تسجيل الدخول


الجارود العبدي

1 من 2
الجارود

واسمه بِشْر بن عمرو بن حَنَش بن المُعَلَّى وهو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جَذِيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنـْمار.

قال: وإنّما سُمّي الجارود لأنّ بلاد عبد القيس أسافت حتى بقيت للجارود شليّة، والشليّة هي البقيّة، فبادر بها إلى أخواله من بني هند من بني شيبان فأقام فيهم وإبله جربة فَأَعْدَت إبلَهم فَهَلَكَت، فقال الناس: جردهم بشر، فسُمّي الجارود فقال الشاعر:

جَرَدْناهُمُ بالسّيفِ من كلّ جانبٍ
كما جَرَّدَ الجارُودُ بكرَ بن وائلِ

وأمّ الجارود درمكة بنت رُويم أخت يزيد بن رُويم أبي حَوْشَب بن يزيد الشيباني. وكان الجارود شريفًا في الجاهليّة، وكان نصرانيًّا فقدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في الوفد فدعاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى الإسلام وعرضه عليه فقال الجارود: إني قد كنتُ على دين وإني تارك ديني لدينك، أفتَضْمن لي ديني؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه".

ثمّ أسلم الجارود فحسن إسلامه وكان غير مغموص عليه، وأراد الرجوع إلى بلاده فَسَأَلَ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حُمْلانًا فقال: "ما عندي ما أحملك عليه". فقال: يا رسول الله إنّ بيني وبين بلادي ضَوالَّ من الإبل أفأركبها؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّما هي حَرَقُ النارِ فلا تقربْها".(*)

وكان الجارود قد أدرك الرّدّة، فلمّا رجع قومه مع الغَرور: المنذر بن النعمان قام الجارود فشهد شهادة الحقّ ودعا إلى الإسلام وقال: أيّها الناس إنـّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله صَلَّى الله عليه وسلم، وأكفي من لم يشهد وقال:

رَضينا بدينِ اللهِ من كلّ حادثٍ وباللهِ
والرّحْمنِ
نَرْضَى به رَبّا

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مَعْمَر ومحمد بن عبد الله وعبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزّهْريّ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنّ عمر بن الخطّاب ولّى قُدامة ابن مظعون البحرين فخرج قُدامة على عمله فأقام فيه لا يُشْتكى في مظلمة ولا فرج إلّا أنـّه لا يحضر الصلاة، قال: فقدم الجارود سيّد عبد القيس عَلَى عُمَرَ بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين إنّ قدامة قد شرب وإني رأيتُ حدًّا من حدود الله كان حَقًّا عليّ أن أرفعه إليك. فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ فقال الجارود: أبو هريرة يشهد. فكتب عمر إلى قدامة بالقدوم عليه، فقدم، فأقبل الجارود يكلّم عُمَر، ويقول: أقِمْ على هذا كتاب الله. فقال عمر: أشاهد أنت أم خَصْم؟ فقال الجارود: بل أنا شاهد. فقال عمر: قد كنت أدّيت شهادتك. فسكت الجارود، ثمّ غدا عليه من الغد فقال: أقم الحدّ على هذا فقال عمر: ما أُراك إلّا خصمًا وما يشهد عليه إلّا رجل واحد، أما والله لتملكنّ لسانَك أو لأسوءنـّك. فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحقّ أن يشرب ابن عمّك وتسوءَني. فوزعه عمر.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال: لما قدم الجارود العبدي لقيه عبد الله بن عمر فقال: والله ليجلدنـّك أمير المؤمنين. فقال الجارود: يجلد والله خالك أو يأثم أبوك بربّه، إيـّاي تكسر بهذا يا عبد الله بن عمر؟ ثمّ جاء الجارود فدخل عَلَى عُمر فقال: أقِمْ على هذا كتاب الله، فانتهره عمر وقال: والله لولا الله لفعلتُ بك وفعلتُ. فقال الجارود: والله لولا الله ما هممتُ بذلك. فقال عمر: صدقتَ والله إنـّك لمتنحّي الدار، كثير العشيرة. قال: ثمّ دعا عمر بقُدامة فجلده.

قال محمد بن سعد، وقال عليّ بن محمد: فكان الجارود يقول: لا أزال أتهيّب الشهادة على قرشي بعد عمر. قال: ووجّه الحكم بن أبي العاص الجارود على القتال يوم سُهْرَك فقُتل في عَقَبة الطين شهيدًا سنة عشرين، ويقال لها عَقَبة الجارود.

وكان الجارود يكنى أبا غياث، ويقال بل كان يكنى أبا المنذر، وكان له من الولد: المنذر، وحبيب، وغياث وأمّهم أمامة بنت النعمان من الخَصَفات من جَذيمة، وعبد الله، وسَلْم وأمّهما ابنة الجدّ أحد بني عائش من عبد القيس، ومسلم، والحكم لا عقب له قُتل بسِجِسْتان وكان ولده أشرافًا.

كان المنذر بن الجارود سيّدًا جوادًا ولّاه عليّ بن أبي طالب إصْطَخْر فلم يأته أحد إلّا وصله، ثمّ ولّاه عبيد الله بن زياد ثغر الِهنْدِ فمات هناك سنة إحدى وستّين أَوْ أوّل سنة اثنتين وستّين، وهو يومئذٍ ابن ستّين سنة‏.
(< جـ8/ص 120>)
2 من 2
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال