تسجيل الدخول


المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب

1 من 1
أبو سفيان بن الحارث

ابن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ، واسمه المغيرة، وأمّه غزيّة بنت قيس بن طَريف بن عبد العُزّى بن عامرة بن عُميرة بن وَديعة بن الحارث بن فهر. وكان لأبي سفيان بن الحارث من الولد جعفر وأمّه جُمانة بنت أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ، وأبو الهيّاج واسمه عبد الله، وجُمانة وحفصة، ويقال حَميدة، وأمّهم فغمة بنت همّام بن الأفقم بن أبي عَمرو بن ظُوَيلم بن جُعيل بن دُهْمان بن نصر بن معاوية، ويقال إنّ أمّ حفصة جُمانة بنت أبي طالب، وعاتكة وأمّها أمّ عمرو بنت المقوّم بن عبد المطّلب بن هاشم، وأميّة وأمّها أمّ ولد، ويقال بل أمّها أمّ أبي الهيّاج، وأمّ كلثوم وهى لأمّ ولد. وقد انقرض ولد أبي سفيان بن الحارث فلم يبق منهم أحد.

وكان أبو سفيان شاعرًا فكان يهجو أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان مباعدًا للإسلام شديدًا على مَن دخل فيه، وكان أخا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من الرضاعة، أرضعته حَليمة أيـّامًا، وكان يألـَفُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان له تِرْبـًا، فلمّا بُعِثَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عاداه وهجاه وهجا أصحابه فمكث عشرين سنة عَدُوًّا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولا تخلّف عن مَوْضعٍ تسير فيه قريش لقتال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا ضرب الإسلامُ بِجِرانِه وذُكِر تحرّك رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى مكّة عام الفتْح ألـْقى الله في قلب أبي سفيان بن الحارث الإسلام، قال أبو سفيان: فجِئتُ إلى زوجتي وولدي فقلت تَهـَيَّئُوا للخروج فقد أظلّ قدومُ محمّد، فقالوا قَد أَنـَى لك أن تُبْصِرَ أن العرب والعجم قد تبعت محمّدًا وأنت موضع في عداوته وكنت أوْلى الناس بنُصْرَته. قال فقلتُ لغلامي مذكور: عَجّلْ عليّ بأبعرة وفرسي، ثمّ خرجنا من مكّة نريد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فسِرْنا حتى نزلنا الأبواء وقد نزلَتْ مقدّمة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الأبواء تريد مكّة، فخِفْتُ أن أُقْبِل وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قد نذر دمي، فتنكّرْتُ وخرجتُ وأخذتُ بيد ابني جعفر فمشينا على أقدامنا نحوًا من ميل في الغداة التي صبح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيها الأبواء فتصدّينا له تلْقاءَ وجهه، فأعرض عنّي إلى الناحية الأخرى فتحوّلتُ إلى ناحية وجهه الأخرى فأعرض عني مرارًا فأخذني ما قرب وما بعد وقلتُ أنا مقتول قبل أن أصِلَ إليه وأتذكّر بِرّه وَرحِمَه وقرابتي به فتمسّك ذلك مني، وكنت أظنّ أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يفرح بإسلامي فأسلمتُ وخرجتُ معه على هذا من الحال حتى شهدتُ فتح مكّة وحُنين، فلمّا لقينا العدوّ بحُنين اقتحمتُ عن فرسي وبيدي السيف صلتًا ولم يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظرُ إليّ فقال العبّاس: يا رسول الله هذا أخوك وابن عمّك أبو سفيان بن الحارث فارْضَ عنه، قال: "قد فعلتُ فغفر الله له كلّ عداوة عادانيها". ثمّ التفت إليّ فقال: "أخي"، لَعَمْري فَقَبّلت رِجْلَه في الركاب(*).

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق قال: كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يهجو أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا أسلم قال:

لَعَمْرُكَ إنـّي يَـوْمَ أحْمِلُ رايَةً لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللاّتِ خيلَ محمدِ

لَكـالمُدْلِجِ الحَيرانِ أظلَمَ ليلُـهُ فهذا أواني اليوْمَ أُهْدَى وأهْتدي

هَدانيَ هادٍ غَيرُ نَفْسي وَدَلّني على اللهِ مَن طَرّدْتُ كلَّ مُطرَّدِ

فقال رسول الله، صَلَى الله عليه وسلم: "بل نحن طردناكم"(*).

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء وسأله: يا أبا عُمارة أوَلّيْتُم يومَ حُنَين؟ فقال البراء وأنا أسمع: أشهد أنّ نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، لم ُيوَلّ يومئذٍ، كان يقود أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب بَغْلَتَهُ فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول:

أنـا النبيّ لا كـَذِبْ أنا ابـن عبد المُطّلـبْ

قال فما رُئيَ من الناس أحد يومئذٍ كان أشدّ منه(*).

قال: أخبرنا عليّ بن عيسى النوفليّ عن أبيه عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عبد الله بن الحارث بن نوفل أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يشبَّه بالنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأنـّه كان أتى الشأمَ فكان إذا رُئي قيل هذا ابن عمّ ذلك الصابي لـِشَبَههِ به.

وقال أبو سفيان بن الحارث في شعره:

هَدانيَ هادٍ غَيرُ نَفْسي وَدَلّني على اللهِ مَن طَـرّدْتُ كلَّ مطرَّدِ

أفِرّ وأنـْأى جاهدًا عن مُحَمّدٍ وَأُدْعَى وَإنْ لم أنـْتَسِبْ بِمُحمـدِ

يعني شِبْهَه به.

وقال: وأتى أبو سفيان بن الحارث النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وابنُه جعفر بن أبي سفيان مُعْتَمَّين، فلمّا انتهيا إليه قالا: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَسْفِروا تُعْرَفوا" قال فانتسبوا له وكشفوا عن وجوههم وقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنـّك رسول الله فقال رسول الله: "أيّ مطْرَدٍ طردتَني يا أبا سفيان"، أو "متى طردتَني يا أبا سفيان؟" قال: لا تثريب يا رسول الله قال: "لا تثريب يا أبا سفيان" وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لعليّ بن أبي طالب: "بَصّر ابنَ عمّك الوضوءَ والسّنّة ورُحْ به إليّ". قال فراح به إلى رسول الله فصلّى معه، فأمر رسول الله، عليه السلام، عليّ بن أبي طالب فنادى في الناس: ألا إنّ اللهَ ورسولَه قد رضيا عن أبي سفيان فارْضَوْا عنه.

قال: وشهد مع رسول الله، صَلَى الله عليه وسلم، فتح مكّة ويوم حُنين والطائف هو وابنه جعفر وثبتا معه حين انكشف الناسُ يومَ حُنين، وعلى أبي سفيان يومئذٍ مُقَطّعة برود وعمامة برود وقد شدّ وَسَطَه ببُرْد وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا انْجلَتِ الغبْرَةُ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَن هذا؟" قال: أخوك أبو سفيان، قال: "أخي إِيهًا الله إذًا" وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "أبو سفيان أخي وخير أهلي وقد أعقبني الله من حمزة أبا سفيان بن الحارث"، فكان يقال لأبي سفيان بعد ذلك أسد الله وأسد الرسول. وقال أبو سفيان بن الحارث في يوم حُنين أشعارًا كثيرةً تركناها لكثرتها، وكان ممّا قال:

لقد عَلِمَتْ أفناءُ كَعْبٍ وعامِرٍ
غَداةَ حُنَينٍ حينَ عَمّ التّضَعضُعُ

بأنّي أخو الهَيْجَاءِ أرْكَبُ حَدّها أمامَ رَسولِ اللهِ لا أتـَتَـعْـتـَعُ

رَجاءَ ثـَوابِ اللهِ واللهُ واسعٌ
إلَـيْه تَعالى كُلُّ أمْرٍ سَيَرْجِـعُ

قالوا: وأطعم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أباسفيان بن الحارث بخَيْبَرَ مائة وسقٍ كلّ سنةٍ(*).

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وعارم بن الفضل قالا: حدّثنا حمّاد بن سَلَمَة عن عليّ بن زيد عن سعيد بن المسيّب أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يصلّي في الصيف بنصف النهار حتى تُكْرَه الصلاةُ، ثمّ يصلّي من الظهر إلى العصر، فلقيه عليّ ذات يومٍ وقد انصرف قبل حينه فقال له: ما لك انصرفتَ اليومَ قبل حينك الذي كنتَ تنصرف فيه؟ فقال: أتيتُ عثمانَ بن عفّان فخطبتُ إليه ابنتَه فلم يُحِرْ إليّ شيئًا فقعدتُ ساعةً فلم يُحِرْ إليّ شيئًا. فقال عليّ: أنا أُزوّجك أقرب منها، فزوّجه ابنتَه.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعفّان بن مُسْلِم قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن هشام ابن عُرْوة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أبو سفيان بن الحارث سيّد فِتْيان أهل الجنّة"(*). فحجّ عامًا فحلقه الحلاّق بمنًى وفي رأسه ثُؤلولٌ فقطعه الحلّاق فمات. قال يزيد في حديثه فَيَرَوْنَ أنّه شهيد. وقال في حديثه عفان: فمات فكانوا يرجون أنّه من أهل الجنّة.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: حدّثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: لما حضر أبا سفيان الوفاة قال لأهله: لا تبكوا عليّ فإنـّي لم أتَنَطّفْ بخطيئة منذ أسلمت.

قالوا: ومات أبو سفيان بالمدينة بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر إلا ثلاث عشرة ليلة. ويقال بل مات سنة عشرين وصلّى عليه عمر بن الخطّاب وقُبِرَ في رُكْنِ دار عَقيل بن أبي طالب بالبقيع، وهو الذي وَلِيَ حَفْرَ قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيـّام ثمّ قال عند ذلك: اللهمّ لا أبقى بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولا بعد أخي وأتْبِعْني إيـّاهما. فلم تَغِب الشمس من يومه ذلك حتى توفّي، وكانت داره قريبًا من دار عَقيل بن أبي طالب وهى الدار التي تُدعى دار الكراخي، وهي حديدةُ دارِ عليّ بن أبي طالب، عليه السلام.
(< جـ4/ص 45>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال