تسجيل الدخول


معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى بن...

مُعاذ بن جَبَل بن عمرو الأنصاريّ، الخزرجيّ، ثم الجشميّ:
الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام، وقد نسبه بعضهم في بني سلمة بن سعد بن علي، وقال ابن إسحاق: معاذ بن جبل من بني جشم بن الخزرج، وإنما ادَّعَتْه بنو سلمة؛ لأنه كان أخا سهل بن محمد بن الجدّ بن قيس لأمه. وذكر ابن الكلبيّ، عن أبيه، قال: رهط معاذ بن جبل بَنُو أُدَيّ بن سعد أخي سلمة بن سعد بن الخزرج، قال: ولم يبق من بني أُدَيّ أحد، وعِدَادهم في بني سلمة، وكان آخر مَنْ بقي منهم عبد الرّحمن بن معاذ بن جبل، مات بالشّام في طاعون عَمَواس، وقيل: إِنه مات قبل أَبيه معاذ فانقرضوا، وقال أبو عمر: قد قيل: إنه وُلِد له ولد سُمّي عبد الرّحمن، وإنه قاتَلَ معه يوم اليرموك، وبه كان يُكْنَى، ولم يختلفوا أنه كان يُكْنَى أبا عبد الرّحمن، وأُمّه هند بنت سهل من جُهينة، ثمّ من بني الرّبْعة، وأخوه لأمّه عبد الله بن الجدّ بن قيس من أهل بدر. وقال ابن سعد في "الطبقات الكبير": وكان لمعاذ من الولد أمّ عبد الله وهي من المبايعات؛ وأمّها أم عمرو بنت خالد بن عمرو من بني سلمة، وكان له ابنان أحدهما عبد الرحمن، ولم يُسَمّ لنا الآخر، ولم تُسَمّ لنا أمّهما.
روى إسحاق بن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه عن جدّه قالوا: كان معاذ بن جبل رجلًا طُوالًا، أبيض، حَسَنَ الثّغْر، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جَعْدًا، قَطَطًا، وقال أبُو نُعَيْمٍ في "الْحِليةِ": إمام الفقهاء، وكنز العلماء؛ وكان من أفضل شباب الأنصار حِلْمًا، وحياء، وسخاء، وكان جميلًا وسيمًا.
كان معاذ بن جبل لما أسلم يكسر أصنام بني سلمة هو وثعلبة بن عَنَمَة، وعبد الله بن أُنَيس، وشهد العَقَبة في روايتهم جميعًا مع السبعين من الأنصار، وشهد بدرًا وهو ابن عشرين أو إحدى وعشرين سنة، وشهد أيضًا معاذ أُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان يقال: سَلمَةُ بَدْرٍ لكثرة من شهدها منهم؛ ثلاثة وأربعون إنسانًا.
قال سعد بن إبراهيم، وابن أبي عون: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود لا اختلاف فيه عندنا.(*)، وأمّا في رواية محمّد بن إسحاق خاصّة ولم يذكره غيره، قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين معاذ بن جبل وجعفر بن أبي طالب؛ قال محمّد بن عمر: وكيف يكون هذا؟ وإنّما كانت المؤاخاة بينهم بعد قدوم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة، وقبل يوم بدر، فلمّا كان يوم بدر ونزلت آية الميراث انقطعت المؤاخاة، وجعفر بن أبي طالب قد هاجر قبل ذلك من مكّة إلى الحبشة فهو حين آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أصحابه بأرض الحبشة، وقدم بعد ذلك بسبع سنين، هذا وَهَل من محمّد بن إسحاق، وقال حبيب: سمعتُ ذكوان يحدّث أنّ معاذًا كان يصلّي مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ يجيء فيؤم قومَه. وقال عبد الله بن الصامت: قال معاذ: ما بزقتُ عن يميني منذ أسْلَمْتُ، وروى حميد بن هلال أنّ معاذ بن جبل بزق عن يمينه وهو في غير صلاة فقال: ما فعلتُ هذا منذ صحبتُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم. وروى محفوظ بن علقمة عن أبيه أنّ معاذ بن جبل دخل قبّته فرأى امرأته تنظر من خرق في القُبّة فضربها، قال: وكان معاذ يأكل تفّاحًا ومعه امرأته فمرّ غلامٌ له فناوَلَتْه امرأته تُفّاحةً قد عضّتْها، فضربها معاذ. وقال أبو إدريس الخَوْلانيّ: دخلتُ مسجد دمشق فإذا فتًى برّاق الثنايا، وإذا ناس معه إذا اختلفوا في شيءٍ أسْنَدوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألتُ عنه فقالوا: هذا معاذ بن جبل، فلمّا كان من الغد هجّرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، فوجدتُه يصلّي، قال: فانتظرتُه حتى قضى صلاته، ثمّ جئته من قِبَلِ وجهه، فسلّمتُ عليه، وقلتُ له: والله إني لأحبّك لله، قال: فقال: الله، فقلت: الله، فقال: الله، فقلت: الله، قال: فأخذ بحُبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبْشِرْ فإنّي سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "قال الله تبارك وتعالى: وجَبت رحمتي للمتحابّين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتباذلين فيّ، والمتزاورين فيّ"(*). وقال جابر بن عبد الله: كان معاذ بن جبل ــ رحمه الله، من أحسن النّاس وجهًا، وأحسنه خُلْقًا، وأسْمَحِهِ كفًّا، فادّانَ دَيْنًا كثيرًا، فلزمه غرماؤه حتى تغيّب عنهم أيّامًا في بيته، حتى استأدى غرماؤه رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى معاذ يدعوه، فجاءه ومعه غرماؤه فقالوا: يا رسول الله، خُذْ لنا حَقّنا منه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رحم الله من تصدّق عليه"، قال فتصدّق عليه ناس، وأبَى آخرون، فقالوا: يا رسول الله، خُذْ حَقّنا منه، فقال رسول الله: "اصبر لهم يا معاذ"، قال: فخلعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من ماله فدفعه إلى غرمائه، فاقتسموه بينهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، قالوا: يا رسول الله، بِعْه لنا، قال لهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "خلوا عنه فليس لكم إليه سبيل"، قال محمّد بن عمر: وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة، فانصرف معاذ إلى بني سلمة فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن، لو سألتَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقد أصبحتَ اليوم مُعْدِمًا، قال: ما كنتُ لأسْألَه. قال: فمكث يومًا، ثمّ دعاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فبعثه إلى اليمن وقال: "لعلّ الله يجبرك ويُؤدّي عنك دَيْنَك"، قال: فخرج معاذ إلى اليمن، فلم يزل بها حتى تُوفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ووافَى السنةَ التي حجّ فيها عمر بن الخطّاب، استعمله أبو بكر على الحجّ، فالتقيا يوم التّرْوِية بِمنًى فاعتنقا، وعزّى كلّ واحد منهما صاحبَه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ أخلدا إلى الأرض يتحدّثان، فرأى عمر عند معاذ غلمانًا فقال: ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أصبتهم في وجهي هذا، قال عمر: من أيّ وجه؟ قال: أُهْدوا إليّ وأُكْرِمْتُ بهم، فقال عمر: اذكُرْهم لأبي بكر، فقال معاذ: ما ذكري هذا لأبي بكر، ونام معاذ فرأى في النوم كأنّه على شفير النّار، وعمر آخذ بحُجْزَته من ورائه يمنعه أن يقع في النار، ففزع معاذ فقال: هذا ما أمرني به عمر، فقدم معاذ فذكرهم لأبي بكر فسوّغه أبو بكر ذلك، وقضى بقيّة غرمائه وقال: إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "لعلّ الله يجبرك"(*). وفي رواية: فانطلق بهم إلى أهله فصفّوا خلفه يصلّون، فلمّا انصرف قال: لمن تصلّون؟ قالوا: لله تبارك وتعالى، قال: فانطلقوا فأنتم له، وقال ابن كعب بن مالك: كان معاذ شابًّا، جميلًا، سمحًا لا يسأل الله شيئًا إلا أعْطَاه، وقال عمر: عجزت النساء أن يلِدْنَ مِثْلَ معاذ؛ ولولا معاذ لهلك عمر؛ أخرجه مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ في "فوائده"، وقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "مُعَاذٌ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَتْوَةِ أَوْ رَتْوَتَيْنِ"(*) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 311 وهو عن أبي نعيم في الحلية 1 / 229 وانظر الكنز (333641، 36635).، وكان عمره لما أَسلم ثماني عشرة سنة، وقال عبد اللّه بن عَمْرو: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ" (*)أخرجه في فضائل القرآن والمناقب (3808، 4999) ومسلم في الفضائل باب 22 (116) والترمذي (3810) وأحمد 2 / 190، وابن أبي شيبة 10 / 518، والحاكم 3 / 225. وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ" وذكر الحديث، وقال: "وَأعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ"(*)أخرجه ابن ماجة (154) وأحمد 3/ 281، وقال أَنس بن مالك: أَتاني معاذ بن جبل من عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: من شهد أَن لا إِله إِلا الله مخلصًا بها قلبُه، دخل الجنة، فذهبت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، حدثني معاذ أَنك قلت: "مَنْ شَهِدَ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قال: "صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ"(*) أخرجه ابن حبان موارد (4) والحميدي 1 / 181 (369) وأحمد 5 / 229 وابن خزيمة في التوحيد صـ340 وانظر "كنز العمال" (190، 192).. وروى سهل بن أَبي حَثْمَةَ، عن أَبيه قال: كان الذين يُفتُون على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من المهاجرين: عمر، وعثمان، وعلي، وثلاثة من الأنصار: أُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت. وقال ثور بن يزيد: كان معاذ إِذا تهجد من الليل قال: اللهم، نامت العيون، وغارت النجوم، وأَنت حَيُّ قيوم، اللهم، طلبي الجنة بطيء، وهَرَبي من النار ضعيف، اللهم، اجعل لي عندك هُدًى تردّه إِليّ يوم القيامة، إِنك لا تخلف الميعاد. وروى عبد الرّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان معاذ رجلًا شابًّا جميلًا من أفضل سادات قومه، سَمْحًا لا يمسك، فلم يزل يَدّان حتى أغلق ماله كلّه من الّدين، فأتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فطلب إليه أنْ يسأل غُرمَاءَه أن يَضعُوا له، فأبوا، ولو تركوا لأحد من أجل أحدٍ لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فباع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ماله كلّه في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكّة بعثه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى طائفةٍ من أهل اليمن ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميرًا، وكان أول من اتَّجَر في مالِ الله هو، فمكث حتى أصاب، وحتى قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما قدم قال عمر لأبي بكر: أرْسِلْ إلى هذا الرجل فدَعْ له ما يعيشه، وخُذْ سائره منه، فقال أبو بكر: إنما بعثه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، ولسْتُ بآخذٍ منه شيئًا إلا أنْ يُعْطِيني، فانطلق عمر إليه إذ لم يطعه أبو بكر، فذكر ذلك لمعاذ، فقال معاذ: إنما أرسلني إليه النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ليجبرني، ولسْتُ بفاعلٍ، ثم أتى معاذ عمر، فقال: قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به، فإني رأيتُ في المنام أَني في حومة ماء قد خشيت الغَرَقَ، فَخلَّصْتَني منه يا عمر، فأتى معاذ أبا بكر، فذكر ذلك كله له، وحلف لا يكتم شيئًا، فقال أبو بكر: لا آخذ منك شيئًا، قد وهبته لك، فقال عمرُ: هذا خير حل وطاب؛ فخرج معاذ عند ذلك إلى الشّام(*). وروى مجاهد: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، خَلّفَ مُعَاذَ بن جَبَل بمكّة حين وجّه إلى حُنين يُفَقّه أهلَ مكّة، ويُقرئهم القرآن. وروى موسى بن عُلَيّ بن رَبَاح عن أبيه قال: خطب عمرُ بن الخطّاب بالجابية فقال: من كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأتِ معاذَ بن جبل. وروى أيّوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: كان عمر بن الخطّاب يقول حين خرج مُعاذ بن جبل إلى الشأم: لقد أخَلّ خُرُوجُه بالمدينة، وأهلها في الفقه، وما كان يُفتيهم به، ولقد كنتُ كلّمتُ أبا بكر، رحمه الله، أن يَحْبسه لحاجة النّاس إليه فأبَى عَلَيّ وقال: رجل أراد وجهًا يريد الشهادةَ فلا أحبسه! فقلتُ: والله إنّ الرجل لَيُرْزق الشهادة، وهو على فراشه، وفي بيته عظيمُ الغنى عن مِصْرِه! قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يُفتي بالمدينة في حياة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر. وقال شهر بن حَوْشب: قال عمر: إنّ العلماء إذا حضروا يوم القيامة كان مُعاذ بن جبل بين أيديهم قذفةً بحجر. وقال فَرْوة بن نوفل الأشجعيّ: قال ابن مسعود: إنّ معاذ بن جبل كان أمّةً قانتًا لله حنيفًا، ولم يكُ من المشركين! فقلتُ: غلط أبو عبد الرّحمن، إنّما قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ} [سورة النحل: 120]، فأعادها عليّ فقال: إنّ معاذ بن جبل كان أمّةً قانتًا لله حنيفًا ولم يكُ من المشركين، فعرفتُ أنّه تعمّد الأمر تعمّدًا، فسكتّ فقال: أتدري ما الأمّةُ وما القانت؟ فقلتُ: اللهُ أعلمُ! فقال: الأمّةُ الّذي يُعَلّمُ النّاسَ الخيرَ، والقانت المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان مُعاذ، كان يعلّم النّاسَ الخيرَ، وكان مطيعًا لله ولرسوله.
قال خالد بن مَعْدان: كان عبد الله بن عمرو يقول: حَدثونا عن العاقلَين، فيُقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء. وقال الأعمش: قال معاذ: خُذ العِلْمَ أنّى أتَاكَ. وقال عبيد بن صخر: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "إنِّي قَدْ عَرَفْتُ بَلاَءَكَ فِي الدِّينِ وَالَّذِي قَدْ رَكِبَكَ مِنْ الدين، وَقَدْ طَيَّبْتُ لَكَ الهَدِيَّةَ، فَإنْ أُهْدِيَ لَكَ شَيْءٌ فَاقْبَلْ"، قال: فرجع حين رجع بثلاثين رأسًا أهديت له؛ قال: بهذا الإسناد: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له، لما ودّعه: "حَفظَكَ الله مِنْ بَيْن يَدَيْكَ وَمِنْ خَلفِك، وَعَنْ يَمِينكَ وَعَنْ شِمَالِكَ، وَمِنْ فَوْقِكَ وَمِنْ تَحْتِكَ، وَأَدْرَأ عَنْكَ شُرُورَ الإنْسِ وَالْجِنّ"(*). وقال ابن أبي نَجيح: كتب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى أهل اليمن وبعث إليهم معاذًا: "إني قد بعثتُ عليكم من خير أهلي واليَ عِلْمِهم واليَ ديِنِهِم".(*)، وفي سنن أبي داود، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إني لأُحِبُّك..." الحديث ـــ في القول بعد كل صلاة(*). وعدَّه أنَسُ بْنُ مَالِكٍ فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهو في الصحيح؛ وفيه عن عبد الله بن عمرو ـــ رفعه: "اقْرَءوا القُرْآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ"؛ فذكره فيهم(*). وروى يحيَى بن سعيد أنّ معاذ بن جبل قال: كان آخر ما أوصاني به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حين جعلتُ رِجلي في الغَرْز أنْ: "أحْسِنْ خُلْقُك مع النّاس"(*). وقال بُشَير بن يسار: لمّا بُعث مُعاذ بن جبل إلى اليمن مُعَلّمًا ــ قال: وكان رجلًا أعرج ــ فصلّى بالناس في اليمن فبسط رجله فبسط القوم أرجلهم، فلمّا صلّى قال: قد أحسنتم ولكن لا تعودوا فإني إنّما بسطتُ رجلي في الصلاة لأني اشتكيتُها.
روى معاذ بن جبل عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنه من الصَّحابة عمر، وابنه عبد اللّه، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عبّاس، وابن عديّ، وعبد الله بن أبي أوفى الأشعريّ، وأنس بن مالك، وأبو أمامة الباهليّ، وأبو قتادة الأنصاريّ، وأبو ثعلبة الخشنيّ، وعبد الرّحمن بن سمرة العبشميّ، وجابر بن سمرة السُّوَائيّ، وجابر بن أنس، وأَبو ليلى الأَنصاري، ومن التابعين: جنادة بن أَبي أُميه، وعبد الرحمن بن غَنْم، وأَبو إِدريس الخولاني، وأَبو مسلم الخولاني، وجُبَير بن نفير، ومالك بن يخامر، وآخرون من كبار التابعين، وروى الحارث بن عمرو الثقفي، ابن أخي المغيرة قال: أخبرنا أصحابنا عن معاذ بن جبل قال: لما بعثني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى اليمن قال لي: "بِمَ تَقْضي إن عُرض لك قضاء؟" قال: قلت: أقْضي بما في كتاب الله، قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟" قلتُ: أقضي بما قضى به الرسول، قال: "فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟" قال: قلت: أجْتَهِدُ رأيي ولا آلو، قال فضرب صدري وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم لما يُرضي رسول الله"(*).
أمّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على اليمن، والحديثُ بذلك في الصحيح من رواية ابن عباس عنه. وقال موسى بن عمران بن مَنّاح: تُوفّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعامله على الجند معاذ بن جبل(*).، وفي رواية: أن رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بعثه قاضيًا إلى الجَنَدِ من اليمن، يعلّم النّاسَ القرآن، وشرائعَ الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصّدقات من العَمَّال الذين باليمن، وكان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أميّة على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجَنَدِ، وأبي موسى الأشعريّ على زَبِيد، وعدن والسّاحل، وقال أبو عمر: كان عمر قد استعمله على الشّام حين مات أبو عبيدة، فمات من عامِهِ ذلك في ذلك الطّاعون، فاستعمل موضعه عمرو بن العاص.
قال أيّوب بن النعمان، عن أبيه، عن قومه: شهد بدرًا وهو ابن عشرين سنة أو إحدى وعشرين سنة، وخرج إلى اليمن بعد أن غزا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، تبوكًا وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة، وتُوفّي في طاعون عَمَواس بالشأم بناحية الأرْدنّ سنة ثماني عشرة في خلافة عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وقيل: سبع عشرة. والأوّل أَصح، وكان عمره ثمانيًا وثلاثين سنة، وقيل: ثلاث، وقيل: أَربع وثلاثون، وقيل: ثمان وعشرون سنة. وهذا بعيد، فإِن من شهد العقبة، وهي قبل الهجرة، ومُقَام النبي صَلَّى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة النبي صَلَّى الله عليه وسلم ثمان سنين، فيكون من الهجرة إِلى وفاته ثماني عشرة سنة، فعلى هذا يكون له وقت العقبة عشر سنين، وهو بعيد جدًا، وقيل: توفي وليس له عقب، وقيل: لم يُولَدْ له قط. وقال سعيد بن المسيّب: رُفع عيسى، عليه السلام، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ومات معاذ، رحمه الله، وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، وقال عمرو بن قيس: إِن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا، أَصبحنا؟ فقيل: لم نصبح، حتى أُتِيَ فَقِيل: أَصبحنا، فقال: أَعوذ بالله من ليلة صباحها إِلى النار! مرحبًا بالموت، مرحبًا زائر حبيب جاءَ على فاقة! اللهم، تعلم أَني كنت أَخافُك، وأَنا اليوم أَرجوك، إِني لم أَكن أَحب الدنيا وطول البقاء فيها لكَرْي الأَنهار، ولا لغَرْسِ الأَشجار، ولكن لظمإِ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلَق الذكر. وقال الحسن: لما حضر معاذًا الموت جعل يبكي، فقيل له: أَتبكي وأَنت صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَنت، وأَنت؟ فقال: ما أَبكي جَزَعًا من الموت، إِن حل بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إِنما هي القبضتان، فلا أَدري من أَيِّ القبضتين أَنا. وقال أبو زرعة: كان الطّاعون سنة سبع عشرة، وثمان عشرة، وفي سنة سبع عشرة رجع عمر من سَرْغ بجيش المسلمين لئلا يقدمهم على الطّاعون، ثم عاد في العام المقبل سنة ثمان عشرة حتى أتى الجابية، فاجتمع إليه المسلمون، فجنَّد الأجناد، ومَصَّر الأمصَار، وفرض الأعطية والأرزاق، ثم قفل إلى المدينة فيما حدّثني دُحَيم عن الوليد بن مسلم. وذكر دُحَيم، عن الزّهري، قال: أصاب الناس الطّاعون بالجابية، فقام عمرو بن العاص، فقال: تفرّقوا عنه، فإنما هو بمنزلة نار، فقام معاذ بن جبل، فقال: لقد كنت فينا، ولأنْتَ أضلّ من حمارِ أهلك، سمعْت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "هُوَ رَحْمَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ"(*)، اللَّهُمَّ فَاذْكُرْ مُعَاذًا، وَآلِ مُعَاذٍ فِيمَنْ تَذْكُرُهُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ". وروى عثمان بن عطاء، عن أبيه قال: قبر معاذ، رضي الله عنه، بقُصير خالد من عمل دمشق. وقال عبد الله بن رافع: لمّا أصيبَ أبو عبيدة بن الجرّاح في طاعون عَمَوَاس استخلف معاذَ بن جبل واشتدّ الوَجَع فقال النّاس لمعاذ: ادْعُ الله يرفعْ عنّا هذا الرّجْز، قال: إنّه ليس برجز، ولكنّه دعوة نبيّكم صَلَّى الله عليه وسلم، ومَوْتُ الصالحين قبلكم، وشهادةٌ يختصّ بها الله من يشاء منكم، أيّها النّاس، أربَع خلال من استطاع ألا يُدْرِكَه شيء منهنّ فلا يدركه، قالوا: وما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويُصبح الرجل على دينٍ، ويُمسي على آخَرَ، ويقول الرجل: والله ما أدري على ما أنا؟ لا يعيشُ على بَصِيرَةٍ، ولا يموتُ على بصيرةٍ، ويُعْطى الرجل المالَ من مال الله على أن يتكلّم بكلام الزّور الذي يُسْخِط الله، اللّهُمّ آتِ آلَ معاذ نصيبَهم الأوْفَى من هذه الرحمة، فطُعن ابناه فقال: كيف تَجِدانكما؟ قالا: يا أبانا: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة: 147]. قال: وأنا ستَجِداني إن شاء الله من الصابرين، ثمّ طُعِنَتَ امرأتاه فهلكتا، وطُعِن هو في إبهامه فجعل يمسّها بفيه يقول: اللّهُمّ إنّها صغيرة فبارِكْ فيها فإنّك تبارك في الصّغير، حتى هلك. وقال الحارث بن عميرة الزبيديّ: إني لجالس عند معاذ بن جبل وهو يموت فهو يُغْمَى عليه مَرّةً ويُفِيق مَرّةً، فسمعته يقول عند إفاقته: اخنُق خَنِقَك، فَوَعِزّتك إني لأحبّك. وقال سلمة بن كُهيل: أخذ معاذًا الطاعونُ في حَلْقه فقال: يا ربّ، إنّك لتَخنُقُني، وإنّك لتعلم أني أُحبّك. وقال أبو مسهر: قرأت في كتاب زيد بن عبيدة توفي معاذ بن جبل، وأبو عبيدة سنة تسع عشرة. قال أبو زرعة: قال لي أحمد بن حنبل: كان طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وفيه مات معاذ وأبو عبيدة.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال