1 من 1
عبد الله بن حَنْظَلة
الغَسيل بن أبي عامر الراهب، واسمه عبد عمرو بن صَيْفي بن النعمان بن مالك بن أمَة بن ضُبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأمّه جميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ بن سَلول من بَلْحُبْلى.
فَوَلَدَ عبدُ الله بن حنظلة: عبدَ الرحمن وحنظلة وأمّهما أسماء بنت أبي صَيْفي بن أبي عامر بن صَيْفي، وعاصمًا والحكمَ وأمّهما فاطمة بنت الحكم من بني ساعدة، وأنَسًا وفاطمةَ وأمّهما سلمى بنت أنس بن مُدْرِك من خَثْعَم، وسليمان، وعُمَر، وأمَة الله وأمّهم أمّ كلثوم بنت وَحْوَح بن الأسلت بن جُشَم بن وائِل بن زيد مِنِ الجعادرة مِن الأوسِ، وسُويدًا ومَعْمَرًا، وعبد الله، والحُرَّ، ومحمّدًا، وأمَّ سَلمة وأُمّ حبيب وأمَّ القاسم وقريبةَ وأمَّ عبد الله، وأمّهم أمّ سُويد بنت خليفة من بني عديّ بن عمرو من خُزاعة.
وكان حنظلة بن أبي عامر لما أراد الخروج إلى أحُدٍ وقع على امرأته جَميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ بن سَلول فعلقت بعبد الله بن حنظلة في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة. وقُتل حنظلة بن أبي عامر يومئذٍ شهيدًا فغسّلته الملائكة فيقال لولده بنو غسيل الملائكة. وولدت جميلة عبد الله بن حنظلة بعد ذلك بتسعة أشهر فَقُبِضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ابن سبع سنين. وذكر بعضهم أنّه قد رأى رسول الله وأبا بكر وعمر وقد روى عن عمر.
أخبرنا معاذ بن مُعاذ العَنْبَري قال: حدّثنا عكْرِمة بن عمّار عن ضَمْضَم بن جَوْس عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: صلّى بنا عمر صلاة المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئًا، فلمّا كان في الثانية قرأ بفاتحة القرآن وسورة، ثم عاد فقرأ بفاتحة القرآن وسورة، ثمّ صلّى حتى فرغ، ثمّ سجد سجدتين، ثمّ سلم.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه قال: وأخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسّان قال: وحدّثنا سعيد بن محمد عن عمرو بن يحيىّ عن عبّاد بن تمّيم عن عمه عبد الله بن زيد وعن غيرهم، أيضًا، كلّ قد حدّثني قالوا: لما وثب أهل المدينة ليالي الحَرّة فأخرجوا بني أميّة عن المدينة وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه، فبايعهم على الموت وقال: يا قوم! اتّقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خِفْنا أن نُرْمى بالحجارة من السماء، إنّ رجلا ينكح الأمّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ لله فيه بلاءً حسنًا. فتواثب النّاس يومئذٍ يبايعون من كلّ النواحي
وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلّا المسجد، وما كان يزيد على شَرْبَة من سَويق يُفْطِر عليها إلى مثلها من الغد، يؤتَى بها في المسجد، يصوم الدهر، وما رُئيَ رافعًا إلى السماء إخباتًا. فلمّا دنا أهل الشأم من وادي القُرى صلى عبد الله بن حنظلة بالناس الظهر ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّما خرجتم غضبًا لدينكم فابلوا لله بلاءً حسنًا، ليوجب لكم به مغفرته ويُحِلّ به عليكم رضوانه.
قد خبّرني من نزل مع القوم السّوَيداء وقد نزل القوم اليوم ذا خُشُب ومعهم مَرْوان بن الحَكم واللهُ إن شاء الله محيِّنُه بنَقْضِه العهد والميثاق عند منبر رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم. فتصايح الناس وجعلوا ينالون من مروان ويقولون: الوَزَغ بن الوَزَغ، وجعل ابن حنظلة يهدّئهم ويقول: إنّ الشتم ليس بشيء ولكن اصْدقوهم اللقاء، والله ما صدق قوم قطْ إلّا حازوا النصر بقدرة الله. ثمّ رفع يديه إلى السماء واستقبل القبلة وقال: اللهمّ إنّا بك واثقون بك آمنّا وعليك توكّلنا، وإليك ألجأنا ظهورنا، ثم نزل.
وصبّح القومُ المدينة فقاتل أهلُ المدينة قتالًا شديدًا، حتى كَثَرهم أهل الشأم ودُخلت المدينة من النواحي كلّها، فلبس عبد الله بن حنظلة يومئذٍ درعين، وجعل يحضّ أصحابه على القتال، فجعلوا يقاتلون. وقُتل الناس فما ترى إلّا راية عبد الله بن حنظلة ممسكًا بها مع عصابة من أصحابه، وحانت الظهر فقال لمولى له: احْمِ لي ظهري حتى أصلّي الظهر أربعًا متمكّنًا، فلمّا قضى صلاته قال له مولاه: والله يا أبا عبد الرحمن ما بقي أحد فعلامَ نقيم؟ ولواؤه قائم ما حوله خمسة. فقال: ويحك إنّما خرجنا على أن نموت.
ثمّ انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة، فتقلد السيف ونزع الدرع، ولبس ساعدين من ديباج، ثمّ حث الناس على القتال، وأهل المدينة كالأنعام الشُّرّد وأهل الشأم يقتلونهم في كلّ وجه. فلمّا هُزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتى قتلوه، ضربه رجل من أهل الشأم ضربةً بالسيف فقطع منكبيه حتى بدا سَحْره ووقع ميّتًا، فجعل مُسْرِف يطوف على فرس له في القتلى ومعه مروان بن الحكم، فمرّ على عبد الله بن حنظلة وهو مادّ إصبعه السبّابة فقال مروان: أما والله لئن نصبتَها ميّتًا لطالما نصبتها حيًّا.
ولما قُتل عبد الله بن حنظلة لم يكن للناس مقام، فانكشفوا في كلّ وجه. وكان الذي وليَ قتل عبد الله بن حنظلة رجلان شرعا فيه جميعًا، وحزّا رأسه، وانطلق به أحدهما إلى مُسْرِف وهو يقول: رأس أمير القوم. فأومأ مسرف بالسجود وهو على دابته وقال: من أنت؟ قال رجل من بَني فَزارة. قال: ما اسمك؟ قال: مالك. قال: فأنت وَلِيتَ قَتلْه وحزَّ رأسِه؟ قال: نعم. وجاء الآخر رجل من السَّـكون من أهل حِمْص يقال له: سعد ابن الجـَوْن فقال: أصلح الله الأمير! نحن شرعنا فيه رمحينا فأنفذناه بهما، ثمّ ضربناه بسيفينا حتى تثلّما ممّا يلتقيان.
قال الفزاري: باطل، قال السكوني فأحلفه بالطلاق والحُـرّيـّة فأبَى أن يحلف، وحلف السكوني على ما قال، فقال مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما. فَأْبَردهما فقدما على يزيد بقتل أهل الحرّة وبقتل ابن حنظلة، فأجازهما بجوائز عظيمة، وجعلهما في شرف من الديوان، ثمّ ردّهما إلى الحُصين بن نُمير فقُتلا في حصار ابن الزبير. قال وكانت الحرّة في ذي الحجةّ سنة ثلاثٍ وستّين.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني سليمان بن كنانة عن عبد الله بن أبي سفيان قال: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ عبد الله بن حنظلة بعد مقتله في النوم في أحسن صورة معه لواؤُه فقلت: أبا عبد الرحمن أما قُتِلتَ؟ قال: بلى ولقيتُ ربّي فأدخلني الجنّة فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت. فقلتُ: أصحابك ما صُنع بهم؟ قال: هم معي حول لوائي هذا الذي ترى لم يُحَلّ عقده حتى الساعة. قال ففرغتُ من النوم فرأيتُ أنّه خيرٌ رأيتُه له.
(< جـ7/ص 68>)