وَقَلْبِي لِمَا قَدْ قَرَّبَ اللَّهُ سَاكِنُ
لِيَهْنَكِ أَنِّي لَا أَرَى فِيهِ سُخْطَةً وَأَنَّكِ قَدْ تَمَّتْ عَلَيكِ المحَاسِـنُ
وَأَنَّكِ مِمَّنْ زَيَّنَ
اللَّهُ
وَجْهَهُ وَلَيْسَ لِوَجْهٍ زَانَهُ اللَّهُ شَائِنُ
ثم شهد عبد الله الطّائف مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فرمي بسهم، فمات منه بعد بالمدينة، فقالت عاتكة ترثيه:
رُزِئْتُ بِخَيرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَمَا كَانَ قَصَّرَا
فَآليتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً عَلَيكَ
وَلا يَنَفَكُّ جِلْدِي أَغْبَرا
فَلِلَّهِِ عَيْنًا مَنْ رَأَى مِثْلَهُ فَتًى أَكَرَّ وَاحْمَى فِي الهَيَاجِ وَأَصْبَرَا
إِذَا شُرِعَتْ فِيهِ الأَسِنَّةُ خَاضَهَا إِلَى المَوْتِ حَتَّى يُتْرَكُ الرُّمْحُ أَحْمَرَا
وتزوَّجها زيد بن الخطّاب على اختلاف في ذلك، فقُتِل عنها يوم اليمامة شهيدًا، وكان عبد الله بن أبي بكر يحبّها، وجعل لها بعض أرضه على أن لا تزوّج بعده، ومات، فتبتّلت وجعلت لا تزوّج، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبَى، فأرسل عُمر إلى عاتكة: إنّك قد حَرَّمْتِ عليك ما أحلّ الله لكِ فردي إلى أهله المال الذي أخذته وتزوّجي ففعلت فَخَطَبها عمر فنكحها، وعندما تزوجها عمر بن الخطاب أرسلت إليها عائشة أن رُدّي علينا أرضنا، وكانت عاتكة قد قالت حين مات عبد الله بن أبي بكر:
آليت لا تنفكّ نفسي حَزينةً عليك ولا ينفكّ جلديّ أغْبَرا
ولما تزوجها عمر بن الخطّاب، قالت عائشة ردا عليها:
آليتُ لا تنفكَ عيني قريرةَ عليك ولا ينفكّ جلديّ أصْفَرا
وقيل في رواية أخرى: أن عمر قال لوليّها: اذكرني لها، فذكره لها فأبت عمر أيضًا، فقال عمر: زوّجنيها فزوّجه إيّاها، فأتاها عمر فدخل عليها، فعاركها حتى غَلَبها على نفسها فنكحها، فلمّا فرغ قال: أفّ أفّ أفّ، أَفَّفَ بها، ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها: أن تعالَ فإني سأتهيّأ لك، وتزوَّجها عمر بن الخطّاب في سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وأَوْلَمْ عليها، ودعا أصحابَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفيهم عليّ بن أبي طالب، فقال له: يا أمير المؤمنين، دَعْني أكلم عاتكة، قال: نعم، أخذ عليّ بجانب الخدر، ثم قال: يا عديّة نفسها أين قولك:
فَآلَيتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً عَلَيكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِي أَغْبَرَا
فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا حسن؟ كلّ النّساء يفعلن هَذا.
قال حاطب: جاء ربيعة بن أميّة إلى عمر بن الخطّاب فقال: رأيتُ في المنام كأن أبا بكر هَلَك فكنتَ بعده، فبعثتَ إلى هذه المرأة المتبتّلة فنكحتها فدخلتْ عليك عروسًا بها على بابك جلّة قُرْط، وهي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل، وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر فأصيب يوم الطائف فجعل لها طائفة من ماله على أن لا تنكح بعده، فقال عمر: بفيكَ الحَجَرُ، بل يبقيه الله ويمتعنا به ولا سبيل إلى هذه المرأة، فتوفّي أبو بكر وكان عمر مكانه، فخطبها عمر فنكحها، فجاء ربيعة بن أميّة يستأذن على عمر وهو عروس بها فقال: اللهم لا تنعم به عينًا، فأذن له فدخل فجعل ينظر إلى جلّة القرط على بابه.
روى عبد الله بن عمر: أنّ عاتكة بنت زيد بن عمرو امرأة عمر بن الخطّاب، قبّلته وهو صائم فلم ينهها، وروى يحيَى بن سعيد: أنّ عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفَيْل امرأة عمر بن الخطّاب كانت تقبّل رأس عمر وهو صائم فلم ينهها. وروى حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنّ عاتكة بنت زيد امرأة عمر كانت تستأذنه إلى المسجد، فكان عمر يقول لها إذا استأذنته إلى المسجد: قد عرفت هواي في الجلوس، فتقول: لا أدع استئذانك، وكان عمر لا يحبسها إذا استأذنته، فلقد طُعِن عمر وهي في المسجد. ولما قتل عنها عمر، قالت تبكيه:
عَيْنُ جُودِي بِعَبْرةٍ
وَنَحِيبِ لََا تَمُلِّي عَلَى الإِمَامِ النَّجِيبِ
فَجَعَتْنِي المَنُونُ بِالفَارِسِ المُعْـ ـلِمِ
يَوَمَ
الهَيَاجِ
وَالتَثْوِيبِ
قُلْ لأَهْلِ الضَّرَّاءِ وَالبُؤْسِ مُوتُوا قَدْ سَقَتْهُ المَنُونُ كَأْسَ شَعُوبِ
ومما رثت به عمر رضي الله عنه قولها:
مُنِعَ الرَّقَادُ فَعَادَ عَيْنِيَ عَائِدُ مِمَّا تَضَمَّنَ قَلْبِيَ المَعْمُودُ
قَدْ كَانَ يسْهرني حذارك مرة فَاليَوْمَ حُقَّ لِعَيْنِيَ التَّسْهِيدُ
أَبْكِي أَمِيرَ المُؤْمِنينَ
وَدُونَهُ لِلزَّائِرينَ صَفَائِحُ وَصَعِيدُ
ثم تزوَّجها الزّبير بن العوّام، ولما قُتل الزّبير بن العوّام عنها قالت أيضًا ترثيه:
غَدَرَ ابْنُ جرْمُوزٍ بِفَارِسِ بُهمَةِ يَوْمَ اللِّقَاءِ
وَكَانَ
غَيْرَ مُعَرّدِ
يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ
لوَجَدْتَهُ لَا طَائِشًا رَعْشَ الجَنَانِ وَلَا الْيَدِ
كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ عَنْهَا طرَادُكَ يَا بْنَ فَقْعِ القِرْدَدِ
ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِمِثْلِهِ مِمَّنَ مَضَى مِمَّنْ يَرُوحُ وَيَغْتَدي
وَاللَّهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِما حَلَّتْ عَلَيكَ
عُقُوبَةُ
المُتَعَمِّدِ
وكان الزّبير شرط ألا يمنعها من المسجد وكانت امرأة خليقَةً، فكانت إذا تهيأت إلى الخروج للصّلاة قال لها: والله إنك لتخرجين وإني لكارهٌ؛ فتقول: فامنعني فأجلس، فيقول: كيف وقد شرطت لك ألا أفعل، فاحتال فجلس لها على الطّريق في الغلس، فلَما مرت وضع يده على كفلها؛ فاسترجعت، ثم انصرفت إلى منزلها، فلما حان الوقت الذي كانت تخرج فيه إلى المسجد لم تخرج، فقال لها الزّبير: مالك لا تخرجين إلى الصّلاة؟ قالت: فسد النّاس، والله لا أخرج من منزلي، فعلم أنها ستفي بما قالت، فقال: لا رَوْع يابْنَةَ عمر، وأخبرها الخبر؛ فقُتل عنها يوم الجمل، ثم خطبها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بعد انقضاء عِدّتها من الزّبير، فأرسلت إليه: إني لأضِنُّ بك يابْنَ عم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن القتل ـــ وكان عبدُ الله بن الزّبير لما قتل أبوه أرسل إلى عاتكة بنت زيد بن عمرو يقول: يرحمك الله، أنتِ امرأةٌ من بني عديّ، ونحن قوم من بني أسد، وإن دخلت في أموالنا أفسدتها علينا، وأضررت بنا، فقالت: رأيك يا أبا بكر؛ ما كنْتَ لتبعثَ إليّ بشيء إلا قبلتُه، فبعث إليها بثمانين ألف درهم، فقبلتها، وصالحت عليها، وتزوّجها الحسن بن علي فتُوفِّي عنها، وهو آخر مَنْ ذكر من أزواجها، والله أعلم. وكانت من المهاجرات إلى المدينة، وكانت تكثر الاختلاف إلى المسجد النبويّ.