تسجيل الدخول


أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص

من المبشرين بالجنة، وكان بارا بأمه على كفرها مستجاب الدعوة، قاد جيوش فتح فارس وانتصر على رستم في القادسية، بنى الكوفة.‏ أَسلم سعد بن أبي وقاص بعد أَربعة، وقيل: كان سابعَ سبعة في الإسلام أسلم بعد ستة، ووقع في "صحيح البخاري" عنه أنه قال: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثالث الإسلام. روت عنه ابنته عائشة أَنه قال: رأَيت في المنام، قبل أَن أُسلم، كأَني في ظلمة لا أَبصر شيئًا إِذ أَضاءَ لي قَمَر، فاتَّبعته، فكأَني أَنظر إِلى من سبقني إِلى ذلك القمر، فأَنظر إِلى زيد بن حارثة، وإِلى علي بن أَبي طالب، وإِلى أَبي بكر، وكأَني أَسأَلهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يدعو إِلى الإِسلام مسْتخفيًّا، فلقيته في شِعْب أَجْيَاد، وقد صلَّى العصر، فأَسلمت، فما تَقَدَّمني أَحد إِلا هم. وقال سعد: نزلت هذه الآية فيَّ: }وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {[لقمان/ 15]؛ كنت رجلًا بَرًّا بأَمي، فلما أَسلمتُ قالتْ: يا سعد، ما هذا الدين الذي أَحدثت؟ لتدعن دينك هذا أَو لا آكل ولا أَشرب حتى أَموت؛ فتعير بي، قلتُ: لا تفعلي يا أُمَّه، فإِني لا أَدع ديني، فمكَثَتْ يومًا وليلة لا تأَكل، فأَصبحتْ وقد جَهِدتْ، فقلت: واللّه لو كانت لك أَلف نفس، فخَرَجَت نَفْسًا نَفْسًا، ما تركت ديني هذا لشَيْءٍ، فلما رأَت ذلك أَكلتْ وشربت، فأَنزل اللّه هذه الآية. ويقول سعد: أسلمتُ وأنا ابن سبع عشرة سنة، ولقد أسلمتُ يومَ أسلمتُ وما فَرَضَ الله الصّلوات، وأَقبل ذات يوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ". وقبل الهجرة إلى المدينة كان سعد بن أَبي وقاص في نَفَرٍ من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في شِعْب من شعاب مكة يصلون، إِذ ظهر عليهم نفر من المشركين، فناكروهم، وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم، فاقتتلوا، فضرب سعدُ رجلًا من المشركين بلَحْيِ جمل فَشَجَّه، فكان أَول دم أُهَريق في الإِسلام. وهو أولُ من رَمى بسهم في سبيل الله، وذلك في سريّة عبيدة بن الحارث. وقاتل يوم بدرٍ قتال الفارس في الرجال، وشهد أُحُدًا، وثبت يومَها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين ولّى النّاس، ورمى يوم أُحد أَلف سهم. قال عليّ بن أبي طالب: ما سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَفْدي أحدًا بأبويه إلاّ سعدًا؛ فإنّي سمعته يقول يوم أُحُدٍ: "ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أبي وأمّي" ، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان أحَد الفُرْسان الشّجعان من قريش الذين كانوا يحرسون رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم في مغازيه، وكان مجابَ الدّعوة مشهورًا بذلك، تُخَاف دُعوتُه وتُرجى، لا يُشكُّ في إجابتها، وذلك أن رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال فيه:‏ ‏"‏ اللَّهُم سَددْ سَهمْه، وَأَجبْ دَعْوَتَهُ‏". ومرض رضي الله عنه مرة فقال للنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: أتَكْرَهُ أن يموتَ الرّجلُ في الأرض التي هاجر منها؟ قال: "نعم"، فقال: يا رسول الله، لقد خشيتُ أن أموت بالأرض التي هاجرتُ منها كما مات سعدُ بْنُ خَوْلَةَ، فادْعُ الله أن يشْفِيَني، فقال: "اللّهُمّ اشْفِ سعدًا، اللّهمّ اشْفِ سعدًا، اللّهمّ اشْفِ سعدًا!" فقال: يا رسول الله، إنّ لي مالًا، وإنّي أُورَثُ كَلالةً أفأُوصي بمالي أو أتصدّق به؟ قال: "لا"، قال: أفأُوصي بثلثيه؟ قال:"لا"، قال: أفأُوصي بنصفه؟ قال: "لا"، قال: أفأُوصي بثلثه؟ قال: "الثلثِ والثلثُ كثير، إنّ نفقتك من مالك لك صَدَقَةٌ، وإنّ نفقتك على عيالك لك صدقة، وإنّ نفقتك على أهلك لك صدقة، وإنّك أنْ تَدَعَ أهْلَك بعَيْش، أو قال بخَيْر، خيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ يتكفّفون النّاس"، وفي رواية أخرى قال: "إنّكَ أنْ تَتْرُك وَلَدَك أغنياءَ خيرٌ من أن تتركهم عالَةً يتكفّفون النّاس، إنّك لن تنفق نفقةً إلاّ أُجِرْتَ عليها حتى اللّقْمَة تجعلها في فِي امرأتك، ولعلّك أنْ تُخَلّفَ حتّى ينْتَفعَ بك أقوامٌ ويُضرّ بك آخرون، اللّهمّ أمْضِ لأصحابي هجْرَتَهم، ولا تَرُدّهم على أعقابهم، لكنّ البائس سعد بن خَوْلَةَ"؛ يَرْثي له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنْ مات بمكّة. وفي ولاية عمر بن الخطاب استعمل سَعْدًا على الجيوش التي سَيَّرها لقتال الفرس، فكان سعدُ أَميرًا للجيش الذي هزم الفرس بالقادسية، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق، وفتح اللَّهُ على يده أكثرَ بلاد فارس. مناقبه: هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأَحد الستة أَصحاب الشورى، وقال عمر لما طُعن:‏ إنْ وليها سَعْدٌ فذاك، وإلّا فليستَعِنْ به الوالي، فإني لم أعزله عن عَجْز، ولا خيانة، ومن الذين أَخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض. روي أن سعدًا كان يُسبّح بالحُصِيّ. وكان إذا أراد أن يأكل الثّوم بدا ــ يعني: خرج إلى البادية. سأَل عمر بن الخطاب عَمْرو بن مَعْدِ يكرب عن خبر سعد بن أَبي وقاص فقال: متواضع في خِبائه، عَرَبِي في نَمِرته، أَسد في تاموره، يعدل في القضية، ويَقْسِم بالسَّويَّة، ويُبْعِد في السرية، ويعطف علينا عطف الأُم البرَّة، وينقل إِلينا حقنا نقل الذَّرَّة. قال عامر بن سعد بن أَبي وقاص: قلت لأَبي: يا أَبة، إِني أَراك تصنع بهذا الحيّ من الأَنصار شيئًا ما تصنعه بغيرهم، فقال: أَي بني، هل تجد في نفسك من ذلك شيئًا؟ قال: لا، ولكن أَعجب من صنيعك! قال ِإني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ". ولما كان أميرًا على الكوفة، شكاه أهلُها، ورمَوْه بالباطل، فدعا على الذي واجهه بالكذب عليه دعوةً ظهرَتْ فيه إجابتها. وكان سعَدْ ممن قعد، ولزم بيتَه في الفتنة، وأمر أهلَه ألَّا يخبروه من أخبار النَّاس بشيء حتى تجتمع الأمةِ على إمامٍ، ولما سئل لماذا لم يقاتل في موقعة الجمل؟ قال: لا أُقَاتِلُ حتى تأتوني بسيفٍ له عينان، ولسان، وشفتان فيقول: هذا مؤمنٌ، وهذا كافرٌ. وسُئل عليّ رضي الله عنه عن الذين قعدوا عن بَيْعتِه، ونصْرَته، والقيام معه، فقال:‏ أُولئك قوم خَذَلُوا الحقَّ، ولم ينصروا الباطل. وفاته: كان سعد آخر العشرة موتًا وآخر المهاجرين موتا؛ فعن أَحمد بن حنبل قال:‏ تُوفِّي سعد بن أَبيّ وقاص وهو ابنُ ثلاث وثمانين سنة في إمارة معاوية بعد حجّته الأخرى. لما حضرَتْه الوفاةُ دعا بخلَق جبةٍ له من صوف، فقال: كفّنوني فيها، فإنّي كنت لقيتُ المشركين فيها يوم بَدْر وهي عليّ، وإنما كنت أَخبؤها لذلك. ولمّا تُوفّي أرْسَلَ أزْواجُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنْ يَمُرّوا بجنازته في المسجد، ففعلوا فوُقِف به على حُجَرهنّ فَصَلَّيْنَ عليه. قالت عائشة بنت سعد: أرسل سعد بن أبي وقّاص إلى مروان بن الحكم بزكاة عين ماله خمسة آلاف درهم، وترك سعدٌ يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفَ درهم، ومات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، فحُمِل إلى المدينة على رقاب الرجال ودُفن هناك، وصلّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة، وذلك في سنة خمسٍ وخمسين. وقال مُصْعَب بن سعد: كان رأس أبي في حُجْري وهو يقْضي، فَدَمَعَتْ عينايَ، فنظَر إليّ فقال: ما يبكيك أيْ بُنَيّ؟ فقلت: لمكانك، وما أرى بك، قال: فلا تَبْكِ عليّ؛ فإنّ الله لا يعذّبني أبدًا، وإنّي من أهل الجنّة، إنّ الله يَدينُ المؤمنين بحَسَنَاتهم ما عملوا لله، وأمّا الكُفّار فيُخَفِّفُ عنهم بحسناتهم، فإذا نَفِدَتْ قال: ليطلُبْ كلُّ عامل ثواب عَمَله ممّن عَمِلَ لَهُ.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال