تسجيل الدخول


أبي بن كعب الأنصاري

وله كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأبُو الطُّفَيْلِ؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل، وكان لأبَيّ بن كعب من الولد الطّفيل ومحمّد؛ وأمّهما أمّ الطفيل بنت الطفيل بن عمرو بن المنذر، من دَوس. وكان أُبيّ رجلًا دَحْداحًا ليس بالقصير ولا بالطويل، أبيض الرأس واللحية لا يُغيّر شَيْبَه، قال أبو نَضْرَة: قال رجل منّا يقال له جابر أو جُوَيبر: طلبتُ حاجةً إلى عمر في خلافته، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب فقال: إنّ الدّنيا فيها بلاغُنا وزادُنا إلى الآخرة وفيها أعمالُنا التي نُجازى بها في الآخرة، قلُت: مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيّد المسلمين أبَيّ بن كعب، وكان رَبْعة. شهد أُبيّ بن كعب العقبَة الثانية مع السبعين من الأنصار، وبايع النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيها، ثم شهد بَدْرًا، وأُحُدًا، والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أُبيّ بن كعب، وطلحة بن عبيد الله. وكان أُبيّ يكتب في الجاهليّة قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأمر الله تبارك وتعالى رسولَه أن يَقْرأ على أُبيّ القرآن، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أقْرَأ أُمّتي أُبيّ".، وكان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأُبي، وزيد، وأبو موسى، وكان رضي الله عنه الكاتبَ لعهوده صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا عهد، وصُلْحه إذا صالح جمع عثمان اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار، فيهم أُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت في جمع القرآن‏، وكان أُبَيّ بن كعب يختم القرآن في ثماني ليالٍ. وقال مسروق: سألتُ أُبَيّ بن كعب عن مسألة فقال: يا ابن أخي أكان هذا؟ قلت: لا، قال: فَأَجِمَّنا حتى يكون فإذا كان اجتهدنا لك رأيَنا، وقال جُنْدب بن عبد الله البَجَلي: أتيت المدينة ابتغاء العلم فدخلت مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإذا الناس فيه حَلَق يتحدّثون، فجعلت أمضي الحَلَقَ حتى أتيتُ حَلْقة فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر، قال فسمعته يقول: هلك أصحاب العُقْدة وربّ الكعبة ولا آسي عليهم، أحْسَبُه قال مرارًا، قال فجلست إليه فتحدّث بما قُضي له، ثمّ قام قال فسألتُ عنه بعدما قام، قلت: مَن هذا؟ قالوا: هذا سيّد المسلمين أُبَيّ بن كعب، قال فتبعته حتى أتَى منزله فإذا هو رثّ المَنزل رَثّ الهيئةِ، فإذا رجل زاهد منقطع يُشبه أمرُه بعضه بعضًا، فسلّمتُ عليه فردّ عليّ السلام ثمّ سألني: ممّن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكْثرُ شَيْءٍ سؤالًا، قال لما قال ذلك غضبتُ، قال: فجثوتُ على ركبتي ورفعتُ يديّ ــ هكذا وصف ــ حِيالَ وجهه فاستقبلتُ القبلة، قال قلت: اللّهمّ نشكوهم إليك إنّا نُنْفِق نفقاتنا ونُنصب أبداننا ونُرحل مطايانا ابتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهّموا لنا وقالوا لنا، قال فبكَى أُبَيّ وجعل يترضّاني، ويقول: ويْحك لم أذهب هناك، لم أذهب هناك، قال ثمّ قال: اللهمّ إني أُعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلّمنّ بما سمعتُ من رسول الله لا أخاف فيه لَوْمَة لائم، قال لما قال ذلك انصرفتُ عنه وجعلتُ أنتظر الجمعة، فلمّا كان يوم الخميس خرجتُ لبعض حاجتي فإذا السّكك غاصّة من الناس لا أجد سكّة إلاّ يلقاني فيها الناس، قال قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: إنّا نحسبك غريبًا، قال قلت: أجَلْ، قالوا: مات سيّد المسلمين أُبَيّ بن كعب، قال جُنْدب: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدّثته حديث أُبَيّ قال: والهفاه! لو بقي حتى تُبلغنا مقالَتَه، وقال أبيّ بن كعب: قال لي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم‏:‏ ‏"‏يا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ؟" فقلت‏:‏} اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{،‏ قال: فضرب صَدْري وقال‏:‏ ‏"‏لَيُهْنّئَكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ"‏‏. وقال أنس: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم، لأُبَيّ بن كعب: "أُمِرتُ أن أعْرض عليك القرآن"، وقال بعضهم سورةَ كذا وكذا، قال: قلتَ وقد ذُكِرْتُ هناك، وقال بعضهم: سمّاني الله لك؟ فقال: "نعم!" فَذَرَفَتْ عيناه! وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، وقال أنس: وأُنْبِئتُ أنّه قرأ عليه: }لَمْ يَكُن{، وفي رواية أخرى عن السائب بن يزيد قال: لمّا أنزل الله على رسوله: }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {[سورة العلق: 1] جاء النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى أُبَيّ بن كعب، فقال: "إنّ جبريل أمرني أن آتيك حتّى تأخذها وتَستَظْهرها!". وأبي بن كعب سيّد القراء، وروى أبو قِلَابة عن أنس ــ ومنهم مَنْ يرويه مُرْسلًا، وهو الأكثر ــ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال‏:‏ ‏"أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتي أَبُو بَكْرٍ، وَأَقْوَاهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَمَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْراءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أبي ذَرّ، وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ‏"‏‏ . ورَوى عنه من الصحابة: عُمر، وكان يسأله عن النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات، وأبو أيوب، وعبادة بن الصامت، وسَهْل بن سعد، وأبو موسى، وابن عباس، وعبد الله بن خباب، وابنه الطفيل بن أبي، وأبو هريرة، وأنَس، وسليمان بن صُرَد، وغيرهم، وروى الطفيل، عن أبيه ــ يعني ــ أبي بن كعب قال: سمع النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقرأ: }وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى {قال: "شَهَادَةُ، أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللَّه". وفاته: مات رضي الله عنه قبل قَتْل عثمان بجمعة، وقيل: مات سنة ثنتين وعشرين في خلافة عمر، وثبت عن أبي سعيد الخُدْرِي أنَّ رجلًا من المسلمين قال: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تُصيبنا مالنا فيها؟ قال: "كَفَّاراتٌ" ، فقال أُبي بن كعب: يا رسول الله وإن قلَّت؟ قال: "وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا"، فدعا أبيّ ألّا يفارقه الوعك حتى يموت، وألّا يشغله عن حجّ ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة مكتوبة في جماعة، قال: فما مسّ إنسانٌ جسدَه إلا وجد حرَّه حتى مات.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال