تسجيل الدخول


أبي بن كعب الأنصاري

أُبيّ بن كعْب بن قيس، من بني معاوية النجاري الخزرجي الأنصاريّ:
وبنو معاوية بن عمرو يُعْرَفون ببني جَدِيلة، وهى أُمُّهُمْ، يُنْسَبون إليها ــ وهي جَدِيلة بنت مالك بن زيد الله الخزرجي، وهي أم معاوية بن عمرو، وأبوهم معاوية بن عمرو ــ وأمُّه ــ أي أم أُبي ــ هي صهيلة بنت الأسود بن حرام من بني النّجّار، تجتمع هي وأبوه في عمرو بن مالك بن النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري زوج أم سليم، وزعم ابنُ سيرين أنَّ النّجّار إنما سُمّي النّجّار لأنه اختتن بقدوم، وقال غيره: بل ضَرَب وَجْهَ رجلٍ بقدوم فنجرَه، فقيل له النّجّار.
وله كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأبُو الطُّفَيْلِ؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل، وكان لأبَيّ بن كعب من الولد الطّفيل ومحمّد؛ وأمّهما أمّ الطفيل بنت الطفيل بن عمرو بن المنذر، من دَوس، وأمّ عمرو بنت أُبَيّ، وقال ابن سعد: لا نَدْرِي من أمّها.
قال عيسى بن طلحة: كان أُبيّ رجلًا دَحْداحًا ليس بالقصير ولا بالطويل، وقال سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه: كان أُبَيّ بن كعب أبيض الرأس واللحية لا يُغيّر شَيْبَه، قال أبو نَضْرَة: قال رجل منّا يقال له جابر أو جُوَيبر: طلبتُ حاجةً إلى عمر في خلافته، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب فقال: إنّ الدّنيا فيها بلاغُنا وزادُنا إلى الآخرة وفيها أعمالُنا التي نُجازى بها في الآخرة، قلُت: مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيّد المسلمين أبَيّ بن كعب، وكان رَبْعة.
شهد أُبيّ بن كعب العقبَة الثانية مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعًا، وبايع النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيها، ثم شهد بَدْرًا، وأُحُدًا، والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وكان أُبيّ يكتب في الجاهليّة قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأمر الله تبارك وتعالى رسولَه أن يَقْرأ على أُبيّ القرآن، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أقْرَأ أُمّتي أُبيّ"(*).
وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أُبيّ بن كعب، وطلحة بن عبيد الله، ويرى محمّد بن إسحاق: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، آخى بين أُبيّ بن كعب، وسعيد بن زيد بن عمرو، وقال محمّد بن سيرين: جمع عثمان اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار، فيهم أُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت في جمع القرآن‏، وروى عِمران بن عبد الله: أن أبَيّ بن كعب قال لعمر بن الخطّاب ــ رضي الله عنه ــ ما لك لا تستعملني؟ قال: أكره أن يَدْنَسَ دينك.
وروى أبو المهلّب، عن أُبَيّ بن كعب أنّه كان يختم القرآن في ثماني ليالٍ وكان تميم الداري يختمه في سبع، قال زِرّ بن حُبيش: كانت في أُبَيّ بن كعب شَراسة فقلت له: أبا المنذر، ألِنْ لي من جانبك فإني إنّما أتمتّع منك، وقال مسروق: سألتُ أُبَيّ بن كعب عن مسألة فقال: يا ابن أخي أكان هذا؟ قلت: لا، قال: فَأَجِمَّنا حتى يكون فإذا كان اجتهدنا لك رأيَنا، وقال جُنْدب بن عبد الله البَجَلي: أتيت المدينة ابتغاء العلم فدخلت مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإذا الناس فيه حَلَق يتحدّثون، فجعلت أمضي الحَلَقَ حتى أتيتُ حَلْقة فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر، قال فسمعته يقول: هلك أصحاب العُقْدة وربّ الكعبة ولا آسي عليهم، أحْسَبُه قال مرارًا، قال فجلست إليه فتحدّث بما قُضي له، ثمّ قام قال فسألتُ عنه بعدما قام، قلت: مَن هذا؟ قالوا: هذا سيّد المسلمين أُبَيّ بن كعب، قال فتبعته حتى أتَى منزله فإذا هو رثّ المَنزل رَثّ الهيئةِ، فإذا رجل زاهد منقطع يُشبه أمرُه بعضه بعضًا، فسلّمتُ عليه فردّ عليّ السلام ثمّ سألني: ممّن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكْثرُ شَيْءٍ سؤالًا، قال لما قال ذلك غضبتُ، قال: فجثوتُ على ركبتي ورفعتُ يديّ ــ هكذا وصف ــ حِيالَ وجهه فاستقبلتُ القبلة، قال قلت: اللّهمّ نشكوهم إليك إنّا نُنْفِق نفقاتنا ونُنصب أبداننا ونُرحل مطايانا ابتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهّموا لنا وقالوا لنا، قال فبكَى أُبَيّ وجعل يترضّاني، ويقول: ويْحك لم أذهب هناك، لم أذهب هناك، قال ثمّ قال: اللهمّ إني أُعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلّمنّ بما سمعتُ من رسول الله لا أخاف فيه لَوْمَة لائم، قال لما قال ذلك انصرفتُ عنه وجعلتُ أنتظر الجمعة، فلمّا كان يوم الخميس خرجتُ لبعض حاجتي فإذا السّكك غاصّة من الناس لا أجد سكّة إلاّ يلقاني فيها الناس، قال قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: إنّا نحسبك غريبًا، قال قلت: أجَلْ، قالوا: مات سيّد المسلمين أُبَيّ بن كعب، قال جُنْدب: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدّثته حديث أُبَيّ قال: والهفاه! لو بقي حتى تُبلغنا مقالَتَه، ويروي قريبًا من هذا عُتيّ بن ضمرة وفيها أن أبي بن كعب قال: واللهِ لئن عشتُ إلى هذه الجمعة لأقولنّ فيها قولًا لا أُبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني، وفيها أن عتي بن ضمرة قال: والله مارأيت كاليوم في السّتر أشدّ ممّا سَتَرَ هذا الرجل، وفي رواية أخرى أنه كان يوم ريحٍ وغُبْرَة، وقال مسروق: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأُبي، وزيد، وأبو موسى(*).
وقال أبيّ بن كعب: قال لي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم‏:‏ ‏"‏يا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ؟" فقلت‏:‏ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}،‏ قال: فضرب صَدْري وقال‏:‏ ‏"‏لَيُهْنّئََكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ"‏‏(*) أورده المنذري في الترغيب 2 / 375.‏
وقال أنس: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم، لأُبَيّ بن كعب: "أُمِرتُ أن أعْرض عليك القرآن"، وقال بعضهم سورةَ كذا وكذا، قال: قلتَ وقد ذُكِرْتُ هناك، وقال بعضهم: سمّاني الله لك؟ فقال: "نعم!" فَذَرَفَتْ عيناه! وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، وقال أنس: وأُنْبِئتُ أنّّه قرأ عليه: {لَمْ يَكُن}(*)، وفي رواية أخرى عن السائب بن يزيد قال: لمّا أنزل الله على رسوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [سورة العلق: 1] جاء النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى أُبَيّ بن كعب، فقال: "إنّ جبريل أمرني أن آتيك حتّى تأخذها وتَستَظْهرها!"(*)، وفي رواية أخرى، عن أنس بن مالك أن النبي قال لأبي بن كعب: "إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ" {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}[البينة: 1](*) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب مناقب معاذ بن جبل (5/624/3792) وأخرجه أحمد 3/130، 185، والبخاري كما في الفتح كتاب المناقب باب مناقب أبي بن كعب (5/ 118/رقم 3809) والحاكم 2/224، وأبو نعيم في الحلية (4/187)، (5919) أبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 1913.، وفي رواية أخرى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له‏:‏ ‏"‏ أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، أَوْ أَعْرِضُ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ"(*) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 12 / 141، وأبو نعيم في الحلية 1 / 251.
وأبي بن كعب سيّد القراء، وروى أبو قِلَابة عن أنس ــ ومنهم مَنْ يرويه مُرْسلًا، وهو الأكثر ــ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال‏:‏ ‏"أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتي أَبُو بَكْرٍ، وَأَقْوَاهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَمَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْراءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أبي ذَرّ، وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ‏"‏‏(*) أخرجه ابن ماجة في السنن 1 / 55، في المقدمة باب فضل أصحاب النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فضائل خباب، حديث رقم 154،والبيهقي في السنن 6 / 210، وأحمد في المسند 3 / 281، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 20387 وابن حبان في صحيحه، حديث رقم 2218، والحاكم في المستدرك 3 / 422، وأبو نعيم في الحلية 3 / 122، والطبراني في الصغير 1 / 201، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 31753، 33092، 33119، 33121، 33123.، وروى عمر من وجوه أنه قال: أَقْضَانا عليَّ، وأقرؤنا أُبيٌّ، وإنا لنترك أَشياء من قراءة أُبيّ‏، وكان أُبيَّ بن كَعْب ممَّنْ كتب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوَحْيَ قبل زَيْدَ بن ثابت ومعه أيضًا، وكان زيد ألزمَ الصّحابة لكتابة الوَحْيَ، وكان يكتبُ كثيرًا من الرّسائل، وذكر الواقديّ عن أشياخه قال: أوّل مَنْ كتب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوَحْي مَقْدمه المدينة أُبيّ بن كعب، وهو أَوّلُ مَنْ كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان، قال: وكان أُبيٌّ إذا لم يحضر دعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ زَيْدَ بن ثابت، فيكتب، وكان أُبيّ وزيد بن ثابت يكتبان الوحي بين يديه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويكتبان كُتَبه إلى النّاس وما يَقطع وغيرَ ذلك‏(*) وقال الواقديّ: وأَوَّل من كتب له من قريش عبدُ الله بن سعد أبي سَرْح، ثم ارتدَّ ورجع إلى مكّة، وفيه نزلَتْ‏:‏ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ...} [الأنعام‏:‏ 3‏9] الآية.
وكان أُبي من المواظبين على كِتاب الرّسائل عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عبد الله بن الأرقم الزّهريّ، وكان الكاتبَ لعهوده صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا عهد، وصُلْحه إذا صالح، عليَّ بن أَبي طالب ــ رضي الله عنه ــ وممن كتب لرسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أَبو بكر الصّديق، وذكر ذلك عُمَر بن شَبّة وغيره في "كتَّاب الكتاب"، وفيه زيادات على هؤلاء أيضًا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أَبي طالب، والزّبير بن العوام، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص، وحنظلة الأسَيْدي، والعلاء بن الحضرميّ، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله ابن أبيّ بن سلول، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وجُهَيم بن الصّلت، ومُعَيْقيب بن أبي فاطمة، وشُرَحْبيل بن حسنة ــ رضي الله عنهم‏ ــ‏ وقال الواقديّ: فلما كان عام الفتح وأَسْلَم معاوية كتبَ له أيضًا.
ورَوى عنه من الصحابة: عُمر، وكان يسأله عن النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات، وأبو أيوب، وعبادة بن الصامت، وسَهْل بن سعد، وأبو موسى، وابن عباس، وعبد الله بن خباب، وابنه الطفيل بن أبي، وأبو هريرة، وأنَس، وسليمان بن صُرَد، وغيرهم، وأخرج الأئمة أحاديثه في صِحاحهم، وروى الطفيل، عن أبيه ــ يعني ــ أبي بن كعب قال: سمع النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقرأ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قال: "شَهَادَةُ، أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللَّه"(*).
وروى البَغَوِيُّ، عن الحسن في قصة له أنه مات قبل قَتْل عثمان بجمعة، وقال ابْنُ حِبَّانَ: مات سنة ثنتين وعشرين في خلافة عمر، وقد قيل أنه بقي إلى خلافة عثمان، وثبت عن أبي سعيد الخُدْرِي أنَّ رجلًا من المسلمين قال: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تُصيبنا مالنا فيها؟ قال: "كَفَّاراتٌ" أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم 692 وأحمد في المسند 3/ 23، والحاكم في المستدرك 4/ 308 وأورده الهيثمي في الزوائد 2/ 305، وابن عساكر في التاريخ 2/ 329، والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 29614، فقال أُبي بن كعب: يا رسول الله وإن قلَّت؟ قال: "وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا"، فدعا أبيّ ألّا يفارقه الوعك حتى يموت، وألّا يشغله عن حجّ ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة مكتوبة في جماعة، قال: فما مسّ إنسانٌ جسدَه إلا وجد حرَّه حتى مات(*)، وقال أبو نعيم: اختلف في وقت وفاة أبي، فقيل: سنة ثلاثين في خلافة عثمان قال: وهو الصحيح، لأن زرَّ بن حبيش لقيه في خلافة عثمان، وقال أبو عمر: "مات سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، والأكثر أنه مات في خلافة عمر".
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال