تسجيل الدخول


حذيفة بن اليمان العبسي

صاحب سرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويقال لحذيفة: نَوْمَان خاطبه به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، في قصّة الأحزاب؛ قال حذيفة: فلما رجعت نِمْتُ حتى أصبحت، فقال لي: "قُمْ يَا نَوْمَانُ"، أسلم حذيفة وأبوه، وهاجر حذيفة إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فخيره بين الهجرة والنصرة، فاختار النصرة. وأراد حذيفة وأبوه شهود بَدْرٍ فصدّهما المشركون. حيث لقيهم أبو جهل والمشركون، فقالوا لهما: أين تريدان؟ فقالا: نريد حاجة لنا، قالوا لهما: ما جئتما إلا لتَمّدا محمدًا وأصحابَه، فأخذوا عليهما موثقًا ألا يُكَثِّرا عليهم، ثم أرسلوهما فأتيا النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبراه الخبر، وقالا: إن أمرتنا أن نقاتل قاتلنا، قال: "لا، بل نستعين الله عليهم بأن نَفِي لهم ونستنصِر الله عليهم". لم يشهد حذيفة بدرًا، وشهد أحدًا، والخندقَ، وما بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وروى حُذَيفةَ أن الناس تفرّقوا عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب فلم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلًا، قال: فأتاني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "يا ابنَ اليَمان"، فقمتُ إليه، فقال: "يا ابنَ اليمان، انطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر ما حالهم"، قال: قلت: يا رسول الله، برد الحرّة، قال: "يا ابن اليَمان، إنه لا بأس من حَرّ ولا برد حتى ترجعَ إليّ"، قال: فانطلقتُ حتى أتيتُ عسكرَ القومِ فأجدُ الخبيثَ أبا سفيان يُوقدُ النارَ، وعصابة حوله قد تفرّق الناس عنه وذهبوا إلا هذه العصابة حتى جلستُ فيهم، قال: فحسّ الخبيث أنه قد أتاه عينٌ، فقال: لتلك العصابة: ليأخذ كل رجل بيد جليسه، قال: فضربتُ بيميني وشِمالي على هذا وعلى هذا، فقلتُ: من أنتما؟ قال: فَرقَدوا وسُبِتوا، قال: فأقومُ عندَ ذلك فآتِي رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأجده قائمًا يصلي، فأومأ إليّ بيده فدنوتُ، ثم أومأ إليّ أن اضطجع فاضطجعتُ إلى جنبه وهو قائم يصلي، فأرسلَ عَلَيّ طَرَفَ الثوب الذي كان عليه ليدفئني به فلما فرغ من صلاته قال: "يا ابن اليمان، اجلس، ما الخبر؟" قال: قلتُ: يا رسولَ الله تفرق عسكر الأحزابِ فلم يبقَ مع الخبيث إلا عصابة حوله قد صَبّ الله عليهم من البرد مثل الذي صَبّ علينا، إلا أنا نرجوا من الله ما لا يَرجون. وشهد حذيفةُ نهاونِد، فلما قُتِل النّعمان بن مقرّن أخذ الرّايةَ، وكان فتح هَمذان، والرَّيّ، والدينَور على يد حذيفة، وكانت فتوحُه كلّها سنة اثنتين وعشرين‏، وشهد حُذيفة فتوحَ العراق، وله بها آثار كثيرة، وشهد فتح الجزيرة. وروي عن حُذَيفة قال: قمتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليلة في شهر رمضان، فقام يغتسل وسَتَرتُه، فَفَضَلَتْ منه فَضْلَةٌ في الإناءِ قال: "إن شئتَ فأرِقه وإن شِئتَ فَصُبَّ عليه"، قلتُ: يا رسول الله، هذه الفَضْلَةُ أحبُّ إلي مما أصُبّ عليه، فاغتسلتُ به وسَتَرني، فقلتُ: لا تستُرني، قال: "بَلَى، لأستُرنّكَ كما سَترتني". وروي عن حُذَيْفةَ، قال: إنّ أصحابي تعلّموا الخيرَ، وإِني تَعلمتُ الشرَّ، قالوا: وما حملك على ذلك؟ قال: إنه مَن يعلم مكان الشر يَتَّقِه. ويقول رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن الخَيْر، وكنت أسأله عن الشر فقلت له: يا رسول الله، إنّا كنا في شرّ فجاءنا الله بالخير، فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: "نعم"، قلت: هل وراء الشر من خير؟ قلت: هل وراء ذلك الخير من شر؟ قال:"نعم"، قلت: كيف يكون؟ قال: "سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنّون بسنتي، وسيقوم رجال قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنسان"، فقلت: كيف أصنع إن أدركني ذلك؟ قال: "اسمعْ للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك". وسُئِلَ عَليٌّ عن حُذَيفةَ، فقال: أعلَمُ أصحابِ محمد بمنافِقِيهم، وأخبَرَهُ بهم، وسَأَلَ عن المُعضِلاَتِ فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالما. فلم يُخْبِرْ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم بأسماء المنافقِين الذين نَخَسُوا به ليلة العقبة بتبوك غير حُذيفةَ، وهم اثنا عشر رجلًا، ليس فيهم قُرشيّ وكلهم من الأنصار أَوْ مِنْ حُلَفَائهم. وسَأَلَ رجلٌ حُذَيْفَةَ فقال: ما النِّفَاقُ؟ قال: أن تتكلّم بالإسلامِ ولا تعمل به. وسُئل حذيفة أي الفتن أشدّ؟ قال: إن يُعْرض عليك الخير والشّر فلا تدري أيهما تركب، روى عنه ابنه أبو عبيدة، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم. وروي أن حُذَيْفَةَ بنَ اليَمان توجّه إلى المدائن فمرّ بدِهقان فأضافَهُ فَقَرّب إليه طعامًا، فطَعمَ، ثم جاء بماء في إناء من فِضّة، فلما أَخَذَ حُذَيْفَةُ الإناءَ ضَرَبَ به وَجْهَ الدِّهقان، وكانت فيه حِدَّةٌ، وكنا إذا سألناه سكتَ فَلَمْ يُحَدِّثنا، وإذا لم نسأله حَدّثنا، فقال: أتدرُون ما حَمَلَني على ما صنعتُ بهذا؟ قلنا: لا، يا صَاحِبَ رسولِ الله، قال: إني مَرَرْتُ به قَبلَ مَرّتي هذه، فسقاني في هذا الإناء فَنَهيتُه أن يَسقِيَني فيه، ثم جاءني به الآن، وإنما حملني على ذلك أني سَمِعْتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:"لاَ تَشْرَبُوا في آنيةِ الذّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تأكلوا فيها، ولا تَلْبَسُوا الحريرَ والديباجَ؛ فإنه للمشركين في الدنيا، وهو لكم في الآخرة". وروي عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر؛ حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوَكْت، ثم ينام نومة فتقبض الأمانة فيظل أثرها مثل أثر المجْل، كجمر دحرجته على رجلك فَنَفِطتْ، فتراه مُنْتَبرًا، وليس فيه شيء"، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، قال: "فيصبح الناس فيتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده! وأظرفه! وأعقله!، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان"، والجَذر: الأصل، وجَذْر كل شيء: أصله، والمجل: يقال: مَجلت يده تمجَل مجلًا، ومجِلت تَمْجَل مجلا، إذا ثخن جلدها، وتَعَجَّر حتى يظل أثرها مثل أثر المجل، والمنتبر: المنتفط المرتفع، وكل شيء رفع شيئًا فقد نبره، والوكتة: الأثر اليسير، وجمعه وَكْت، وقيل للبسر إذا وقعت فيه نكتة من الأرطاب: قد وَكَّت. وفاته: ومات حذيفة سنة ستّ وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة علي، فلما نزل بحذيفة الموت جزع جزعًا شديدًا، وبكى بكاء كثيرًا، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي أسفًا على الدنيا، بل الموت أحب إليَّ، ولكني لا أدري علام أقدم، على رضا أم على سخط؟، وقيل: لما حضره الموت قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللهم إنك تعلم أني أحبك، فبارك لي في لقائك، ثم مات رضي الله عنه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال