تسجيل الدخول

سرية زيد بن حارثة

وهي آخر وأنجح دورية قتالٍ قام بها المسلمون قبل أحد، وقعت في جمادى الآخرة سنة ثلاثٍ من الهجرة.
وتفصيلها أن قريشا بقيت بعد بدرٍ يساورها القلق والاضطراب، وجاء الصيف واقترب موسم رحلتها إلى الشام، فأخذها همٌ آخر.
قال صفوان بن أمية لقريش ــ وهو الذي انتخبته قريشٌ في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام: إن محمدًا وصحبه عوروا علينا متجرنا فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل؟ و قد وادعوا أهل الساحل ودخل عامتهم مع محمد، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رءوس أموالنا، فلم يكن لها من بقاء، وإنما حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء.
ودارت المناقشة حول هذا الموضوع، فقال الأسود بن عبد المطلب لصفوان: تنكب الطريق على الساحل وخذ طريق العراق، وهي طريقٌ طويلةٌ جدًا تخترق نجدًا إلى الشام، وتمر في شرقي المدينة على بعد كبير منه، وكانت قريش تجهل هذا الطريق كل الجهل، فأشار الأسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فرات بن حيان، من بني بكر بن وائل دليلًا له، يكون رائده في هذه الرحلة.
وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذةً الطريق الجديدة، إلا أن أنباء هذه القافلة وخطة سيرها طارت إلى المدينة، وذلك أن سُليط بن النعمان ــ وكان قد أسلم ــ اجتمع في مجلس شرب ــ وذلك قبل تحريم الخمر ــ مع نعيم بن مسعود الأشجعي الذي لم يكن أسلم إذ ذاك، فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن قضية العير وخطة سيرها، فأسرع سُليط إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم يروي له القصة.
وجهز رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لوقته حملة قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرع زيدٌ حتى دهم القافلة بغتة وهي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له قردة، فاستولى عليها كلها، ولم يكن من صفوان ومن معه من حرس القافلة إلا الفرار بدون أي مقاومة.
وأسرَ المسلمون دليل القافلة فرات بن حيان، وحملوا غنيمة كبيرة من الأواني والفضة كانت تحملها القافلة، قُدّرت قيمتها بمائة ألف، قسم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ الخمس، وأسلم فرات بن حيان على يديه صَلَّى الله عليه وسلم.
وكانت مأساة شديدة ونكبة كبيرة أصابت قريشا بعد بدر، اشتد لها قلق قريش وزادتها همًا وحَزَنًا، ولم يبق أمامها إلا طريقان، إما أن تمتنع عن غطرستها وكبريائها، وتأخذ طريق الموادعة والمصالحة مع المسلمين، أو تقوم بحرب شاملة تعيد لها مجدها التليد وعزها القديم، وتقضي على قوات المسلمين، بحيث لا يبقى لهم سيطرةٌ على هذا ولا ذاك، وقد اختارت مكة الطريق الثانية، فازداد إصرارها على المطالبة بالثأر، والتهيؤ للقاء المسلمين في تعبئة كاملة، وتصميمها على الغزو في ديارهم.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال