قيس بن عبد الله بن جعدة
الشاعر المشهور المُعمّر، اختلف في اسمه؛ فقيل: هو قيس بن عبد الله بن عُدَس، وقيل: قيس بن عبد الله بن وحوح، وقيل: اسم النابغة عبد الله، وإنما قيل له النّابغة فيما يقولون لأنه قال الشعر في الجاهليّة ثم أقام مدةً نحو ثلاثين سنة لا يقول الشّعر، ثم نبغ فيه بعد فقاله؛ فسُمّي النابغة.
كنيته أبو ليلى، ويقال: إن مولده قبل مولد النّابغة الذّبياني، وكان من أحسن النّاس ثغرا، وكان إذا سقطت له سن نبتَتْ أخرى.
وفد على النبي صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأَسلم وحسن إسلامه، وأَنشده قصيدته الرائية، وفيها:
أَتَيتُ رَسُولَ الله إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى وَيَتْلُـو كِتَـابًا كَالْمَجَرَّةِ نَيِّـرَا
عُمر مائة وثمانين سنة، وعن الأصمعيّ أنه عاش مائتين وثلاثين سنة، وكان النابغة ممن فكر في الجاهلية، وأنكر الخمر والسّكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دين إبراهيم؛ وهو القائل القصيدة التي فيها:
الحَمْــدُ لله لاَ شَــرِيكَ لَـهُ مَـنْ لَـمْ يَقُلْهَـا فَنَفْسَـهُ ظَلَمَـا
ويقول النابغة الجعدي: أنشدتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
بَلَغْنَـا السَّمَـاءَ مَجْـدُنَا وَجُدُودُنَا
وَإنَّـا لَنرْجُـو فَـوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فقال: "أيْنَ المَظَهَرُ يَا أبَا لَيْلَى؟" قلت: الجنة، قال: "أجَلْ إنْ شَاءَ الله تعالى"، ثم قال:
وَلاَ خَيْرَ فُي حِلْـمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَـدَّرَا
وَلاَ خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ يَفْضُض الله فَاكَ" ــ مرتين.
وكان عبد الله بن الزبير يقول له: لك في مالِ الله حقَّان: حقٌّ لرؤيتك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وحق لشركتك أهْلَ الإسلام في فيئهم، ثم أدخله دار النّعم، فأعطاه قلائص سبعًا وفرسًا وخيلًا، وأوقر له الرّكاب بُرًّا وتمرًا وثيابًا، فجعل النّابغة يستعجل ويأكل الحبَّ صرفًا، فقال ابن الزّبير: وَيْح أبي ليلى! لقد بلغ منهُ الجهد، فقال النّابغة: أشْهَدُ لسمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَا وليَتْ قُرَيْشٌ فَعَدَلَتْ، وَاسْتُرْحِمَتْ فَرَحِمَتْ، وَحَدَّثَتْ فَصَدَقَتْ، وَوَعَدَتْ خَيْرًا فأَنجَزَتْ، فَأَنَّا والنَّبِيُّونَ فُرَّاط الْقَادِمِينَ أَلا"... وذكر كلمة معناها أَنَّهُمْ تَحْتَ النَّبِيينَ بِدَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ.