تسجيل الدخول


عمران بن ملحان

أبو رجاء العُطارديّ التميمي البصريّ، من بني عطارد بن عوف بن كعب، مشهور بكنيته، واختلف في اسمه فقيل: عِمْران بن تميم، وقيل: ابن تَيْم، وقيل: ابن عبد اللّه، وقيل: ابن مِلْحان، وقيل: عُطارد بن برز.
أَخرجه أَبو عمر، وقال ابْنُ قُتَيْبَةَ: وُلد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة. روى وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه قال: رأيتُ أبا رجاء أبيض الرأس واللّحية. وقال أبو خَلْدَة: رأيتُ أبا رجاء يصفّر لحيته. واختلف هل كان إسلامُه في حياة النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقيل: إنه أسلم بعد الفتح، قال أبو عمر: والصّحيح أنه أسلم بعد المبعث.
قال أبو عمرو بن العلاء: قلت لأبي رجاء العطارديّ: ما تذكر؟ قال: قتل بسطام بن قيس. وقال الأصمعيّ: قُتل بسطام بن قيس قبل الإسلام بقليل. قال أبو عمرو بن العلاء: وأنشدني أبو رجاء العطارديّ:
وَخَرَّ عَلَى الأَلَاءَةِ لَـمْ يـُوَسَّدْ كَأَنَّ جَبِينَهُ سَيْـفٌ صَقِيـلُ
قال أبو عمر: وهذا البيت من شعر ابن غَنَمة في بسطام بن قيس، ومن شعره ذلك:
لَكَ المِرْبَاعُ مِنْهَـا وَالصَّفَايَـا وَحُكْمُكَ فِي النَّشِيطَةِ وَالفُضُولِ
فأتته بَنُو زَيْـدِ بْـنِ عَمْـروٍ وَلَا
يُوفِي
بِبـسْطَـامٍ
قَتِيـلُ
وُخَرَّ عَلَى الأَلَاءَةِ لَـمْ يُـوَسَّدْ كَأَنَّ جَبِينَهُ سَيْـفٌ صَـقِيـلُ
وقد قيل: إن قتْلَ بسطام كان بعد مبعث النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم. وروى جرير بن حازم، عن أبي رَجَاء العطاردي، قال: سمعْنَا بالنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ونحن في مال لنا فخرجنا هُرّابًا، فمررت بقوائم ظبي، فأخذتها وبللتها، وطلبت في غرارة لنا، فوجدت كفَّ شعير فدققته بين حجرين، ثم ألقيته في قدر، ثم ودجت بعيرًا لنا فطبخته، فأكلت أَطْيب طعام أكلته في الجاهليّة، قال جرير: يا أبا رجاء، ما طعْمُ الدّم، قال: حُلو. وقال أبو خَلْدَة: قلت لأبي رجاء: مثل من أنت حين بُعث النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: كنتُ أرعى الإبل لأهلي، فقلتُ: فما فرّكم منه؟ قال: قيل لنا بُعث رجل من العرب يقتل ــ يعني: النـّاس ــ إلًا من أطاعه، ولا أدري ما طاعته، فَفَررنا حتّى قطعنا رمل بني سعد. وروى وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه قال: سمعتُ أبا رجاء العُطارديّ قال: لمّا بلغنا أمر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن على ماء لنا يقال له سَنَد فخرجنا بعيالنا هُرابًا نحو الشجر. وقال أبو الحارث الكِرمَاني: سمعت أبا رجاء يقول: أدركتُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأنا شابّ أمرد، ولم أرَ ناسًا كانوا أضلَّ من العرب، وكانوا يجيئون بالشّاة البيضاء فيعبدونها، فيجيء الذّئب فيذهب بها، فيأخذون أخرى مكانها فيعبدونها، وإذا رأوا صخرة حسنة جاءوا بها وذهبوا يُصَلُّون إليها، فإذا رأوا صخرة أحسن من تلك رموها، وجاءوا بتلك يعبدونها. وكان أبو رجاء يقول: بُعث النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أرْعَى الإبل على أهلي وأَريش وَأَبْرِي، فلما سمعنا بخروجه لحقْنَا بمسيلمة. وكان أبو رجاء رجلًا له عبادة، وعُمّر عُمْرًا طويلًا أزيد من مائة وعشرين سنة، وقال سَلْم بن زَرير: سمعتُ أبا رجاء يقول: بُعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقد رعيتُ على أهلي كفيت مهنَتَهم، فلمّا بُعث النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أخرجنا هُرابًا فأتينا على فلاة من الأرض، وكنـّا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا: إنـّا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجنّ اللّيلة، فقلنا ذاك، قال سَلْم بن زَرير: فذكر حديثًا طويلًا، قال أبو رجاء: فقيل لنا: إنّما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، فمن أقرّ بها أمِن على دمه وماله، فرجعنا فدخلنا في الإسلام، قال سَلْم بن زَرير: وربّما قال أبو رجاء: إني لأرى هذه الآية نزلت فيّ وفي أصحابي: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]. يقال: له رواية وعلم بالقرآن، وأَمّ قَوْمَهُ في مسجدهم أربعين سنة، فلمّا مات أَمَّهُم بعده أبو الأشهب جعفر بن حيّان أربعين سنةً، ويُعد في كبار التّابعين، وقيل: لم ير النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ولم يسمع منه.
قال ابن حجر العسقلاني: أرسل عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ورَوى عن عمر، وعلي، وعمران بن حصين، وسَمرة بن جُنْدب، وابن عباس، وعائشة وغيرهم، وروَى عنه أيوب، وجرير بن حازم، وعوف الأعرابي، ومهدي بن ميمون، وعمران القصير، وأبو الأشهب، والجعد أبو عثمان، وآخرون. ويقال: كان ثقة في الحديث.
يقال: توفي سنة خمس ومائة، ويقال: سنة سبع ومائة، ويقال: سنة ثمان ومائة، ويقال: سنة سبع عشرة ومائة، وقال البخاري: يقال مات قبل الحسن، وكانت وفاةُ الحسن سنة عشرة. ويقال: تُوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، ويقال: عاش إلى خلافة هشام بن عبد الملك، ويقال: عاش مائة وخمسًا وثلاثين سنة، وقيل: عاش سبعًا وعشرين ومائة سنة، وقيل: عاش مائة وعشرين سنة، وقال أبو خَلْدَة: رأيتُ الحسن يصلّي على جنازة أبي رجاء العُطارديّ على حماره، قال مسلم: والإمام يكبّر. وروى الفضل بن دُكين، عن أبي خَلْدَة قال: رأيتُ الحسن يصلّي على جنازة أبي رجاء وهو راكب على حمار وابنه محتضنه، قلتُ لأبي خَلْدَة: كان يشتكي؟ قال: لا، كان كبيرًا. قال بكّار بن الصّقْر: رأيتُ الحسن جالسًا على قبر أبي رجاء العُطارديّ حيالَ اللّحد وقد مُدّ على القبر ثوب أبيض فلم يغيّره ولم ينكّره حتّى فُرغ من القبر والفرزدق قاعد قُبالَته، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد تدري ما يقول هؤلاء؟ قال: لا، وما يقولون يا أبا فراس؟ قال: يقولون: قعد على هذا القبر اليومَ خير أهل البصرة وشرّ أهل البصرة، قال: ومن يعنون بذاك؟ قال: يعنوني وإيّاك، فقال الحسن: يا أبا فراس لستُ بخير أهل البصرة ولستَ بشرّها ولكن أخبرْني ما أعددتَ لهذا المضجع، وأومأ بيده إلى اللّحد، قال: الخير الكثير أعددتُ يا أبا سعيد، قال: وما هو؟ قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله منذ ثمانين سنةً، قال الحسن: الخير الكثير أعددتَ يا أبا فراس. وذكر الهيثم بن عديّ، عن أبي بكر بن عياش، قال: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطارديّ الحسن البصريّ، والفرزدق الشّاعر، فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد، يقولون النّاس: اجتمع في هذه الجنازة خير النّاس وشرّ النّاس، فقال الحسن لست بخيرهم ولست بشرهم ولكن ما أعددْتَ لهذا اليوم؟ قال: شهادة أَنْ لا إله إلا الله وأن محمّدًا عبده ورسوله، ثم انصرف الفرزدق، فقال:
أَلَمْ تَرَ
أَنَّ النَّاسَ مَاتَ كَبِيرُهُـمْ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ البَعْثِ بَعْثِ مُحَمَّدِ
وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ عَيْشُ سَبْعِينَ حِجَّةً وَسِتِّينَ لَمَّا
بَـاتَ غَيْـرَ مُـوَسَّدِ
إِلَى حُفْرَةٍ
غَبْرَاءَ يُكْرَهُ
وِرْدُهَـا سِـوَى
أَنَّها مَثْوَى وَضِيعٍ وَسيِّـدِ
وَلَوْ كَانَ طُولُ الْعمْرِ يُخْلِدُ وَاحِدا وَيَدْفَعُ
عَنْهُ عَيْـبُ عُمْـرٍ عَمَـرَّدِ
لَكَانَ الَّذِي رَاحُوا
بِـهِ يَحْمِلُونَـهُ مُقيمًا
وَلَكِنْ لَـيْسَ حَـيٌّ بِمُخْـلَدِ
نَروُحُ
وَنَغْدُو
والحُتُـوفُ
أَمَامَنَـا يَضَعْنَ لَنَا حَتْفَ الرَّدَى كُلَّ مَرْصَدِ
وَقَدْ قَالَ لِي مَاذَا تُعِـدُّ لِمَـا تَرَى فقِيهٍ إِذَا مَـا
قَـالَ
غَيْـرَ
مُفَنّـدِ
فَقُلْتُ لَهُ: أَعْدَدْتُ لِلْبَعْـثِ وَالَّـذِي أَرادَ
بِـهِ أَنِّـي
شَهِـيدٌ
بِـأَحْمَـدِ
وَأَنْ لَا إِلَه غَيْرَ رَبِّـي هُوَ الَّـذِي يُمِيـتُ
وَيُحْيـيِ
يَوْمَ بَعْثٍ وَمَوْعِدِ
وَهَذَا الَّذِي أَعْدَدْتُ لَا شَيْء غَيْرَهُ وَإِنْ قُلْتَ لِي أَكْثِرْ مِنْ الخَيْرِ وازْدَدِ
فَقَالَ لَقَدْ أعْصَمْـتَ بِالخَيْـرِ كُلِّهِ تَمَسَّكْ
بِهَذَا
يَـا فَرَزْدَقُ
تُـرْشَـدِِ
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال