أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، صحابي قرشي، شهد المشاهد إلا بدرا وأحدا، من المبشرين بالجنة، اشترك في فتوح الشام، وتوفي في المدينة.
يُكْنَى أَبا الأَعور، وقيل: أَبو ثور، وكان رجلًا طُوالًا، آدم أشعر، وأمُّه فاطمة بنت بَعْجة بن مُليح الخزَاعيّة؛ كانت مِن السّابقين إلى الإسلام، وكان أبوه زيد بن عمرو بن نُفيل يَطْلُبُ الدّين، وقدم الشأم فسأل اليهود والنصارى عن العلم والدين فلم يُعْجِبْه دينهم، فقال له رجل من النصارى: أنت تلتمس دين إبراهيم، فقال زيد: وما دين إبراهيم؟ قال: كان حنيفًا، لا يَعْبُدُ إلّا اللهَ وحده لا شريك له، وكان يُعادي من عَبَدَ من دون الله شيئًا، ولا يأكل ما ذُبح على الأصنام، فقال زيد بن عمرو: وهذا الذي أعرف، وأنا على هذا الدين، فأمّا عبادة حجر أو خشبة أنْحِتُها بيدي فهذا ليس بشيء، فرجع زيد إلى مكّة وهو على دين إبراهيم، وقال لعامر بن ربيعة: أنا أنتظر نبيًّا من ولد إسماعيل يُبْعثُ ولا أراني أدْركه، وأنا أُومن به، وأُصَدّّقه، وأشهد أنّه نبيّ، فإنْ طالت بك مدّةٌ فرأيتَه فأقْرِئْهُ منّي السلام، قال عامر: فلما تنبّأ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أسلمتُ وأخبرتُه بقول زيد بن عمرو وأقْرأتُه منه السّلام فردّ عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورَحّم عليه وقال: "قد رأيتُه في الجنّة يسْحَبُ ذُيولًا".
قالت أسماء بنت أبي بكر: رأيتُ زيد بن عمرو بن نُفيل قائمًا مُسْنِدًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، ما منكم اليوم أحدٌ على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموْءُودَه يقول للرجل: إذا أراد أن يقتلَ ابنتَه: مَهْلًا لا تَقْتُلْهَا أنا أكْفِيكَ مَئُونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئتَ دفعتُها إليك، وإن شئتَ كفيتك مؤونتها.
ولما سُئل النبيّ عن زيد بن عمرو بن نُفَيل فقال: "يُبْعَثُ يومَ القيامة أمّةً وَحْدَهُ" ، فأسلم ابنه سعيد بن زيد أبو الأعور واتّبع رسول الله، وأتى عمرُ بن الخطاب وسعيد بن زيد رسول الله فسألاه عن زيد بن عمرو، فقال رسول الله: "غفر الله لزيد بن عمرو ورحمه، فإنّه مات على دين إبراهيم"، قال فكان المسلمون بعد ذلك اليوم لا يذكره ذاكر منهم إلًا ترحّم عليه واستغفر له.
وكان سعيد بن زيد صهر عمر زَوْجَ أُخته فاطمة بنت الخطاب، وكانت أُخته عاتكة بنت زيد تحت عمر بن الخطاب، تزوَّجها بعد أَن قُتِل عنها عبد اللّه بن أَبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، وسعيد بن زيد ابن عم عمر بن الخطاب، يجتمعان في نفيل.
وكان إسلامُ سعيد قديمًا قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها، وقبل عمر بن الخطاب، وبسبب زوجته كان إسلامُ عمر بن الخطاب.
وهاجر سعيد وامرأتُه فاطمة بنت الخطَّاب، وكان عثمانُ قد أقْطَع سعيدًا أرضًا بالكوفة، فنزلها، وسكنها إلى أن مات.
كان سعيد بن زيد من المهاجرين الأولين، ولم يشهد بدرًا، وضرب له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسهمه وأَجره، فقيل: إِنما لم يشهدها لأَنه كان غائبًا بالشام، فقدم عقيب غزاة بدر، فضرب له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسهمه وأَجره، قالوا: لما تَحَيَّن رسولُ الله فصولَ عِير قريش من الشام بعث طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو، قبل خروجه من المدينة بعشر ليالٍ يتحسّبان خبر العير، فخرجا حتى بلغا الحوراءَ، فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرّت بهما العير، وبلغ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم الخبرُ قبل رجوع طلحة، وسعيد إليه فندب أصحابه وخرج يريد العير، فساحلت العير، وأسرعت، وساروا الليل والنهار فَرَقًا من الطلبة، وخرج طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد يريدان المدينة ليخبرا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خبرَ العير، ولم يَعلما بخروجه، فقدما المدينة في اليوم الذي لاقَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيه النفير من قريش ببدر، فخرجا من المدينة يعترضان رسول الله فلقياه بتُرْبانَ فيما بين مَلَل والسيّالة على المحجّة منصرفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد الوقعة، وضرب لهما رسولُ الله بسُهْامهما وأجورهما في بدر، فكانا كمن شهدها، وشهد سعيدٌ أُحُدًا، والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وشهد اليَرْمُوك، وفَتْح دمشق.
وروي أنّ مَرْوان أرسل إلى سعيد بن زيد ناسًا يكلّمونه في شأن أَرْوَى بنت أُويس، وكانت شكَتْه إلى مروان، فقال سعيد: تروني ظَلْمتُها وقد سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ ظَلَمَ مَن الأَرْضِ شِبْرًا طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة مَنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"، اللهم إن كانت كاذبة فلا تُمِتْها حتى تُعْمِي بصرها، وتجعل قبرها في بئر، قال: فوالله ما ماتت حتى ذهب بَصَرُها، وجعلت تمشي في دارها وهي حذرة، فوقعت في بئرها فكانت قَبْرها.
مناقبه:
سعيد بن زيد أَحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وفي رواية عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَبُو بَكْرِ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَالزَّبِيرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ" .
وقال سعيد بن جُبَير: كان مقام أَبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال، ووراءَه في الصلاة.
قال عبد الملك بن زيد ــ من ولد سعيد بن زيد، عن أبيه قال: توفّي سعيد بن زيد بالعقيق فحُمل على رقاب الرجال فدفن بالمدينة، ونزل في حفرته سعدٌ، وابن عمر وذلك سنة خمسين أو إحدى وخمسين. وشَهِدَه سعدُ بن أبي وقّاص، وابن عمر، وأصحاب رسول الله، وقومه، وأهل بيته، وولده على ذلك يعرفونه ويروونه، وروى أهل الكوفة أنّه مات عندهم بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلّى عليه المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ والي الكوفة لمعاوية. وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة.
وغَسّلَ سعدُ بن مالك سعيدَ بن زيد بن عمرو بالعقيق ثمّ احتملوه يمشون به حتى إذا حاذى سعد بداره دخل ومعه الناس، فدخل البيت فاغتسل، ثمّ خرج فقال لِمَنْ معه: إني لم أغْتَسِلْ من غُسْلِ سعيدٍ إنّما اغتسلتُ من الحَرّ. وروى نافع أنّ ابن عمر حنّط سعيد بن زيد، وحمله، ثمّ دخل المسجد فصلّى ولم يتوضّأ. وفي رواية: أنَّ ابن عمر حنط سعيد بن زيد بن نفيل فقيل له: نَأتيك بمِسْك؟ فقال: نعم، وأيّ طيبٍ أطيب من المسك؟.