تسجيل الدخول


أبو اليقظان عمار بن ياسر العبسي

عمّار بن ياسر بن عامر العنسيّ، يُكْنَى: أبا اليقظان. كان أقدَمَ في الميلاد من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ولما جاء الله بالإسلام، أسلم ياسر، وسمّية أم عمار، وعمّار، وكانوا من السابقين إلى الإسلام. وكانت سميّة من المبايعات الخيّرات الفاضلات رحمها الله، كان عمار، وأمّه سميَّة ممن عُذّب في اللَّهِ، وسمية هي أَوّل من استشهد في سبيل الله، عز وجل، عذبها حيّ من بني المغيرة بن عبد اللّه بن عمر على الإِسلام، وهي تأْبى غيره، حتى وجأها أبو جهل بَحْرَبةٍ في قُبُلها فقتلها، وماتت قبل الهجرة رضي الله عنها، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مَرَّ بعمار، وأُمه، وأَبيه، وهم يعذبون بالأَبطح في رَمْضاءِ مكة، فيقول: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ". وفي قصة إسلامه رضي الله عنه، قال عمار: لقيت صُهَيب بن سِنَان على باب دار الأَرقم، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيها، فقلت: ما تريد؟ فقال: وما تريد أَنت؟ فقلت: أَردت أَن أَدخل على محمد، وأَسمع كلامه، فقال: وأَنا أَريد ذلك، فدخلنا عليه، فعَرَض علينا الإِسلام، فأَسلمنا، وكان إِسلامهم بعد بضعة وثلاثين رجلًا، وكان أَوّل من أَظهر إِسلامه سبعة: رسول الله، وأَبو بكر، وبلال، وخَبّاب، وصهيب، وعَمَّار، وأُمّه سمية. قال عروة بن الزُّبير: كان عمّار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذَّبون بمكّة ليرجع عن دينه، قال محمّد بن عمر: والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكّة، وليست لهم مِنعة ولا قوّة، فكانت قريش تعذّبهم في الرَّمْضَاءِ بأنْصاف النّهار؛ ليرجعوا عن دينهم، وكان عمّار بن ياسر يعذَّب حتّى لا يدري ما يقول، وكان صّهيب يعذَّب حتى لا يدري ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذَّب حتى لا يدري ما يقول، وبلال، وعامر بن فُهيرة، وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت هذه الآية: }وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا {[سورة النحل:41]. وقال محمّد بن كعب القُرَظيّ: أخبرني من رأى عمّار بن ياسر متجرّدًا في سراويل قال: فنظرتُ إلى ظهره فيه حَبَطٌ كثير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا ممّا كانت تعذّبني به قريش في رمضاء مكّة. قال عمرو بن ميمون: أحرق المشركون عمّار بن ياسر بالنّار، فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَمُرّ به، ويُمِرّ يده على رأسه فيقول:"يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا على عمار كما كنت على إبراهيم، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغيَة". قال عثمان بن عفّان: أقبلتُ أنا ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم آخذٌ بيدي نَتَماشى في البطحاء حتّى أتينا على أبي عمّار، وعمّار، وأمّه وهم يُعَذَّبون، فقال ياسر: الدّهْرُ هَكَذا، فقال له النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "اصْبِرْ، اللّهّم اغْفِرْ لآلِ ياسر وقد فَعَلْتَ". قال سعيد بن جبير لابن عباس: أَكان المشركون يبلغون من المسلمين في العذاب ما يُعذَرون به في ترك دينهم؟ فقال: نعم، والله إِن كانوا لَيَضْرِبون أَحدهم، ويُجيعونه، ويُعطِّشونه حتى ما يقدر على أَن يستوي جالسًا، من شدة الضر الذي به حتى إِنه ليعطيهم ما سأَلوه من الفتنة، وحتى يقولوا له: اللات والعُزَّى إِلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، وحتى إِن الجمل ليمر بهم، فيقولون له: هذا الجمل إِلهك من دون الله فيقول: نعم، اقتداءً لما يبلغون من جَهْده، ولقي النّبيُ صَلَّى الله عليه وسلم عمّارًا، وهو يبكي فجعل يمسح عن عينيه وهو يقول: "أخَذَكَ الكُفّارُ فَغَطّوك في الماء فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم"، وفي رواية: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فلم يتركوه حتّى نال من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وذَكَرَ آلهتهم بخير، فلمّا أتَى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "ما وَراءَكَ؟" قال: شَرّ يا رسول الله، والله ما تُركْتُ حتّى نلْتُ منك، وذكرتُ آلهتَهم بخير، قال: "فكيف تجِدُ قلبَك؟" قال: مُطْمَئِنّ بالإيمان، قال: "فإنْ عادوا فعُد". وروى أبو عُبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر في قوله: }إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ{[سورة النحل:106]، قال: ذلك عمّار بن ياسر، وعن ابن عبّاس في قوله: }أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ{ [سورة الزمر:9]، قال: نزلت في عمّار بن ياسر. وعمار من المهاجرين الأولين، وقيل: هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وشهد عمّار بن ياسر بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال عمّار بن ياسر: قد قاتلتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإنسَ والجِنّ، فقيل له: هذا قاتلتَ الإنسَ، فكيف قاتلتَ الجنّ؟ قال: نزلنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم منزلًا، فأخذتُ قِرْبتي ودَلْوي لأستَقي فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أما إنّه سيَأتيك آتٍ يَمْنَعُك من الماء"، فلمّا كنتُ على رأس البئر إذا رجلٌ أسود كأنّه مَرِسٌ فقال: لا والله لا تَستَقي اليومَ منها ذَنوبًا واحدًا، فأخذته وأخذني؛ فصَرَعْتُه، ثمّ أخذتُ حجرًا، فكسرتُ به أنفه ووجهه، ثمّ مَلأتُ قِرْبَتي، فأتَيْتُ بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "هل أتاك على الماء من أحد؟" فقلت: عَبدٌ أسود، فقال: "ما صنعتَ به؟" فأخبرته، قال: "أتدري مَن هو؟" قلتُ: لا، قال: "ذاك الشّيطان، جاءَ يمنعك من الماءِ". وقال الحكم بن عتيبة: قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة أَوّل ما قدمها ضُحّى، فقال عمار: ما لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بُدٌّ من أَن نجعل له مكانًا إِذا استظل من قائلته ليستظل فيه، ويصلي فيه، فجمع حجارة، فبنى مسجد قُبَاء، فهو أَوّل مسجد بُني وعَمَّار بناه، ولمّا بنى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مسجده جَعَلَ القومُ يحملون لَبِنَةً لبنة، وجعل النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يحمل هو وعمّار، فجعل عمّار يحمل لبنتَيْن لبنتين ويرتجز ويقول‏:‏ نَحْنُ المُسْلمونَ نَبْتَني المَساجِدا وجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "المساجدا"، ويَنفُضُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم الترابَ عن رأسه ويقول: "ويحك ابن سُميّة تقتلك الفئة الباغية". وأتى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقيل له: إنّ عمّارًا وقع عليه حائطٌ فمات، قال: "ما مات عمّارٌ". وقد كان عمّار اشتكى قبل ذلك فقال بعضُ القوم: لَيَموتَنّ عَمّارٌ اليومَ، فسمعهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فنفضَ لَبِنَتَه وقال:"وَيْحَكَ"، ولم يَقُلْ وَيْلَكَ،"يا ابنَ سُمَيّة تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغية". قالت أمّ سلمى: سمعتُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "تَقْتُلُ عمّارًا الفِئَةُ الباغية"، قال عوف: ولا أحْسَبُهُ إلاّ قال: "وقاتِلُهُ في النّار". قال ابن عمر: رأيتُ عمّار بن ياسر يوم اليَمامة على صَخْرة وقد أشرف يَصيح: يا معشرَ المسلمين، أمِنَ الجنّة تَفِرّونَ؟ أنا عمّار بن ياسر، هلُمّوا إليّ! وأنا أنْظُرُ إلى أُذنِه قد قُطَعتْ فهي تَذَبْذَبُ وهو يقاتل أشدّ القتال. قال حذيفة بن اليمان: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بِالْلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهُدَى عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ"، قال علي: جاءَ عمار يستأذن على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ، مَرْحَبُا بِالْطَيِّبِ الْمُطَيَّبِ" . وقالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا خُيِّرَ عَمّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا"، وقالت أيضًا: ما مِنْ أصحاب محمد صَلَّى الله عليه وسلم أشاءُ أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر، فإني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "‏إِنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ حُشِيَ مَا بَيْن أَخْمُصِ قَدَميْهِ إِلَى شَحْمَة أُذُنَيْهِ إِيَمَانًا"‏‏ . وروى أنس عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: "‏اشْتَاقَتِ الْجَنَّةُ إِلَى عَليًّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ، وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏"‏‏. وسئل عمّار عن مسألة فقال: هَلْ كان هذا بعدُ؟ قالوا: لا، قال: فدَعونا حتّى يكون فإذا كان تجشّمناها لكم. استعمله عمر بن الخطاب على الكوفة؛ فقال حارثة بن مضرّب: قُرِئ علينا كتاب عمر بن الخطّاب: أمّا بعد فإني بعثتُ إليكم عمّار بن ياسر أميرًا، وابن مسعود معلّمًا ووزيرًا، وقد جعلتُ ابن مسعود على بيت مالكم، وإنّهما لمن النّجباء من أصحاب محمّد من أهل بَدْرٍ، فاسمعوا لهما، وأطيعوا، واقْتدوا بهما، وقد آثرتُكم بابن أمّ عبدٍ على نفسي. وفاته: وكان الّذي قتل عمّار بن ياسر أبو غادية المُزَني، طعنه برمح فسقط، وكانت سِنُّ عمّار يوم قتل نيفًا على تسعين، وقال عليّ حين قُتل عمّار: إنّ امْرأ من المسلمين لم يَعْظَمْ عليه قَتُل ابن ياسر وتَدْخُل به عليه المصيبةُ الموجعةُ لَغيرُ رَشيدٍ، رَحِمَ اللهُ عمّارًا يومَ أسْلَمَ، ورحم الله عمّارًا يومَ قُتِلَ، ورحم الله عمّارًا يومَ يُبْعَثُ حيًّا، لقد رأيتُ عمّارًا وما يُذْكَرُ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أربعةٌ إلاّ كان رابعًا، ولا خمسةٌ إلاّ كان خامسًا، وما كان أحدٌ من قدماء أصحاب رسول الله يشكّ أنّ عمّارًا قد وَجَبَتْ له الجنّة في غير موطن ولا اثنين، فهَنيئًا لعمّار بالجنّة، ولقد قيل: إنّ عمّارًا مع الحقّ والحقّ معه، يَدورُ عمّار مع الحقّ أينما دار، وقاتلُ عمّار في النّار. وروي أنّ عليًّا صلّى على عمّار بن ياسر، وهاشم بن عتبة ــ رضي الله عنهما، فجعل عمّار ممّا يليه، وهاشمًا أمام ذلك.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال