1 من 2
عن أبي إدريس الخولاني أن معاذ بن جبل قال:
إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والصغير والكبير والأحمر والأسود فيوشك قائل أن يقول ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره إياكم وإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان يقول علي في الحكيم كلمة الضلالة وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فإن على الحق نورا قالوا وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة
قال هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه فلا يثنكم فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون
وعن عبد الله بن سلمة قال قال رجل لمعاذ بن جبل علمني
قال: وهل أنت مطيعي
قال: إني على طاعتك لحريص
قال: صم وأفطر وصل ونم واكتسب ولا تأثم ولا تموتن إلا وأنت مسلم وإياك ودعوة المظلوم
وعن معاوية بن قرة قال قال معاذ بن جبل لابنه يا بني إذا صليت فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبدا واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها
وعن أبي إدريس الخولاني قال قال معاذ إنك تجالس قوما لا محالة يخوضون في الحديث فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات رواه الإمام أحمد
وعن محمد بن سيرين قال أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه فقال إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاما فتزول به معك أينما زلت
و عن معاذ بن جبل أنه قال ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد
عن طارق بن عبد الرحمن قال وقع الطاعون بالشام فاستغرقها فقال الناس ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيبا فقال إنه قد بلغني ما تقولون وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أو منافق وخافوا إمارة الصبيان.
وعن عبد الله بن رافع قال لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز فقال إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم أيها الناس أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها قالوا وما هن قال يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر ويقول الرجل والله لا أدري على ما أنا، لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة
فطعن ابناه فقال كيف تجدانكما قالا يا أبانا الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين
ثم طعنت إمرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك
وعن عمر بن قيس عمن حدثه عن معاذ قال لما حضره الموت قال انظروا أصبحنا قال فأتي فقيل لم نصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل له قد أصبحت فقال أعوذ بالله من ليلة صباحها النار مرحبا بالوت مرحبا زائر مغب حبيب جاء على فاقة اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر
2 من 2
قال عبد الله بن رافع: لمّا أصيبَ أبو عبيدة بن الجرّاح في طاعون عَمَوَاس استخلف معاذَ بن جبل، واشتدّ الوَجَع، فقال النّاس لمعاذ: ادْعُ الله يرفعْ عنّا هذا الرّجْز، قال: إنّه ليس برجز؛ ولكنّه دعوة نبيّكم صَلَّى الله عليه وسلم، ومَوْتُ الصالحين قبلكم، وشهادةٌ يختصّ بها الله من يشاء منكم، أيّها النّاس: أربَع خلال من استطاع أن لا يُدْرِكَه شيء منهنّ فلا يدركه، قالوا: وما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويُصبح الرجل على دينٍ ويُمسي على آخَرَ، ويقول الرجل: والله ما أدري على ما أنا، لا يعيشُ على بَصِيرَةٍ ولا يموتُ على بصيرةٍ، ويُعْطى الرجل المالَ من مال الله على أن يتكلّم بكلام الزّور الذي يُسْخِط الله، اللّهُمّ آتِ آلَ معاذ نصيبَهم الأوْفَى من هذه الرحمة.
قال الحارث بن عميرة الزبيديّ: إني لجالس عند معاذ بن جبل وهو يموت، فهو يُغْمَى عليه مَرّةً ويُفِيق مَرّةً، فسمعته يقول عند إفاقته: اخنُق خَنِقَك؛ فَوَعِزّتك إني لأحبّك.
قال عمرو بن قيس: إِن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا، أَصبحنا؟ فقيل: لم نصبح، حتى أُتِيَ فَقِيل: أَصبحنا، فقال: أَعوذ بالله من ليلة صباحها إِلى النار! مرحبًا بالموت، مرحبًا زائر حبيب جاءَ على فاقة! اللهم، تعلم أَني كنت أَخافُك، وأَنا اليوم أَرجوك، إِني لم أَكن أَحب الدنيا وطول البقاء فيها لكَرْي الأَنهار، ولا لغَرْسِ الأَشجار، ولكن لظمإِ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلَق الذكر.
وقال الحسن: لما حضر معاذًا الموتُ جعل يبكي، فقيل له: أَتبكي وأَنت صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَنت، وأَنت؟ فقال: ما أَبكي جَزَعًا من الموت إِن حل بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إِنما هي القبضتان، فلا أَدري من أَيِّ القبضتين أَنا.
وقال الأعمش: قال معاذ: خُذ العِلْمَ أنّى أتَاكَ.