1 من 2
عبْدُ الرَّحمَن بن عَوْف
ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة بن كلاب، وكان اسمه في الجاهليّة عبد عمرو فسمّاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين أسلم عبد الرّحمن، ويكنى أبا محمّد، وأمّه الشّفاءُ بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الزهريّ عن يعقوب بن عُتبة الأخنسي قال: وُلد عبد الرّحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن صالح عن يزيد بن رومان قال: أسلم عبد الرّحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار أرقم بن أبي الأرقم وقبل أن يَدْعو فيها.
قال أخبرنا مَعْن بن عيسى قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير عن عمرو ابن دينار قال: كان اسم عبد الرّحمن بن عوف عبدَ الكعبة فسمّاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عبد الرّحمن.(*)
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير ومحمّد بن عُبيد عن هشام بن عُروة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لعبد الرّحمن بن عوف: "كيف فعلتَ يا أبا محمّد في استلام الحَجَرِ؟" فقال: كلّ ذلك فعلتُ، استلمتُ وتركتُ، فقال: "أصَبْتَ".(*)
قالوا وهاجر عبد الرّحمن بن عوف إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا في رواية محمّد ابن إسحاق ومحمّد بن عمر.
أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العَقَدي قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن عبد الرّحمن بن حُميد عن أبيه قال: قال المسْوَرُ بن مَخْرَمَة: بينما أنا أسير في رَكْبٍ بين عثمان وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الرّحمن قُدّامي عليه خَميصة سوداء، فقال عثمان: مَنْ صاحب الخميصة السوداء؟ قالوا: عبد الرّحمن بن عوف، فناداني عثمان: يا مسْوَرُ، فقلتُ: لبّيك يا أمير المؤمنين، فقال: مَنْ زعم أنّه خير من خالك في الهجرة الأولى وفي الهجرة الآخرة فقد كَذَبَ.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا مَعْمَرُ بن راشد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: لمّا هاجر عبد الرّحمن بن عوف من مكّة إلى المدينة نزل على سعد بن الربيع في بَلْحارث بن الخزرج فقال له سعد بن الربيع: هذا مالي فأنا أقاسمُكَه، ولي زوجتان فأنا أنْزِلُ لَكَ عن إحداهما، فقال: بارك الله لك، ولكن إِذا أصبحت فدّلُوني على سوقكم، فدلّوه فخرج فرجع معه بحَميتٍ من سَمْنٍ وأقِطٍ قد ربحَه.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومُعاذ بن مُعاذ قالا: أخبرنا حُميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرّحمن بن عوف هاجر إلى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بينه وبين سعد بن الربيع.(*)
قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فُديك قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن عمر ابن عليّ عن أبيه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا آخى بين أصحابه آخى بين عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص.(*)
قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حَمّاد بن سَلَمَة قال: أخبرنا ثابت وحُميد عن أنس بن مالك أن عبد الرّحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاريّ فقال له سعد: أخي أنا أكثر أهل المدينة مالًا فانْظُرْ شَطْرَ مالي فخُذْه. وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتّى أطَلّقَها لك، فقال عبد الرّحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّوني على السّوق، فدلّوه على السّوق فاشترى وباع فربح فجاء بشيء من أقِطٍ وسمنٍ، ثمّ لَبِثَ ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه رَدْعٌ من زعفران، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَهْيَمْ؟" فقال: يا رسول الله تزوّجتُ امرأة، قال: "فما أصْدَقْتَها؟" قال: وَزْنَ نواة من ذهب، قال: "أوْلمْ ولو بشاةٍ"، قال عبد الرّحمن: فلقد رأيْتُني ولو رفعت حَجَرًا رجوتُ أن أصيبَ تحته ذَهَبًا أو فضّةً.(*)
قال: أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى أن عبد الرّحمن بن عوف تزوّج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفًا.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عُبيد الله ابن عبد الله بن عُتبة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خَطّ الدّور بالمدينة فخَط لبني زُهْرَة في ناحية من مؤخّر المسجد، فكان لعبد الرّحمن بن عوف الحُشّ، الحُشّ: نَخْلٌ صغار لا يُسْقَى.(*)
قال: أخبرنا عفّان بن مسلم ويحيَى بن عبّاد قالا: أخبرنا حمّاد بن سَلَمَة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أنّ عبد الرّحمن بن عوف قال: أشْهَدُ أنّ رسول الله أقْطَعَني وعُمَرَ ابن الخطّاب أرضَ كذا وكذا، فذهب الزّبير إلى آل عُمَرَ فاشترى منهم نصيبَهم، وقال: الزّبير لعثمان: إنّ ابن عوف قال كذا وكذا، فقال: هو جائز الشهادة له وعليه.(*)
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدّثني أبي عن سعد بن إبراهيم وغيره من ولد إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قالوا: قال عبد الرّحمن بن عوف قطع لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أرضًا بالشّأم يقال لها السّليل فتوفّي النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكتب لي بها كتابًا وإنّما قال لي: "إذا فَتَحَ الله علينا الشّأم فهيَ لَكَ".(*)
ذِكر أزواج عبد الرّحمن بن عوف وولده
قالوا: وكان لعبد الرّحمن بن عوف من الولد سالمٌ الأكبر مات قبل الإسلام، وأمّه أمّ كلثوم بنت عُتبة بن ربيعة، وأمّ القاسم وُلدت أيضًا في الجاهليّة، وأمّها بنت شَيْبَة بن ربيعة ابن عبد شمس، ومحمّد وبه كان يكنى، وإبراهيم وحُميد وإسماعيل وحَميدة وأمَةُ الرّحمن، وأمّهم أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط بن أبي عمرو بن أُميّة بن عبد شمس، ومَعْن وعُمَرُ وزيد وأمَةُ الرّحمن الصغرى، وأمّهم سَهْلَةُ بنت عاصم بن عديّ بن الجَدّ بن العَجْلان من بَلىّ من قُضاعة وهم من الأنصار، وعروة الأكبر قُتل يوم إِفريقية، وأمّه بَحْرِيّةُ بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن أبي ربيعة من بني شيبان، وسالم الأصغر قتل يومَ فتح إِفريقية، وأمّه سَهْلَةُ بنت سُهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤيّ، وأبو بكر وأمّه أمّ حكيم بنت قارظ بن خالد بن عُبيد ابن سُويد حليفهم، وعبد الله بن عبد الرّحمن قُتل بإِفريقية يومَ فُتحت، وأمّه ابنةُ أبي الحَيْسَر بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل من الأوس من الأنصار، وأبو سَلَمَةَ وهو عبد الله الأصغر، وأمّه تُماضرُ بنت الأصبع بن عمرو بن ثعلبة بن حِصْن بن ضَمضم بن عديّ بن جَنابٍ من كلب، وهي أوّلُ كَلْبيّة نكحها قُرَشيّ، وعبد الرّحمن بن عبد الرّحمن، وأمّه أسماء بنت سلامة بن مُخَرّبَةَ بن جندل بن نهشل بن دارم، ومُصْعَب وآمنةُ ومريم، وأمّهم أمّ حُريث من سبيِ بَهْرَاءَ، وسُهَيل وهو أبو الأبيض، وأمّه مَجْدُ بنت يزيد بن سلامَة ذي فائش الحمْيَرِيّة، وعثمان وأمّه غزال بنت كسرى أمّ ولَدٍ من سبى سعد بن أبي وقّاص يومَ المدائن، وعُرْوة دَرَجَ، ويحيَى وبلال لأمّهاتِ أولاد درجوا، وأُمّ يحيَى بنت عبد الرّحمن، وأمّها زينب بنت الصبّاح بن ثعلبة بن عوف بن شبيب بن مازن مِنْ سبي بَهْرَاءَ أيضًا، وجُويرية بنت عبد الرّحمن وأُمّها باديةُ بنت غيلان بن سَلَمَةَ بن مُعتِّبِ الثَّقَفيّ.
قالوا: وشهد عبد الرّحمن بن عوف بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتَ يوم أُحُدٍ، حين وَلّى النّاسُ، مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ بن عُلَيّةَ عن أيّوب عن محمّد بن سيرين عن عمرو بن وهب قال: كنّا عند المغيرة بن شُعْبة فسُئل: هَلْ أَمَّ النّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، أحدٌ من هذه الأمّة غيرُ أبي بكر؟ قال: نعم، قال فزاده عندي تصديقًا الذي قَرُبَ به الحديث، قال كنّا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في سَفَرٍ، فلمّا كان من السَّحر ضَرَبَ عُنُقَ راحلتي فظنَنتُ أنّ له حاجة، فعدلتُ معه فانطلقنا حتّى تبرّزنا عن النّاس فنزل عن راحلته ثمّ انطلق فتغيّب عني حتى ما أراه فمكث طويلًا ثمّ جاء فقال: "حاجتك يا مغيرة؟" قلتُ: ما لي حاجةٌ، قال: "فهل معك ماءٌ؟" قلت: نعم، فقمتُ إلى قربة أو قال سَطيحةٍ معَلّقَةٍ في آخرِ الرّحْلِ فأتَيْتُهُ بها فصَبَبْتُ عليه فغسَلَ يديه فأحسن غسلهما، قال وأشُكّ دَلَكَهما بتُرابٍ أم لا، ثمّ غسل وجهه ثمّ ذهب يحسرُ عن يديه وعليه جُبَّةٌ شآميّةٌ ضَيّقَةُ الكُمّ فضاقت فأخرج يديه من تحتها إخراجًا فغسل وجهه ويديه، قال فتجيء في الحديث غسل الوجه مرّتين فلا أدري أهكذا كان، ثمّ مسح بناصيته ومسح على العمامة ومسح على الخُفّين، ثمّ ركبنا فأدركنا النّاس وقد أقيمت الصلاة، فَتَقَدّمهم عبد الرّحمن بن عوف وقد صلّى ركعة وهم في الثانية، فذهبتُ أُوذُنُه فنهاني، فصلّينا الرّكعة التي أدركنا وقضينا التي سَبَقَتْنا.(*)
قال ابن سعد: فذكرتُ هذا الحديث لمحمّد بن عمر قال: كان هذا في غزوة تبوك، وكان المغيرة يحمل وضوءَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حين صلّى خَلْفَ عبد الرّحمن بن عوف: "ما قُبض نبيّ قطّ حتّى يصلّي خلف رجل صالح من أُمّته".(*)
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني سعيد بن مسلم بن قَماذِين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عبد الرّحمن بن عوف في سبعمائة إلى دومة الجندل وذلك في شعبان سنة ستٍّ من الهجرة، فنقضَ عمامته بيده ثمّ عمّمه بعمامة سوداء فأرْخَى بين كتفيه منها، فقَدِمَ دومةَ فدعاهم إلى الإسلام فأبَوْا ثلاثًا ثمّ أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبيّ، وكان نصرانيًّا، وكان رأسهم، فبعث عبد الرّحمن فأخبر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بذلك فكتب إليه أنْ تَزَوّج تُماضر بنت الأصبغ، فتزوّجها عبد الرّحمن وبَنَى بها وأقبل بها وهي أمّ أبي سَلَمَةَ بن عبد الرّحمن.(*)
ذِكر رُخْصَةِ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لعبد الرّحمن بن عوف في لُبْس الحَريرِ
قال: أخبرنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ عبد الرّحمن بن عوف كان يلبس الحرير من شَرًى كان به.
قال: أخبرنا القاسم بن مالك المُزَنيّ عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: كان عبد الرّحمن بن عوف رجلًا شَرِيًّا فاستأذن رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، في قميص حرير فأذن له، قال الحسن: وكان المسلمون يلبسون الحرير في الحرب.
قال: أخبرنا عبد الوهّاب بن عطاء قال: سُئل سعيد بن أبي عروبة عن الحرير فأخبرنا عن قتادة عن أنس بن مالك أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، رَخّصَ لعبد الرّحمن ابن عوف في قميص من حرير في سفرٍ من حِكّة كان يجدها بجلده.(*)
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا أبو جنابٍ الكلبي عن أبيه عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن قال: شكا عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كثرة القُمّل وقَال: يا رسول الله تأذن لي أن ألبس قميصًا من حرير؟ قال فأذن له، فلما توفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبو بكر وقام عمر أقبل بابنه أبي سَلَمَة وعليه قميصٌ من حرير فقال عمر: ما هذا؟ ثمّ أدخل يده في جَيب القميص فشقّه إلى سُفْلِه، فقال له عبد الرحمن: ما علمتَ أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أحلّه لي؟ فقال: إنّما أحَلّه لك لأنّك شكوتَ إليه القُمّل فأمّا لغيرك فلا.(*)
قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: شكا عبد الرحمن بن عوف والزّبير بن العَوّام إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، القُمّلَ فرَخّصَ لهما في قميص الحرير في غزاة لهما. قال عمرو بن عاصم في حديثه قال: فرأيتُ على كلّ واحدٍ منهما قميصًا من حرير.(*)
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال:حدثنا سعيد بن زيد قال:حدثنا عليّ بن زيد قال: حدثنا سعيد بن المسيّب قال: رُخّصَ لعبد الرّحمن بن عوف في لبس الحرير.(*)
قال: أخبرنا الفضل بن دُكين أبو نُعيم، قال: حدثنا مِسْعَرٌ عن سعد بن إبراهيم قال: كان عبد الرّحمن بن عوف يلبس البُرْدَ أو الحُلة تُساوي خمسمائة أو أربعمائة.
قال: أخبرنا يحيَى بن يعْلَى بن الحارث، حدّثني مِنْدَل بن عليّ العَنَزي عن أبي فَرْوَة عن قيس بن أبي مَرثد عن عطاء بن أبي رَباح عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَمّمَ عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء وقال: "هَكذا تَعَمّمْ".(*)
قال: أخبرنا محمد بن الفُضيل بن غزوان ويزيد بن هارون عن زكريّاء بن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: كان عبد الرّحمن بن عوف إذا أتى مَكّةَ كَرِهَ أن ينزل منزله الّذي هاجر منه، قال يزيد في حديثه: منزله الذي كان ينزله في الجاهليّة، حتى يخرج منها.
قال: أخبرنا سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقيّ قال: أخبرنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف عن أبيه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أنّه قال: "يابن عوف، إنّك من الأغنياء ولن تَدْخُلَ الجنَّة إلاّ زَحْفًا، فأقْرِضِ الله يُطْلِقْ لك قَدَمَيْكَ"، قال ابن عوف: وما الذي أُقْرض الله يا رسول الله؟ قال: "تبْدأ بما أمسيتَ فيه"، قال أمِنْ كُلّه أجْمَعَ يا رسول الله؟ قال: "نعم"، قال فخرج ابن عوف وهو يهُمّ بذلك فأرسل إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إنّ جبريل قال: مُرِ ابن عوف فَلْيُضِفِ الضّيْفَ ولْيُطْعِمِ المِسْكِينَ وَلْيُعْطِ السّائِلَ وَيَبْدَأ بمَنْ يَعولُ فإنّه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه".(*)
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرّقّيّ قال: قال أبو المليح عن حبيب بن أبي مرزوق قال: قَدِمَتْ عِيرٌ لعبد الرّحمن بن عوف، قال فكان لأهل المدينة يومئذ رَجَّةٌ فقالت عائشة: ما هذا؟ قيل لها: هذه عيرُ عبد الرّحمن بن عوف قدمت، فقالت عائشة أمَا إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "كأنّي بعبد الرّحمن بن عوف على الصراط يَمِيلُ به مَرَّةً ويستقيم أُخرى حتّى يُفْلتَ ولم يَكَدْ"، قال فبلغ ذلك عبدَ الرّحمن بن عوف فقال: هي وما عليها صَدَقَةٌ، قال وما كان عليها أفضلُ منها، قال وهي يومئذٍ خمسمائة راحلة.(*)
قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي المدني وأحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقيّ المكّي قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمّد بن إسحاق عن محمّد بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن الحُصين عن عوف بن الحارث عن أمّ سَلَمَةَ زوج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قالت: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول لأزواجه: "إنّ الّذي يحافظ عَلَيْكُنّ بَعْدي لهو الصادق البارّ، اللّهُمّ اسْقِ عبدَ الرّحمن بن عوف من سلسبيل الجنَّة".(*)
قال أحمد بن محمّد الأزرقي في حديثه: وقال إبراهيم بن سعد فحدّثني بعض أهلي من ولد عبد الرّحمن بن عوف أنّ عبد الرّحمن بن عوف باع أمواله من كَيْدَمَةَ، وهو سهمه من بني النضير، بأربعين ألف دينار فقَسَمَها على أزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو العَقَدي قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن أمّ بكر بنت المِسْوَر أنّ عبد الرّحمن بن عوف باع أرضًا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسم ذلك في فقراء بني زُهْرَةَ وفي ذي الحاجة من النّاس وفي أمّهات المؤمنين، قال المِسْوَر: فأتَيْتُ عائشة بنصيبها من ذلك فقالت: مَنْ أرسَلَ بهذا؟ قلتُ: عبد الرّحمن بن عوف، فقالت: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "لا يحنو عَلَيْكُنّ بعدي إلاّ الصابرون، سَقَى الله ابن عوف من سلسبيل الجنّة".(*)
ذِكر صفة عبد الرّحمن بن عوف
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا يعقوب بن محمّد العُذْري قال: أخبرنا عبد الواحد بن أبي عون عن عمران بن مَنّاح أنّ عبد الرّحمن بن عوف كان لا يُغَيِّر، يعني الشيبَ.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الزّهريّ عن يعقوب بن عتبة قال: كان عبد الرّحمن بن عوف رجلًا طويلًا حسن الوجه رقيق البشرة، فيه جَنَأٌ، أبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، لا يُغَيِّرُ لحيَتَه ولا رأسه، قال محمّد بن عمر: وقد روي عن أبي بكر الصديق.
ذِكر تَوْليَة عبد الرّحمن الشُّورى والحجَّ
قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال:حدثنا عبد الله بن جعفر عن أمّ بكر بنت المِسْوَر عن أبيها قال: لما وَليَ عبد الرّحمن بن عوف الشورى كان أحَبّ النّاس إليّ أن يليَه، فإن تركه فسعدُ بن أبي وقّاص، فلحقني عمرو بن العاص فقال: ما ظنّ خالك بالله أنْ ولّى هذا الأمرَ أحدًا وهو يعلم أنّه خيرٌ منه، قال فقال لي ما أُحِبّ، فأتيتُ عبد الرّحمن فذكرتُ ذلك له، فقال: من قال ذلك لك؟ فقلتُ: لا أُخبرُك، فقال: لئن لم تخبرني لا أُكَلّمُكَ أبدًا، فقلتُ: عمرو بن العاص، فقال عبد الرّحمن: فوالله لأنْ تُؤخَذَ مُدْيَةٌ فتوضَعَ في حَلْقي ثمّ يُنْفَذَ بها إلى الجانب الآخر أحَبّ إليّ من ذلك.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو المُعَلّى الجزَريّ عن ميمون بن مِهْران عن ابن عمر أنّ عبد الرّحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هَلْ لَكُمْ إلى أنْ أخْتَار لَكُمْ وأتَفَصّى منها؟ فقال عليّ: نعم، أنا أوّل من رضي فإنّي سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض".(*)
قالوا لمّا استُخْلِفَ عمرُ بن الخطّاب سنةَ ثلاث عشرة بعث تلك السنة على الحجّ عبدَ الرّحمن بن عوف فحَجّ بالنّاس وحَجّ مع عمر أيضًا آخرَ حجّةٍ حَجّها عمرُ سنة ثلاث وعشرين، وأذِنَ عمر تلك السنة لأزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في الحجّ فَحُمِلْنَ في الهوادج وبَعَثَ معهنّ عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهنّ فلا يَدَعُ أحدًا يدنو منّهنّ وكان عبد الرّحمن بن عوف يسير من ورائهنّ على راحلته فلا يدعَ أحدًا يدنو منهنّ، وينزلن مع عمر كلّ منزل فكان عثمان وعبد الرّحمن ينزلان بهنّ في الشّعاب فَيُقبِّلُونَهُنّ الشّعاب وينزلان هما في أوّل الشّعب فلا يتركان أحدًا يمُرّ عليهنّ، فلمّا استُخلِفَ عثمان بن عفّان سنة أربعٍ وعشرين بعث تلك السنة على الحجّ عبد الرّحمن بن عوف فحجّ بالنّاس.
قال: أخبرنا محمّد بن كثير العبدي قال: أخبرنا سليمان بن كثير عن الزّهريّ عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: أُغْميَ على عبد الرّحمن بن عوف ثمّ أفاق فقال: أَغُشيَ عَلَيّ؟ قالوا: نعم، قال: فإنّه أتاني مَلَكان أو رجلان فيهما فَظَاظةٌ وغِلْظَةٌ فانطلقا بي ثمّ أتاني رجلان أو ملكان هما أرَقّ منهما وأرحمُ فقالا: أين تُريدان به؟ قالا: نريد به العزيز الأمين قالا: خَلّيا عنه فإنّه ممّن كُتِبَتْ له السّعادةُ وهو في بطن أمّه.
قال: أخبرنا محمّد بن حميد العَبْديّ عن مَعْمَر عن الزّهريّ عن حُميد بن عبد الرّحمن ابن عوف عن أمّه أمّ كلثوم، وكانت من المهاجرات الأُوَل، في قوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [سورة البقرة: 45]، قالت: غُشي على عبد الرّحمن بن عوف غَشْيَةً ظنّوا أنّ نفسه فيها، فخرجت امرأته أمّ كلثوم إلى المسجد تستعين بما أُمِرَتْ أن تستعين به من الصبر والصلاة.
ذِكر وفاة عبد الرّحمن وحَمْلِ سريره وما قيل بعد وفاته
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الزّهريّ عن يعقوب بن عُتبة قال: مات عبد الرّحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين وهو يومئذ ابن خمس وسبعين.
قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وحَجّاج بن محمّد ويحيَى بن حَمّاد قالوا: حدثنا شُعْبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت سعدَ بن مالك عند قائمَتَيْ سرير عبد الرّحمن ابن عوف وهو يقول: واجبلاه، قال يحيَى بن حَمّاد في حديثه: وَوَضَعَ السريرَ على كاهله.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن المهاجر بن مِسْمار عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيتُ سعد بن أبي وقّاص بين عمودَيْ سرير عبد الرّحمن بن عوف.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه أنّه سمع عليّ بن أبي طالب يقول يومَ مات عبد الرّحمن بن عوف: اذْهَب ابنَ عوف فقد أدْرَكْتَ صَفْوَها وسَبَقْتَ رَنْقَها.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه أنّه سمع عمرو بن العاص يومَ ماتَ عبد الرّحمن بن عوف يقول: اذْهَبْ عَنْكَ ابنَ عَوْف فقَدْ ذَهَبْتَ ببِطْنَتِكَ ما تَغَضْغَضَ منها من شيءٍ.
ذِكر وصيَّةِ عبد الرّحمن بن عوف وتَرِكتِه
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني مَخْرَمَةُ بن بُكير أنّه سمع أبا الأسود يقول: أوصى عبد الرّحمن بن عوف في السبيل بخمسين ألف دينار.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة عن محمّد ابن أبي حَرْمَلَة عن عثمان بن الشريد قال: تَرَكَ عبد الرّحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاةٍ بالنَّقِيعِ ومائة فرس تَرْعَى بالنَّقِيع، وكان يزرع بالجُرُفِ على عشرين ناضحًا، وكان يُدْخِلُ قوتَ أهله من ذلك سنة.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن محمّد أنّ عبد الرّحمن بن عوف تُوفي وكان فيما ترك ذَهَبٌ قُطعَ بالفُئُوس حتّى مَجِلَتْ أيدي الرّجال منه وترك أربع نسوة فأُخرِجَتْ امرأةٌ من ثمُنها بثمانين ألفًا.
قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أُسامة بن زيد اللّيثيّ عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: أصابَ تُماضِرَ بنت الأصبغ رُبعُ الثّمنِ فأُخرجتْ بمائة ألف وهي إحدى الأربع.
قال: أخبرنا الفضل بن دُكين أبو نُعيم قال: أخبرنا كامل أبو العلاء قال: سمعتُ أبا صالح قال: مات عبد الرّحمن بن عوف وترك ثلاث نسوة فأصاب كلّ واحدةٍ ممّاترك ثمانون ألفًا،ثمانون ألفًا.
(< جـ3/ص 115>)
2 من 2
عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه
أخبرنا محمّد بن عمر، أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة عن الفُضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن دينار الأسلميّ عن أبيه قال: كان عبد الرحمن بن عوف ممّن يُفْتي في عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان بِما سمع من النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.
(<جـ2/ ص294>)