تسجيل الدخول


إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

إبراهيم ابن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم:
أمه مارية القبطية؛ أهداها لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية هي وأختها سيرين، فوهب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، فهو وإبراهيم ابن النبي صَلَّى الله عليه وسلم ابنا خالة. ولدته أمه ماريّةُ القبطيّة في ذي الحجّة سنة ثمانٍ من الهجرة، وولَدتْه بالعالية في المال الذي يُقَال له اليوم: مَشْربة أم إبراهيم بالقُفِّ، وكانت قابَلتها سَلْمى مولاةُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ امرأة أبي رافع؛ فبشَّر أبو رافع به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فوهب له عَبْدًا، فلما كان يوم سابعه عقَّ عنه بكَبْش، وحلَق رأسَه، حلقَهُ أبو هند، وسمّاه يومئذ، وتصدَّق بوزن شَعْرِه وَرِقًا على المساكين، وأخذوا شَعْرَه فدفنوه في الأرض. هكذا قال الزّبير: سمّاه يوم سابعه. والحديثُ المرفوع أصحُّ من قوله هذا‏؛ فأنس؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم‏:‏‏ "‏وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيـّتُهُ بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 7/108، ومسلم في الصحيح 4/1807، كتاب الفضائل (43)، باب رحمته صَلَّى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه...(15)، حديث رقم (62/2315)، وأحمد في المسند 3/194، وعبد الرازق حديث رقم 7983، 7984، والبيهقي في السنن 4/69، وابن أبي شيبة 3/393، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 32208. وقال أنس: لما ولدت مارية جارية النبي صَلَّى الله عليه وسلم إبراهيم كان يَقعُ في نفس النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حتى أتاه جبريل عليه السّلام، فقال: "السّلَامُ عَلَيْكَ يَا أبَا إِبْرَاهِيمَ"(*). وقال الزّبير: ثم دفعه إلى أمِّ سيف؛ امرأةِ قَيْنٍ بالمدينة يقال له: أبو سيفَ‏، قال الزّبير أَيضًا: وتنافست الأنصار فيمن يُرْضِعه، وأَحبُّوا أَنْ يُفرِّغوا مارية للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لما يعلمون مِنْ هَوَاهُ فيها؛ وكانَتْ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قطعةٌ من الضأن تَرْعَى بالقُفّ، ولِقَاحٌ بذي الجَدْر تروح عليها، فكانت تُؤْتى بلبنها كلَّ ليلة فتشربُ منه وتسقي ابنَها، فجاءت أمُّ بُرْدة بنت المنذر بن زيد الأنصاريّ زوجة البَرَاء بن أَوْس، فكلّمَتْ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أَنْ ترضِعَه بلبنَ ابنها في بني مازن بن النّجّار، وترجع به إلى أمّه، وأعطى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمّ بردة قطعةً من نخل فناقلت بها إلى مال عبد الله بن زَمْعة، وذكر عليّ بن الحسين بن الجنيد الرّازي في "تاريخه" أن خديجة ولدت للنبي صَلَّى الله عليه وسلم بناته الأربع، ثم ولدت من بعد البنات: القاسم، والطّاهر، وإبراهيم، والطّيب، فذهبت الغلمة وهم مُرْضَعُون؛ ولم يذكر مارية القبطية. وقال في قصتها: ولدت إبراهيم ومات صغيرًا، فأخطأ إذ ظنَّ أن الأولاد كلهم من خديجة، وغفل عن مارية.
وفي صحيح مسلم عن أنس: ما رأيتُ أحدًا أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مُسْترْضَعًا في عَوَالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيأخذه ويقبِّله، فذكر قصةَ موته(*).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم‏:‏ ‏"إذَا دَخَلْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِمًا"‏‏(*)‏ وقال السُّدِّي: سأَلتُ أنـَس بن مالك: كم كان بلغ إبراهيمُ ابن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: قد كان ملأ مهْدَه، ولو بقي لكان نبيًّا، ولكن لم يكن ليَبْقَى؛ لأنَّ نبيكم آخر الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم‏. وقال ابن أبي خالد: قلت لابن أبي أوفى: أرأيْتَ إبراهيم ابن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: كان أشبه الناس به، مات وهو صغير، ولو قُدّرَ أنْ يكون بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم نبيٌّ لعاش، ولكنه لا نبيَّ بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم‏. قال أَبو عمر: هذا لا أدري ما هُوَ؟ وقد وَلَد نوح عليه السّلام مَنْ ليس نبيًا، وكما يلد غير النبيّ نبيًا فكذلك يجوز أن يلِدَ النبيُّ غير نبيّ والله أعلم. ولو لم يلد النبيُّ إلا نبيًا لكان كلُّ واحدٍ نبيًا؛ لأنه من ولد نوح عليه السّلام، وذا آدم نبي مكلم، وما أعلم في ولده لصُلْبه نبيًا غير شيث‏. وقال النَّوَوِيُّ في ترجمة إبراهيم من تهذيبه: وأما ما رُوي عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا فباطلٌ وجسارة على الكلام على المغيّبَات، ومجازفة وهجوم على عظيم. فقال ابن حجر: "وهو عجيب مع وُروده عن ثلاثة من الصحابة؛ وكأنه لم يظهر له وَجهْ تأويله فبالغ في إنكاره. وجوابه أنَّ القضيةَ الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا نظنُّ بالصّحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه".
وفي "صحيح البُخَارِيِّ" أن إبراهيم عاش سبعة عشر شهرًا أو ثمانية عشر شهرًا على الشكِّ، وروى السُّدِّيِّ، عن أنس، قال: تُوُفِيَّ إبراهيم ابنُ النَّبي صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ابن ستة عشر شهرًا. وقال البَراء: قد صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شَهْرًا(*). وقالت عَائِشَةُ: عاش ثمانية عشر شهرًا، وقال محمد بن المؤمّل: بلغ سبعة عشر شهرًا وثمانية أيام، وقيل: كانت وفاةُ إبراهيم في ربيع الأول، وقيل: في رمضان، وقيل: في ذي الحجة. وخطَّأ ابن حجر القول أنه مات في ذي الحجة من سنة عشر؛ لأن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع إلا إِن كان مات في آخر ذي الحجة. وقد حكى البيهقيّ قولًا بأَنه عاش سبعين يومًا فقط، فعلى هذا يكون مات سنة ثمان والله أعلم. وتُوُفِّي إبراهيم في بني مازن عند أمِّ بردة، وغسَّلته أَمّ بردة، وحُمِل من بيتها على سرير صغير، وصَلَّى عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالبقيع، وقال‏:‏ "نَدْفِنُهُ عِنْدَ فَرَطِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ‏"‏‏(*). وقال الواقديّ: توفِّي إبراهيمُ بن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الثلاثاء لعَشْرِ ليالٍ خَلَتْ من ربيع الأوّل سنة عشر، وقال محمّد بن عبد الله بن مؤمل المخزوميّ في تاريخه: ثم دخلت سنة عشر، ففيها تُوفِّي إبراهيم ابن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكُسفَت الشّمس يومئذ على اثنتي عشر ساعة من النّهار، وتُوفِّي وهو ابن ستة عشر شهرًا وثمانية أيّام. وقال غيره: تُوفِّي وهو ابنُ ستة عشر شهرًا وستة أَيام‏. وأرفعُ ما فيه ما ذكره محمد بن إِسحاق عن عائشة قالت: تُوفِّي إبراهيم ابن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابنُ ثمانية عشر شهرًا‏. وقال أنس في حديثه في موت إبراهيم، قال: فانطلق رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وانطلقْتُ معه، فصادفْنَا أبا سَيْف ينفخُ في كيره، وقد امتلأ البيت دخانًا؛ فأسرعْتُ في المَشْي بين يدَي رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى انتهيت إلى أبي سيف، فقلت: يا أَبا سيف، أَمْسِك؛ جاء رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأَمْسَك فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالصبيّ فضمَّه إليه، وقال: ما شاء الله أَن يقول. قال: فلقد رأَيتُه يَكِيد بنفسه، قال: فدمعَتْ عينا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ فقال‏: ‏"تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلاَ نَقُولُ إلاَّ ما يُرْضِي الرَّبَّ، وإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ‏"(*) أخرجه مسلم في الصحيح 4/1808، كتاب الفضائل (43)، باب رحمته صَلَّى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه (15)، حديث رقم (62/2315)‏‏. قال أَبو عمر: ثبتَ أَنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بكى على ابنه إبراهيمَ دون رَفْعِ صَوْتٍ، وقال‏:‏ ‏"تَدْمَعُ العَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرّبَّ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ‏"(*) أخرجه مسلم في الصحيح 4 / 1808، كتاب الفضائل (43)، باب رحمته صَلَّى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه (15)، حديث رقم 62 / 2315. وقال جابر: أَخذ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عبد الرّحمن بن عوْف؛ فأتى به النّخْل؛ فإذا ابنُه إبراهيم في حِجْر أُمه، وهو يكيد بنفسه، فأخذه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعه في حجره، ثم قال‏:‏ ‏"يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنّا لاَ نُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا‏"‏. ثم ذرفَتْ عيناه، ثم قال‏:‏ ‏"يَا إِبْرَاهِيمُ، لَوْلا أَنَّهُ أَمرٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صِدْقٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ أَوَّلَنَا لَحَزِنِّا عَلَيْكَ حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ، ويَحَزْنُ الْقَلْبُ، وَلاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرّبَّ‏"‏‏(*) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3 / 393. ووافق موته كسوف الشّمس، فقال قوم: إنّ الشمسَ انكسفت لموتِهِ، فخطبهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال‏:‏ ‏"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيـَتَانِ مِنْ آياتِ اللهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتهِ، فَإِذَا رَأْيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ‏"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 2 / 44، 46، 49، 4 / 132، 7 / 40، 182. ومسلم في الصحيح 2 / 618 كتاب الكسوف (10) باب صلاة الكسوف (1) حديث رقم (1 / 901، 3 / 901، 17 / 907) وأحمد في المسند 1 / 298، 358، 2 / 159، 3 / 318 والطبراني في الكبير 1 / 343، 17 / 210، 211، 292. ‏وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم حين تُوفي ابنهُ إبراهيم: "إنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ تُتِمُّ رَضَاعَهُ"(*) أخرجه أحمد في المسند 4 / 300، 302 والحاكم في المستدرك 4 / 38 وابن أبي شيبة في المصنف 3 / 379، 13 / 74 والبيهقي في دلائل النبوة 7 / 289 وذكره الهيثمي في الزوائد 9 / 165 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32211، 32221، 32222، 35546، 35555. وصلّى عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكبَّر أربعًا، هذا قول جُمهور أهل العلمِ، ورَوى ابنُ إسحاق عن عائشة أَنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دَفن ابْنَه إبراهيم ولم يصلِّ عليه(*) وقال أبو عمر: هذا غيرُ صحيح؛ لأنَّ الجمهورَ قد أجمعوا على الصّلاة على الأطفال إذا استهلوا وراثة وعملًا مستفيضًا عن السّلف والخَلَف، ولا أعلم أحدًا جاء عنه غيرُ هذا إلاَّ عن سمُرة بن جُنْدَب‏.‏ وقد يحتمل أن يكونَ معنى حديث عائشة أنه لم يصلَّ عليه في جماعةٍ أو أمرَ أصحابه فصلُّوا عليه ولم يحضرهم، فلا يكون مخالفًا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أوْلَى ما حُمِل عليه حديثُها ذلك‏. وقد قيل: إنَّ الفضل بن العبّاس غسَّل إبراهيم ونَزل في قبره مع أُسامة بن زيد، ورسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس على شفير القَبْر. قال الزّبير: ورُشَّ قبْرُه، وأُعلم فيه بعلامة. قال: وهو أوّل قَبْر رُشَّ عليه، وروى عن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "لَوْ عَاشَ إبْرَاهِيمُ لأَعْتَقْتُ أَخْوَالَهُ، وَلَوَضَعْتُ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ قِبْطِيّ"(*)أخرجه ابن ماجة في السنن 1 / 484 كتاب الجنائز (6) باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وذكر وفاته (27) حديث رقم 1511، وأورده في كنز العمال حديث رقم 35557، 32206.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال