1 من 2
عِياض بن غَنْم بن زهير بن أبي شدّاد
ابن ربيعة بن هلال بن أُهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث بن فِهْر، أسلم قديمًا قبل الحُديبية وشهد الحديبية مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان رجلًا صالحًا سمحًا، وكان مع أبي عُبيدة بن الجرّاح بالشأم، فلمّا حَضَرَتْ أبا عُبيدة الوفاةُ ولي عياضُ بن غنم الّذي كان يليه، فسأل عمر بن الخطّاب: من اسْتَخْلَفَ أبو عُبيدة على عَمَله؟ قالوا: عياض بن غنم، فأقَرّه وكتب إليه: إني قد وَلّيْتُك ما كان أبو عُبيدة يليه فاعمل بالّذي يُحِقُّ اللهُ عليك.
قال أبو اليمان الحمصيّ عن صفوان بن عمرو عن أشياخ: إنّ عمر رَزَقَ عياض بن غنم حين ولاّه جند حمص كلّ يوم دينارًا وشاة ومدًّا.
قال محمّد بن عمر: فلم يزل عياض واليًا لعمر بن الخطّاب على حمص حتّى مات بالشأم سنة عشرين في خلافة عمر وهو ابن ستّين سنة، ومات وما له مالٌ ولا عليه دَيْنٌ لأحَدٍ.
(< جـ9/ص 402>)
2 من 2
عِيَاضُ بن غَنْمِ بن زُهَير
ابن أبي شَدّاد بنَ رَبِيعة بن هِلال بن أهيب بن ضَبَّةَ بن الحارث بن فِهرٍ.
أسلم عياضٌ قديمًا قبل الحُدَيْبِيَة، وشهد الحُدَيْبِيَة مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكانت عنده أُمّ الحَكَم بنت أَبِي سفيان بن حرب بن أُميَّة بن عَبْد شَمْس، فلما نزل القرآنُ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سورة الممتحنة: 10] يعني من غير أهل الكتاب، طَلَّق عِياضُ بن غَنْم الفِهْرِي أُمَّ الحكم بنت أبي سفيان يومئذٍ، فتزوجها عبد الله بن عثمان الثَّقَفِيّ، فولدت له عَبْدَ الرحمن بن أُمِّ الحَكَم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أَبِي سَبْرَة، عن إسحاق بن عبد الله بن أَبِي فَرْوَة، عن مَكْحُولٍ، قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني مصعب بن ثابت، عن نافع مولى عُمَر، قال: وأخبرنا محمد بن عمر: قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد عن موسى بن عُقْبة. قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا محمد بن أَبِي سَبْرَة، عن عَقِيل بن خالدٍ، عن الزُّهْرِيّ. دخل حديثُ بعضهم في حديثِ بعضٍ قالوا: لما حَضَرت أَبَا عُبَيْدة بن الجَرّاح الوفاة وَلَّى عِياضَ بن غَنْم عَمَلَه الذي كان يليهِ، وكان عياضُ رجلًا صالحًا، فلما نُعي أبو عُبَيْدة إلى عُمر أكثر الاسترجاع والتَّرَحُّم عليه وقال: لاَ يَسُدُّ مَسَدَّك أَحدٌ. وسألَ من استخلف على عمله؟ قالوا: عِيَاض بن غَنْم، فَأَقَرَّه وكتب إليه: إني وليتك ما كان أبو عُبَيْدة بن الجَرّاح يَليه، فاعمل بالذي يُحِقُّ الله عليك، وكتب إليه كتابًا طويلًا يأمرهُ فيه وينهاه.
وكان عِيَاضُ بن غَنْم رجلًا سمحًا، وكان يعطي مَا يَمْلِك لاَ يَعْدُوه إلى غيره، لرُبَّما جاءه غُلاَمُهُ فيقول: ليس عندنا ما تتغدَّوْن به، فيقول: خُذْ هذا الثوبَ فََبِعْهُ السَّاعَةَ فَاشْتَرِ به دَقِيقًا فيُقال له: سبحان الله! أَفَلاَ تَقْتَرض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غدٍ ولا تبيع ثوبك؟! فيقول: والله لَأَنْ أُدخل يَدي في جُحْر أَفْعَى فتنال مِنِّي مَا نَالَتْ، أحبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أُطمِع نفسي في هذا الذي تقول، فلا يزال يُدافع الشَّيءَ بالشَّيءِ حتى يأتي وقتُ رِزقهِ فَيأْخُذَهُ فيتوسَّع فيه، فمن أدركه حين يأخذ رِزْقَه غَنِم، ومن تركه أيامًا لم يجد عنده درهمًا واحدًا فكُلِّّم عُمَرُ بن الخطاب في عياضٍ أشدَّ الكلام وقيل له: إنّ عياضًا رجلٌ يبذِّرُ المال لا يمسكُ في يده شيئًا، وإنما عزلتَ خالد بن الوليد لأنه كان يُعطي الناس دُونَك! فقال عمر: إِنّ سماحَ عياض في ذات يده حتى لا يُبقى منه شيئًا فإذا بلغ مالَ الله لم يُعط منه شيئًا، مع أني لم أكُنْ لأعزلَ أميرًا أمَّرَهُ أبو عُبَيْدة بن الجَرّاح وأَبَى إلاّ توليتَهُ فرأى من عياض كل ما يحب.
فكان عَلَى حِمْص، فكان إذا غزا الشام وجهًا فَغَنِم رجع إلى حِمْص، وكان افتتاح الجزيرة والرُّهَا وحَرَّان والرِّقّة على يديه سنة ثمان عشرة، صالحهم صلحًا وكتب بينهم كتابًا، ووضع الخراج على الأرض فكان ينظر إلى الأرض وما تحمل فيضعُ عليها، ومنها أَرْضُ عُشْر لا يجاوزُ به غَيْرَه. وأبطأ بالخراج عن وقته فكتب إليه عمر بن الخطاب:
إنك قد أبطأتَ بالخراج عن وقته، وقد عرفتَ موقعَ الخراج من المسلمين، وأَنه قوةٌ لهم على عدوهم، ولفقيرهم وضعيفهم، وقد عرفتَ الموضعَ الذي أَنَابِهِ وَمَنْ معي من المسلمين، إنما هو كَرِشٌ مَنْثُورٌ، فاجددْ في أخذ الخراج في غير خَرَقٍ وَلاَ وَهْنٍ عنهم.
فلما جاء كتابُ عمر أَخَذَهم بالخراج أَشَدَّ الأَخْذ، حتى أقامهم في الشمس ونال منهم، ثم جَمَع الخراجَ في أيام، فحمله إلى عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أَبِي سَبْرَة، عن موسى بن عُقْبَة، قال: لمَّا وَلِيَ عياضُ بن غَنْم قدِمَ عليه نفرٌ من أهل بيته يطلبون صِلَتَه ومعروفه، فلقيهم بالبِشر وأنزلهم وأكرمهم، فأقاموا أيامًا، ثمّ كلَّموه في الصِّلَة وأخبروه بما تَكلَّفوا من السفر إليه رجاءَ معروفِه، فَأَعْطَى كلَّ رجلٍ منهم عشرةَ دنانير، وكانوا خمسةً، فَرَدُّوها وتَسَخَّطُوا ونالوا مِنْه، فقال: أيّ بني عمّ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقّكم وَلاَ بُعْدَ شُقَّتِكم، ولكن والله ما خَلَصتُ إلى ما وصلتُكم به إِلاّ ببيع خادمي وبيعِ ما لا غِنَى بي عنه، فاعذروني، قالوا: والله ما عذركَ الله، إنك وَالِي نصف الشام وتُعطى الرجل منا ما جُهدهُ أن يبلغَهُ إلى أهله، قال: فتأمروني أَسرِق مالَ الله! لَأَنْ أُشَقَّ بالمنشار وأُبْرى كما يُبْرى السَّفَن أحبُّ إِلَيّ مِنْ أخون فَلْسًا، أو أتعدَّى فأحملَ على مسلم ظُلْمًا أو على مُعاهدٍ! قالوا: قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك، فولِّنا أعمالًا من أعمالك نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الناسُ إليك، ونُصِيبُ مما يُصِيبون من المنفعة، فأنت تعرفُ حَالَنَا وَأَنَّا ليس نعدو ما جعلتَ لنا. قال: والله إني أعرفكم بالفضل والخير، ولكنْ يبلغُ عمرَ بن الخطاب أَنِّي ولَّيتُ نفرًا من قومي فيلومني في ذلك، ولستُ أحتمِلُ أن يلومني في قليلٍ ولا كثير. قالوا: فقد وَلاَّكَ أبو عبيده بن الجَرّاح وأنت منه في القرابة بحيث أنت، فأنفذ ذلك عمر، ولو ولَّيتنا فبلغ عمر أنفذَهُ. فقال عياضٌ إني لست عند عمر بن الخطاب كَأَبِي عُبَيْدة بن الجَرّاح، وإنما أنفذَ عمرُ عهدي على عملٍ لقول أَبِي عُبيدة فِيّ وقد كنتُ مستورًا عند أبي عبيدة فقال فِيّ، ولو علم ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عَنِّي، فانصرف القوم لاَئمين لعياض بن غَنْم. ومات عِيَاض يوم مات ومَا لَهُ مالٌ ولا عليه دَيْنٌ لأحدٍ، وتُوفي بالشام سنة عشرين وهو ابن ستين سنة.
(< جـ5/ص 94>)