تسجيل الدخول


المقداد بن الأسود الكندي

المِقْداد بن الأسود، واسم الأسود عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي البَهْرَاني:
كان المقداد يكنى أبا الأسود، وقيل: كنيته أبو عمر، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو معبد. معروف بالمقداد بن الأَسود، قال ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كان عمرو بن ثعلبة أصاب دمًا في قومه، فلحق بحضرموت، فحالف كندة، فكان يقال له: الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي، فضرب رِجْله بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهريَّ، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه فتبنَّى الأسودُ المِقدَادَ فصار يقال: المقداد بن الأسود، وغلبت عليه، واشتهر بذلك؛ فلما نزلت: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [سورة الأحزاب آية 5] قيل له المِقْداد بن عَمْرو، واشتهرت شهرته بابن الأسود. قال أبو عمر:‏ قد قيل إنه كان عبدًا حبشيًا للأسود بن عبد يغوث، فتبنّاه قبل إسلامه، واستَلْحَقه؛ والأول أصح وأكثر.
قال ثابت البُنَانيّ: كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَيْن؛ فقال له: مالك ألا تتزوج، قال: زوجني ابنتك؛ فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم؛ فقال: "أنا أزوِّجك"، فزوَّجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطَّلب. قال هَمّام بن الحارث: كان رجلًا ضخمًا. قالت كريمة بنت المقداد: كان رجلًا طويلًا آدم، ذا بَطْنٍ، كثير شعرِ الرّأس، يُصَفّر لحيته وهي حسنة وليست بالعظيمة ولا بالخفيفة، أعْيَنَ مقرون الحاجبين، أقْنَى. قال ابن مسعود: أَوّل من أَظهر الاسلام بمكة سبعة منهم المقداد. وقد هاجر الهجرتين. ولم يقدر على الهجرة ظاهرًا، فأتى مع المشركين من قريش هو وعتبة بن غزوان ليتوصّلا بالمسلمين، فانحازا إليهم، وذلك في السّرية التي بعث فيها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث إلى ثنية الْمَرَة، فلقوا جمعًا من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل، فلم يكن بينهم قتال؛ غير أنّ سعد بن أبي وقّاص رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رُمي به في سبيل الله، وهرب عُتْبَة بن غزوان، والمقداد بن الأسود يومئذ إلى المسلمين، ونزل على كلثوم بن الهِدْم.
شهِدَ المقداد بدرًا على فرس له يقال لها: سَبْحَة، وله فيها مقام مشهور؛ ذكره ابن إِسحاق فقال: أَتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر الخبرُ عن قريش بمسيرهم؛ ليمنعوا عِيْرَهم، فاستشار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الناسَ، فقال أَبو بكر فأَحْسَنَ، وقال عمر فأَحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أُمرتَ به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إِسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]. ولكن: اذهب أَنت وربك فقاتلا إِنا معكما مقاتلون؛ فوالذي بعثك بالحق نبيًّا لو سِرْتَ بنا إِلى بِرك الغمَاد لجالدنا معك من دونه، حتى نبلغه، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خيرًا، ودعا له(*)، وفي رواية أخرى: ولكننا نقاتِلُ من بين يديك ومن خَلْفِك، وعَنْ يمينك وعن شمالك.‏ قال ابن مسعود:‏ فرأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يشرق وجهه لذلك، وسرَّه وأعجبه(*). قيل: لم يكن ببدر صاحبُ فرس غيرَ المقداد، وقيل غيره، وذَكَرَ البَغَوِيُّ أن أول مَنْ قاتل على فرس في سبيل الله المقداد بن الأسود، وشهد أُحُدًا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان من الرّماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وشهد المقداد فَتْحَ مصر.
وكان من الفضلاء النّجباء الكبار الخيار من أصحاب النّبي صَلَّى الله عليه وسلم، قال عليّ بن أبي طالب:‏ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏: ‏"‏إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَا أُعْطي سَبْعَة نُجَبَاءٍ وَوُزَرَاءٍ وَرُفَقَاءٍ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَر: حَمْزَة، وَجَعْفَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَليٌّ، وَالْحَسَنُ، والْحُسَيْنُ، وَعَبُد اللَّه بنُ مَسْعُودٍ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَحُذَيفَةُ، وَأَبُو ذَرّ، وَالْمِقْدَادُ، وبِلَالٌ‏"(*)أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/128، والطبراني في الكبير 6/265، وابن عساكر 3/309، 4/ 213، 10/321، وذكره الهيثمي في الزوائد 9/159، والهندي في كنز العمال حديث رقم 33691. وآخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين المقداد وَجَبَّار بن صَخْر. قال عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبه: قطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم للمقداد في بني حُديلة دعاه إلى تلك الناحية أُبَيُّ بن كعب(*)، وأخبر موسى بن يعقوب عن عمّته عن أمّها قالت: بِعْنا طُعْمة المقداد التي أطعمه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بخيبر خمسة عشر وَسْقًا شعيرًا من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم. قال أبو راشد الحبراني: خرجتُ من المسجد فإذا أنا بالمقداد بن الأسود على تابوت من توابيت الصيارفة قد فضل عنها عِظَمًا، فقلت له: قد أعْذَرَ الله إليك، فقال: أبتْ علينا سورةُ البُحُوث: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [سورة التوبة:41]. ومناقبه كثيرة. قال بُريدة: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ"، قيل: يا رسول الله سمهم لنا، قال: "عَلِيُّ مِنْهُمْ ـــ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَأَبُو ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادُ، وَسَلْمَانُ"(*)أخرجه الترمذي (3718) وابن ماجة (149) والحاكم 3 / 130 وانظر كنز العمال (33102، 33127).. عن أنس: أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ ويرفَعُ صوته بالقرآن، فقال:‏ ‏"‏أوّابٌ"‏‏، وسمع آخر يرفع صوته فقال:‏ ‏ ‏"‏مَراءٍ"‏،‏ فنُظِر فإذا الأول المقداد بن عمرو(*)‏. وذكر أحمد بن حنبل، عن المقداد، قال:‏ لما نزلنا المدينة عشّرَنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عشرة عشرة في كل بيت،‏ فكنت في العشرة الذين كانوا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكن لنا إلا شاة نتجزى لبنها(*).
روى المقداد عن النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم أحاديثَ، وروى عنه عليّ، وأنس، وابن عباس، وعبيد الله بن عديّ بن الخِيَار، وهَمّام بن الحارث، والمستورد بن شداد، وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أَبي ليلى، وميمون بن أَبي شَبِيب، وجُبير بن نُفَير، وغيرهم. روى سُلَيم بن عامر عن المقدادُ صاحبُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الْشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ، حَتَّى تَكُونَ قِيْدَ مِيلٍ أَوْ اثْنَيْنِ" ــ قال سليم: لا أَدري أَيّ الميلين عَنَى، أَمسافة الأَرض أَم المِيلُ الذي يُكْحل به العين قال: "فَتَصْهَرُهُمُ الْشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا" ــ فرأَيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يُشِير بيده إِلى فِيه، أَي: يلجمه إِلجامًا(*) أخرجه الترمذي (2421) وأحمد 3 / 6 والكنز (38922)..
أخرج يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ شَاهِين، عن كريمة زوج المقداد: كان المِقداد عظيمَ البطن، وكان له غلام رُوميٌّ؛ فقال له: أشقّ بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقَّ بطنه ثم خاطه؛ فمات المقداد، وهرب الغلام. وأَوصى المقداد إِلى الزبير بن العوّام. وقيل: شرب المقداد بن الأسود دُهْن الخِرْوَع فمات. قالت كريمة بنت المقداد: مات المقداد بالجُرُف على ثلاثة أميال من المدينة، فحُمل على رقاب الرجال حتى دُفن بالمدينة بالبقيع وصلّى عليه عثمان بن عفّان، وذلك سنة ثلاثٍ وثلاثين، وكان يومَ مات ابن سبعين سنة أو نحوها. وروى الحكَم أنّ عثمان بن عفّان جعل يُثني على المقداد بعدما مات، فقال الزّبير:
لا أُلْْفيَنّك بعدَ الموتِ تَنْدُبُني وفـي حياتيَ ما زَوّدْتنَي زادي
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال