تسجيل الدخول


أبان بن سعيد بن العاص بن أمية

أبَانُ بن سعيدِ بْنِ العَاصِ القرشيُّ الأمويُّ:
أمه هند بنت المغيرة بن عبد الله، وقيل: صفية بنت المغيرة؛ عمة خالد بن الوليد بن المغيرة، يجتمع هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في عبد مناف، وكان لأبيه سعيد بن العاص ثمانية بنين ذكور منهم ثلاثة ماتوا على الكُفْر: أحيحة، وبه كان يُكْنى سَعيد بن العاص بن أمية، قُتل أُحيحة بن سعيد يوم الفجار، وخمسة أدركوا الإسلام، وصَحِبُوا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهم: خالد، وعَمْرو، وسعيد، وأبان، والحكم بنو سعيد بن العاص، إلا أنَّ الحكَم منهم غيَّر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اسمَه فسمَّاه عبد الله، ولا عَقِبَ لواحدٍ منهم إلا العاص بن سعيد فإنّ عقب سعيد بن العاص أبي أحيحة، كلهم منه، ومن ولده سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، استعمله معاوية على المدينة، وهو والد عمر بن سَعيد الأشدق، الذي قتله عبد الملك بن مَرْوَانَ.
قال عبد الله بن عَمْرو بن سعيد بن العاص: كان خالد بن سعيد وعَمروُ بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبي أُحَيْحَةَ سعيد بن العاص على ما هم عليه ولم يُسْلِموا، حتى كان نَفِيرُ بدرٍ، فلم يتخلف منهم أَحَدٌ خرجوا جميعًا في النفير إلى بَدْرٍ، فَقُتِل العاصُ بن سعيد عَلَى كُفْرِه، قتله عليّ بن أبي طالب، وعُبَيْدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام، وأفلت أبان بن سعيد، فجعل خالد وعَمْرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نُذِكركَ الله أن تموت على ما مات عليه أبوك، وعَلَى ما قُتِل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أُفارِق دين آبائي أبدًا، وأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكةَ على دين الشرك، حتى قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الحُدَيْبِية وبعث عثمانَ بنَ عفان إلى أهل مكة، فتلقَّاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلّغ رسالةَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم،وقال في ذلك شعرا:
أَسْبِلْ وَأَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ أَحَدًا بَنُو سَعِيدٍ أَعِزَّةُ الحَـرَمِ
وكانت هدنة الحديبية، وأقبل خالدٌ وعمرٌو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشة في السَّفِينَتَيْن، وكانا آخر من خرج منها، ومع خالد وعَمْرو أهلُهما وأولادُهما، فلما كان بالشُّعَيْبَة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولًا وكَتَبا إليه: يدعوانه إلى اللهِ وحدَهُ وإلى الإسلام فأجابهما، وخرج في إثرهما حتى وافاهما بالمدينة مُسْلِمًا، ثم خرجوا جميعًا حتى قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بخيبر سنة سبع من الهجرة، وقال أبو عمر: أسلم أبان بين الحديبية وخيبر، وكانت الحديبية في ذي القعدة من سنة ست، وكانت غزوة خيبر في المحرم سنة سبع، وقال أبو نعيم: أسلم قبل خيبر وشهدها، وهو الصحيح؛ لأنه قد ثبت عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص في سرية من المدينة، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، وقال ابن منده: تقدم إسلام أخيه عمرو؛ يعني: أخا أبان، قال: وخرجا جميعًا إلى أرض الحبشة مهاجرين، وأبان بن سعيد تأخَّر إسلامه، هذا كلام ابن منده، وهو متناقض، وهو وهم؛ فإن مهاجرة الحبشة هم السابقون إلى الإسلام، ولم يهاجر أبان إلى الحبشة، وكان أبان شديدًا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والمسلمين، وكان سبب إسلامه أنه خرج تاجرًا إلى الشام، فلقي راهبًا فسأله عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: إني رجل من قريش، وإن رجلًا منا خرج فينا يزعم أنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أرسله مثل ما أرسل موسى وعيسى، فقال ما اسم صاحِبِكُمْ؟ قال: محمد، قال الراهب: إني أصفه لك، فذكر صفة النبي صَلَّى الله عليه وسلم وسنه ونسبه، فقال أبان: هو كذلك، فقال الراهب: والله، ليظهرنَّ على العرب، ثم ليظهرنَّ على الأرْضِ، وقال لأبان: اقرأ على الرجل الصالح السلام، فلما عاد إلى مكة سأل عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يقل عنه وعن أصحابه كما كان يقول، وكان ذلك قبيل الحديبية، ثم إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سار إلى الحديبية، فلما عاد عنها تبعه أبان فأسلم وحسن إسلامه قاله الوَاقِدِيُّ، ووافقه عليه أهلُ العلم بالأخبار وهو المشهور، وخالفهم ابنُ إسحاق فعدّ أبان فيمن هاجر إلى الحبشة ومعه امرأتهُ فاطمة بنت صفوان الكنانية، فالله أعلم. ويروى أن سعيد بن العاص قال: لما قُتِل أبي يوم بَدْر كنت في حِجْر عمي أبان بن سعيد بن العاص، وكان وليّ صدق، فخرج تاجرًا إلى الشام فذكر قصة طويلة اتفقَتْ له مع راهب يقال له "يكا"وذكر الخبر المذكور.
قال البُخَاريُّ، وأََبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وابْنُ حِبَّانَ: له صحبة، وكان أبوه من أكابر قريش، وله أولاد نجباء، أسلم منهم قديمًا خالد، وعمرو؛ فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها: وكان يقول قبل إسلامه:
أَلاَ لَيْتَ مَيْتـًا بالظُّرَيْبَةِ
شَاهِدٌ لِمَا يَفْترِي في الدِّيْنِ عَمْرُوُ وَخَالِدُ
أَطَاعَا مَعًا أَمْرَ النِّسَاءِ فَأَصْبَحَا يُعِينَانِ مِنْ أَعْدَائِنَا مَنْ يُكَابِدُ

فأجاب عمرو:
أَخِي مَا أَخِي لا شَاتِمُ أَنَا عِرْضَهُ وَلاَ هُوَ عَنْ بَعْضِ المَقَالَةِ مُقْصِرُ
يَقُولُ: إذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ ألاَ لَيْتَ مَيّتـًا بالظُّرَيْبَةِ يُنْشَرُ
فَدَعْ عَنْكَ مَيْتًا قَدْ مَضَى لِسَبِيلـِهِ وَأَقْبِلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي هُوَ أَقْفَر
يعني بالميت على الظريبة: أباه أبا أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، دفن به وهو جبل يشرف على الطائف، وقال ابن حجر: "رأيته في بعض الكتب الصُّرَيْمَة".
كان أبان أحد من تخلف عن بيعة أبي بكر لينظر ما يصنع بنو هاشم، فلما بايعوه بايع، ولما صدر الناس من الحج سنة تسع، بَعَثَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أبان بن سعيد بن العاص إلى البحرين عاملًا عليها، فسأله أبان أن يُحَالِفَ عَبْدَ القَيس فأذن له في ذلك، وقال يا رسول الله: اعهد إِلَىَّ عهدًا في صَدَقاتِهم وجِزْيَتِهم وما تَجَرُوا به، فأمَرَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن يأخذ من المسلمين ربع العشر مما تجروا به، ومن كل حَالمٍ من يهودي أو نصراني أو مجوسيّ دينارًا الذكر والأنثى، وكتب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى مجوس هَجَر يعرض عليهم الإسلام، فإن أَبَوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم، وكتب له صدقات الإبل والبقر والغنم على فرضها وَسُنَّتها كتابًا منشورًا مختومًا في أسفله(*)، قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جَهم: خرج أبان بن سعيد بن العاص بلوَاء معقودٍ أبيض وراية سوداء يحمل لواءَه رافع مولى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما أشرف على البحرين تَلَقَّته عبدُ القيس حتى قَدِمَ عَلَى المنذر بن سَاوَى بالبحرين، وقال جعفر بن محمود بن محمد: استقبله المنذر بن سَاوَى على ليلةٍ من منزله معه ثلاثمائة من قومه، فاعتنقا ورحَّب به، وسأل عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأَحْفَى المسألَة فأخبره أبان بذكر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إياه، وأنه قد شَفَّعهُ في قومه، وأقام أبان بن سعيد بالبحرين يأخذ صدقات المسلمين وجزية معاهديهم، وكتب إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يخبره بما اجتمع عنده من المال، فبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فحمل ذلك المال(*)، وقال عيسى بن طلحة: لما توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وارتدَّت العرب، ارتد أهل هَجَر عن الإسلام، فقال أبان بن سعيد لعبد القيس: بلغُوني مأمني، قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله فإن الله مُعِزٌ دينه ومُظهره على ما سواه، وعبدُ القيس لم ترجع عن الإسلام، قال: بل بلّغُوني مأمني، فأشهَدُ أمرَ أصحابِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فليس مثلي يغيب عنهم، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم، فقالوا: لا تفعل أنت أعز الناسِ وهذا عليك وعلينا فيه مقالةٌ، يقول قائلٌ: َفرَّ من القتال، قال عبد الله بن أبي جهم: مشى إليه الجارُودُ العَبدِي فقال: أنشدك الله أن لاتخرج من بين أظهرنا، فإن دارنا منيعةٌ، ونحن سامعون مطيعون، ولو كنت اليوم بالمدينة لَوَجَّهَكَ أبو بكر إلينا لمحالفتك إيانا، فلا تفعل فإنك إنْ قدمت على أبي بكر لاَمَك وَفَيَّل رأيك وقال: تخرج من عند قوم أهل سمع وطاعة ثم رَجَعَكَ إلينا، قال: إذن لا أرجع أبدًا ولا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما أبى عليه إلا كلمةً واحدةً قال أبان: إن معي مالًا قد اجتمع، قالوا: احمله فحمل مائةَ ألف درهم وخرج معه بثلاثمائة من عبد القيس خُفَرَاءَ حتى قدم المدينة على أبي بكر، فلامه أبو بكر وقال: ألا ثَبَتّ مع قوم لم يَرتدُّوا ولم يُبَدِّلوا!؟ قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحدٍ بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: قال عمر بن الخطاب لأبان بن سعيدٍ حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم، وتترك عملك بغير إذن إمامك ثم على هذه الحال، ولكنك أمنته، فقال أبان: إني والله ما كنت لأعمل لأحدٍ بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كنت عاملًا لأبي بكر في فضلِه وسابقته وقديم إسلامه، ولكن لا أعمل لأحدٍ بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وشاور أبو بكر أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين فقال له عثمان بن عفان: ابعَثْ رجلًا قد بعثهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إليهم، فَقَدِم عليه بإسلامه وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم، وعرف بلادهم، يَعنِي: العلاء بن الحضرمي، فأبى ذلك عمر عليه، وقال: أكره أبان بن سعيد بن العاص فإنه رجلٌ قد حالفهم، فأبَى أبو بكر أن يكرهه وقال: لا أفعل، لا أُكْرِهُ رجلًا يقول: لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأجمع أبو بكر بِعثةَ العلاءِ بن الحضرمي إلى البحرين.
اختلف في وقْتِ وفاةِ أَبان بن سعيد، فقالَ ابنُ إسحاق: قُتِلَ أَبان وعمرو ابنا سعيد بن العاص يوم اليَرْمُوك، ولم يتابع عليه ابن إسحاق، ووافقه سيفُ بن عمر في الفتوح، وكانت اليرْمُوك يوم الاثنين لخمسٍ مضين من رَجَب سنة خمسة عشرة في خلافة عُمَر رضي الله عنه‏، وقال موسى بن عُقبة، وعمر بن عبد العزيز: قُتل أَبان بن سعيد يوم إجنادِين سنة ثلاث عشرة، وهو قول مصعب والزّبير، وأَكثر أَهل العلم بالنّسب، وقال البرقي: إنه قتل يوم مَرْج الصُّفَّرِ، وكانت وقعة إجنادِين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه قبل وفاةِ أبي بكر رضي الله عنه بدون شهر‏، ووقْعَة مَرْج الصُّفْر في صَدْرِ خلافة عُمَر سنة أربع عشرة، وكان الأمير يوم مَرْج الصُّفَّر خالدَ بن الوليد، وكان بإجنادِين أُمراء أَربعة: أَبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أَبي سفيان، وشُرحبيل ابن حسنة، كلٌّ على جُنْده‏. وقيل: إن عمرو بن العاص كان عليهم يومئذ.
قال أبو حسان الزيادي: مات سنة سبع وعشرين في خلافة عثمان، ومما يدل على أنه تأخّرت وفاتهُ عن خلافة أبي بكر ما روى النعمان بن بُزُرْج قال: لما تُوفي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث أبو بكر أبان بن سعيد إلى اليمن، فكلّمه فيروز في دمِ داذويه الذي قتله قَيْس بن مكشوح، فقال أبان لقيس: أقتلْْتَ رجلًا مسلمًا! فأنكر قيس أن يكونَ داذويه مسلمًا، وأنه إنما قتله، بأَبيه وعمّه؛ فخطب أبان فقال: إنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد وضع كلَّ دمٍ كان في الجاهلية؛ فمن أحدث في الإسلام حدَثًا أخذناه به؛ ثم قال أبان لقيس: الحَقْ بأمير المؤمنين عمر، وأنا أكتب لك أني قضيْتُ بينكما، فكتب إلى عُمر بذلك فأَمضاه(*). قال البَغَوِيُّ: لا أعلم لأبان بن سعيد مسندًا غيره. قلت: وذكره البُخَارِيُّ في ترجمته مختصرًا، ورجّح ابنُ عبد البر القول الأول، ثم ختم الترجمة بأن قال: وكان أبان هو الذي تولى إملاء مصحف عثمان على زَيْد بن ثابت؛ أمرهما بذلك عثمان، ذكر ذلك الزَّهْرِيُّ، وقال: ويؤيد هذا قول من زعم أنه تُوُفِّيَ سنة تسع وعشرين، وقال ابن سعد: وهو كلامٌ يقتضي التناقضَ والتدافع؛ لأن عثمان إنما أمرَ بذلك في خلافته، فكيف يعيش إلى خلافة عثمان مَنْ قُتل في خلافةِ أبي بكر؟ بل الرواية التي أشار إليها ابن عبد البر روايةٌ شاذة تفرّد بها نعيم بن حماد، عن الدَّرَاوَردي. والمعروفُ أن المأمورَ بذلك سَعِيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وهو ابنُ أخي أبان بن سَعِيد، والله أعلم.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال