1 من 2
لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن صعصعة الكلابي الجعفري، أبو عقيل الشاعر المشهور.
قال المَرْزَبَانِيُّ في "معجمه": كان فارسًا شجاعًا شاعرًا سخيًا، قال الشعر في الجاهلية دهرًا، ثم أسلم، ولما كتب عمر إلى عامله بالكوفة: سَلْ لبيدًا والأغلب العجلي ما أحْدَثا من الشعر في الإسلام، فقال لبيد: أبدلني اللهُ بالشعر سورة البقرة وآل عمران، فزاد عمر في عطائه؛ قال: ويقال: إنه ما قال في الإسلام إلا بيتًا واحدًا:
مَا عَاتَبَ المَرْءُ اللَّبِيبُ كَنَفْسِهِ وَالمَرْءُ يُصْلِحِهُ الجَلَيسُ الصالِحُ
[الكامل]
ويقال: بل قوله:
الحَمْدُ للهِ إِذْ لَمْ يَأْتَنِي أَجَلِي حَتَّى لَبِسْتُ مِنَ الإِسْلامِ سِرْبَالَا
[البسيط]
ولما أسلم رجع إلى بلاد قومه، ثم نزل الكوفة حتى مات في سنة إحدى وأربعين لما دخل معاويةُ الكوفة؛ إذ صالح الحسن بن علي.
ونحوه قال الْعَسْكَرِيُّ. ودخل بنوه الباديةَ؛ قال: وكان عمره مائة وخمسًا وأربعين سنة منها خمس وخمسون في الإسلام وتسعون في الجاهلية.
قلت: المدةُ التي ذكرها في الإسلام وَهْمٌ، والصواب ثلاثون وزيادة سنة أو سنتين إلا أن يكون ذلك مبنيًّا على أن سنةَ وفاته كانت سنةَ نَيف وستين، وهو أحَدُ الأقوال. وقال أبو عمر: البيت الذي أوله:
الحَمْدُ للهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي
[البسيط]
ليس للبيد؛ بل هو لقردة بن نُفاَثة، وهو القائل القصيدة المشهورة التي أولها:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ
[الطويل]
وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةَ لَبِيدَ"، فذكر هذا الشطر(*) قال أَبُو عُمَرَ: في هذه القصيدة ما يدل على أنه قاله في الإسلام؛ وذلك قوله:
وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ إِذَا كُشِّفَتْ عِنْدَ الإِلَهِ المَحاَصِلُ
[الطويل]
قلت: ولم يتعين ما قال؛ بل فيه دلالةٌ على أنه كان يؤمن بالبعث مثل غيره مِنْ عقلاء الجاهلية كقُسّ بن ساعدة، وزَيد بن عمرو؛ وكيف يخفى على أبي عمر أنه قالها قبل أنْ يسلم مع القصة المشهورة في السير لعثمان بن مظعون مع لبيد لما أنشد قُريشًا هذه القصيدة بعَيْنها؛ فلما قال: أَلَا كلّ شيء... قال له عثمان: صدقتَ، فلما قال: وكلُّ نعيم لا محالة زائل ـــ قال له عثمان: كذبت، نَعِيمُ الجنة لا يزول، فغضب لبيد، وكادت قريش تضرب سيفهم على وَجهه، إنما كان هذا قبل أن يسلم لبيد.
نعم، ويحتمل أن يكون زَاد هذا البيت بخصوصه بعد أَنْ أسلم، ويكون مُرَاد من قال: إنه لم ينظم شعرًا منذ أسلم، يريد شعرًا كاملًا لا تكميلًا لقصيدةٍ سبق نَظْمُه لها. وبالله التوفيق.
وقال أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِي في المعمرين: عن أشياخه، قالوا: عاش لبيد مائة وعشرين سنة، وأدرك الإسلام فأسلم؛ قال: وسمعت الأصمعي يقول: كتب معاوية إلى زياد أن اجعل أعطيات الناس في ألفين، وكان عطاء لبيد ألفين، وخمسمائة، فقال له زياد: أبا عقيل، هذان الخراجان، فما بال هذه العلَاوَة؟ قال: الحق الخراجين بالعِلَاوة، فإنك لا تلبث إلا قليلًا حتى يصير لك الخراجان والعِلَاوة؛ قال: فأكملها له زياد ولم يكملها لغيره، فما أخذ لبيد عطاءً آخر حتى مات.
وحكى الرّياشِيّ، وهو في ديوان شعره، من غير رواية أبي سعيد السكري؛ قال: لما اشتد الجَدْب على مُضَر بدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفد عليه وَفْد قيس، وفيهم لبيد فأنشده:
أَتَيْنَاكَ
يَا خَيْرَ
البَرِيَّةِ
كُلِّهَا لِتَرْحَمَنا
مِمَّا لَقِينا مِنَ الأَزْلِ
أَتَيْنَاكَ
وَالعَذْرَاءُ تَدْمَى
لِبَانُهَا وَقَدْ ذَهِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ
فَإِنْ تَدْعُ بِالسُّقْيَا وَبِالعَفْو تُرْسِلِ الــ ـسَّمَاءُ وَالأَمْرُ يَبْقَى عَلَى الأَصْلِ
وَأَلْقَى تَكنِّيهِ الشُّجَاعُ اسْتِكـَانةً مِنَ الجُوعِ صُمْتًا لَا يُمِرُّ ولا يُحْلِي
[الطويل]
وفي الصحيحين، عن أبي هريرة ـــ مرفوعًا: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
[الطويل]
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ
ووقع في "معجم الشعراء" للمرزباني أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها على المنبر.
وقال المدائني، عن أبي معشر، عن يزيد بن رُومان، وغيره؛ قالوا: وفد من بني كلاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة عشر رجلًا منهم لَبيد بن ربيعة.
وقال ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: أسلم لبيد وحَسُنَ إسلامه. وقال هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، وغيره: عاش مائة وثلاثين سنة. وفي حكاية الشعبي مع عبد الملك بن مَرْوان أنه عاش مائة وأربعين. وقال البُخَارِيُّ: قال الأويسي، عن مالك: عاش لبيد مائة وستين سنة. وأخرج ابْنُ مَنْدَه وسعدان بن نصر في الثاني مِن فوائده، من طريق هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة ـــ أنها قالت: رحم الله لبيدًا حيث يقول:
[الكامل]:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
قالت عَائِشَةُ: فكيف لو أدرك زماننا هذا.
قال عُرْوَةُ: رحم الله عائشة كيف لو أدركت زمانَنا هذا. قال هشام: رحم الله عُروة، كيف لو أدرك زماننا. واتصلت السلسلة هكذا إلى سَعْدان وإلى ابن منده.
وقال الْمُبَرِّدُ: لما أسلم لبيد نذر ألّا تَهبَّ الصبا إلا أطعم، وكان امتنع من قول الشعر، فهبَّت الصبا وهو مُمْلِق، فقال لابنته: قولي شعرًا، وذلك في إمْرَةِ الوليد بن عقبة على الكوفة فقالت:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ
أَبِي عَقِيلٍ دَعَوْنَا
عِنْدَ هَبَّتِهَا
الوَليدَا
[الوافر]
... الأبيات والقصة.
ومما يستجاد من شعره قوله:
وَاكْذِبِ
النَّفْسَ
إِذَا
حَدَّثْتَهَا إِنَّ صِدْقَ النَّفْسِ يُزْرِي بِالأَمَلْ
[الرمل]
قال الْمَرْزَبَانِيَّ: سمع الفرزدق رجلًا ينشد قول لبيد:
وَجَلَا السُّيولُ عَنِ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا زُبُرٌ
تَجِدُّ
مُتُونَهَا
أَقْلَامُها
[الكامل]
فنزل عن بغلته وسجد، فقيل له: ما هذا؛ فقال: أنا أعرف سجدةَ الشعر كما يعرفون سجدةَ القرآن.
قلت: وعامر بن مالك جدّه إن كان هو أبو بَراء ملاعب الأسنة فليذكر لبيد فيمن صحب هو وأبوه وجدّه، فتقدم في حرف العين عامر بن مالك، وما قيل فيه، وتقدم في حرف الراء ربيعة بن عامر وما قيل فيه، إلا أنني لم أرَ مَنْ صرح بصحبة ربيعة، لكنه أدرك العَصْرَ النبوي وراسله حسان بن ثابت فالله أعلم.
قال الْبُخَارِيُّ: قال الأويسي: حدثنا مالك، قال: عاش لبيد بن ربيعة مائة وستين سنة.
(< جـ5/ص 500>)
2 من 2
أبو عَقِيل: لبيد بن ربيعة العامري الشاعر المشهور. تقدم، وفيه قول بنته تخاطب الوليد ابن عقبة:
إذَا هَبَّتْ رِيَاحُ أبِي عَقِيلٍ دَعَوْنَا
عِنْدَ
هَبَّتهِا الوَلِيدَا
[الوافر]
(< جـ7/ص 234>)