تسجيل الدخول


النعمان بن بشير الأنصاري

النُّعْمَانُ بن بَشِير بن ثعلبة، وقيل: ابن سَعْد الأَنصاري الخزرجي البَدْريّ، من بني كعب بن الحارث بن الخزرج:
كان يُكنى أبا عبد لله، ووُلِدَ قبل وفاة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بثمان سنين،‏ ‏وقيل:‏‏ بست سنين، والأول أصح إن شاء الله تعالى؛ لأنّ الأكثر يقولون: إنه وُلِد هو وعبد الله بن الزّبير عام اثنين من الهجرة في ربيع الآخر على رأس أربعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالمدينة، وروى يَزيد بن النعمان بن بَشِير، عن أبيه قال: أنا أول من وُلِدَ من الأنصار بالمدينة بعد هجرة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأتت بي أُمِّي عَمْرةُ بن رَوَاحة أخت عبد الله بن رَوَاحة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحَنَّكَنِي بتمرةٍ فَتَلَمَّظْتُ منها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الأنصارُ وحبّها التمر"(*). قال محمد بن صالح: إنّ عَمْرَةَ أتت بهِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم يوم سَابِعِهِ وعليه شعر البطن، فَأَبَى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يُترك عليهِ وقال: "احلقوا عنه شَعرَ البطن" فحلق رأسهُ ثم بَرَّكَ عليهِ وقال: "عُقُّوا عنهُ بشاةٍ"(*)، وذلك في شهر ربيع الآخر على رأس أربعة عشر شهرًا من الهجرة.
وأُمّهُ عَمْرةُ بنت رَوَاحَةَ أخت عبد الله بن رَوَاحة بن ثَعْلبة، وقال عاصم بن عُمر بن قَتَادة: جاءت عَمْرةُ بنت رَوَاحَة تحمل ابنها النُّعمانَ بن بَشِير في ليفه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فدعا بتمرةٍ، فمضغها، ثم حَنَّكَهُ بها، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يكثر مالهُ وولده، فقال: "أَوَ ما ترضين أن يعيش كما عاش خَالهُ؟ عاشَ حميدًا، وقُتِلَ شهيدًا، ودخلَ الجنة"(*). وكان آخر غزوة غزاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تبوكا سنة تسع، والنعمان يومئذٍ ابن سبع سنين. وقال أبو عون: سمعت جابر بن عبد الله وهو يذكر النعمان بن بشير وهو يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال أبو عون لجابر: يا أبا عبد الله، أيكما أَسَنّ؟ فقال: "أنا أسَنّ منه بنحوٍ من عشرين سنة، لقد جَهدت أن أغزو بَدْرًا مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَبِِي يومئذٍ حبسني على بناته، وما وُلِدَ النعمان إلاّ قبل بدر بثلاثة أشهر، أو أربعة أشهر". وقال أَبِو الأَسْود: ذُكر النعمان بن بشير عند ابن الزبير فقال: هو أسَنّ مني بستة أشهر. وقال أبو الأسود: وَوُلِد ابنُ الزبير على رأس عشرين شهرًا من مهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ووُلد النعمان بن بَشِير في شهر ربيع الآخر على رأس أربعةَ عشر شهرًا.
ووَلَدَ النُّعمانُ بن بَشِير: عبدَ الله؛ وبه كان يُكنى، ومات لم يترك نسلا؛ ومحمدًا، وأَمَةَ الله، وحَبِيَبةَ؛ وأُمُّهم أم عبد الله بنتُ عمرو بن جرْوَةَ، من بني الحارث بن الخزرج. ويزيدَ، وأبان، وأُمَّ أبان؛ تزوجها الحجّاج بن يوسف؛ وأُمُّهم نائِلة بنتُ بَشِير بن عمارة، مِنْ كلبٍ ثم مِنْ بني مَاوِيةَ ثم أَحَد بني جَبار، والوليدَ، ويحيى، وبشيرًا؛ وأُمّهم أُمّ ولد، وأّمَّ محمد وهي حُمَيْدة؛ تزوجها رَوْحُ بن زِنْباع الجُذَامِيّ؛ وأُمّها ليلى بنت هانئ بن الأسود، مِنْ كندة، ثم مِنْ بني الحارث، وعَمرةَ؛ تزوجها المختار بن أَبِي عُبيد الثَّقَفِي، وهي التي قتلها مصعب بن الزبير؛ وأُمّها ليلى بنت هانئ الكِنْدِي، وقال محمد بن عمر: ونزل النعمانُ بن بَشِير وولدُهُ الشامَ، والعراقَ زمن معاوية، ثم صار عامّتهم بعد ذلك إلى المدينة، وبغداد، ولهم بَقِيَّةٌ وعَقِبٌ.
وكان كعب يقول: ليؤمّرنّ على جند حمص أميرٌ أشهل العينين، طويل الأرنَبةِ، كثّ اللحيةِ، حلو اللسان، مُرّ القلب، فَلَيُصِيبُنَّهُ بقارعة، فذكروا النعمان بن بشير.
والنعمان مشهور، له ولأبيه صحبة، وكان كريمًا جوادًا شاعرًا؛ ويروى أن أعشى همدان تعرَّض ليزيد بن معاوية، فحرمه، فمرّ بالنعمان بن بشير الأنصاريّ وهو على حمص، فقال له:‏ ما عندي ما أعطيك، ولكن معي عشرون ألفًا من أهل اليمن! فإنْ شئتَ سألتهم لك، فقال‏:‏ قد شئت، فصعد النّعمان المنبر، واجتمع إليه أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أعشى همدان، فقال: إن أخاكم أعشى همدان قد أصابَتْه حاجةٌ، ونزلت به جائحة، وقد عمد إليكم؛ فما ترون؟‏‏ قالوا: دينار دينار‏، فقال:‏ لا، ولكن بين اثنين دينار، فقالوا:‏ ‏قد رضينا‏، فقال:‏ إن شئتم عجلتها له من بيْت المال من عطائكم، وقاصصتكم إذا أخرجت عطاياكم،‏ قالوا:‏ نعم، فأعطاه النّعمان عشرة آلاف دينار من أعطياتهم، فقبضها الأعشى وأنشأ يقول:
ولَمْ أَرَ لِلْحَاجَاتِ عِنْدَ انْكِمَاشِهَا كَنُعْمَان ـــ أعني ذا النَّدَى ــ ابن بَشِيرِ
إِذَا قَالَ أَوْفَى بِالمَقَالِ وَلَمْ يكُـنْ كَمُدْلٍ إِلَى
الأَقْوَامِ
حَبلَ
غُرورِ
فَلَوْلَا أَخُو الأَنْصَارِ كُنْتُ كَنَازِلٍ ثَـوَى مَا ثَوَى
لَمْ
يَنْقَلِبْ
بِنَقِيرِ
مَتَى أَكْفُرِ النُّعْمَانَ لمَ ْأَكُ شَاكِرًا وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ
بِشكُورِ
والنعمان بن بشير هو القائل ــ فيما زعم أهْلُ الأخبار ورواة الأشعار‏:
وَإِنِّي لأعطِي المَالَ مَنْ
ليس سَائلًا وَأُدْرِكُ
لِلْمَوْلَى
المُعَانِد بِالظُّلْمِ
وَإِنِّي مَتَى
مَا يَلقَنِي
صَارِمًا لَهُ فَمَا بيْننا
عِنْدَ
الشَّدَائِـدِ مِنْ
صرْمِ
فَلَا تَعْدُدِ المَوْلَى
شَرِيكَكَ فِـي الغِنَى
وَلَكِنَّمَا المَوْلَى شَرِيكُكَ
فِي
الـعدْمِ
إِذَا مَتَّ ذوُ القُرْبَى
إِلَيْكَ
بِرَحْمِهِ
وَغَشَّكَ وَاسْتَغْنَى، فَلَيْسَ بِذِي رَحْمِ
وَمَنْ
ذَاكَ لِلْمَوْلـَى
الَّذِي
يَـسَْـخِفهُ أَذَاكَ وَمَنْ يَـرْمي العَدوَّ الَّـذِي تَرْمِي
وقال النّعمان بن بشير: أُهدي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عنَب من الطّائف؛ فقال لي:‏ ‏"‏خُذْ هَذَا الْعُنْقُودَ فَأَبْلِغْهُ أُمَّكَ‏"‏‏ قال: ‏فأكَلْتُُهُ قبل أن أبلغه إياها، فلما كان بعد ليالٍ قال: ‏"‏مَا فَعَلَ الْعُنْقُودُ؟ هَلْ بَلَّغْتَ‏"؟‏ قلت‏:‏ لا، فسماني غدرًا(*) أخرجه ابن ماجه في السنن 2/1117 كتاب الأطعمة (29) باب أكل الثمار (61)، حديث رقم (3368). وفي حديث بقية: فأَخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأُذني وقال لي‏:‏ ‏"‏يَا غَدْرُ‏".‏‏ ‏وفي حديث بقيّة أيضًا:‏ إنه أعطاني قطفين من عِنب، فقال لي: "كُلْ هَذَا، وَبَلِّغْ هَذَا إِلى أُمِّكَ"، فأكلتهما، ثم سأل أمّه، وذكر الخبر. وذكر سِماك بن حرب أنّ معاوية استعمل النعمان بن بشير على الكوفة، وكان والِله من أخطبِ مَنْ سمعتُ من أهل الدنيا يتكلّم.
وقال أَبُو الأسود: أَرَى النعمان يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا يقول: سمعت، وقال مصعب بن ثابت وابن الزبير: لم يغزُ مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم ولا يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وروَى النعمان عن النّبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن خالد بن عبد الله بن رَواحة، وعُمر، وعائشة، وروى عنه ابناه: محمد، وبشير، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن، وخيثمة، وسماك بن حرب، وسالم بن أَبي الجعد، وأَبو إِسحاق السَّبيعي، وعبد الملك بن عمير، وعُروة، وأبو قلابة، وغيرهم. وروى ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن ــ وعن محمد بن النعمان بن بَشِير يحدثانه، عن النعمان بن بَشِير أَنه قال: إِن أَباه أَتَى به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: إِني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا"؟ قال: لا، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فَأَرْجِعْهُ"(*) أخرجه البخاري 5 / 211 في الهبة باب الهبة للولد (2586) ومسلم 3 / 1241، 1242 في الهبات باب كراهة تفضيل بعض الأولاد (9 / 1623) وأخرجه الشافعي كما في البدائع (1369، 1370) ومالك في الموطأ (752) والترمذي (1367) وأحمد 4 / 271، 273، وابن ماجة (2376) والبيهقي 6 / 176..
وروى الشّعبي، عن النعمان بن بَشِير قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لاَ يَدْرِي كَثِيْرٌ مِنَ الْنَّاسِ أَمِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ؟ فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ"(*) أخرجه البخاري 1 / 126 في الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه (52) وفي 4 / 290 في كتاب البيوع (2051) وأخرجه مسلم 3 / 1219 في المساقاة (107 / 1599) وأخرجه الدارمي 2 / 245 وابن ماجة (3984) والطبراني في الصغير 1 / 19 وفي الكبير 10 / 404.، وقال أَبو عمر: لا يُصَحِّحُ بعضُ أَهل الحديث سماعَه مِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو عندي صحيح، لأَن الشعبي يقول عنه: "سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم". وقال محمد بن عمر: فأمّا أهل الكوفة فَيَرْوُونَ عنه روايةً كثيرةً يقول فيها: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. يدل على أنه أكبر سنًّا مما رَوَى أهلُ المدينة في مولده، منها ما رواه يُسَيع، عن النّعمان بن بَشِير قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "أفضل العبادة الدعاء"(*) في أحاديث كثيرة رواها النعمان بن بشير عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول فيها: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر: كان النعمان بن بَشِير ممِّن نصر عثمان بن عفان وهو خرج إلى الشام بقتلِهِ، قال عبد المجيد بن سُهَيل بن عبد الرحمن بن عوف: لما قُتِل عثمان كَتَبَت نائِلة بنت الفُرَافِصَةَ إلى معاوية وأهل الشام بما كان من قتله، وَوَصَفَت لهم أَمْرَهُ، وَبَعَثَت إليهم بقَمِيصِه الذي قتل وهو عليه ودمهُ فيه، وبَعَثَت بذلك مع النعمان بن بَشِير، فَقَدِم النعمانُ الشامَ فدفع ذلك إلى معاوية، وقال شعبة بن عبد العزيز: كان قاضي دمشق بعد فضالة بن عبيد، وكان النّعمان أميرًا على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر، فأقام بها، وكان عثمانيًّا، ثم نقله معاوية من إمرة الكوفة فجعله أميرًا على حمص، ثم وليها ليزيد.
وروى عبد الملك بن عُمَير أَنّ بَشِير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع لابني هذا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن يبلغ ما بلغت؟ ثم يأتي الشام، فيقتلُهُ منافقٌ من أهل الشام"(*)، قال الهيثم: ولما مات يزيد بن معاوية، واستخلف معاوية بن يزيد، ومات عن قُرْب دعا النعمانُ إلى ابن الزَّبير ثم دعا إلى نفسه، فواقعه مروان بن الحكم بعد أن واقع الضَّحاك بن قيس، فقُتِل النّعمان بن بشير؛ وذلك في سنة خمس وستين، ولما بلغه وقعة راهط وهزيمة الزّبيرَية، وقَتْل الضّحَاك خرج عن حمص هاربًا، فسار ليلة متحيِّرًا لا يَدْرِي أين يأخذ، فاتبعه خالد بن عدي الكلابيّ فيمن خفَّ معه من أهل حمص، فقتلوه، واحتزُّوا رأسه، فقالت امرأته الكلبية: أَلقوا رأسه في حجري، فأنا أحقُّ به،‏ وكانت قبله عند معاوية بن أبي سفيان، فقال لامرأته ميسون أم يزيد: اذهبي فانظري إليها؛ فأَتَتْهَا، فنظرت، ثم رجعت فقالت: ما رأيْتُ مثلها، ثم قالت‏: لقد رأيتها ورأيت خالًا تحَتَ سرتها، ليوضعنّ رأس زوجها في حجرها، فتزوَّجها حبيب بن سلمة ثم طلّقها، فتزوَّجها النّعمان بن بشير، فلما قُتل وضعوا رأسه في حجرها، وبعثوا برأسه إلى مروان، وقال الحسن بن عثمان:‏ وفي سنة أربع وستين قتلت خَيْلُ مروان النّعمانَ بن بشير الأنصاريّ، وهو هارِبٌ من حمص‏، وقال أبو بكر بن عيسى:‏ قُتل النّعمان بقرية من قرى حمص يقال لها‏: بيران.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال