تسجيل الدخول


عويمر أبو الدرداء

مشهور بكنيته وباسمه، واختلف في اسمه؛ فقيل: هو عامر، وعُويمر لقَب، ويروى في قصة إسلامه أن الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة كان صديقة، وذات يوم وأبو الدرداء خارج داره دخل عبد الله وكسّر الصنم الذي كان يعبده أبو الدرداء، ولما عاد أبو الدرداء لبيته غَضِبَ غَضَبًا شديدًا، ثم فَكَّر في نَفْسِهِ فقال: لو كانَ عندَهُ خيرٌ لدفع عن نفسه، فانطلق حتى أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ومعهُ ابن رَوَاحة، فأسْلَم. وروي أنه أسلم يوم بدر، وقيل: شهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وَنَظَرَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي الدَّرْدَاءِ والناسُ منهزمون كلُ وجهٍ يَومَ أُحدٍ، فقال: "نعمَ الفارِسُ عُوَيْمِر غَيرَ أُفَّةٍ"، يعني: غير ثقيل. وعن أبي الدّرداء قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَنا فَرَطَكُم عَلَى الحَوْض فَلَا أَلَفينَّ مَا نُوزِعْتُ فِي أَحَدِكُم فَأَقُولُ: هَذَا مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ"، فقلت:‏ يا رسولَ الله، ادْعُ الله ألّا يجعلني منهم،‏ قال:‏ ‏ ‏"‏لَسْتَ مِنْهُمْ‏"‏ . ولما استُعمل أبو الدرداءِ على القضاءِ فأصبَحَ الناس يُهَنِّئُونه، فقال: أَتُهَنِّئُوني بالقضاء، وقد جُعِلت على رأس مَهْوَاةٍ مَزَلَّتُها أبعدُ مِنْ عَدَن أَبْيَنَ، ولو علم الناس مافي القضاءِ لأخْذوهُ بالدّوَل رغبةً عنه وكراهية له، ولو يعلم الناسُ مافي الأذان لأخذوه بالدُولِ رغبةً فيه وحرصًا عليه. وقيل لأمّ الدرداءِ ما كان أفضَلُ عمل أبي الدرداءِ؟ فقالت: التَّفَكُّر. وروي عنه أنه قال: تفكّرُ ساعةٍ خير من قيام ليلة. وقال رضي الله عنه: اطلبُوا العلم فإن عَجزتُم فأحِبُّوا أهلَهُ، فإن لم تحبوهم فلا تُبغِضُوهُم. وعن أبي الدرداء قال: مَن يزدد علمًا يزدد وجعًا، وقال: إن أَخَوَف ما أخاف أن يقال لي يومَ القيامة: علمتَ؟ فأقولُ، نعم، فَيُقالُ: فما عَمِلْتَ فيما عَلِمتَ؟ وقيل لأبي الدّرداء ــ وكان لا يفتر مِن الذكر: كم تُسَبِّح يا أبا الدرداءِ في كل يومٍ؟ قال: مائة ألف إلا أن تُخْطِئَ الأصابع. وكان يقول: لا تكون عالمًا حتى تكون متعلما، ولا تكون عالمًا حتى تكون بما عَلمتَ عاملًا. وقالت أم الدَّرداء: كان أبو الدرداء إذا فرغ من صلاتِه بالليلِ دعا لإخوانهِ، قال: اللهم اغفر لي ولفلان وفلان، فقلتُ لهُ: لو كان هذا الدُّعاء لك أو قالت لنفسك أليس كان خيرًا؟ قال: إن الملائِكة تُؤمّن على دعاء الرجل إذا دعا لأخيهِ بظهر الغيْبِ، تقول: آمين، ولَكَ بِمِثلٍ، فرغبتُ في تأمين الملائِكَةِ. ورُئِيَ أبا الدرداء عليهِ بُردٌ وثوبٌ أبيَضُ، ورُئِيَ على غُلامِهِ بُردٌ وثوبٌ أبيضُ فقيل له: يا أبا الدرداءِ لو أَخَذْتَ هذا البُردَ وأعطيتَ غُلامكَ هذا الثوبَ الأبيضَ، أو أخذتَ هذا الثوبَ الأبيضَ وأعطيتَ غلامكَ البُردَ فكانا ثوبين متفقين؟ فقال: إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "اكسوهُم مما تلبسون وأطعموهُم مما تأكلون". وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: لولا ثلاث لم أُبَالِ متى مُتُّ، لولا أن أظمأ بالهَواجر، ولولا أُعِفِّرُ وجهي بالتراب، ولولا أن آمر بمعروف أو أنهَى من منكرٍ. ومَرِضَ أبو الدرداء فَفَزِعَ إلى نفقَةٍ كانت عنده فوجدها خمسةَ عشرَ درهمًا، فقال: ما كانت هذه مُبقية مني شيئًا، إن كانت لمُحرقةً ما بين عانتي إلى ذَقَنِي. واشتكى مرة فدخل عليه أصحابُه، فقالوا له: يا أبا الدرداءِ، ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: هو الذي أَضْجَعَنِي. ووصف أبو الدرداء الدنيا فأَحسن؛ فمن قوله فيها‏: "الدّنيا دار كدر، ولن ينجو منها إلا أهلُ الحذر، ولله فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويَعتبِرُ بها العالمون، ومن علاماتهِ فيها أنْ حفَّها بالشَّبُهَات، فارتطم فيها أهلُ الشّهوات، ثم أعقَبها بالآفاتِ، فانتفع بذلك أهل العِظَات،...‏"، وروى أَبو قلابة أَن أَبا الدرداء مَرَّ على رجل قد أَصاب ذنبًا، وكانوا يسبونه، فقال: أَرأَيتم لو وجدتموه في قَلِيب أَلم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أَخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أَفلا تُبْغِضه؟ قال: إِنما أَبغض عمله، فإِذا تركه فهو أَخي. وفاته: ويروى أنه لما نزل به الموت بكى، فقالت له أُم الدرداء: وأَنت تبكي يا صاحب رسول الله؟! قال: نعم، وما لي لا أَبكي ولا أَدرى علام أَهجم من ذنوبي، وقال: هذه آخر ساعاتي من الدنيا، لَقِّنوني "لا إِله إِلا الله" فلم يزل يرددها حتى مات. وتوفي في خلافة عثمان بن عفان، بعد أنْ ولّاهُ معاوية –وكان أميرا للشام- قضاء دمشق‏، ودفن رضي الله عنه في دمشق.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال