أبو أمامة الباهلي
روى رجاءُ بنُ حَيَوة، عن أبي أُمَامة قال: أنشأَ رسول الله صَلَّى الله علَيه وسَلم غزوًا فأتيتُه فقلت: يا رسولَ الله أُدعُ الله لي بالشهادةِ، فقال: "اللهم سَلَّمْهُم، وغَنِّمْهُم"، قال: فغزَونا، وسلِمنا، وغنِمنا، ثم أتيتُه بعد ذلك، فقلت: يا رسولَ الله مرني بعملٍ آخذُه عنك، ينفعني الله عزَّ وجلَّ به، قال:"عليكَ بالصوم فإنَّه لا مِثْل له"، قال: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلْقَون إلا صيامًا، فإذا رأَوا نارًا أو دُخَانًا بالنهَار في منزلهم عَرَفوا أنه قد اعْتَراهم ضَيفٌ، قال: ثمَّ أتيتُه بعد ذلك فقلتُ: يا رسولَ الله إنكَ قد أمرتَني بأمر وأرجو أن يكُون الله عزَّ وجلَّ قد نفَعني به، فمُرني بأمرٍ آخرَ ينفعُني الله عزَّ وجلَّ به، قال: "اعلم أَنك لا تسجُد لله عزَّ وجلَّ سجدةً إلا رفعَ الله عزَّ وجلَّ لكَ بها درجةً، أو حطَّ بها عَنك خطيئة".
وروت مولاة لأبي أُمَامةَ البَاهِلي قالت: كان أبو أُمَامة رجلًا يُحبُّ الصدقة، ويَجمعُ لها من بين الدينارِ، والدرهمِ، والفلوس، وما يأكلُ حتى البصلة ونحوها، ولا يقفُ به سائلٌ إلا أعطاهُ ما تهيأَ له؛ حتى يضعَ في يدِ أحدِهم البصلةَ، قالت: فأصبحنا ذاتَ يومٍ وليسَ في بيته شيءٌ من الطعامِ لذلك ولا لنا، وليس عندَه إلا ثلاثةُ دنانير، فوقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا، ثم وقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا، ثم وقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا، قالت: فغضبْتُ وقلت: لم يبقَ لنا شيءٌ، فاستلقَى على فراشهِ، وأغلقتُ عليه بابَ البيت حتى أذَّن المؤذنُ للظهرِ، فجئتُه فأيقظتهُ فراحَ إلى مسجدهِ صائمًا، فرقَقتُ عليهِ فاستَقرضتُ ما اشتَريتُ به عَشاء، فهيَّأتُ سِرَاجًا، وعَشًاء، ووضَعتُ مَائدة، ودنوتُ من فراشِه لأُمهِده له؛ فرفَعتُ المِرْفقةَ فإذا بذَهَبٍ، فقلتُ في نفسِي: مَا صنعَ إلا ثقَة بما جاء به، قالت: فعدَدتُها فإذا ثلاثمائة دينار، فتركتُها على حالِها حتى انصَرف على العَشاء، قالت: فلما دخلَ ورأى ما هيَّأتُ له حَمِد الله تعَالى وتبسَّم في وجهِي، وقال: هذا خيرٌ مِن غيره، فجلسَ فتعشَّى، فقلتُ: يغفِرُ الله لك، جئتَ بما جئتَ به ثُم وضعتَه بموضعِ مضيعةٍ، فقال: وما ذاكَ؟ فقلتُ: ما جئتَ به من الدنَانير، ورَفعْتُ المِرفَقةَ عنهَا، ففَزِع لِما رَأى تحتَها، وقال: ويحَك ما هذا؟! فقلتُ: لا عِلم لي بهِ إلا أَني وجدتُه علَى مَا ترَى، قالت: فكثُر فَزعهُ رحِمهُ الله ورَضي عَنه.