تسجيل الدخول


عثمان بن مظعون الجمحي

1 من 1
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُوْنٍ

(ب د ع) عُثْمَان بن مَظْعُون بن حَبِيب بن وَهْب بن حُذَافة بن جُمَح بن عَمْرو بن هَصيص بن كعب بن لُؤيّ بن غالب القرشي الجُمَحي. يكنى أبا السائب، أُمه سخيلة بنت العَنْبَس بن أَهبان بن حُذَافة بن جُمَح، وهي أُم السائب وعبد اللّه ابني مظعون.

أَسلم أَول الإِسلام، قال ابن إِسحاق: أَسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر إِلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأُولى مع جماعة من المسلمين، فبلغهم وهم بالحبشة أَن قريشًا قد أَسلمت فعادوا.

أَخبرنا أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بُكَير عن ابن إِسحاق قال: فلما بلغ من الحبشة سجُود أَهل مكة مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَقبلوا ومن شاءَ الله منهم، وهم يرون أَنهم قد تابعوا النبي صَلَّى الله عليه وسلم. فلما دنوا من مكة بلغهم الأَمر فَثَقُل عليهم أَن يرجعوا، وتخوفوا أَن يدخلوا مكة بغير جوار، فمكثوا حَتى دخل كل رجل منهم بجوار من بعض أَهل مكة، وقدم عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة.

قال ابن إِسحاق: فحدثني صالح بن إِبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أَبيه، عمن حدثه قال: لما رأَى عثمان ما يلقى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَصحابه من الأَذى، وهو يغدو ويرح بأَمان الوليد بن المغيرة، قال عثمان: والله إِن غُدُوِّي وَرَواحي آمنًا بجوار رجل من أَهل الشرك، وأَصحابي وأَهلُ بيتي يلقون البلاءَ والأَذى في الله مالا يصيبني ــــ لنقص شديد في نفسي. فمضى إِلى الوليد بن المغيرة فقال: يا أَبا عبد شمس، وَفَت ذِمَّتك، قد كنت في جِوارك، وقد أَحببت أَن أَخرج منه إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلي به وأَصحابه أُسوةٌ. فقال الوليد: فلعلك ـــ يا ابن أَخي ـــ أُوذيت أَو انتهِكْتَ؟ قال: لا، ولكن أَرضى بجوار الله، ولا أُريد أَن أَستجير بغيره! قال: فانطلق إِلى المسجد، فاردُدْ علي جواري علانيةً كما أَجرتُك علانية! فقال: انطلق، فخرجا حتى أَتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاءَ ليرد عليّ جواري. فقال عثمان: صدق، وقد وجدته وفيًا كريم الجِوَار، وقد أَحببت أَن لا أَستجير بغير الله عز وجل، وقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان بن مظعون، ولبيدُ بن ربيعة بن جعفر ابن كلاب القيسي في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم: [الطويل]

* أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْلَّهَ بَاطِلُ *

فقال عثمان: صدقت. قال لبيد: [الطويل]

* وكُلُّ
نَعِيمٍ
لاَ مَحَالَةَ
زَائِلُ *

فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إِليه فقالوا للبيد: أَعِدْ علينا. فأَعاد لبيد، وأَعاد له عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإِنما يعني عثمان إِذا قال: "كذبت"، يعني نَعِيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: والله ـــ يا معشر قريش ـــ ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إِلى عثمان بن مظعون فلطم عينه، فاخْضَرَّت، فقال له من حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذِمَّة منيعة وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: جوار الله آمن وأَعَزُّ وعيني الصحيحة فقيرة إِلى ما لقيت أُختها ولي برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وبمن آمن معه أُسوة. فقال الوليد: هل لك في جواري؟ فقال عثمان: لا أَرَبَ لي في جوار أَحد إِلا في جوار الله.

ثم هاجر عثمان إِلى المدينة، وشهد بدرًا. وكان من أَشد الناس اجتهادًا في العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل، ويجتنب الشهوات، ويعتزل النساءَ، واستأْذن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في التبتل والاختصاءَ، فنهاه عن ذلك. وهو ممن حرم الخمر على نفسه، وقال: لا أَشرب شرابًا يُذْهِب عقلي، ويُضْحك بي من هو أَدنى مني.

وهو أَول رجل مات بالمدينة من المهاجرين، مات سنة اثنين من الهجرة، قيل: توفي بعد اثنين وعشرين شهرًا بعد شهوده بدرًا، وهو أَول من دفن بالبقيع.

أَخبرنا إِبراهيم بن محمد بن مهران وغيره قالوا بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن بَشَّار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عاصم بن عُبَيد اللّه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قَبَّل عثمان ابن مظعون وهو ميت، وهو يبكي، وعيناه تهراقان(*)أخرجه الترمذي في السنن 3/314 كتاب الجنائز (8) باب ما جاء في تقبيل الميت (14) حديث رقم 989 وأخرجه ابن ماجة في السنن 1/468 كتاب الجنائز باب ما جاء في تقبيل الميت حديث رقم 1456، وأحمد في المسند 6/43، 55، 206..

ولما توفي إِبراهيم ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَلْحَقْ بِالْسَّلَفِ الْصَّالِحِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ"(*) وروي أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال ذاك لابنته زينب عليها السلام.

وأَعلم النبي صَلَّى الله عليه وسلم على قبره بحجر، وكان يزوره.

وروى ابن عباس أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فانكب عليه ورفع رأْسه، ثم حنى الثانية، ثم حنى الثالثة، ثم رفع رأْسه وله شهيق وقال: "اذهب عنك أَبا السائب. خرجتَ منها ولم تلبس منها بشيءٍ".(*)

وروى يوسف بن مِهْران عن ابن عباس قال: لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأَته: هنيئًا لك الجنة! فنظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نظر المُغْضَب، وقال: "وما يدريك؟" فقالت: يا رسول الله، فارسك وصاحبك! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنِّي رَسُوْلُ الله، وَمَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِي"!.(*)

واختلف الناس في المرأَة التي قال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هذا، فقيل: كانت أُم السائب زوجته. وقيل: أُم العلاءَ الأَنصارية، وكان نزل عليها. وقيل: كانت أُم خارجة بن زيد. وقالت امرأَته ترثيه: [البسيط]

يَا عَينُ جُودِي بِدَمْعٍ غَيْرٍ مَمْنُونِ عَلَى
رَزِيَّةِ
عُثْمَانَ
بْنِ مَظْعُونِ

عَلَى امْرِئٍ بَاتَ فِي رِضْوَانِ خَالِقِهِ طُوبَى لَهُ مِنْ فَقِيْدِ الْشَّخْصِ مَدْفُونِ

طَابَ الْبَقِيْعُ لَهُ سُكْنَى وَغَرْقَدُهُ وَأَشْرَقَتْ
أَرْضُهُ مِنْ بَعْدِ تَعْيِينِ

وَأَوْرَثَ الْقَلْبَ حُزْنًا لاَ انْقِطَاعَ لَهُ حَتَّى الْمَمَاتَ، فَمَا تَرْقَى لَهُ شُونِي

وقالت أُم العلاءِ: رأَيت لعثمان بن مظعون عينًا تجري، فجئت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأَخبرته، فقال: "ذاك عمله".

أَخرجه الثلاثة.
(< جـ3/ص 589>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال