تسجيل الدخول


كعب بن زهير

كعب بن زهير بن أبي سُلمى المزني الشاعر المشهور، واسم أبي سُلمى ربيعة بن رياح بن قُرْط:
وكانت محلة زهير وبنيه في بلاد غطفان، فيظن الناس أنهم من غطفان؛ وهو غلط، وروى ابْنُ أبِي الدُّنْيَا، عن الشعبي؛ قال: أنشد النابغة الذبياني النعمان بن المنذر:
تَرَاكَ الأرْضُ إمَّا مِتَّ خِفًّا وَتَحْيَا مَا حَيَيْتَ بِهَا ثَقِيلَا
فقال له النّعْمَانُ: هذا البيت إن لم تَأتِ بعده ببيتٍ يوضِّح معناه، وإلا كان إلى الهجاء أقرب، فتعسَّر على النابغة النظم، فقال له النعمان: قد أجَّلْتكَ ثلاثًا، فإنْ قلتَ فلك مائة من الإبل العصافير، وإلا فضرْبة بالسيف بالغة ما بلغت، فخرج النابغة وهو وَجِل، فلقي زهير بن أبي سلمى، فذكر له ذلك، فقال: اخرج بنا إلى البرية؛ فتبعهما كعب، فردَّهُ زهير، فقال له النَّابِغَةُ: دع ابن أخي يخرج معنا وأردفه، فلم يحضرهما شيء؛ فقال كعب للنابغة: يا عم، ما يمنعك أن تقول:
وَذَلِكَ إنْ فَلَلْتَ الغَيَّ عَنْهَا فَتَمْنَعُ جَانِبيْهَا أنَ تَمِيلَا
فأعجب النابغة، وغدا على النعمان، فأنشده، فأعطاه المائة، فوهبها لكعب بن زهير، فأبى أن يقبلها، وذكرها ابن دُرَيد في "أماليه" على غير هذا الوجه؛ فروى عن ابْن الْكَلْبِيِّ؛ قال: زار النابغة زهيرًا، فنحر له وأكرمه، وجاء بشرابٍ فجلسا، فعرض لهما شعره، فقال النابغة البيت الأول، وقال بعده:
نَزَلْتَ بِمُستَقَرِّ العِزِّ مِنْهَا
ثم وقف، فقال لزهير: أجِزْه؛ فهَمهَم ولم يحضره شيء، وكان كعب حينئذ يلعب بالتراب مع الصبيان، فأقبل فرأى كلًّا منهما ذقنه على صَدْره، ففكر فقال: يا أبت، ما لي أراكَ قد اغتممْتَ؟ فقال: تَنحَّ، لا أم لك! فدعاه النابغة، فوضعه على فخذه، وأنشده، فقال: ما يمنعكَ أن تقول:
فَتَمْنَعُ جَانِبَيْهَا أنْ تَمِيلَا
فضمه أبوه إليه، وقال: ابني ورب الكعبة. قال أبُو أحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: وكان موت زهير قبل المبعث، وخرج كعب وأخوه بُجَيْر بن زهير إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى بلغا أبرق العزاف، فقال كعب لبجير: ألْقَ هذا الرّجل وأنا مقيم لك هنا، فقدم بُجير على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفي رواية: أن بُجَيرًا هو الذي قال لكعب: اثبُت أَنت في غنمنا في هذا المكان حتى أَلقى هذا الرجل ــ يعني: رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ــ فأَسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بُجَير، فجاءَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فعرضَ عليه الإسلام، فأَسلم، فبلغ ذلك كعبًا فقال:
أَلاَ أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيرًا رِسَالَةً عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وُلاَ أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيه ِ أَخًا لَكَا
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏أَجَل، لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ‏"، وفيها:
سَقَاكَ أَبُو بَكْر ٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَأَنْهَلَكَ
الْمَأْمُورُ مِنْهَا
وَعَلَّكَا
فلما بلغت أَبياته هذه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَهدر دَمه، وقال: "مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ"(*)، فكتب بذلك بُجَير إِلى أَخيه، وقال له: "النجاءَ، وما أَراك تفلت!" ثم كتب إِليه أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لا يأَتيه أَحدَ يشهد أَن لا إِله إِلا الله وأَن محمدًا رسول الله إِلا قبل منه، وأَسقط ما كان قبل ذلك، فإِذا أَتاك كتابي هذا فأَقبلْ وأَسْلِم: فأَقبل كعب بعد انصراف النبي صَلَّى الله عليه وسلم من الطّائف حتى أَناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بين أَصحابه، مكان المائدة من القوم، حلقة دون حلقة، يقبل إِلى هؤلاءِ مرة فيحدّثهم، وإِلى هؤلاءِ مرة فيحدثهم؛ قال كعب: فدخلت وعرفتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى جلست إِليه، فأَسلمت، وقلت: الأَمانَ يا رسول الله، قال: "وَمَنْ أَنْتَ"؟ قلت: كعبُ بن زهير، قال: "أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ؟" والتفت إِلى أَبي بكر، وقال: "كيف يا أَبا بكر"؟ فأَنشده أَبو بكر الأَبيات، فلما قال:
وَأَنْهَلَكَ الْمَأَمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قال: قلت: يا رسول الله، ما هكذا قلت! قال: "كيف قلت"؟ قال: قلت:
وَأَنْهَلَكَ الْمَأَمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قال: مأْمون والله، وأَنشده القصيدة:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
فلما بلغ إلى قوله:
إِنَّ الرَّسُولَ لَسَيفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الْلَّهِ مَسْلُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ الْلَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ الْلَّهِ مَأْمُولُ
ومنها:
فِي فِتْيةٍ مِنْ قُرَيشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
قال الخليل: أي قال لهم: هاجرُوا إلى المدينة ــ فأشار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى مَنْ معه أَن اسمعوا، حتى أَنشده القصيدة بأسرها، وأثنى فيها على المهاجرين، ولم يذكر الأنصار؛ فكلَّمته الأنصار، فصنع فيهم حينئذ شعرًا والله أعلم، وأخرج ابْنُ قَانِعٍ، عن سعيد بن المسيب؛ قال: لما انتهى إلى كعب بن زهير قَتْل ابن خَطل، وكان بلغه أن النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم أوعده بما أوعد به خطل قيل لكعب: إن لم تدارك نفسك قُتِلت، فقدم المدينة، فسأل عن أرق أصحاب رسولِ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم فدلّ على أبي بكر، فأخبره خبره، فمشى أبو بكر وكعْب على أثره، وقد التثم حتى صار بين يدي النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم، فقال: رجل يبايعك، فمدّ النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم يده، فمدّ كعب يدَه فبايعه، وأسفر عن وجهه، فأنشده قصيدته، وذكر أن فيها:
إنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الله مَسْلُولُ
فكساه النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم بُردة له، فاشتراها معاوية مِن ولده، فهي التي يلبسها الخلفاء في الأعياد، ولكعب ابنٌ شاعر اسمه عقبة، ولقبه المضرّب؛ لأنه شبّبَ بامرأةٍ، فضربه أخوها بالسّيف ضربات كثيرة، فلم يمت، وله ابنٌ أيضًا يقال له: العوّام شاعر، وقال الحطيئة لكعب بن زهير: أنتم أهل بيت يُنْظَر إليكم في الشّعر، فاذكرْني في شعرك، فقال كعب في ذلك شعرًا ذكره أهل الأخبار، ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله شعرًا:
لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأعْجَبَنِي سَعيُ الفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ له القَدَرُ
يَسْعَى الفَتَى لأُمُورٍ لَيْسَ
يُدْرِكُهَا فَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ
وَالهَمُّ
مُنتَشِرُ
وَالمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ
أَمَلٌ لَا تَنْتَهِي العَيْنُ حَتَّى يْنْتَهِي الأَثَرُ
ومما يستجاد له أيضًا قوله:
إِنْ كُنْتَ لَا تَرْهَبُ ذَمِّي لِمَا تَعْرِفُ مِنْ صَفْحِي عَنِ الجَاهِلِ
فَاخْشَ سُكُوتِي إِذْ أَنَا مُنْصِتٌ فِيكَ لِمَسْمُوعِ
خَنَى
القَائِلِ
فَالسَّامِعُ
الذَّام َ شَرِيكٌ
لهُ وَمُطْعِمُ
المَأْكُولِ
كَالآكِلِ
مَقَالَةُ
السُّوءِ
إِلى
أَهْلِهَا أَسْرَعُ مِنْ
مُنْحَدَرٍ
سَائِلِ
وَمَنْ دَعَا النَّاس َ إِلَى
ذَمِّهِ ذَمُّوهُ بِالحَقِّ
وَبِالبَاطِلِ
في أبيات، ومن جيد شعره قصيدته التي يفتخر فيها على مراد؛ أولها:
أَتَعْرِفُ رَسْمًا
بَيْنَ دَهْمَانَ فَالرَّقم إِلَى ذي مَرَاهِيطَ كَمَا خُطَّ بِالقَلَمْ
عَفَتْهُ رِيَاحُ الصَّيْفِ
بَعْدِي بمورِهَا وَأَنْدِيَةُ
الجَوْزَاءِ
بِالوَبْلِ
والدِّيَمْ
دِيَارُ الَّتِي بَتَّتْ حِبَالِي
وَصَرَّمَتْ وَكُنْتُ إِذَا ما الحَبْلُ مِنْ خُلَّةٍ صَرَمْ
فَزِعْتُ
إِلَى أَدْمَاءَ حَرْفٍ
كَـأَنَّمَا بِأَقْرَابِهَا قَارٌ إِذَا
جِلْدُهَا اسْتَحَمْ
أَلَا
أَبْلِغَا
هَذَا
الـمُعرِّضَ
أَنَّهُ أَيَقْظَانُ قَالَ القَوْلَ إِذْ قَالَ أَوْ حَلَمْ
فَإِنْ
تَسْأَلِي الأَقْوَامَ
عَنِّي فَإِننِّيِ أَنَا ابنُ أَبِي سُلْمَى عَلَى رَغْمِ مَنْ رَغم
أَنَا ابْنُ الَّذِي قَدْ عَاشَ تِسْعِينَ حِجَّةً فَلَمْ يَخْزِ
يَوْمًا فِي مَعَدٍّ وَلَمْ
يُلَمْ
وَأَكْرَمَهُ الأَكْفَاءُ مِنْ كُلِّ مَعْشَرٍ كِرَامٍ فَإِن
كذَّبْتَنِي
فَاسْأَلِ
الأُمَمْ
أَقُولُ
شَبِيهَاتٍ
بِمَا
قَالَ
عَالِمًا بِهِنَّ، وَمَنْ
يُشْبهْ
أَبَاهُ
فَمَا ظَلَمْ
فَأَشْبَهْتُهُ مِنْ بَينِ مَنْ وَطِئَ الحَصَى وَلَمْ يَنْتَزِعْنِي شِبْهُ خَالٍ ولَا ابْنُ عَمْ
إِذَا شِئْتُ أَعْلَكْتُ الجُموعَ إذَا بَدَتْ نَواجِذُ
لِحْيَيْهِ
بِأَغْلَظِ
مَا عَجَمْ
أَعَيَّرْتَنِي
عِزًّا
قَدِيمًا
وَسَادةً كِرَامًا بَنَوْا لي المَجْدَ فِي بَاذِخِ الشَّمَمْ
هُمُ الأَصْلُ مِنِّي
حَيْثُ
وَإنِّنِي مِنَ
المُزَنِيِّينَ
المُضِيفيِنَ
لِلْكَرَمْ
هُمُ ضَرَبُوكُمْ حِينَ جُزتُم عَنِ الهُدَى بِأَسْيَافِهِمْ
حَتَّى
اسْتَقَمْتُمْ عَلَى أُمَمْ
وَسَاقَتْكَ
مِنْهُمْ عُصْبَةٌ
خِنْدَفِيَّةٌ فَمَا لَكَ مِنْهَا
قَيْدُ شِبْرٍ
وَلَا
قَدَمْ
هُمُ الأُسْدُعِنْدَ النَّاسِ والحَشَدُ فِي القُرَى وَهُمْ عِنْدَ عَقْدِ الجَارِ
يُوفُونَ بِالذِّمَمْ
هُمُ
مَنَعُوا سَهْلَ الحِجَازِ
وَحَزْنَهُ قَدِيمًا وَهُمْ أَجْلَوْا أَبَاكَ عَنِ الحَرَمْ
مَتَى أَدْعُ فِي أَوْسٍ وَعُثْمَانَ تَأْتِني مَسَاعِرُ حَرْبٍ
كُلُّهُمْ
سَادَةٌ
وَعَمْ
فَكَمْ فِيهِمُ مِنْ سيِّدٍ وَابْنِ سَيِّدٍ وَمِنْ عَامِلٍ لِلْخَيْرِ إِنْ قَالَ
أَوْ زَعَمْ
وقال أبو عمر رحمة الله عليه: كان كعب بن زهير شاعرًا مجوِّدًا كثير الشّعر، مقدّمًا في طبقته هو وأخوه بجير، وكعب أشعرهما، وأبوهما زهير فوقهما، وقال خلف الأحمر: لولا قصائد لزهير ما فضلته على ابنه كعب.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال