النعمان بن بشير الأنصاري
كان يُكنى أبا عبد الله، ووُلِدَ قبل وفاة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بثمان سنين، قيل: وُلِد هو وعبد الله بن الزّبير عام اثنين من الهجرة في ربيع الآخر على رأس أربعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالمدينة، وروى يَزيد بن النعمان بن بَشِير، عن أبيه قال: أنا أول من وُلِدَ من الأنصار بالمدينة بعد هجرة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأتت بي أُمِّي عَمْرةُ بن رَوَاحة أخت عبد الله بن رَوَاحة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحَنَّكَنِي بتمرةٍ فَتَلَمَّظْتُ منها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الأنصارُ وحبّها التمر". قال محمد بن صالح: إنّ عَمْرَةَ أتت بهِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم يوم سَابِعِهِ وعليه شعر البطن، فَأَبَى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يُترك عليهِ وقال: "احلقوا عنه شَعرَ البطن" فحلق رأسهُ ثم بَرَّكَ عليهِ وقال: "عُقُّوا عنهُ بشاةٍ"، وذلك في شهر ربيع الآخر على رأس أربعة عشر شهرًا من الهجرة.
وأُمّهُ عَمْرةُ بنت رَوَاحَةَ أخت عبد الله بن رَوَاحة بن ثَعْلبة، وقال عاصم بن عُمر بن قَتَادة: جاءت عَمْرةُ بنت رَوَاحَة تحمل ابنها النُّعمانَ بن بَشِير في ليفه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فدعا بتمرةٍ، فمضغها، ثم حَنَّكَهُ بها، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يكثر مالهُ وولده، فقال: "أَوَ ما ترضين أن يعيش كما عاش خَالهُ؟ عاشَ حميدًا، وقُتِلَ شهيدًا، ودخلَ الجنة".
وكان آخر غزوة غزاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تبوكا سنة تسع، والنعمان يومئذٍ ابن سبع سنين. وكان كعب يقول: ليؤمّرنّ على جند حمص أميرٌ أشهل العينين، طويل الأرنَبةِ، كثّ اللحيةِ، حلو اللسان، مُرّ القلب، فَلَيُصِيبُنَّهُ بقارعة، فذكروا النعمان بن بشير.
والنعمان مشهور، له ولأبيه صحبة، وكان كريمًا جوادًا شاعرًا؛ ويروى أن أعشى همدان تعرَّض ليزيد بن معاوية، فحرمه، فمرّ بالنعمان بن بشير الأنصاريّ وهو على حمص، فقال له: ما عندي ما أعطيك، ولكن معي عشرون ألفًا من أهل اليمن! فإنْ شئتَ سألتهم لك، فقال: قد شئت، فصعد النّعمان المنبر، واجتمع إليه أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أعشى همدان، فقال: إن أخاكم أعشى همدان قد أصابَتْه حاجةٌ، ونزلت به جائحة، وقد عمد إليكم؛ فما ترون؟ قالوا: دينار دينار، فقال: لا، ولكن بين اثنين دينار، فقالوا: قد رضينا، فقال: إن شئتم عجلتها له من بيْت المال من عطائكم، وقاصصتكم إذا أخرجت عطاياكم، قالوا: نعم، فأعطاه النّعمان عشرة آلاف دينار من أعطياتهم، فقبضها الأعشى وأنشأ يقول:
ولَمْ أَرَ لِلْحَاجَاتِ عِنْدَ انْكِمَاشِهَا كَنُعْمَان ـــ أعني ذا النَّدَى ــ ابن بَشِيرِ.
وقال النّعمان بن بشير: أُهدي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عنَب من الطّائف؛ فقال لي: "خُذْ هَذَا الْعُنْقُودَ فَأَبْلِغْهُ أُمَّكَ" قال: فأكَلْتُهُ قبل أن أبلغه إياها، فلما كان بعد ليالٍ قال: "مَا فَعَلَ الْعُنْقُودُ؟ هَلْ بَلَّغْتَ"؟ قلت: لا، فسماني غدرًا.
استعمل معاوية النعمان بن بشير على الكوفة، وكان والِله من أخطبِ من أهل الدنيا يتكلّم.
وروي عن النعمان بن بَشِير أَنه قال: إِن أَباه أَتَى به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: إِني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا"؟ قال: لا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فَأَرْجِعْهُ".
وروى الشّعبي، عن النعمان بن بَشِير قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لاَ يَدْرِي كَثِيْرٌ مِنَ الْنَّاسِ أَمِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ؟ فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ" .
قُتل النّعمان بقرية من قرى حمص يقال لها: بيران سنة أربع وستين.