تميم بن أوس الداري
تَميم بن أوس بن حارثة، وقيل: خارجة، وقيل: سواد بن جذيمة بن ذراع الداريّ، يكنى أبا رقية، قيل: إنه كان نصْرَانيًا، وكان إسلامه في سنة تسع من الهجرة، وصحب رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وغزا معه وروى عنه.
ويقول تميم الداري: كنت بالشام حين بُعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل فقلت: أنا في جوار عَظِيم هذا الوادي الليلة، فلما أخذتُ مَضْجَعي إذا مُنَادٍ ينادي لا أراه: عُذْ بالله فإن الجن لا تجير أحدًا على الله. فقلت: أيْمَ تقول؟ فقال: قد خَرج رسول الأُميين، رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصلينا خلفه بالحَجُون، وأَسْلَمنا واتَّبَعْناه، وذهب كيد الجن، ورُمِيَتْ بالشُّهُب، فانطلِق إلى محمد فأَسْلِم. فلما أصبحتُ مضيتُ إلى دير أيوب، فسألتُ راهبًا به، وأخبرته الخبر، فقال: قد صَدَقوا، تجده يخرج من الحرم، ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء فلا تُسْبق إليه. قال تميم: فتكلفتُ الشخوص حتى جئت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأسلمت.
وعن يزيد بن مسروق قال: كان تميم الداري في البحر غازيًا، فكان يرسل إلى مُوسَى بن نُصَير أن يرسل إليه بالأسَارى من الرُّوم، فيتصدق عليهم.
وروى البَغَوِيُّ في الصّحابة له قصة مع عُمر فيها كرامة واضحة لتميم، فعن معاوية بن حرمل؛ قال: قدمْتُ على عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين، تائب من قبل أن يُقْدَر عليّ، فقال: مَنْ أنت؟ فقلت: معاوية بن حرمل، خَتَن مسيلمة، قال: اذهب فانزل على خير أهل المدينة، قال: فنزلت على تميم الدّاري، فبينا نحن نتحدث إذ خرجت نارُ بالحَرَّةِ، فجاء عمر إلى تميم، فقال: يا تميم، اخرج، فقال: وما أنا؟ وما تخشى أن يبلغ من أمري؟ فصغر نفسه، ثم قام فحاشها حتى أدخلها الباب الذي خرجَتْ منه، ثم اقتحم في أثرها، ثم خرج فلم تضرّه.
وكان تميم أول من قَصَّ؛ استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فأذن له، وهو أول من أسرج السراج في المسجد، وأقام بفلسطين.
وروي عنه أنه كان يقرأ القرآن في ركعة. وعن أَبِي قِلاَبَةَ قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع ليال. وعن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مُقَام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كَرَبَ أن يصبح، يقرأ آية ويرددها ويبكي: }أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ{ [سورة الجاثية: 21]. وقال رجل لتميم الداري: ما صلاتك بالليل؟! فغضب غضبًا شديدًا ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في بيتٍ سِرّ أحب إليّ من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس. فغضب الرجل فقال: الله أعلم بكم يا أصحاب رسول الله، إن سألناكم عنفتمونا وإن لم نسألكم جفيتمونا، فأقبل عليه تميم فقال: أرأيتك لو كنت مؤمنًا قويًا وأنا مؤمن ضعيف، أشاطي أنت على ما أعطاني الله فتقطعني؟ أرأيت لو كنت مؤمنًا قويًا وأنت مؤمن ضعيف أشاطُّك أنا على ما أعطاك الله وأقطعك؟! ولكن خذ من دينك لنفسك، ومن نفسك لدينك، حتى تستقيم على عبادة تطيقها.
وعن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن رَوْح بن زِنْبَاع زار تميمًا الدَّاريَّ، فوجده ينقي شعيرًا لفرسه، وحوله أهله فقال له روح: أما كان في هؤلاء من يكفيك؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يُنَقِّي لِفَرَسِهِ شَعِيرًا، ثُمَّ يُعَلِّقُهُ عَلَيْهِ إِلَّا كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةً".
وكان تميم يسكن المدينة، ثم انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان، ومات رضي الله عنه بالشام، وقَبْرُهُ ببيت جِبْرين من بلاد فلسطين.