أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب
بنت أبي بكر الصديق، والدة عبد الله بن الزبير بن العوام، ذات النّطاقين؛ وإنما قيل لها ذلك لأنها صنعت للنّبي صَلَّى الله عليه وسلم سُفْرة حين أراد الهجرة إلى المدينة فعسُرَ عليها ما تشدُّها به فشقّت خمارها، وشدّت السِّفرة بنصفه، وانتطقت النّصف الثّاني؛ فسمّاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات النّطاقين، وقال الزّبير في هذا الخبر: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لها: "أَبَدَلَكِ اللَّهُ بِنِطَاقِكِ هَذَا نِطَاقَيْنِ فِي الْجَنَّةِ".
ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، وكانت أسماء أسن من عائشة وهي أختُها لأبيها وكان عبد الله بن أبي بكر أخا أسماء شقيقها، أسلمت بعد إسلام سبعة عشر إنسانًا، وتزوّج أسماء الزّبير بن العوّام بن خويلد، فولدت له عبد الله وعروة والمنذر وعاصمًا والمهاجر وخديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة، وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزّبير، فوضعته بقُباء.
وروي عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تزوّجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فَرَسِهِ، قالت: فكنت أعلف فرسه وأكفيه مَئُونته وأسوسه وأدقّ النوى لِنَاضِحه، وأَعْلِفه، وأسقيه الماء، وأخرز غَرْبَه، وأعجن ولم أكن أحسن أخبز فكان يخبز جارات لي من الأنصار وكُنّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وكنت أنقل النّوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي وهي على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه فدعا لي ثمّ قال: "إِخْ إِخْ"، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزُّبَيرَ وغَيْرَتَه، وكان من أغير الناس، فعرف رسول الله أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب معه فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال: والله لحَمْلك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه،حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكَفْتني سياسةَ الفرَس فكأنّما أعتقني.
وروى عبد الكريم عن عِكْرِمَة أنّ أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوّام، وكان شديدًا عليها فأتت أباها فشكت ذلك إليه فقال: يا بنيّة اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثمّ مات عنها فلم تزوّج بعده جمع بينهما في الجنّة.
وروي أنّ أسماء كان في عنقها ورم فجعل النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يمسحها ويقول:"اللهمّ عافها من فحشه وأذاه". وروي أنها رضي الله عنها كانت تصدّع فتضع يدها على رأسها وتقول: بدني وما يغفر الله أكثر، وكانت تمرض المرضة فتعتق كلّ مملوك لها، وكانت تقول لبناتها ولأهلها: أنفقوا أو أنفقن وتصدّقن ولا تنتظرن الفضل، فإنّكنّ إن انتظرتنّ الفضل لم تُفضلن شيئًا، وإن تصدّقتنّ لم تجدن فقده، وروى محمّد بن المُنْكَدِر أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر: "لاَ تُوكِي فَيُوكي الله عليك" وكانت امرأة سخيّة النفس.
وروي عن أبي وَاقِد الليثي صاحب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أنّه شهد اليَرْمُوك، قال: وكانت أسماء بنت أبي بكر مع الزبير، قال: فسمعتها وهي تقول للزبير: يا أبا عبد الله والله إن كان الرجل من العدوّ ليمرّ يسعى فتصيب قدمه عروة أطناب خِبَائِي فيسقط على وجهه ميّتًا ما أصابه السلاح.
عاشت رضي الله عنها وطال عمرها، وعَمِيت، وخبرها مع ابنها لما استشارها في قبول الأمان لما حَصَره الحجاج يدل على عقل كبير، ودين متين، وقلب صبور قوي على احتمال الشدائد.
وروي أنّ المنذر بن الزّبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مرويّة وقُوهِيَّة رقاق عتاق بعدما كُفّ بَصَرهُا، قال: فلمستها بيدها ثمّ قالت: أفّ! ردّوا عليه كسوته قال فشق ذلك عليه وقال: يا أمّه إنّه لا يشفّ، قالت: إّنها إن لم تشفّ فإنّها تصف، قال: فاشترى لها ثيابًا مرويّة وقوهيّة فقبلتها وقالت: مثل هذا فاكسُني.
وروت أسماء عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم عدةَ أحاديث، وهي في الصحيحين، والسنن، وروَى عنها ابناها: عبد الله، وعروة وغيرهم.
وروت فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قال: أوصت: إذا أنا متّ فاغسلوني وكفّنوني وحنّطوني ولا تذرّوا على كفني حنوطًا ولا تُتبعوني بنار، وماتت أسماء بنت أبي بكر الصدّيق بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بليال، وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقد اختلف في مكث أسماء بعد ابنها عبد الله، فقيل: عاشت بعده عشر ليالٍ، وقيل عشرين يومًا، وقيل بضعًا وعشرين يومًا، وماتت وقد بلغت مائة سنة.