تسجيل الدخول


عدي بن حاتم الطائي

((عدي بن حاتم الجواد ابن عبد الله بن سعد بن الحَشْرَج بن امرئ القيس بن عَديّ بن أَخْزَم بن أَبِي أَخْزَم)) الطبقات الكبير. ((عَدِيُّ بنُ حَاتِم بن عبد الله بن سعد بن الحَشْرَج بن امرئ القيس بن عَدِيّ ابن أَخْزَم بن أَبي أَخْزَم بن رَبِيعَة بن جَرْوَل بن ثُعَل بن عمرو بن الغَوْث بن طَيِّئ الطائي، وأَبوه حاتم هو الجَوَاد الموصوف بالجُود، الذي يضرب به المثل، يكنى عَدِيٌّ أَبا طَرِيف. وقيل: أَبو وَهْب، يختلف النَّسَّابون في بعض الأَسماءِ إِلَى طَيِّئ.)) أسد الغابة. ((عديّ بن حاتم بن عبد الله الطّائيّ، مهاجِريّ، يُكْنَى أبا طريف، وينسبونه عديّ بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عديّ بن ربيعة بن جَرْول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طي بن أُدد بن زيد بن كهلان، إلا أنهم يختلفون في بعض الأسماء إلى طيّ.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((يكنى عَدِيٌّ أَبا طَرِيف. وقيل: أَبو وَهْب)) أسد الغابة.
((أمه النّوار بنتَ ثُرمُلَة بن ثُرْعُل بن جُشَم بن أَبي حارثة بن جُدَيّ بن تَدُول بن بُحْتُر بن عَتُود بن عُنَيْن بن سلامان بن ثُعَل، وكان حاتم طَيِّئ من أجود العرب ويكنى أبا سَفَّانَة بابنته)) ((كان لعدي بن حاتم إخوة مِنْ أُمِّه أَشْرَاف لهم: لاَمُ وحُلَيْس ومِلْحان. وفَسَقْسُ هَلَك في الجاهلية، بنو رَبَّار بن غُطَيف بن حارثة بن سَعد بن الحَشْرَج بن امرئ القيس بن عَدِيّ بن أَخْزَم بن أَبي أَخْزَم، وشهد مِلْحَان صِفِّين مع معاوية، واسْتَخْلَفَ عَلِيُّ بن أبي طالب لاَمَ بن رَبّار على المَدَائِن حين سار إلى صِفِّين.))
((قال: وسار عديُّ بن حاتم مع خالد بن الوليد إلى أهل الرِّدَّة، وقد انضم إلى عدي من طيِّئ ألف رجل، وكانت جَدِيلَةُ مُعْتَرِضَةً عن الإسلام، وهم بطن من طَيِّئ، وكان عدي من الغَوْث، فلما هَمَّتْ جَدِيلة أن ترتد ونزلت ناحيةً، جاءهم مُكْنِفُ بن زيد الخيل الطائي، فقال: أتريدون أن تكونوا سُبَّةً على قومكم لَمْ يرجعْ رجل واحد من طَيِّئ! وهذا أبو طريف معه ألف من طيئ! فكسرهم. فلما نزل بُزَاخَة قال لعدي: يا أبا طريف ألا تَسِير إلى جَدِيلة؟ فقال: يا أبا سليمان، لا تفعل، أقاتل معك بيدَيْن أحب إليك أم بيد واحدة؟ فقال خالد: بل بيدين. فقال عدي: فإنّ جَدِيلَة إحدى يديّ. فكفَّ خالدٌ عنهم، فجاءهم عديّ فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، فسارَ بهم إلى خالد، فلما رآهم خالد فَزِع، وظن أنهم أتو لقتالٍ، فصاحَ في أصحابه بالسلاح، فقيل له: إنما هي جَديلة أَتَتْ تقاتل معك. فلما جاءوا حلوا ناحية، وجاءهم خالد فرحب بهم، واعتذروا إليه من اعتزالهم، وقالوا: نحن لك بحيث أحببت. فجزاهم خيرًا، فلم يَرْتَدِدْ من طيِّئ رجل واحد. فسار خالد على بُغْيَتِة. فقال عدي بن حاتم: اجعل قومي مقدمة أصحابك. فقال: أبا طريف الأمر قد اقترب ولُحِم، وأنا أخاف إِنْ تَقَدَّم قومُك ولَحِمَهُم القتال انكشفوا فانكشف مَنْ معنا، ولكنْ دَعْني أقدِّم قومًا صُبُرًا لهم سوابق وثبات. فقال عدي: فالرأي رأيتَ. فقدَّم المهاجرين والأنصار. قال: فلما أبى طليحة أن يقر بما دعا إليه انصرف خالد إلى معسكره واستعمل تلك الليلة عَلَى حَرَسِه عَدِيَّ بن حاتم، ومُكْنِفَ بن زيد الخيل، وكان لهما صدقُ نِيّة وَدِين، فباتا يحرسان في جماعة من المسلمين، فلما كان في السَّحَر نهض خالد فعبَّى أصحابه، ووضع ألويته مواضعها، فدفع لواءه الأعظم إلى زيد بن الخطاب، فتقدم به وتقدم ثابت بن قيس بن شماس بلواء الأنصار، وطلبت طيئ لواءً يعقد لها، فعقد خالد لواءً ودفعه إلى عدي بن حاتم وجعل ميمنة وميسرة.)) الطبقات الكبير. ((شهد فتوح العراق، ووَقْعَةَ القادِسِيَّة، ووقعة مِهْران، ويوم الجِسْر مع أَبي عُبَيد، وغير ذلك.)) أسد الغابة.
((أخبرنا خلف بن قاسم، حدّثنا محمد بن عبد الله بن زكريّا النيسابوريّ، حدّثنا أبو العلاء محمد بن جعفر الكوفي، حدّثنا عبيد بن جَنّاد الحلبي، حدّثنا عطاء بن مسلم، عن الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرّحمن، عن عديّ بن حاتم، قال: ما دخلتُ على النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قطّ إلا وسَّع لي أو تحرَّك لي، وقد دخلتُ عليه يومًا في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسَّع لي حتى جلست إلى جَنْبه.(*) وأتاه الشّاعر سالم بن دارة الغطفاني، واسم أبيه دارة مُسافع؛ فقال له: قد مدحتك يا أبا طريف؟ فقال له عديّ: أمسك عليك يا أخي حتى أخبرك بمالي فتمدحني على حسبه، لي ألف ضائنة وألفا درهم وثلاثة أعبد وفرسي هذه حبيس في سبيل الله عزّ وجلّ؛ فقل، فقال شعرًا: [الطويـل]

تَحِنُّ قَلُوصِي
فِي
مَعَدٍّ وَإِنَّمَا تُلَاقِي الرَّبِيعَ فِي دِيَارِ بَنْي ثَعَلْ

وَأَبْغِي اللَّيَالِي مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ حُسَامًا كَلَونِ المِلْحِ سُلَّ مِنَ الخَلَلْ

أَبُوكَ
جَوَادٌ
مَا يُشَقُّ غُبَارُهُ وَأَنْتَ جَوَادٌ
لَيْسَ
تُعْذَرُ بِالعِلَل

فَإِنْ تَتَّقُوا
شَرًّا فَمِثلُكُم اتَّقَى وَإِنْ تَفْعَلُوا خَيْرًا
فَمِثْلُكُـمُ
فَعَلْ
وحديث الشّعبي أن عديّ بن حاتم قال لعمر بن الخطّاب إذ قدم عليه: ما أظنُّك تعرفني. فقال: كيف لا أعرفك؟ وأول صدقة بيَّضتْ وجْهَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صدقة طي! أعرفك آمنْتَ إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا. ثم نزل عديّ بن حاتم رضي الله عنه الكوفةَ وسكنها)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني منصور بن أبي الأسود عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشّعبي قال: لما كانت الرّدة قال القوم لعدي بن حاتم: أمسِك ما في يديك من الصدقة فإنك إن تفعل تسود الحليفين، فقال: ما كنتُ لأفعل حتى أدفعه إلى أبي بكر بن أبي قُحافة فجاء به إلى أبي بكر حتى دفعه إليه. قال محمد بن عمر ثم رجع الحديث إلى الأول قال: وكان عدي بن حاتم أحزم رأيًا وأفضل رغبة في الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة في قومه، لا تعجلوا فإنه إن يقم بهذا الأمر قائم ألفاكم ولم تفرقوا الصدقة، وإن كان الذي تظنون فَلَعمري إن أموالكم بأيديكم لا يغلبكم عليها أحد، فسكتهم بذلك، وأمر ابنه أن يسرح نعم الصدقة فإذا كان المساء روحها، وإنه جاء بها ليلة عشاء فضربه وقال: ألا عجلتَ بها، ثم أراحها الليلة الثانية فوق ذلك قليلًا فجعل يضربه ويكلمونه فيه. فلما كان اليوم الثالث قال: يا بني، إِذَا سَرَّحْتَها فَصِحْ في أدبارها وأُمَّ بها المدينة فإنْ لَقِيَك لاَقٍ من قومك أو من غيرهم فقل: أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا، فلما جاء الوقت الذي كان يروحُ فيه لم يأتِ الغلام، فجعل أبوه يتوقَّعُه ويقول لأصحابه: العجب لحبس ابني! فيقول بعضهم: نخرج يا أبا طريف فنتبعه؟ فيقول: لا والله. فلما أصبح تهيأ ليغدو، فقال قومه: نغدو معك؟ فقال: لاَ يَغْدُوَنّ معي منكم أحد، إنكم إن رأيتموه حُلْتم بيني وبين أَنْ أضربه وقد عصى أمري كما تَرون. أقول له: تروِّحُ لسَفَر فَلَيْلَةً يأتي بها عتمة وليلة يعزُبُ بها. فخرج على بعير له سريعًا حتى لحق ابنَه، ثم حَدَّرَ النَّعَمَ إلى المدينة، فلما كان ببطن قَنَاة لَقِيتْه خَيْلٌ لأبي بكر الصديق عليها عبد الله بن مسعود، ويقال محمد بن مَسْلَمة ــ وهو أثبت عندنا ــ فلما نظروا إليه ابتدروه فأخذوه وما كان معه، وقالوا له: أين الفوارسُ الذي كانوا معك؟ فقال: ما معي أحد، فقالوا: بَلَى لقد كان معك فوارس، فلما رأونا تغيبوا. فقال ابن مسعود ــ أو محمد بن مسلمة: خلوا عنه، فما كذب ولا كذبتم، أعوان الله كانوا معه ولم يرهم. فكانت أول صدقة قُدِمَ بها على أبي بكر الصديق، قَدِمَ عليه بثلاثمائة بعير. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: لما ارتد الناس على عهد أبي بكر، جمع عدي بن حاتم قومه فقال لهم: هل لكم إلى أن تجمعوا صدقة أموالكم فآتي بها هذا الرجل، فإن ظفر كنتم قد أخذتم بنصيبكم منه، وإن لم يظفر فأنا ضامن لها أردها عليكم؟ ففعلوا فأتى بها أبا بكر. قال: أخبرنا يزيد بن هارون ويَعْلَى بن عبيد قالا: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال: لما كان زمن عمر، قدم عديّ بن حاتم عَلَى عُمَر، فلما دخل عليه كأنه رأى منه شيئًا يعني جَفاءً فقال: يا أمير المؤمنين أما تَعْرِفُني؟ فقال: بَلَى والله أعرفك، أَكْرَمَكَ الله بأحسنِ المعرفة، أعرفك والله، أسلمتَ إذ كفروا، وَعَرَفْتَ إذ أَنْكَرُوا، وَوَفَّيْتَ إذ غَدَرُوا، وأَقْبَلْتَ إذ أَدْبَرُوا. فقال: حَسِبي يا أمير المؤمنين، حَسْبي يا أمير المؤمنين، حَسْبي. رجع الحديث إلى حديث محمد بن عمر، قال: ولما أسلم عدي بن حاتم أراد أن يرجع إلى بلاده فبعث إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَتَعَذَّرُ من الزّاد ويقول: "ما أصبحَ عند آل محمد سُفَّة من طعام، ولكنك ترجع ويكون خيرًا"، فلمّا قَدِم على أبي بكر أعطاه ثلاثين فريضة. فقال عدي: يا خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أنت إليها اليوم أحوج، وأنا عنها غَنِيّ. فقال أبو بكر: خُذْها أيها الرجل، فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَتَعذَّرُ إليك ويقول: "ولكن ترجع ويكون خيرًا": فقد رجعتَ وجاء الله بالخير، فأنا مُنفِذٌ ما وَعَدَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في حياته، فأنفذها. فقال عدي: آخذها الآن فهي عطيَّة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: فذاك.(*))) ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى بني أسيد عن نَابِل مولى عثمان بن عفان وكان حاجبه قال: جاء عدي بن حاتم إلى باب عثمان وأنا عليه فَنَحَّيْتُه عنه، فلما خرج عثمان إلى الظُّهر عرض له عدي، فلما رآه عثمان رحَّب به وانبسط إليه، فقال عدي: انتهيتُ إلى بابك وقد غَمَّ آذِنُكَ الناسَ فَحَجَبنِي عنك، فالتفت إِلَيَّ عثمانُ فانتهرني وقال: لا تحجُبْه واجعلْهُ أوّلَ مَن تُدخله، فلعَمْري إِنَّا لنعرفُ حقه وفضلَه، ورأْيَ الخليفتين فيه وفي قومه، فقد جاءنا بالصدقة يسوقها والبلاد تضطرم كأنها شُعْلَةُ النار من أهل الرِّدَّة، فحمده المسلمون على ما رَأَوْا منه.)) الطبقات الكبير. ((ذكر ابْنُ المُبَارَكِ في "الزُّهْدِ"، عن ابن عيينة، أنه حدَّث عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: ما دخل وقْتُ صلاةٍ قط إلا وأنا أشتاقُ إليها، وكان جوادًا. وقد أخرج أحمد عن تميم بن طرفة، قال: سأل رجل عديّ بن أبي حاتم مائةَ درهم، فقال: تسألني مائة درهم، وأنا ابْنُ حاتم! والله لا أعطيك. وسنده صحيح.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال الشعبي: أَرسل الأَشعثُ بن قَيْس إِلى عدي بن حاتم يَسْتَعِيرُ منه قُدُورَ حاتم فملأَها، وحملها الرجالُ إِليه، فأَرسل إِليه الأَشعث: إِنما أَرَدْنَاها فارغة! فأَرسل إَليه عدي: إِنا لا نُعِيرُها فارغةً. وكان عدي يَفُتُّ الخبز للنمل ويقول: إِنهن جاراتٌ، ولهُنَّ حَقٌّ.)) ((وفد عَدِيُّ على النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم سنة تسع في شعبان، وقيل: سنة عشر، فأَسلم)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَيْن قال: حدّثنا إسرائيل عن أَبِي إسحاق قال: رأيت عَدِيَّ ابن حاتم رجلًا طويلًا أعور حَسن الوجه يصلي في مقدم المسجد يسجد على جدار قدر ارتفاعه من الأرض ذراع. قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدّثنا مِسْعَر عن سعيد بن شَيبان قال: أخبرني مَن رأى عدي بن حاتم يَفُتُّ خبزًا للنمل. وأخبرني من سمع سعيد بن شيبان يذكره عن أَبِي سَوْرَة السِّنْبِسِيّ عن عدي وزاد فيه إنهن جارات ولهن حق.)) الطبقات الكبير.
((روى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ كَثِيْرةً)) أسد الغابة. ((روى عنه جماعةٌ من البصريّين والكوفيين، منهم: همام بن الحارث، وعامر الشّعبي، وتميم بن طرفة، وعبد الله بن معقل بن مقرن، والسري بن قَطَري، وأبو إسحاق الهمداني، وخيثمة بن عبد الرّحمن.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن أَبِي عُمَير الطَّائِيّ قال: كان من خبر عَدِيّ بن حاتم وإسلامه أنه كان يقول: ما كان رجل من العرب أشد كَراهة مني لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكنتُ أميرًا شريفًا قد سُدتُ قومي، فقلت إن اتبعتُه كنت ذَنَبًا، وكنت نصرانيًا أرى أنّي على دِينٍ، وكنت أسير على قومي بالمِرْبَاع فكنتُ مَلِكًا، لما يَصْنَعُ بي قومي وما يصنع بي أهلُ دِينيِ، فلما سمعتُ بمحمد كرهته، وقلتُ لغلام لي وكان عربيًا راعيًا لإبلي: أعِدّ لي من إبلي أجمالًا ذُلُلًا سِمَانًا احبسها قريبًا مني لاَ تَعْزُب بها عني، فإذا سمعتَ بجيش محمد قد وطيء هذه البلاد فآذني، فإني أرى خَيْله قد وطئت بلاد العرب كلها. ويقال: كان له عين بالمدينة فلما سمع بحركة علي بن أبي طالب حذره، قال: فلبثت ما شاء الله. فلما كان ذات غَداة جاءني فقال: يا عَدِي، ما كنتَ صانعًا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني رأيتُ راياتٍ فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد. قلت: قرِّب لي أجمالي. فقرَّبها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، فسلكتُ الجَوْشِية من صحراء إِهَالَة وخلفت ابنة حاتم في الحاضر. فلما قدمنا الشام أقمتُ بها، وتُخالفني خيلُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الذين كانوا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى الفُلْس يهدمه ويشن الغارات، فخرج في مائتي رجل فشنوا الغارة على محلة آل حاتم في الفجر فأصابوا نساءً وأطفالًا وشاءً، ولم يصيبوا من الرجال أحدًا، وأصابوا ابنة حاتم فيمن أصابوا، فقدم بها على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في سَبَايا من طَيِّئ، وقد بلغ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، هربي إلى الشام، فجعلت ابنة حاتم في حَضِيرة بباب المسجد كُنّ النساء يُحْبَسْنَ فيها، فمرّ بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقامت إليه وكانت امرأةً جَمِيلة جَزْلةً فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ مَنَّ الله عليك! قال: "مَنْ وَافِدُك؟" قالت: عَدِيّ بن حاتم. قال: "الفَارُّ من الله ومن رسوله؟" قالت: ومضى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وتركني، حتى إذا كان في الغد مَرَّ بي فقلت مثل ذلك، وقال لي مثل ذلك، حتى إذا كان بعد الغد مرّ بي وقد يَئِسْتُ فَلم أقل شيئًا، فأشار إِلَيَّ رجلٌ خَلْفَه أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيه، قالت: فقمتُ فقلت: يا رسول الله هَلَك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ مَنَّ الله عليك. قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فإني قد فعلت، ولا تَعجلي بخروج حتى تجدي من قومك مَن يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني"، قالت: وسألتُ عن الرجل الذي أشار إِلَيَّ أن كلّميه، فقيل لي هو عَلِيّ بن أبي طالب أما تعرفينه؟ هو الذي سَبَاك. قالت: والله ما هو إلا أن سبيت ألقيت البُرقع على وجهي فما رأيت أحدًا حتى دخلت المدينة، قالت: وأقمتُ حتى قدم ركب من قضاعة، قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام، فجئت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت: قد جاءني من قومي مَنْ لِي ثقَة وَبلاَغ قالت: فَكَسَاني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وحَمَلني وأعطاني نَفَقَة، وخرجتُ معهم حتى قدمت الشام. قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظَعِينة تُصَوَّبُ إِلَيَّ تَؤُمُّنا فقلتُ: ابنة حاتم! قال: فإذا هِي، قال: فلما قَدمت عَلَيَّ انْسَحَلَت تقول: القاطع الظالم، احتملتَ بأهلك وولدك وتركت بقية والدك. قال: قلت يَا أُخَيَّة، لا تقولي إلا خيرًا، فوالله مالي من عُذر، قد صنعتُ ما ذكرتِ، قال: ثم نزلَتْ فأقامت عندي، فقلت لها: ما تَرَين في أمر هذا الرجل؟ وكانت امرأة حازمة. قالت: أرى والله أن تَلْحقَ به سريعًا، فإن يكن الرجل نبيًا فالسبق إليه أفضل، وإن يكن ملكًا فلن تَذِلّ في عزّ اليمن، وأنت أنت وأبوك أبوك، مع أني نبئت أن عِلْيَهَ أصحابه قومك الأوس والخزرج. قال: فخرجتُ حتى أقدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة فدخلتُ عليه وهو في مسجده، فسلّمت، فقال: "مَن الرجل؟" فقلت: عدي بن حاتم. قال: فانطلق بي إلى بيته، إذ لَقِيَتْه امرأةٌ ضعيفة كبيرة فاستوقَفَتْه، فوقفَ لها طويلًا تكلمه في حاجتها، فقلتُ في نفسي: والله ما هذا بمَلِكٍ، إن للملك لحالًا غير هذا. ثم مضى حتى إذا دخل بيته تناول وِسَادَة من أدَمٍ مَحْشُوَّة ليفًا فقدمها إليّ فقال: "اجلس على هذه". فقلت: لا، بل أنت فاجلس عليها. فوقعَ في قلبي أنه بريء من أن يكون ملكًا. فجلس عليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأى في عُنقي وثنًا من ذهب فَتَلا هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة: 31] فقلت: والله ما كانوا يعبدونهم. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أليس كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلوه وإذا حرّموا عليهم شيئًا حرموه؟!" قال: قلت: بَلَى، قال: "فتلك عبادتهم". ثم قال: "إِيهٍ يَاعَدِيّ! ألم تكن رَكُوسِيًّا؟" قال: قلت: بَلَى. قال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمِرْبَاع!" قال: قلت بَلَى، قال: "فإن ذلك لم يكن يَحلّ لك في دينك" قال: قلت: أجل والله، قال: فعرفتُ أنه نبي مُرسَل يَعْرِف ما نَجْهَل. ثم قال: "لَعلك يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله لَيُوشِكَنَّ المالُ يفيض فيهم حتى لا يوجد مَنْ يأخذه، ولعله إنما يمنعك ما ترى من كَثرة عدوِّهم وقلة عَدَدِهم، فوالله ليوشكن يُسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعير حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أن المُلْك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن يُسْمَع بالقصور البيض من أرض بَابِل قد فُتِحَتْ عليهم". فقال عدي: فأسلمت فكان عدي يقول: قد مضت اثنتان وبقيت واحدة: لَيَفِيضَنَّ المالُ حتى لا يُوجد من يأخذه.(*) قال: أخبرنا هَوْذَة بن خَلِيفة قال: حدّثنا عوف بن محمد بن سيرين قال: قال عدي بن حاتم. قال: وأخبرنا أبو عُمَر الحَوْضيّ قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم قال: حدّثنا محمد بن سِيرِين عن عدي بن حاتم. قال: وأخبرنا عَارِم بن الفَضْل قال: حدّثنا حَمّاد بن زيد قال: حدّثنا أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي عُبيدَة بن حُذَيفة عن رجل، وقال هشام عن أبي عبيدة: هو الذي قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي لا أسأله فأتيته فسألته. قال: وأخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هِشام بن حَسّان عن محمد بن سِيرين عن أبي عُبيدة عن رجل قال: قلت لعدي بن حاتم: حديثٌ بلغني عنك أحب أن أسمعه منك، ثم اجتمعوا جميعًا على حديث عدي بن حاتم، ودخل حديث بعضهم في حديث بعض. قال عدي بن حاتم: لما بُعِث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كرهته كأشد ما كرهت شيئًا قط، فانطقت فخرجت هاربًا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأصحابه، حتى إذا كنت بأقصى أرض العرب مما يلي الروم، قال يزيد في حديثه: فقدمت على قيصر فكرهت مكاني الآخر كما كرهت مكاني الأول، قال: فقلت في نفسي: رجلٌ من العرب يقول إني رسول الله، فوالله لو أتيته فطالعته فنظرت، فإن كان ما يقول حقًّا اتبعته، وإن كان غير ذلك لم يضرني شيئًا. قال: فرجعت عَوْدِي على بَدْئِي وردت المدينة، فلما دخلتها استشرفني الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم، قال: حتى انتهيت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأصحابه ــ إما قال: في المسجد وإما قال: عند المسجد ــ قال: فقال لي رسول الله: "يا عَدِيّ بن حاتم، أَسْلِمْ تَسْلَمَ"، قال: قلت إني مِنْ دين. وقال بعضهم: إني عَلَى دين. قال: فقال: "يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم"، قال: قلت: إني من دين، قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم"، قال: قلت: إني من دين، قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أنا أعلم بدينك منك" قال: قلت أنت أعلم بديني مني ــ مرتين أو ثلاثًا؟ قال: "أنا أعلم بدينك منك". ثم قال: "ألست برأس قَوْمِك؟" قال: قلت: بلى، قال: "أَلَسْتَ رَكُوسِيًّا؟" ــ قال: لصنف من النصرانية ــ قال: قلت: بَلَى، قال: "ألست تأخذ المِرْبَاع؟" قال: قلت: بلى، قال: "فإن ذلك لا يحل لك في دينك". قال: وصدق والله. فَتَضَعْضَعْتُ لذلك ووضعت مني. قال: ثم قال: "يا عدي بن حاتم أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فإني قد أظن" ــ أو "قد أَرى" أو كما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، "إنما يمنعك أن تُسْلِمَ خَصاصة تراها بِمَنْ حَوْلي، وإنك ترى الناس علينا إِلْبًا واحدًا". وقال يزيد في حديثه: "وقد رَمتهم العرب، وتقول إنما تبعه ضَعَفَةُ الناس ومن لا قوة له، هل رأيت الحيرة؟" قال: قلت: لم أرها، وقد علمت مكانها، قال: "لَتُوشكن الظَّعِينة من ظعائن المسلمين أن تَرتَحل منها بغير جوار، حتى تطوف بالبيت، ولتُفْتَحنَّ علينا كنوزُ كِسْرى بن هُرْمُز!" قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ قال:" كسرى بن هرمز"، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "كسرى بن هرمز"، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ ثلاثًا. "ولَيَفِيضَنَّ المالُ حتى يُهِمّ الرجل أن يجد من يقبل منه ماله صدقة فلا يجده". قال عدي بن حاتم: قد رأيت اثنتين، أنا سرت بالظعينة من الحيرة إلى البيت العتيق في غير جوار، يعني أنه حج بأهله، قال: وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، قال: وأحلف بالله لتجيئن الثالثة كما كانت هاتان، إنه لحديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إياي حدثنيه.(*) قال: حدّثنا سليمان أبو داود الطَّيَالسيّ قال: أخبرنا شُعْبة عن سِمَاك بن حرب قال: سمعتُ مُرَيَّ بن قَطَرِيّ يحدث أنه سمع عدي بن حاتم قال: قلتُ: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم، وذكر مكارم الأخلاق، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن أباك أراد أمرًا فأدرَكه".(*) قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن عامر عن عدي بن حاتم قال: علّمني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الصيام، فقال: "إذا صُمتَ فصم ثلاثين يومًا إلا أن ترى الهلال قبل ذلك".(*)))
((قال: أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن جعفر عن عِمران بن مَنَّاح قال: حضر عدي بن حاتم الدار يوم قُتل عثمان فلما خرج الناس يقولون: قُتِل عثمانُ، قُتِلَ عثمانُ، قال عدي: لاَ تَحْبِقُ في قَتْله عَنَاقٌ حَوْليّة. فلما كان يوم الجَمَل فُقئت عينه، وقُتل ابنُه محمد مع عليّ، وقتل ابنه الآخر مع الخوارج، فقيل له: يا أبا طريف، هل حَبَقَتْ في قتل عثمان عَنَاقٌ حَوْلَيَّة؟ فقال: بَلَى وربِّك، والتَّيْسُ الأعظم. قال محمد بن عمر وهشام بن محمد السائب الكَلْبي: وشَهِدَ عَدِيّ بن حاتم القَادِسية، ويوم مِهران، وقس النَّاطِف، والنخيلة، ومعه اللواء، وشهد الجمل مع علي بن أبي طالب، وفُقِئَت عينه يومئذ، وقتل ابنه، وشهد صِفِّين والنهروان مع علي.))
((قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عُتْبَة بن جبيرة عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: لما صَدَر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من الحج سنة عشر قدم المدينة، فأقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة، فبعث المصدقين في العرب، فبعث على أسد وطَيِّئ عدي بن حاتم.(*))) الطبقات الكبير.
((جزم خَلِيفَةُ بأنه مات سنة ثمانٍ وسنتين. وفي التاريخ المظفري أنه مات في زمَن المختار؛ وهو ابن مائة وعشرين سنة.)) ((مات بعد الستين وقد أسنّ. قال خليفة: بلغ عشرين ومائة سنة. وقال أبو حاتم السجستاني: بلغ مائة وثمانين.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((توفي سنة سبع وستين، وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة تسع وستين، وله مائة وعشرون سنة قيل: مات بالكوفة أَيام المختار، وقيل: مات بقَرْقِيسياءَ، والأَول أَصح.)) أسد الغابة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال