تسجيل الدخول


عباس بن عبد المطلب

1 من 1
عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

(ب د ع) عَبَّاسُ بنُ عَبْد المُطَّلِبِ بن هَاشِم بن عبد مَنَافِ بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرَّة. عَمّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصِنْو أَبيه. يكنى أَبا الفضل، بابنه.

وأُمه نُتَيلة بنت جَنَاب بن كُلَيب بن مالك بن عَمْرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر ـــ وهو الضَّحْيان ـــ بن سَعْد بن الخزرج بن تيم الله بن النَّمِر بن قاسط. وهي أَول عَرَبِيّة كَسَتِ البيت الحرير والديباج وأَصناف الكسوة، وسببه أَن العباس ضاع، وهو صغير، فنذرت إِن وجدته أَن تكسو البيت، فوجدته، ففعلت.

وكان أَسن من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بثلاث سنين.

وكان العباس في الجاهلية رئيسًا في قريش، وإِليه كانت عِمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، أَما السقاية فمعروفة، وأَما عمارة المسجد الحرام فإِنه كان لا يدع أَحدًا يَسُب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هُجْرًا لا يستطيعون لذلك امتناعًا، لأَن مَلأَ قريشٍ كانوا قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أَعوانًا عليه.

وشَهِدَ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بيعةَ العقبة، لما بايعه الأَنصار، ليشدِّدَ له العقد، وكان حينئذ مشركًا وكان ممن خرج مع المشركين إِلى بدر مُكْرَهًا، وأُسر يومئذ فيمن أَسر، وكان قد شُدَّ وَثَاقُه، فسهِر النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم، فقال له بعض أَصحابه: ما يسهرك يا نبي الله؟ فقال: "أَسْهر لأَنِينِ العباس". فقام رجل من القوم فأَرخى وثاقه فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا لِي لَا أَسْمَعُ أَنِيْنَ الْعَبَّاسِ"؟ فقال الرجل: أَنا أَرخيت من وثاقه فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فَافْعَلْ ذَلِكَ بِالْأَسْرَى كُلِّهِمْ"(*)، وفَدَى يوم بدر نفسه وابني أَخويه: عَقِيل بن أَبي طالب، ونوفل بن الحارث، وأَسلم عقيب ذلك وقيل: إِنه أَسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إِسلامه، وكان بمكة يكتب إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَخبار المشركين، وكان مَنْ بمكة من المسلمين يَتَقَوُّونَ به وكان لهم عونًا على إِسلامهم، وأَراد الهجرة إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مُقَامُكَ بِمَكَةَ خَيْرٌ"، فلذلك قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بدر: "مَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ أُخْرِجَ كَرْهًا" وقصة الحجاج بن عِلاَط تشهد بذلك. وقال له النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "أَنْتَ آخِرُ الْمُهَاجِرِيْنَ كَمَا أَنَّنِي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ".

أَخبرنا أَبو الفضل الطبري الفقيه بإِسناده إِلى أَبي يَعْلى المَوْصِلي قال: حدثنا شُعَيْب بن سَلَمة بن قاسم الأَنصاري، من ولد رفاعة بن رافع بن خَدِيج، حدثنا أَبو مُصْعَب إِسماعيل ابن قيس بن زيد بن ثابت، حدثنا أَبو حازم، عن سهل بن سعد الساعدي قال: استأْذن العباسُ بن عبد المطلب النبي صَلَّى الله عليه وسلم في الهجرة، فقال له: "يَا عَمُّ، أَقِمْ مَكَانَكْ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَخْتِمُ بِكَ الْهِجْرَةَ كَمَا خَتَمَ بِي الْنُّبُوَّةَ" (*)أخرجه الطبراني في الكبير 6/ 190 وذكره الهيثمي 9/ 272..

ثم هاجر إِلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم وشهد معه فتح مكة، وانقطعت الهجرة، وشهد حنينًا، وثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انهزم الناس بحُنَيْنٍ.

وكان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم يُعَظّمه ويكرمه بعد إِسلامه، وكان وصولًا لأَرحام قريش، محسنًا إِليهم، ذا رَأْيٍ سديد وعقل غزير، وقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم له: "هَذَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا، وَأَوْصَلُهَا"، وَقَالَ: "هَذَا بَقِيَّةُ آبَائِي".

أَخبرنا إِبراهيم بن محمد وإِسماعيل بن علي وغيرهما قالوا بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى السلمي: حدثنا قتيبة، حدثنا أَبو عوانة، عن يزيد بن أَبي زياد، عن عبد اللّه بن الحارث قال:

حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أَن العباس دخل على النبي صَلَّى الله عليه وسلم مُغْضَبًا، وأَنا عنده. فقال: "ما أَغضبك؟" فقال: يا رسول الله، مالنا وَلقُرَيش؟ إِذا تلاقَوا بينهم تلاقوا بوجوه مُبْشَرَة وإِذا لَقُونا لقونا بغير ذلك. قال: فَغَضِب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى احمرّ وجهه. ثم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لله وَلِرَسُوْلِهِ". ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا الْنَّاسُ، مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي؛ فَإِنَّمَا عَمُّ الْرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ" (*)أخرجه الترمذي في السنن 5/ 610 كتاب (50) باب (29) حديث رقم 37580 وقال حديث حسن صحيح وأحمد في المسند 4/ 164..

وأَخبرنا أَبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه، أَخبرنا أَبو محمد يحيى بن علي الطراح، أَخبرنا أَبو الحسين بن المهتدي، أَخبرنا عمر بن شاهين، أَخبرنا محمد بن محمد بن سُليمان البَاغَنْدِي، حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك، حدثنا إِسماعيل بن عَيَّاش، عن صَفْوان بن عَمْرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن كَثير بن مُرّة عن عبد اللّه بن عُمَر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله اتَّخَذَنِي خَلِيْلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ تُجَاهَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَنَا مُؤمِن بَيْنَ خِلَيْلَيْنِ"(*) أخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 50 المقدمة رقم 141 والطبراني في الكبير 8/ 237، الحاكم في المستدرك 2/ 550..

روى عنه عبد اللّه بن الحارث، وعامر بن سعد، والأَحنف بن قيس، وغيرهم وله أَحاديث منها:

ما أَخبرنا به عبد الوهاب بن هبة الله بن أَبي حَبَّة بإِسناده إِلى عبد اللّه بن أَحمد قال: حدثني أَبي، حدثنا حُسَين بن علي، عن زائدة، عن يزيد بن أَبي زياد، عن عبد اللّه ابن الحارث، عن العباس قال: أَتيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقلت: عَلِّمْني ـــ يا رسول الله ـــ شيئًا أَدعو به قال: فقال: "سَلِ الْلَّهَ الْعَافِيَةَ" ثم أَتيته مرة أُخرى، فقلت: يا رسول الله علمني شيئًا أَدعو به فقال: "يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ الله، سَلِ الله الْعَافِيَةَ فِي الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(*) أخرجه أحمد في المسند 1/ 209..

أَخبرنا أَبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن هبة الله، وأَبو إِسحاق إِبراهيم بن أَبي طاهر بركات بن الخُشُوعِيّ وغيرهما؛ قالوا: أَخبرنا الحافظ أَبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الدمشقي، أَخبرنا أَبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن الفرحان السِّمْنَاني، أَخبرنا الأُستاذ أَبو القاسم القُشَيْرِي، أَخبرنا أَبو الحسين أَحمد بن محمد بن الخَفَّاف، أَخبرنا أَبو العباس السَّرَّاج، أَخبرنا أَبو معمر إِسماعيل بن إِبراهيم بن مَعْمَر، أَخبرنا الدّرَاوَرْدِي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إِبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس عبد المطلب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بالله رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِيْنًا، وَبمُحَمَّدٍ رَسُولًا"(*) أخرجه مسلم في الصحيح في كتاب الإيمان باب 11 حديث رقم 56 والترمذي في السنن 5/ 16 كتاب الإيمان (41) باب (10) حديث رقم 2623 وقال أبو عيسى حديث حسن صحيح وأحمد في المسند 1/ 208..

وأَخبرنا أَبو الفضل المخزومي الفقيه، بإِسناده إِلى أَحمد بن علي بن المُثَنَّى، قال: حدثنا محمد بن عباد، حدثنا محمد بن طَلْحَة، عن أَبي سهيل بن مالك، عن ابن المُسَيَّب، عن سعد قال: كنا مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم ببقيع الخيل، فأَقبل العباس فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هَذَا الْعَبَّاسُ عَمّ نبِيِّكُمْ، أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلَهَا"(*) أخرجه أحمد في المسند 1/ 185..

واستسقى عُمَرُ بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما عام الرَّمَادة لما اشتد القحط. فسقاهُمُ الله تعالى به، وأَخصبت الأَرض. فقال عمر: هذا والله الوسيلة إِلى الله، والمكان منه. وقال حسان بن ثابت: [الكامل]

سَأَلَ الْإِمَامُ وَقَدْ تَتَابَعَ جَدْبُنَا فَسَقَى
الْغَمَامُ
بِغُرَّةِ
الْعَبَّاسِ

عَمِّ الْنَّبِيِّ وَصِنْوِ وَالِدِهِ الَّذِي وَرِثَ
الْنَّبِيَّ بِذَاكَ دُونَ الْنَّاسِ

أَحْيِا الْإِلَهُ بِهِ الْبِلَادَ فَأَصْبَحَتْ مُخْضَرَّةَ
الأَجْنَابِ
بَعْدَ اليَاسِ

ولما سقي الناس طَفِقوا يتمسحون بالعباس، ويقولون: هنيئًا لك ساقي الحَرَمينِ.

وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه ويشاورونه ويأْخذون برأْيه، وكفاه شرفًا، وفضلًا أَنه كان يُعَزَّى بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم لما مات، ولم يَخْلُفْ من عَصَبَاتِه أَقربَ منه.

وكان له من الولد عشرةُ ذكور سوى الإِناث، منهم: الفضل، وعبد اللّه، وعبيد اللّه، وقثم، وعبد الرحمن، ومَعْبَد، والحارث، وكَثِير، وعَوْن، وتَمَّام، وكان أَصغر ولد أَبيه.

وأَضَرّ العباسُ في آخر عمره، وتوفي بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب، وقيل: بل من رمضان، سنة اثنتين وثلاثين، قبل قتل عثمان بسنتين. وَصَلّى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وكان طويلًا جميلًا أَبيض بَضًّا، ذا ضفيرتين.

ولما أُسِر يوم بدر لم يجدوا قميصًا يصلح عليه إِلا قميص عبد اللّه بن أُبيّ ابن سلول، فأَلبسوه إِياه ولهذا لما مات عبد اللّه بن أُبي كَفَّنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في قميصه. وأَعتق العباس سبعين عبدًا.

أَخرجه الثلاثة.
(< جـ3/ص 163>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال