تسجيل الدخول


زياد ابن سمية

زياد ابن أبيه، وهو ابن سُمَية الذي صار يقال له: ابنُ أبي سفيان.
أخرجه أبو عمر، وأبو نعيم، وأبو موسى. ويُكْنَى أَبا المغيرة، وأمّه سُميّة جارية الحارث بن كَلَدَة الثقفيّ، وكانت مولاة صفيّة بنت عبيد بن أسد الثقفيّ، وكانت من البغايا بالطّائف، ووُلد على فراش عبيد مولى ثقيف، فكان يقال له: زياد بن عبيد، ثم استلحقه معاوية؛ ثم لما انقضت الدولةُ الأمويّة صار يقال له: زياد ابن أبيه، وزياد ابن سُمَيّة.
قال أَبُو عُمَرَ: كان من الدهاة الخطباء الفصحاء، واشترى أباه بألف درهم فأعتقه، واستكتبه أبو موسى، واستعمله على شيء من البصرة، فأقره عمر، ثم صار مع علي، فاستعمله على فارس، وكان استلحاق معاوية له في سنة أربع وأربعين، وشهد بذلك زياد بن أسماء الحِرْمازي، ومالك بن ربيعة السلوليّ، والمنذر بن الزبير فيما ذكر المدائني بأسانيده وزاد في الشهود جُويرية بنت أبي سفيان والمستورد بن قُدَامة الباهليّ، وابن أبي نَصْر الثقفيّ، وزيد بن نُفيل الأزديّ، وشعبة بن العلقم المازنيّ، ورجل من بني عمرو بن شيبان، ورجل من بني المصطلق؛ وشهدوا كلهم على أبي سفيان أنَّ زيادًا ابنه، إلا المنذر فيشهد أنه سمع عليًا يقول: أشهد أنَّ أبا سفيان قال ذلك، فخطب معاوية فاستحلقه؛ فتكلّم زياد فقال: إن كان ما شهد الشّهود به حقًا فالحمدُ لله، وإن يكن باطلًا فقد جعلتهم بيني وبين الله.
وروى أحمد بإسناد صحيح، عن أبي عثمان لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا؟ إني سمعْتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: "مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ"(*)أخرجه مسلم في الإيمان (114) وفي البيهقي 7/ 403. فقال أبو بكرة: وأنا سمعته.
واختُلف في وقْتِ مولده، فقيل:‏ ‏ولد عام الهجرة‏، وقيل قبل الهجرة،‏ وقيل‏: ‏بل وُلد يوم بدر، وقال أَبو الحسن المدائنيّ:‏ ولد زياد عام التاريخ. وقيل: وُلد زياد بن أبي سفيان بالطائف عام الفتح. وروى ابن عبّاس، قال:‏ بعث عُمَرُ بن الخطاب زيادًا في إصلاح فسادٍ وقع في اليمن، فرجع من وَجْهه، وخطب خطبة لم يسمع الناسُ مثلها، فقال عمرو بن العاص:‏ أما والله لو كان هذا الغلام قرشيًّا لساق العربَ بعصاه. فقال أبو سفيان بن حَرْب‏: والله إني لأعرف الذي وضعه في رَحِمٍ أمّه،‏ فقال عليّ بن أبي طالب‏: ومَنْ هو يا أبا سفيان؟ قال:‏ أنا،‏ قال:‏ ‏مهلًا يا أبا سفيان، فقال أبو سفيان:
أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا خَوْفُ شَخْصٍ يَرَانِي يَا عَلِيُّ مِنَ الأَعَادِي
لأَظْهَرَ أَمْرَهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ وَلَمْ تَكُـنِ المَقَالَةُ عنْ زِيَادِ
وَقَدْ طَالَتْ مُجَامَلَتِي ثَقِيفًا وَتَرْكِي فِيهِمُ ثََمَرَ الفُؤَادِ
قال:‏ فذاك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد، فلما صار الأمْرُ إلى علي بن أَبي طالب وجَّه زيادًا إلى فارس، فضبط البلادَ وحما وجَبَى، وأصلح الفساد، فكاتبه معاويةُ يرومُ إفساده على عليّ فلم يفعل، ووجّه بكتابه إلى عليّ. قال أبو عمر:‏ وفيه شِعْرٌ تركْتُه، لأني اختصرتُ الخبر فيه. فكتب إليه عليّ: "إنما وليتُك ما وليْتُك‏؛ وأَنتَ أَهلٌ لذلك عندي، ولن تدْرِك ما تريد مما أَنت فيه إلا بالصّبر واليقين، وإنما كانت من أَبي سفيان فَلْتة زمَن عمر لا تستحقُّ بها نسبًا ولا ميراثًا‏، وإِن معاوية يأتي المرْءَ من بين يديه ومن خلفه، فاحذره، ثم احذره،‏ والسَّلام".‏‏ فلما قرأَ زيادٌ الكتابَ قال:‏‏ شهد لي أَبو الحسن وربِّ الكعبة.‏ ‏فذلك الذي جرَّأ زيادًا ومعاوية على ما صنعا، ثم ادَّعاه معاويةُ في سنة أَربع وأربعين، وألحق به زيادًا أَخا على ما كان من أَبي سفيان في ذلك، وزوَّج معاويةُ ابنَته من ابنه محمد بن زياد، وكان أَبو بكرة أَخا زياد لأمَّه سميّة،‏ فلما بلغ أَبا بكرة أَن معاوية استلحقه، وأَنه رضي بذلك آلى يمينًا لا يكلمه أّبدًا، وقال:‏ هذا زَنَّى أمّه، وانتفى من أبيه، لا والله ما عَلِمْتُ سميَّةَ رأَتْ أَبا سفيان قطّ، ويْلَه ما يصنَعُ بأُم حبيبة زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم أَيريدُ أَن يراها، فإن حجبته فضَحَتْهُ، وإن رآها فيالها مصيبة‏!‏ يهتك من رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم حُرْمةً عظيمة، وحجَّ زيادٌ في زمن معاوية ودخل المدينة، فأراد الدّخولَ على أُم حبيبة، ثم ذكر قول أبي بكرة، فانصرف عن ذلك‏. وقيل:‏ إن أم حبيبة زوج النّبي صَلَّى الله عليه وسلم حجَبَتْهُ ولم تأذن له في الدّخول عليها.‏ ‏وقيل:‏ إنه حجّ ولم يَزُرْ من أجل قول أبي بكرة، وقال:‏ جزى الله أبا بكرة خيرًا، فما يدَعُ النّصيحة على حال. ولما ادّعى معاوية زيادًا دخل عليه بنو أُمية، وفيهم عبد الرَّحمن بن الحكم فقال له:‏ يا معاوية، لو لم تجد إلا الزّنج لاستكثرْتَ بهم علينا قلة وذلة، فأقبل معاوية على مَرْوان وقال: أخْرِج عنا هذا الخليع، فقال:‏‏ مروان والله إنه لخليع ما يُطاق‏، فقال معاوية:‏ والله لولا حِلْمي وتجاوُزي لعلمت أنه يُطاق‏، ألم يبلغني شعره في زياد، ثم قال لمروان أسمعنيه، فقال:
أَلَاَََ
أَبْلِِِغْ
مُعَاوَيَةَ بْنَ صَخْرٍ فَقَدْ ضَاقَتْ بِمَا تَأْتِي اليَدَانِ
أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَـفٌّ وَتَرْضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ رَحِمَكَ مِنْ زِيَادٍ كَرَحْمِ الفِيلِِ مِنْ وَلَدِ الأَتَانِ
وَأَشْهَدُ أَنـَّهَا حَمَلَتْ زِيَادًا وَصَخـْرٌ مِنْ سُمَيَّةَ غَيرُ دَان
وهذه الأبيات تُروى ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشّاعر، ومَن رواها له جعل أولها:
أَلَا بَلِّغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ مُغلْغَلةًً مِنَ الرَّجُلِ اليَمَانِي
وذكر الأبيات. وروى عمر بن شَبّة وغيره أن ابن مفرغ لما وصل إلى معاوية، أو إلى ابنه يزيد بعد أن شفعت فيه اليمانية، وغضبت لما صنع به عبّاد وأخوه عُبيد الله، وبعد أن لقي من عباد وأخيه عُبيد الله بن زياد ما لقي مما يطول ذكره، وقد نقله أهلُ الأخبار ورُواة الأشعار، بكى، وقال:‏ يا أميرَ المؤمنين، ركب مني ما لم يركب من مسلم قطّ على غير حدَث في الإسلام، ولا خلع يد من طاعة، فقال له معاوية‏: ألست القائل:
أَلَا أَبْلِغْ
مُعَاوِيَة بْنَ حَرْبٍ مُغَلْغِلةًً مِنَ الرَّجُلِ اليَمَانِي
أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ وَتَرْضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوك زَانِ
وذكر الأبيات، فقال ابن مُفرّغ‏: لا والذي عظّم حقّك، ورفع قدرك يا أمير المؤمنين ما قُلْتُها قط، لقد بلغني أن عبد الرِّحمن بن الحكم قالها ونسبها إليّ‏ّ، ‏قال:‏ أفلست القائل‏:
شَهِدْتُ بِأَنَّ أُمَّكَ لَمْ تُبَاشِرْ أَبَا سُفْيَانَ وَاضِعَة القِنَاعِ
وَلَكِنْ كَانَ
أَمْرًا فِيهِ لَبْـسٌ عَلَى وَجّلٍ شَدِيدٍ وَارْتِيَاعِ
ولست القائل:
إِنَّ
زِيَادًا
وَنَافِعًا
وَأَبَا بَكْرَةَ عِنْدِي مِنْ أَعْجَبِ العَجَبِ
هُمُ
رَجَالًٌ
ثَلَاثَةٌ
خَُلِّقُوا فِي رَحْمِ
أُنْثَى
وَكُلُُُّهُمْ لأَب
ذَا
قُرَشِيُّ كَمَا
يَقُولُ وَذَا مَوْلَى
وَهَـذَا
بِزَعْمِِهِ عَرَبِي
في أشعار قلتها في زياد وبَنِيه هجوتهم أعزُب فلا عفا الله عنك، قد عفوْت عن جرمك، ولو صحِبْت زيادًا لم يكن شيء مما كان، اذهب فاسكن أي أرض أحببت؛ فاختار الموصل. قال أبو عمر:‏ ليزيد بن مفرغ في هجو زياد وبنيه من أجل ما لقي من عباد بن زياد بخراسان أشعارٌ كثيرةٌ، وقصّتُه مع عباد بن زياد وأخيه عبيد الله بن زياد مشهورة، ومن قوله يهجوهم‏:
أَعَبَّادُ مَا لِلُّؤْمِ عَنْكَ مُحَوَّلُ وَلَا لَكَ أُمٌّ فِي قُرَيشَ ولَا أَبُ
وَقُلْ لِعُبَيدِ اللَّهِ مَالَكَ وَالِدٌ بِحَقٍّ وَلَا يَدْرِي امْرؤٌ كُنْتَ تُنْسَبُ
وروى الأصمعيُّ، عن عبد الرّحمن بن أبي الزَّناد قال:‏ قال عبيد الله بن زياد:‏ ما هُجيتُ بشيء أشد علي من قول ابن مفرغ‏:
فَكِّرْ فَفِي ذَاكَ إِنْ فَكَّـرْتَ مُـعْتَبَـرُ هَلْ
نِلْتَ مَكْرُمَةً إِلَّا بِتَأْمِيرِ
عَاشَتْ سُمَيَّةُ مَا عَاشَتْ وَمَا عَلِمَتْ أَنَّ ابْنَهَا مِنْ قُرَيشٍ في الجَمَاهِير
وقال غيره أيضًا:
زِيَادٌ لَسْتُ أَدْرِي مَنْ أَبُوهُ
ولَكِـنَّ الحِمَارَ أَبُو زِيَـادِ
وقال معاوية حين أنشده مروان شعر أخيه عبد الرَّحمن‏: والله لا أرضى عنه حتى يأتي زيادًا فيترضَّاه ويعتذر إليه،‏ وأَتاه عبد الرَّحمن يستأذن عليه معتذرًا فلم يأذَنْ له، فأقبلت قريش على عبد الرّحمن بن الحكم فلم يدعوه حتى أتى زيادًا، فلما دخل عليه وسلّم، فتشاوس له زيادٌ بعينه وكان يكسر عينه، فقال له زياد:‏ أنت القائل ما قلت؟ فقال عبد الرّحمن:‏ وما الذي قلت؟ قال:‏ قلت ما لا يُقال‏‏، فقال عبد الرّحمن:‏‏ أصلح الله الأمير؛ إنه لا ذنب لمن أعتب، وإنما الصّفح عمن أَذنب؛ فاسمع منّي ما أَقول،‏ قال:‏ هات‏، فأنشأ يقول:
إِلَيكَ أَبَا
المُغِيرَةِ
تُبْتُ
ِممَّا جَرَى بِالشَّامِ مِنْ جَوْرِ اللِّسَانِ
وَأَغْضَبْتُ الخَلِيفَةَ فِيكَ حَتَّى دَعَاهُ فَرْطُ غَيْظٍ أَنْ لَحَانِي
وَقُلْتُ لِمَنْ يَلُمْنِي فِي اعْتِذَارِي إِلَيكَ الحَقُّ شِأْنُكَ غَيْرُ شَانِي
عَرَفْتُ الحَقَّ بَعْدَ خَطَاءِ رَأْيِي وَمَا
أَلْبَسْتُهُ
غَيْرَ
البَيَانِ
زِيَادٌ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ
غُصْنٌ تَهَادَى نَاضِرًا
بَيْنَ الجِنَانِ
أَرَاكَ
أَخًا
وَعَمَّا وَابْنَ عَمِّ فَمَا أَدْرِي بِعَينٍ مَـنْ تَرَانيِ
وَأَنْتَ زِيَادَةٌ فِي
آلِ
حَرْبٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وُسْطَى بَنَانِي
أَلَا
بَلِّغْ
مُعَاوِيَةَ
بْنَ حَرْبٍ فَقَدْ ظَفِرَتْ بِمَا يَأْتِي اليَدَانِ
فقال له زياد:‏ أراك أحمق مترفًا شاعرًا صنع اللّسان يسوغُ لك ريقك ساخطًا ومسخوطًا عليك، ولكنا قد سمعنا شعرك، وقبلنا عذرك، فهات حاجتك‏، قال:‏ كتاب إلى أمير المؤمنين بالرّضا عنّي‏،‏ قال: نعم، ثم دعا كاتبه فقال:‏ اكتب:‏‏ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين، من زياد بن أبي سفيان، سلامٌ عليك فإِني أحمد إليك الله الّذي لا إله إلا هو، أما بعد‏:‏ فإنّه وذكر الخبر وفيه‏: فأخذ الكتاب ومضى حتى دخل على معاوية فقرأ الكَتاب ورضي عنه وردّهُ إلى حاله، وقال‏: قبّح الله زياد!‏ ألم يتنبه له إذ قال:‏ ‏وأنت زيادة في آل حرب. وكان زياد طويلًا جميلًا يكْسِرُ إحدى عينيه، وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج:
وَقَبْلََكَ مَا أَعْيَيتُ كَاسِرَ عَيْنِِهِ زِيَادًا فَلَمْ تَعْلَقْ عَلَىَّ حبَائِلُهْ
وقال أيـّوب، عن محمّد قال: كان نقش خاتم زياد طاوسًا، وذكره أَبُو عُمَرَ في الصّحابة، ولم يذكر ما يدل على صحبته. وفي ترجمته أنه وفد على عُمر مِنْ عند أبي موسى، وكان كاتبَه، ومقتضى ذلك أن يكون له إدراك. وجزم ابْنُ عَسَاكِرَ بأنه أدركَ النبيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره، وقيل: ليست له صُحْبَةٌ ولا رواية،‏ وأنه أسلم في عهد أبي بكر، وسمع من عمر، وقال العِجْلِيُّ: تابعي، ولم يكن يُتهمَ بالكذب. وهو الذي احتفر نهر الأُبُلَّة حتى بلغ موضع الجَبل وكان يُقال زياد يُعَدُّ لصغار الأمور وكبارها.
وروى محمّد بن الحارث أنّ مُرّة صاحب نهرِ مُرّة أتى عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّديق وكان مولاهم، فسأله أن يكتب له إلى زياد في حاجة له، فكتب: من عبد الرّحمن إلى زياد، ونسبه إلى غير أبي سفيان فقال: لا أذهب بكتابك هذا فيضرّني، قال: فأتى عائشة فكتبتْ له: من عائشة أمّ المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان، قال: فلمّا جاءه بالكتاب قال له: إذا كان غدًا فجئني بكتابك، قال: وجمع النّاس فقال: يا غلام اقرأه، قال: فقرأه: من عائشة أمّ المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان، قال: فقضى له حاجته. وقال عامر: أُتي زياد في رجل ترك عمّة وخالةً فقال: أتدرون كيف قضى فيها عمر بن الخطّاب؟ والله إني لأعْلَمُ النـّاس بقضاء عمر فيها، جعل الخالة بمنزلة الأخت والعمّة بمنزلة الأخ، فأعطى العمّة الثّلْثَين والخالة الثّلْث.
وولي زياد البصرة لمعاوية حين ادّعاه وضمّ إليه الكوفة، فكان يشتو بالبصرة، ويصيف بالكوفة، ويولّي على الكوفة إذا خرج منها عمرو بن حُريث ويولّي على البصرة إذا خرج منها سَمُرَة بن جُنْدَب، ولم يكن زياد من القراء، ولا الفقهاء، ولكنّه كان معروفًا، وكان رجلًا عاقلًا في دنياه، داهيةً خطيبًا، له قدرٌ وجلالة عند أهل الدَّنيا، وقال أبو عثمان النَّهديّ:‏ اشترى زيادٌ أباه عبيدًا بألف درهم فأعتقه فكُنّا نغبطه بذلك. وكان عظيم السياسة ضابطًا لما يتولاه، سئل بعضهم عنه وعن الحَجَاج: أيُّهما كان أقوم لما يتولاه؟ فقال: إن زيادًا ولي العراق عقب فتنة واختلاف أهواء، فضبط العراق برجال العراق، وجبى مال العراق إلى الشام، وساس الناس فلم يختلف عليه رجلان، وإن الحجَّاج ولي العراق، فعجز عن حفظه إلا برجال الشام وأمواله، وكثرت الخوارج عليه والمخالفون له، فحكم لزياد.
وكان عمرُ بن الخطّاب قد استعمله على بعض صدقاتِ البَصَرَة، أو بعض أعمالِ البصرة‏. وقيل:‏ بل كان كاتبًا لأبي موسى، فلما شهد على المغيرة مع أخيه أبي بكرة، وأخيه نافع، وشبل بن معبد، وجلد ثالثهم عمر دونه، إذْ لم يقطع الشَّهادة زيادٌ، وقطعوها، وعزَله؛ فقال له زياد:‏ يا أمير المؤمنين، أخبِر النَّاسَ أنك لم تعزلني لخزْيَة‏. وقال بعض أهل الأخبار: إنه قال له:‏ ما عزلتُك لخزية، ولكني كرِهْتُ أن أحملَ على النّاس فَضْلَ عقلك، فالله أعلم إن كان ذلك كذلك. ثم صار زياد مع علي، فاستعمله على بعض أعماله، فلم يزلْ معه إلى أن قُتِلَ عليّ وانخلع الحَسَنُ لمعاوية، فاستلحقه معاوية وولّاه العراقَيْنِ جَمَعهما له،‏ ولم يزل كذلك إلى أن تُوفِّي بالكوفة. وقال أبو عمر:‏ روينا أَن زيادًا كتب إلى معاوية أَني قد أَخذت العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة ــ يعرض له بالحجاز، فبلغ ذلك عبد الله بن عُمَر فقال:‏ اللّهم اكفنا شمال زياد، فعرضَت له قرحة في شماله فقتلته، ولما بلغ ابن عُمر نعي زياد قال‏: اذهب إليك ابن سميّة فقد أَراح الله منك‏.‏ وقال قتادة:‏ قال زياد لبنيه لما احتُضر:‏ ليتَ أَباكم كان راعيًا في أَدناها وأَقصاها ولم يقع بالذي وقع به،‏ ومات بالكوفة يوم الثّلاثاء لأربع خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة‏. وتُوفِّي بالكوفة، وهو أميرُ المصرين في شهر رمضان لاثنتي عشرة ليلة بقيَتْ منه سنة ثلاث وخمسين، وصلّى عليه عبدُ الله بن خالد بن أسيد، كان قد أوصى إليه بذلك‏. وقال الحسَنُ بن عثمان:‏ تُوفي زياد بن أبي سفيان، سنة ثلاثٍ وخمسين، وهو ابنُ ثلاث وخمسين، فهذا يدلُّ على أنه وُلد عام الهجرة وكانت ولايته خمس سنين، ولي المصرين:‏ البصرة والكوفة سنة ثمانٍ وأَربعين، وتُوفِّي سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقيل ابن ستٍّ وخمسين‏.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال