تسجيل الدخول


عبد الله بن الزبير الأسدي

((عَبْدُ اللّهِ بن الزُّبَيْر بن العَوَّام بن خُوَيْلِد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرَّة القرشي الأَسدي)) أسد الغابة.
((يُكْنَى أبا بكر‏.‏ وقال بعضهم فيه أبو بكير، ذكر ذلك أبو أحمد الحاكم الحافظ في كتابه في الكُنَى.‏‏ الجمهور من أهل السِّيَرَ وأهل الأثَرِ على أنَّ كُنيته أبو بكر)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((هو أول مولود وُلد للمهاجرين بعد الهجرة، وحنّكه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وسماه باسْم جده، وكناه بكنيته. وَزَعَمَ الْوَاقِدِيّ أنه وُلِد في السنة الثانية. والأصح الأول. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حدثني عمي، قال: سمعت أصحَابنا يقولون: وُلد سنة الهجرة)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((هاجرت أمُّه أسماء بنت أبي بكر من مكّة، وهي حاملٌ بابنها عبد الله بن الزّبير، فولدته في سنة اثنتين من الهجرة بعشرين شهرًا من التّاريخ.‏ وقيل:‏ إنه ولد في الّسنة الأولى)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
((أُمه أَسماءِ بنت أَبي بكر بن أَبي قُحَافَة ذات النِّطَاقَيْن وَجَدَّتُه لأَبِيه: صفيةُ بنت عبد المطلب، عمةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خُوَيْلِد عمة أَبيه الزبير بن العوام بن خويلد. وخالته عائشة أُم المؤمنين.)) أسد الغابة. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، قال: لما قدم المهاجرون المدينة، أقاموا لا يُولَد مولود من المهاجرين، فقالوا: سحَرتنا يهود. حتى كثرت في ذلك القالة، وتلاقَى الناس بذلك. فكان أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بعد الهجرة عبد الله بن الزبير، قال: فكبَّر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرًا، وفرح المسلمون، وكان وِلَادُ ابن الزبير في شوال على رأس عشرين شهرًا من الهجرة، فكان يُهَنّأ به الزبير، وأبو بكر الصديق، وهو جَدّه ثم حَمَلته أمه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في خِرْقة، فَحَنّكه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بتمرة وبارك عليه، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمر أن يؤذن في أذنيه بالصلاة فأذن أبو بكر الصديق في أذنيه.(*) قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء، أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فَخرجْتُ وأنا مُتِمّ فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدتُهُ بقباء، ثم أتيت به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فوضعته في حِجْره فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فِيْهِ فكان أول شيء، دخل جوفه ريق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قالت: ثم حَنّكَه بالتمرة، ثم دعا له وبارك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام.(*) قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام، ولدته أسماء بقباء، فجاءت به النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فسماه عبد الله، وحَنّكه بتمرة، مضغها ثم أدخلها فَاه.(*) قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا محمد بن شريك، قال: حدثني ابن أبي مُلَيْكة، عن عبد الله بن الزبير، قال: سُمّيت باسم جَدّي أبي بكر وكُنّيت بكنيته. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، حدّثه أن أبا بكر طاف بعبد الله بن الزبير في خرقة، وهو أول مولود ولد في الإسلام. قال محمد بن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: هذا غلط بَيِّن، عبد الله بن الزبير أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة، لا اختلاف بين المسلمين في ذلك، ومكة يومئذ دار حرب لم يدخلها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين إلى عمرة القضية سنة سبع، فكيف طاف به في خرقة؟ ومتى وصل إلى مكة، وهل فارق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم منذ هاجر معه إلى أن قُبِضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيد، عن عمرو بن عامر، عن صاحب له، عن أم كَلْثَم، عن عائشة، قالت: لما ولد ابن الزبير انطلقتُ به إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فحنكه وسماه عبد الله، وقال لعائشة:"أنت أم عبد الله" قالت أم كلثم: فما زلنا نكنيها أم عبد الله وما ولدت ولدًا قط.(*))) الطبقات الكبير. ((قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:‏ ما زال الزّبير َيعَدُّ منَّا ــ أهلَ البيت ــ حتى نشأ عبد الله‏.‏)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قد وقع في صحيح البخاريّ أنَّ الزّبير كان بالشام لما هاجر النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأنه قدم المدينةَ لما قدم النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، فكساه ثوبًا أبيض، وإذا كان كذلك فمتى حملت أَسماء منه بعد ذلك؟ بل الذي يدلُّ عليه الخبر أنها حملَتْ منه قبل أن يسافرَ إلى الشام، فلما هاجر النبُّي صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة وتَبعه أصحابه أرسالًا، خرجَتْ أسماء بنت أبي بكر بعد أَنْ هاجر النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بأشهر؛ فإن كان قدومها في شوال محفوظًا فتكون سنة إحدى.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال يَعْلَى بن حَرْمَلَة: دخلتُ مكة بعدما قتل ابن الزُّبَيْر، فجاءَت أُمه امرأَة طويلةً عجوزًا مكفوفةَ البصر تقادُ)) أسد الغابة. ((روى إسماعيل بن عُلَيّة، عن أبي سفيان بن العلاء، عن ابن أبي عتيق، قال قالت عائشة:‏ إذا مرَّ ابنُ عمر فأرُونيه، فلما مرَّ ابْن عمر قالوا:‏ هذا ابن عمر، فقالت‏:‏ يا أبا عبد الرّحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال:‏ رأيْتُ رجلًا قد غلب عليك، وظننْتُ أنك لا تخالفينه ــ يعني ابن الزّبير‏. قالت‏:‏ أما إنك لو نهيتني ما خرجت‏.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((أَحضره أَبوه الزبير عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليبايعه)) أسد الغابة.
((وَلَدَ عبدُ الله بن الزبير اثني عشر رجلًا وخمس نسوة: خُبيبًا لا بقية له، وحمزة، وعبادًا، وثابتًا، وأمهم: تماضر بنت منظور بن زَبّان بن سَيّار بن عمرو بن جابر بن عَقيل بن هلال بن سُمَيّ بن مازن بن فزارة. وهاشمًا، وقيسًا، وعروة، قتل مع أبيه، والزبير، وأمهم: أم هاشم زُجْلَة بنت منظور بن زَبّان بن سَيّار، وعامرًا، وموسى، وأم حكيم، وفاطمة، وفاختة، وأمهم: حنتمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة. وأبا بكر، وأمه: رَيْطَة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وبكرًا، ورقية، وأمهما: عائشة بنت عثمان بن عفان. وعبد الله بن عبد الله، لأم ولد، وبكرا آخر، وأمه: نفيسة وهي أم الحسن بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، مات صغيرا.)) الطبقات الكبير. ((له كنية أخرى، أبو خُبَيْب. ‏‏وكان أسنَّ ولده.‏‏ وخُبيب هو صاحب عمر بن عبد العزيز الذي مات مِنْ ضربه؛ إذ كان عمر واليًا على المدينة للوليد، وكان الوليدُ قد أمره بضَرْبه فمات من أدبه ذلك، فودَاه عمر بعده.))
((كان أطلس، لا لحية له، ولا شَعْر في وجهه.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((أَخْرَجَ البُخَارِيُّ في ترجمة عبد الله بن معاوية، عن عاصم بن الزبير أنه روي عن هشام بن عُروة، عن أبيه أن الزبير قال لابنه عبد الله: أنت أَشْبه الناسِ بأَبِي بكر.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: سمعت ابن الزبير يقول على منبر مكة: والله لقد استخلفني أمير المؤمنين عثمان على الدار، فلقد كنت أنا الذي أُقَاتِلُ بِهِم، ولقد كنت أخرج في الكتيبة فأباشر القتال بنفسي، فجرحت بضعة عشر جرحًا، فإني لأضع اليوم يدي على بعض تلك الجراحة التي جُرحتُ مع عثمان رحمه الله، فأرجو أن يكون خير أعمالي. قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة قال: كان عثمان قد أمر عبد الله بن الزبير أن يصلي بأهل داره ما كان محصورًا، وكان يصلي بهم في صحن الدار. قال: أخبرنا أبو عبيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان عبد الله بن الزبير قد شهد يوم الجمل مع أبيه وعائشة، وكان لا يأخذ بِخِطام الجمل أحد إلا قُتِل، فجاء عبد الله بن الزبير بخطامه، فقالت عائشة: من أنت؟ قال: عبد الله بن الزبير. قالت: وَاثُكْلَ أسماء! قال: فأقبل الأشتر فعرفني وعرفته ثم اعتنقني واعتنقته فقلت: اقتلوني ومالكا. وقال الأشتر: اقتلوني وعبد الله، ولو قلت: الأشتر لقتلنا جميعًا. قال: أخبرنا أبو عبيد، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن المرتفع، قال: حدثنا ابن الزبير قال: خرج إلينا رجل من أصحاب عليّ فقال: يا معشر شباب قريش أكفونا أنفسكم، فإن لم تفعلوا فإني أحذركم رجلين؛ أما أحدهما فجندب بن زهير الأزدي، وسأصفه لكم هو رجل طويل، طويل الرمح يحتزم على درعه حتى يقلّص عن ساقيه، وأما الآخر: فالأشتر مالك بن الحارث، وسأصفه لكم هو رجل طويل، طويل الرمح يسحب درعه سحبًا يَخُبّ عند النِّزال. قال ابن الزبير: فبينا أنا أقاتل إذ أقبل جندب فعرفته بصفته فأردت أن أحيد عنه، فقلت: والله ما حدث عن قِرْن قَط فانتهى إليّ فطعنني في وَجْهِ حَدِيد كان عَليَّ فزلق الرمح، فقال: أولى لك، قد عرفتك، لولا خالتك لقتلتك، ثم دُفِع إلى عبد الرحمن بن عَتّاب بن أسيد فطعنه فأذراه كالنّخْلَة السحوق معْتصِبًا بِبُردَة حِبَرَة. ثم قاتلت ساعة فإذا أنا بمالك قد أقبل فعرفته بصفته فأردت أن أحيد عنه فقلت: والله ما حدت عن قِرْن قط، فدفع إلي فتطاعنّا برمحينا حتى كأنهما قضيبان، ثم اضطربنا بسيفينا حتى كأنهما مِخْراقان، ثم احتملني فضرب بي الأرض وقال: لولا خالتك ما شربتَ الماء البارد. قال: أخبرنا يحيى بن عباد والحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن الزبير ارْتُثَّ يوم الجمل، فلما كان عند غروب الشمس قيل له: الصلاة. فقال: أما الصلاة فإني لا أستطيعها ولكن أكبر. قال: أخبرنا الفضل بن دُكَيْن، قال: حدثنا مسعود بن سعد، قال: حدثني يزيد بن مالك، عن زَحْر بن قيس، قال: دخلت مع ابن الزبير الحمّام، فإذا في رأسه ضربة لو صب فيها قارورة من دهن لاستقر، قال: تَدْرِي من ضربني هذه؟ ابن عمك الأشتر.)) الطبقات الكبير. ((غزا عبدُ اللّه بن الزبير إِفريقيَة مع عبد اللّه بن سعد بن أَبي سرح، فأَتاهم جُرْجِير ملك إِفريقية في مائة أَلف وعشرين أَلفًا، وكان المسلمون في عشرين أَلفًا، فسقط في أَيديهم، فنظر عبد الله فرأَى جُرْجِير وقد خرج من عسكره، فأَخذ معه جماعةً من المسلمين وقَصَدَه فقتله، ثم كان الفتح على يده.)) أسد الغابة. ((شهد ابنُ الزُّبَير اليرموك مع أبيه الزبير، وشهد فَتْحَ إفريقية، وكان البَشِير بالفتح إلى عثمان. ذكره الزبير وابن عائذ: واقتصَّ الزبير قصة الفتح.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير بن حازم، قال: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن أبي مِجْلَز قال: دخل معاوية بيتا وفيه عبد الله بن عامر، وابن الزبير، فلما رآه ابن عامر قام، ولم يقم ابن الزبير ـ وكان أرجح الرجلين ـ فقال معاوية لابن عامر: اجلس يابن عامر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "من أحبّ أن يَمْثُلَ له العباد قيامًا فليتبوأ بيتا" أو قال: "مقعدًا من النار".(*) قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا محمد بن أبي يعقوب الضبي، أن معاوية بن أبي سفيان كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحبا يابن عمة رسول الله وابن حواري رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ويأمر له بمائة ألف. قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثني الحارث بن عبيد، قال: حدثنا أبو عمران الجوني، أن نَوْفًا كان يقول: إني أجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.)) ((قال: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، عن عَمّه أبي الحارث بن عبد الله بن وهب بن زَمْعة، قال: وأخبرنا شرحبيل بن أبي عون وعبد الله بن جعفر، عن أبي عون، قال: وأخبرنا إبراهيم بن موسى، عن عكرمة بن خالد، قال: وأخبرنا أبو صفوان العَطّاف بن خالد، عن أخيه، قالوا: لما ارتحل الحصين بن نمير من مكة لخمس ليالٍ خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، أمر عبد الله بن الزبير بتلك الخِصَاص التي كانت حول الكعبة فهدمت، فبدت الكعبة، وأمر بالمسجد فكنس ما فيه من الحجارة والدماء، فإذا الكعبة تَنْغَض مُتَوَهِّنَةً من أعلاها إلى أسفلها، فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق، وإذا الركن قد اسودّ واحترق من الحريق الذي كان حول الكعبة، فشاور ابن الزبير الناس في هدمها وبنائها، فأشار عليه جابر بن عبد الله وابن عمير وغيرهما بأن يهدمها ويبنيها، وأبى ذلك عليه عبد الله بن عباس وقال: أخشى أن يأتي مَنْ بَعدك فيهدمها فلا تزال تهدم، فيتهاون الناس بحرمتها فلا أحب لك. وكان قد شَاوَرَ المِسْورَ بن مَخْرَمَة قبل أن يموت في هدمها، فأشار عليه بذلك، فمكث أيامًا يشاور في هدمها، ثم انبرى له أن يهدمها. فغدا عليها بالفَعَلة يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين، فهدمها حتى وضعها كلها بالأرض، ثم حفر الأساس فوُجِدَ واصلًا بالحِجْر مُشَبِّكًا كأصابع يدَيّ هاتين، فدعا خمسين رجلًا من قريش، وأشهدهم على ذلك، وجعل الحَجَر عنده في تابوت في سَرقة من حرير، ثم بنى البيت وأدخل الحِجر فيه، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض، باب يُدخل منه، وباب يُخرج منه بإزائَه من خلفه، وقال: إن عائشة حدثتني أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لها: "إن أراد قومك يبنون البيت على ما كان على عهد إبراهيم فليفعلوا ذلك". فأرتني عائشة الذي أراها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان عندي مذروعًا حتى وَليْت هذا الأمر، فلم أعْدُ به ما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأى الناس يومئذ أنه قد أصاب.(*) وبنى البيت حتى بلغ موضع الركن الأسود فوضعه، وكان الذي وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير، وشده بالفضة لأنه كان انصدع، ثم ردّ الكعبة على بنائها، وزاد في طولها فجعله سبعًا وعشرين ذراعًا، وخلّق جوفها، ولطّخ جدرَها بالمسك حتى فرغ منها من خارج، وسترها بالديباج، وهو أول من كساها الديباج. فلما فرغ من بناء الكعبة اعتمر من خيمة جُمانه ماشيًا معه رجال من قريش، ابن صفوان وعبيد بن عمير وغيرهما، ولبّى حتى نظر إلى البيت، وخيمة جمانة عند مسجد عائشة.)) الطبقات الكبير. ((أَخبرنا أَبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي كتابة، أَخبرنا والدي، أَخبرنا أَبو الحسين بن أَبي يَعْلَى، وأَبو غالب وأَبو عبد اللّه ابنا البَنَّاءِ، أَخبرنا أَبو جعفر، أَخبرنا أَبو طاهر المُخَلِّص، أَخبرنا أَحمد بن سليمان، حدثنا الزبير بن أَبي بكر قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجِشُون، عن الثقة بسنده قال: قسم عبد اللّه بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. قال: وحدثنا الزبير قال: وحدثني سليمان بن حرب، عن يزيد بن إِبراهيم التَّسْتَرِي، عن عبد اللّه بن سعيد، عن مُسْلم بن يَنَّاق المكي قال: ركع ابنُ الزبير يومًا ركعة، فقرأت البقرةَ، وآل عمران، والنساءَ، والمائدة، وما رفع رأسه.)) أسد الغابة. ((أَخْرَجَ أَبُو يُعْلَى وَالْبَيْهَقَََََِيُّ فِي "الدَّلاَئِلِ"، مِنْ طريق هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثَه أنه أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: "يَا عَبْدَ اللهِ، اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فَأَهْرِقَه حَيْثُ لا يَرَاكَ أَحَدٌ". فَلَمَّا برز عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلمَا رجع قال: "يَا عَبْدَ اللهِ، مَا صَنَعْتَ بِالدَّمِ قال: جعلته في أخفى مكان علمت أنه يَخْفَى عن الناس. قال: "لَعَلَّكَ شَرِبْتَه"! قال: نعم. قال: "ولِمَ شَرِبْتَ الدم؟ وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ! وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ!".(*) قال أبو موسى: قال أبو عاصم: فكانوا يرون أن القوةَ التي به من ذلك الدم. وله شاهدٌ من طريق كَيْسَان مولى ابن الزُّبَير، عن سلمان الفارسيّ، رويناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: "لا تمسّك النار إلا تحلَّة القسم". وّأّخْرَجَ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي مُعْجَمِ الْبَغَوِي، وفي البخاري عن ابن عباس أنه وصف ابن الزّبير فقال: عفيف الإسلام، قارئ القرآن، أبوه حوَارِيّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأمُّه بنت الصديق، وجَدّته صفية عمة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَة: حدَّثنا أحمد بن يونس، حدثنا الزنجي بن خالد، عن عَمْرو بن دينار، قال: ما رأيت مصلِّيًا أحسن صلاةً من ابْنِ الزّبير. وأخرج أبو نعيم بسندٍ صحيح، عن مجاهد: كان ابنُ الزبير إذا قام للصلاة كأنه عَمُود. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حدثنا روح، حدثنا حسين الشهيد، عن ابن أبي مليكة: كان ابن الزبير يواصل سبعة أَيام، ثم يصبح اليوم الثامن وهو إلينا. وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ، مِن طريق ميمون بن مهران: رأيت بن الزبير وّاصَل من الجمعة إلى الجمعة. وأخرج ابن أبي الدُّنْيَا، مِنْ طريق ليث، عن مجاهد، ما كان بابٌ من العبادة إلا تكلفّه ابن الزُّبَيْر. ولقد جاء سَيْل بالبيت، فرأيت ابْنَ الزبير يطوف سِبَاحَة.)) الإصابة في تمييز الصحابة. ((قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا حماد بن يزيد، عن هشام بن عروة، قال: كان عبد الله بن الزبير بمكة تسع سنين. قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين، يهل بالحج لهلال ذي الحجة. قال: أخبرنا كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر بن برقان، قال: حدثنا ميمون بن مهران، قال: شهدت الموسم مع عبد الله بن الزبير، قال: فعلّم الناسَ مناسكهم، ثم قال: إذا انصرفتم ـ إن شاء الله ـ إلى أهليكم، فاذكروا الله وكبروه عند هبوط وصعود. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا أبو سعيد بن عوذ البرّاد، قال: حدثنا محمد بن المرتفع، قال: سمعت ابن الزبير يقول: يا معشر الحاج، سلوني فعلينا كان التنزيل، ونحن حضرنا التأويل، فقال له رجل من أهل العراق: دَخَلَتْ في جرابي فأرة أيحل لي قتلها وأنا محرم؟ قال: اقتل الفُوَيْسِقَة. قال: أخبرنا بالشفع والوتر، والليالي العشر؟ قال: العشر: الثمان وعرفة والنحر، والشفع: من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه، وهو اليوم. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: رأيت ابن الزبير يأتي الجِمَار ماشيا. أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، قال: حدثني من رأى ابن الزبير صائما يوم عرفة. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا زيد بن جبير الجشمي، أنه رأى عبد الله بن الزبير يطوف بالبيت وعليه بُرطُلّة. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا عروة بن عبد الله بن قُشَير، قال: مارأيت إنسانًا أسرع مشيًا حول البيت من ابن الزبير، قال: وكان يؤمنا عند المقام، فإذا فرغ من المكتوبة صلى تحت الميزاب قائما ما يحرك منه شيء. قال: أخبرنا عفان بن مسلم وعارم بن الفضل، قالا: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا ثابت البُناني، قال: ذُكِرَ ابن الزبير قال: كنا نمرّ به خلف المقام يصلي كأنه شيء منصوب موضوع. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا حسن بن صالح، عن موسى بن أبي عائشة، قال: كان ابن الزبير يصفُّ قدميه في الصلاة. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال:أخبرنا إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن الزبير، أنه كان يقوم في الصلاة كأنه عود، وكان أبو بكر يفعل ذلك. قال مجاهد: هو الخشوع في الصلاة. قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق أبو إسماعيل الثقفي مولى الحجاج بن يوسف، قال: حدثنا أبي ـ وكان خادمًا لعبد الله بن الزبير ـ قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع أذان المغرب، قام فصلى ركعتين بين الأذان والإقامة، فإذا انصرف من الصلاة انصرف عن يمينه. قال:أخبرنا معن ين عيسى وعبد الله بن مَسْلَمة بن قَعْنَب، قالا: حدثنا مالك بن أنس، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، أنه كان إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال: سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد. قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت عمرو بن دينار، قال: كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا عِسْل بن سفيان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: صليت مع ابن الزبير المغرب فسلم في ركعتين، ثم قام إلى الركن ليمسحه فسبح القوم، فرجع فصلى بهم الركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، فأتيت ابن عباس من فوري فأخبرته، فقال: لله أبوك، فكيف صنع فأخبرته. فقال: ما ماط عن سنة نبيه. قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حَمّاد بن سَلَمَة، قال: أخبرنا عمرو بن دينار، قال: صلى بنا ابن الزبير في جمعة، ويوم فطر، فخطبنا في ظل الحِجر بعدما ارتفع النهار، وأخر الصلاة بعض التأخير، فجئت إلى الجمعة فلم يخرج إلينا إلى صلاة العصر. قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا حبيب بن أبي بقية المعلم، عن عطاء، أن ابن عباس أخبر بما صنع ابن الزبير فقال: أصاب. قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن الزبير: والله ما كنت أُمَكّن من التمر كما أريد، وما هي إلا قبضة تقبض لي من أول النهار وقبضة من آخر النهار. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن عروة، قال: قال عبد الله بن الزبير: أَطْعِمُوني تمرًا، قالوا: قد أكلت اليوم مرة، قال:فلا. قال: أخبرنا روح بن عبادة ومسلم بن إبراهيم، قالا: حدثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، قال: دخلت على عبد الله بن الزبير صبيحة خامسة من العشر الأواخر من رمضان وهو يواصل. قال: أخبرنا روح بن عبادة ويحيى بن عبّاد، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار ابن أبي عمار، أن عبد الله بن الزبير كان يواصل سبعة أيام، فإذا كانت ليلة السابعة، دعا بإناء من سمن فشربه، ثم أتي بثريدة في صحْفة عليها عَرْقَان، ويؤتي الناس بالجفان فتوضع بين أيديهم فيقول: يا أيها الناس هذا من خالص مالي وهذا من بيت مالكم. حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مُلَيْكة، قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، فيصبح اليوم الثامن وهو أليثنا. قال: أخبرنا حفص بن عمر الحَوْضِي، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن دينار، أن ابن الزبير كان يواصل بين السبع. قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرَّقي، قال: حدثنا أبو المليح، عن ميمون، أن ابن الزبير كان يواصل الصيام من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر، استغاث بالسمن يحسوه يُلَيّن أمعاءه. قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هشام بن حسان، قال: كان عبد الله بن الزبير يصوم عشرة أيام لا يفطر فيها، قال: فكان إذا دخل رمضان، أكل أكلة في نصف الشهر. قال: أخبرنا المعلَّى بن أسد، قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن هشام بن عروة، أن عمه ابن الزبير كان يغتسل كل ليلة مرة وكل يوم مرة. قال: أخبرنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن عبد الله بن عُبَيد بن عُمَير، قال: كان ابن الزبير إذا كان في أهله جنازة، كان كأنه قائم على رِجْل حتى يخرجها. قال: أخبرنا أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن محمد، قال: دخل ابن عمر على امرأة ابن الزبير فقالت: إنما بي أنك ترى أنه يقاتل على الدنيا قال: هو في نفسي ولو شاء الله لم يجعله.)) الطبقات الكبير. ((كان شهمًا ذَكَرَا شرسًا ذا أنفَةَ، وكانت له لَسانة وفصاحة)) ((قال علي بن زيد الْجُدْعَاني‏:‏ كان عبد الله بن الزِّبير كثير الصّلاة، كثير الصِّيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خِلاَل لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلًا، ضَيّق العطاء، سييء الخلق، حسودًا، كثير الخلاف، أخرَجَ محمد ابن الحنفيّة، ونَفَى عبد الله بن عبّاس إلى الطّائف‏.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((هو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة)) ((قد وقع في بعض طرق الحديث أن عبد الله بن الزبير جاء إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ليبايعه، وهو ابنُ سَبْع سنين، أو ثمان، كما أخرجه ابن منده من طريق عبد الله بن محمد بن عُرْوة، حدثني هشام بن عُرْوة، عن أبيه، قال: خرجَتْ أسماء حين هاجرت وهي حامل؛ قالت: فنفست به فأتيته به ليحنّكه، فأخذه فوضعه في حِجْره وأتى بتمرة فمصَّها، ثم مضغها في فيه فحنَّكه؛ فكان أول شيء دخل بطنه رِيقُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ثم مسحه، وسمّاه عبد الله، ثم جاء بَعْدُ وهو ابنُ سبع أو ثمان ليبايعَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أمره بذلك الزبير فتبسَّم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم حين رآه وبايعه؛ وكان أول مولودٍ ولد في الإسلام بالمدينة، وكانت يهود تقول: قد أخذناهم فلا يولد لهم بالمدينة وَلد، فكبَّر الصحابة حين وُلد. وَقَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حدّثني عمي مُصْعب، سمعت أصحابنا يقولون: وُلد عبد الله بن الزّبير سنةَ الهجرة. وأما ما رواه البغَوي في الجعديات، مَن طريق إسماعيل عن أبي إسحاق عمن حدثه، عن أبي بكر، أنه طاف بعبدالله بن الزبير في خِرْقة، وهو أَوَّل مولود ولد في الإسلام؛ فقد ذكر ابنُ سعد أن الواقديَّ أنكره، وقال: هذا غلط بَيّن، فلا اختلافَ بين المسلمين أنه أول مولود وُلد بعد الهجرة، ومكة يومئذ حَرْب لم يدخلها النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم حينئذ ولا أحدٌ من المسلمين. قُلْتُ: يحتمل أن يكون المرادُ بقوله: طاف به مِنْ مكان إلى مكان، وإلا فالذي قاله الواقديَّ مُتجِه، ولم يدخل أبو بكر مكةَ من حين هاجر إلا مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في عُمْرة القَضِيّة، ولم يكن ابْنُ الزبير معه. وفي "الرِّسالة" للشَّافِعِيِّ أنَّ عبد الله بن الزبير كان له عند موتِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم تسعُ سنين؛ وقد حفظ عنه. وقّالّ الدَّيْنُورِيُّ في "المجالسة": حدثنا إبراهيم بن يزيد، حدثنا أبو غسان، حدثنا محمد بن يحيى، أخبرنا مصعب بن عثمان، قال: قال عبدُالله بن الزبير: هاجرتُ وأنا في بَطْن أمي. وَأَخْرَجَ الزُّبَيْرُ، مِنْ طريق مسلم بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن أبيه أن النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كلَّم في غلمة من قريش ترَعْرَعُوا: عبد الله بن جعفر، وعبدالله بن الزبير، وعمرو بن أبي سلمة؛ فقيل لو بايعتهم فتصيبهم برَكَتك، ويكون لهم ذكر؛ فأتى بهم إليه، فكأنهم تكعكعوا، فاقتحم عبد الله بن الزبير أولهم، فتبسَّم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وقال: "إِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ".(*) ومن طريق عبد الله بن مصعب: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد جمع أبناء المهاجرين والأنصار الذين وُلدوا في الإسلام حتى ترَعْرَعُوا، فوقفوا بين يديه، فبايعهم وجلس لهم، فجمع منهم ابْنَ الزبير.(*))) الإصابة في تمييز الصحابة.
((أَخبرنا أَبو الفضل بن أَبي الحسن الطبري بإِسناده إِلى أَبي يعلى الموصلي قال: حدثنا أَبو خيثمة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عَجْلان، عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير، عن أَبيه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذا قعد في التشهد قال هكذا ـــ وضع يحيى يدَه اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى ـــ وأَشار بالسبابة معًا ولم يجاوز بصرُه إِشارته أخرجه أحمد في المسند 4 / 3..)) أسد الغابة. ((روى عنه أخوه عروة؛ وابناه: عامر، وعباد؛ وابن أخيه محمدٍ بن عروة؛ وأبو ذُبيان خليفة بن كعب، وعبيدة بن عمرو السماني، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، ووهب بن كَيْسان، وابن أبي مُليكة، وسماك بن حرب، وأبو الزبير، وثابت البُنَاني؛ وآخرون.)) ((حَفِظ عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو صغير، وحدّث عنه بجملةٍ من الحديث، وعن أبيه، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالته عائشة، وسفيان بن أبي زهير وغيرهم.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر بنت الْمِسْور بن مَخْرَمة قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: وحدثني عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد، وغيرهم أيضا قد حدثني بطائفة من هذا الحديث، قالوا: لم يزل ابن الزبير مقيمًا بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان فتوفي معاوية، فبعث يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ والي المدينة ينْعي معاوية، ويأمره أن يبايع مَنْ قِبَلَه من الناس، فجاءه الرسول ليلًا فأرسل إلى ابن الزبير فدعاه إلى البيعة فقال: حتى نُصبح، فتركه. فخرج ابن الزبير وهو يقول: هو يزيد الذي نعرف، والله ما أحدث خيرًا ولا مروءة، وخرج من ليلته إلى مكة، فلم يزل مقيمًا بها حتى خرج حُسين بن علي منها إلى العراق، ولزم ابن الزبير الحِجْر ولبس المُعَافِري وجعل يُحرِّض الناس على بني أمية، وبلغ يزيد ذلك، فوجد عليه. فقال ابن الزبير: أنا على السمع والطاعة لا أبدل ولا أغير، ومشى إلى يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحي وهو والي مكة ليزيد بن معاوية، فبايعه له على الخلافة. فكتب بذلك يحيى إلى يزيد فقال: لا أقبل هذا منه حتى يؤتى به في جَامِعَة. فقال له ابنه معاوية بن يزيد: يا أمير المؤمنين ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبير رجل لَحِز لجوج، ولا يطيع بهذا أبدا، وإن تُكَفّر عن يمينك وتلْهى منه حتى تنظر ما يصير إليه أمره أفضل، فغضب يزيد وقال: إن في أمرك لعجب. قال: فادع عبد الله بن جعفر فسله عَمّا أقول وتقول، فدعى عبد الله بن جعفر فذكر له قولهما، فقال عبد الله: أصاب أبو ليلى ووفِّقَ، فأبى يزيد أن يقبل ذلك، وعزل الوليد بن عتبة عن المدينة، وولاها عمرو بن سعيد بن العاص، وأرسل إليه: إنّ أمير المؤمنين يقسم بالله لا يقبل من ابن الزبير شيئا حتى يؤتى به في جامعَةٍ، فعرضوا ذلك على [[ابن الزبير]] فأبى، فبعث يزيدُ: الحصيَن بن نمير وعبد الله بن عضاه الأشعري بجامِعَة إلى ابن الزبير يقسم له بالله لا يقبل منه إلا أن يؤتى به فيها، فَمرّا بالمدينة، فبعث إليه مروان معهما عبد العزيز بن مروان، يكلمه في ذلك ويهون عليه الأمر. فقدموا عليه مكة فأبلغوه يمين يزيد بن معاوية ورسالته، وقال له عبد العزيز بن مروان: إن أبي أرسلني إليه عناية بأمرك وحفظًا لحرمتك، فأبْرِر يمينَ أمير المؤمنين، فإنما تجعل عليك جامِعَة فضةٍ أو ذهبٍ وتلبس عليها بُرْنُسا فلا تبدو إلا أن يُسْمع صَوْتها. فكتب ابن الزبير إلى مروان يجزيه خيرًا ويقول: قد عرفت عنايتك ورأيك، فأما هذا فإني لا أفعله أبدًا، فليكفِّر يزيد عن يمينه أو يدع. وقال ابن الزبير: اللهم إني عائذ ببيتك الحرام، وقد عرضت عليهم السمع والطاعة فأبوا إلا أن يُخلّوا بي ويستحلوا مني ما حرّمتَ. فمِنْ يومئذ سمي العائذ، وأقام بمكة لا يعرض لأحد، ولا يعرض له أحد، فكتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن يوجّه إليه جندًا، فسأل عمرو بن سعيد: مَنْ أعدى لناس لعبد الله بن الزبير؟ فقيل أخوه عمرو بن الزبير، فولاه شُرَطَهُ بالمدينة فضرب ناسًا كثيرًا من قريش والأنصار بالسياط، وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، وَفَرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة. ثم وجه إلى عبد الله بن الزبير في جيش من أهل الشام ألف رجل، وأَمَرَهُ بقتاله. فمضى عمرو بن الزبير حتى قدم مكة فنزل بذي طُوَى، وأتى الناسُ عَمْرَو بن الزبير يُسَلّمون عليه، وقال: جئت لأن يعْطِي عبد الله الطاعة ليزيد ويبِرّ قسمه، فإن أبى قاتلته. فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمْنه، وإلى أخيك في سِنّه وفَضْله، تجعله في جامِعَةٍ؟! ما أرى الناس يَدَعُونك وما تريد. قال: أرى أن أقاتل من حال دون ما خرجتُ له. ثم أقبل عمرو، فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، فما قدم له، وكان عمرو يخرج فيصلي بالناس ـ وعسكره بذي طوى ـ وابن الزبير معه يُشَبِّك أصابعه في أصابعه، ويكلمه في الطاعة، ويلين له الكلام، فقال عبد الله بن الزبير: ما بَعْدَ هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد وأنا أصلي خلفك، ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامِعَة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك فرأيته لا يحل لي أن أحل بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه، قال: لا والله ما أقدر على ذلك. فهيّأ عبد الله بن صفوان قومًا كان مُعَدِّين مع ابن الزبير من أهل السَّراة وغيرهم، فعقد لهم لواءً، وخرج عبد الله بن صفوان من أسفل مكة من اللِّيْط فلم يشعر أُنَيْس بن عمرو الأسلمي وهو على عسكر عمرو بن الزبير، إلا بالقوم، فصاح بأصحابه وهم قريب على عُدّة فتصافّوا، فقتل أنيس بن عمرو في المعركة، ووجّه عبد الله بن الزبير مصعب بن عبد الرحمن بن عوف في جمع إلى عمرو بن الزبير، فَلَقوه فتفرق أصحابه عنه وانهزم عسكره من ذي طوى، وجاء عُبَيدة بن الزبير إلى عمرو بن الزبير فقال: أنا أُجيرك من عبد الله، فجاء به إلى عبد الله أسيرًا والدم يقطر على قدميه، فقال: ما هذا الدم، فقال:

لَسْنا على الأعْقَابِ تَدْمَى كُلُومنا ولكن عَلَى أقدمنا يَقْطُرُ الدَّمُ
فقال: تكلم، أي عدو الله، المستحل لحرمة الله، فقال عبيدة: إني قد أجرته فلا تخْفر جِوَاري، فقال: أنا أجير جوارك لهذا الظالم الذي فعل ما فعل؟! فأما حقُّ الناس فإني أقتص لهم منه. فضربه بكل سوط ضرب به أحدًا من الذين بالمدينة وغيرهم، إلا محمد بن المنذر بن الزبير فإنه أبى أن يقتص، وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فإنه أبى أيضا. وأمر به فحبس في حبس زيد عارم. وكان زيد عارم، مع عمرو بن الزبير فأخذه فحبسه مع عمرو بن الزبير، فسمي ذلك الحبس سجن عارم، وبنى لزيد عارم ذراعين في ذراعين، وأدخله، وأطبق عليه بالجص والآجرِّ. وقال عبد الله بن الزبير: من كان يطلب عَمْرو بن الزبير بشيء فليأتنا نقصّه منه، فجعل الرجل يأتي فيقول: نتف أشفاري، فيقول: انتف أشفاره، وجعل يقول الآخر: نَتَفَ حَلَمَتِي، فيقول: انتف حَلَمَتَهُ، وجعل الرجل يأتي فيقول: لَهَزني فيقول: الْهَزْه، وجعل الرجل يجيء فيقول: نتف لحيتي فيقول: انتف لحيته. وكان يقيمه كل يوم، ويدعو الناس إلى القصاص منه سَنَة، فقام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فقال: جلدني مائة جلدة بالسياط، وليس بوالٍ، ولم آت قبيحًا، ولم أركب منكرًا، ولم أخلع يدًا من طاعة، فأمر بِعَمْرٍو أن يقام، وَدَفَع إلى مصعب سوطًا، وقال له عبد الله بن الزبير: اضرب. فجلده مصعب مائة جلدة بيده،فنغل جسد عَمرٍو فمات، فأمر به عبد الله فصلب. قالوا: ونحّى عبد الله بن الزبير، الحارث بن خالد عن الصلاة بمكة، وكان عاملًا ليزيد بن معاوية عليها وأمر مصعب بن عبد الرحمن أن يصلي بالناس، فكان يصلي بهم، وكان لا يقطع أمرًا دون المِسْور بن مَخْرَمة، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، يشاورهم في أمره كله، ويريهم أن الأمر شورى بينهم لا يستبدُّ بشيء منه دونهم، ويصلي بهم الصلوات والجمع ويحج بهم، وعزل يزيد بن معاوية، عَمْرو بن سعيد عن المدينة، وولاها الوليد بن عتبة، ثم عزله، وولى عثمان بن محمد بن أبى سفيان، فوثب عليه أهل المدينة فأخرجوه، وكانت وقعة الحرة. وكانت الخوارج قد أتته، وأهل الأهواء كلهم، وقالوا: عائذ الله، وكان شعاره، لا حكم إلا لله، فلم يزل على ذلك بمكة، وحج بالناس عشر سنين وِلَاءً، أولها سنة اثنتين وستين، وآخرها سنة إحدى وسبعين.)) ((قال: أخبرنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن شِمْر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: حدثني البريد الذي جاء برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير قال: لما وضعْتُه بين يديه قال: ما حدثني كعب بشيء أصبته في سلطاني، إلا قد رأيته غير هذا، فإنه حدثني أنه يقتلني رجل من ثقيف فأراني الذي قتلته. قال محمد بن عمر: وكان مصعب بن الزبير هو الذي قتل المختار وبعث برأسه إلى عبد الله بن الزبير، وَتَخَلّف على العراق وَوَجّه إلى خراسان. رجع الحديث إلى الأول: قال: ولما بلغ يزيدَ بن معاوية وثوبُ أهل المدينة وإخراجهم عامله وأهل بيته عنها، وجّه إليهم مسلم بن عقبة المري، وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، كانت به النّوْطة، فوجهه في جيش كثيف، فكلمه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة، وقال: إنما تقتل بهم نفسك. فقال: أجل أقتل بهم نفسي، وأشفي نفسي، ولك عندي واحدة، آمر مسلم بن عقبة أن يتخذ المدينة طريقا، فإن هم تركوه، ولم يعرضوا له، ولم ينصبوا الحرب، تركهم، ومضى إلى ابن الزبير فقاتله، وإن هم منعوه أن يدخلها ونصبوا له الحرب، بدأ بهم، فناجزهم القتال، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له، وأنهبها ثلاثًا ثم مضى إلى عبد الله بن الزبير. فرأى عبد الله بن جعفر، في هذا فرج كبير، وكتب بذلك إليهم، وأمرهم أن لا يعرضوا لجيشه إذا مَرّ بهم، حتى يمضي عنهم إلى حيث أرادوا، وأمر يزيدُ مسلمَ بن عقبةَ بذلك، وقال: إن حدث بك حدث، فحُصَين بن نمير على الناس، فورد مسلم بن عقبة المدينة، فمنعوه أن يدخلها، ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثا. ثم خرج يريد ابن الزبير، وقال: اللهم إنه لم يكن قوم أحب إليّ أن أقاتلهم من قوم خلعوا أمير المؤمنين، ونصبوا لنا الحرب، اللهم فكما أقررت عيني من أهل المدينة، فأبقني حتى تقر عيني من ابن الزبير، ومضى فلما كان بالمشلل نزل به الموت، فدعا حصين بن نمير فقال له: يابرذعة الحمار، لولا عهد أمير المؤمنين إليّ فيك ما عهدت إليك، اسمع عهدي، لا تمكن قريشًا من أذنك، ولا تزدهم على ثلاث؛ الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف. وأعلم الناسَ أن الحصين واليهم، ومات مكانه. فدفن على ظهر المشلل لسبع ليالٍ بقين من المحرم سنة أربع وستين. ومضى حصين بن نمير في أصحابه حتى قدم مكة فنزل بالحجون إلى بئر ميمون وعسكر هناك. فحاصر ابن الزبير قبل سلخ المحرم بأربع ليال وصفرَ وشهر ربيع الأول، فكان الحصر أربعة وستين يومًا، يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه ورمى الكعبة، ولقد قتل من الفريقين بشر كثير، وأصاب المِسْوَرَ فلْقة من حجر المنجنيق فمات ليلة جاء نَعِيُّ يزيدَ بن معاوية، وذلك لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربعة وستين. فكلم حصين بن نمير ومن معه من أهل الشام عبد الله بن الزبير أن يدعهم يطوفوا بالبيت وينصرفوا عنه، فشاور في ذلك أصحابه ثم أذن لهم فطافوا، وكلم ابن الزبير الحصين بن نمير وقال له: قد مات يزيد وأنا أحق الناس بهذا الأمر، لأن عثمان عهد إليّ في ذلك عهدًا، صلى به خلفي طلحة والزبير، وَعَرَفته أم المؤمنين، فبايِعْني، وادخل فيما دخل فيه الناس معي، يكن لك مالهم، وعليك ما عليهم. قال له الحصين بن نمير: إني والله يا أبا بكر لا أتقرب إليك بغير ما في نفسي، أَقْدُم الشام فإن وجدتهم مجتمعين لك أطعْتُكَ، وقاتلتُ من عصاك، وإن وجدتهم مجتمعين على غيرك أطعته وقاتلتك ولكن سر أنت معي إلى الشام أملّكُك رقاب العرب. فقال ابن الزبير: أو أبعث رسولًا. قال: تَبًّا لك سائر اليوم، إن رسولك لا يكون مثلك. وافترقا وأمِنَ الناسُ ووضعت الحرب أوزارها، وأقام أهل الشام أياما يبتاعون حوائجهم، ويتجهزون، ثم انصرفوا راجعين إلى الشام. فدعا ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه، فبايع الناس له على الخلافة، وسُمي أمير المؤمنين، وترك الشعار الذي كان عليه، ويدعى به، عائذ الله، ولا حكم إلا لله، قبل أن يموت مصعب بن عبد الرحمن بن عوف والمسور بن مخرمة، وفارقته الخوارج وتركوه، وولّى العمال، فولّى المدينة: مصعب بن الزبير بن العوام فبايع له الناس، وبعث الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى البصرة فبايعوه، وبعث عبد الله بن مطيع إلى الكوفة فبايعوه، وبعث عبد الرحمن بن عتبة بن جَحْدَم الفهري إلى مصر أميرًا فبايعوه، وبعث واليه إلى اليمن فبايعوه، وبعث واليه إلى خراسان فبايعوه، وبعث الضحاك بن قيس الفهري إلى الشام واليًا فبايع له عامة أهل الشام، واستوسقت له البلاد كلها، ما خلا طائفة من أهل الشام، كان بها مروان بن الحكم وأهل بيته.)) الطبقات الكبير. ((حدّثنا خلف بن قاسم، حدّثنا عبد الله بن معمر، حدّثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، حدّثنا يحيى بن سليمان الجعفي، عن عبد الله بن الأجلح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:‏ لما كان قبل قَتْلِ عبد الله بن الزبير بعشرة أيّام دخل على أمّه أسماء، وهي شاكيةٌ، فقال لها:‏ كيف تجدِينك يا أُمَّه؟ قالت:‏ ما أجِدني إلاّ شَاكِية.‏ فقال لها:‏ إن في الموت لراحةً‏.‏ فقالت له: لعلك تمنَّيْتَه لي‏.‏ ما أُحِبّ أن أموتَ حتى يأتي على أحد طرفيك؛ إما إنْ قُتِلت فأَحْتسِبك، وإما ظفرت بعدوّك فتقَرّ عيني.‏ ‏قال عروة‏: فالتفت إليّ عبد الله فضحك، فلما كان في اليوم الذي قتِل فيه دخل عليها في المسجد فقالت له:‏ يا بنيّ، لا تقبلنَّ منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذّلّ مخافة القتل، فوالله لضَرْبةُ سيف في عِزٍّ خيرٌ من ضربة سَوْطٍ في المذلّة. قال:‏ فخرج، وقد جُعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قريش، فقال له:‏ ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها! فقال عبد الله‏:‏ من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه، والله لو وجدوكم تحت أستارِ الكعبة لقتلوكم، وهل حرمةُ المسجد إلاّ كحرمة البيت، ثم تمثل‏: [الطويل]


وَلَسْـتُ بِمُبْتَاعِ الحَيَاةِ بِسُبَّةٍ وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ المَوْتِ سُلَّمَا
قال:‏ ثم شدَّ عليه أَصحابُ الحجاج، فقال:‏ أين أهلُ مصر؟ فقالوا‏:‏ هم هؤلاء من هذا الباب ــ لأحدِ أبوابِ المسجد، فقال لأصحابه‏:‏ كَسِّرُوا أغمادَ سيوفكم، ولا تميلوا عنّي، فإني في الرّعيل الأوّل.‏ قال‏: ففعلوا، ثم حمل عليهم، وحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فلحق رجلًا فضربه، فقطع يدَه، وانهزموا، فجعل يضربهم حتى أخرجَهم من باب المسجد، فجعل رجلٌ أسود يسُّبه.‏ فقال له:‏ اصبر يا بن حام، ثم حمل عليه فصرعه‏. قال:‏ ثم دخل عليه أَهْلُ حمص من باب بني شيبة‏.‏ فقال:‏ مَنْ هؤلاء؟ فقالوا: أهل حمص، فشدَّ عليهم، وجعل يضربهم حتى أخرجَهم من باب المسجد، ثم انصرف، وهو يقول:[الكامل] ‏

لَوْ كَانَ قَرْنِي وَاحِدًا لَكَفَيْتُهُ
أَوْرَدْْتُـهُ المَـوْتَ وَذَكَّيْتُـهُ
قال:‏ ثم دخل عليه أهلُ الأردن من باب آخر، فقال:‏ مِنْ هؤلاء؟ فقيل:‏ أهل الأردن، فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف، وهو يقول‏: [الرجز]‏

لاَ عَهْدَ لِي بِغَارَةٍ مِثْلِ السَّيْلْ لاَ يَنْجَلِي قَتَامُهَا حَتَّى اللَّيْـلْ
قال:‏ فأقبل عليه حجَر من ناحية الصَّفا، فضربه بين عينيه، فنكس رأسه، وهو يقول:‏ [الطويل]

وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تُدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِـنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الـدَّمُ
هكذا تمثل به ابن الزّبير. قال:‏ وحماه مَوْلَيَان له، أحدهما يقول‏:‏ العبد يحمي ربه ويحتمي.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: وبايع أهل الشام مروان بن الحكم، فسار إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو في طاعة ابن الزبير يدعو له، فلقيه بمرج راهط، فقتله وفَضّ جمعه. ثم رجع فوجه حُبَيش بن دَلَجة القيني في ستة آلاف وأربعمائة إلى ابن الزبير، فسار حتى نزل بالجرف في عسكره، ودخل المدينة فنزل في دار مروان ــ دار الإمارة ــ واستعمل على سوق المدينة رجلًا من قومه يدعى مالكا، أخاف أهل المدينة خوفًا شديدًا وآذاهم، وجعل يخطبهم فيشتمهم ويتوعدهم وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغش لأمير المؤمنين فكتب عبد الله بن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وهو واليه على البصرة، أن يوجه إلى المدينة جيشًا، فبعث الحَنْتف بن السّجْف التميمي في ثلاثة آلاف. فخرجوا معهم ألف وخمسمائة فرس وبغال وحمولة، وبلغ الخبر حبيش بن دلجة، فقال: نخرج من المدينة فنلقاهم، فإنا لا نأمن أهل المدينة أن يعينوهم علينا، فخرج وخَلّف على المدينة ثعلبة الشامي. فالتقوا بالرّبذة عند الظُّهْر، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتل حبيش بن دلجة، وقتل من أصحابه خمسمائة، وأسر منهم خمسمائة، وانهزم الباقون أسوأ هزيمة، ففرح أهل المدينة بذلك، وقُدم بالأسارى فحبسوا في قصر خَلّ، فوجه إليهم عبد الله بن الزبير مصعب بن الزبير فضرب أعناقهم جميعًا. قالوا: فلما بويع عبد الملك بن مروان، بعث عروة بن أنيف في ستة آلاف إلى المدينة، وأمرهم أن لا ينزلوا على أحدٍ، ولا يدخلوا المدينة إلا لحاجة لابدّ منها، وأن يعسكروا بالعرصة، فنزل عروة بجيشه العرصة، وهرب الحارث بن حاطب عامل ابن الزبير على المدينة فكان عروة ينزل فيصلي بالناس الجمعة، ثم يرجع إلى معسكره، فلم يبعث إليهم ابن الزبير أحدًا ولم يلقوا قتالًا، فكتب إليهم عبد الملك، أن يقبلوا إلى الشام ففعلوا، ولم يتخلف منهم أحد، ورجع الحارث بن حاطب إلى المدينة عاملًا لابن الزبير، ثم بعث عبد الملك ابن مروان، عبد الملك بن الحارث بن الحكم في أربعة آلاف إلى المدينة فما دونها، يَلْقون جموع ابن الزبير ومن أشرف لهم من عُمّاله. وكان سليمان بن خالد بن أبي خالد الزرقي عابدًا له فضل، فولاه ابن الزبير خيبر وفدك، فخرج فنزل في عمله، فبعث عبدُ الملك بنُ الحارث، أبا القمقام في خمسمائة إلى سليمان بن خالد، فقتله، وقتل من كان معه، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان أغاظه وكره قتله. ووجه عبد الملك بن مروان طارق بن عمرو في ستة آلاف وأمره أن يكون فيما بين أيلة ووادي القرى مددًا لمن يحتاج إليه من عمال عبد الملك بن مروان أو من كان يريد قتلاه من أصحاب ابن الزبير، وكان أبو بكر بن أبي قيس في طاعة ابن الزبير قد ولاه جابر بن الأسود خيبر، فقصد له طارق فقتله في ستمائة من أصحابه، وهرب من بقي منهم في كل وجه، فكتب الحارث بن حاطب إلى عبد الله بن الزبير أن عبد الملك بن مروان بعث طارق بن عمرو في جمع كثير، فَهُمْ فيما بين أيلة إلى ذي خُشُب، يَجُدّوا في أموال الناس ويقتطعونها ويظلمونهم، فلو بعثت إلى المدينة رابطة لَا تُدْخَل. فكتب ابن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، أن يوجه إلى المدينة ألفين، ويستعمل عليهم رجلًا فاضلًا، فوجه إليهم ابن روّاس في ألفين، فقدموا المدينة فمنعوها من جيوش أهل الشام، وكانوا قومًا لا بأس بهم. وكانت المدينة مَرّة في يد ابن الزبير، ومرّة في يد عبد الملك بن مروان، أيهما غلب عليها استولى على أمرها، وكانت أكثر ذلك تكون في يد ابن الزبير. فلما بلغ ابن الزبير مقتَلُ أبي بكر بن أبي قيس، كتب إلى ابن روّاس أن يخرج في أصحابه إلى طارق بن عمرو، فشق ذلك على أهل المدينة، وخرج ابن روّاس وبلغ ذلك طارقًا فندب أصحابه، ثم التقوا بشبكة الدوم على تعبية، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثم كانت الدولة لطارقٍ وأصحابه، فقُتل ابن روّاس وأصحابه قتلًا ذريعًا، ونجا رجل منهم، فقدم المدينة فأخبر بمقتل ابن رواس وأصحابه، فسيئ بذلك أهل المدينة، ثم خرج ذلك الرجل إلى عبد الله بن الزبير، فأخبره الخبر، ورجع طارق إلى وادي القرى، وكتب ابن الزبير إلى واليه بالمدينة أن يفرض لألفين من أهل المدينة يكونوا رِدْءًا للمدينة ممن يدهمها، ففرض الفرض ولم يأت المال، فبطل ذلك الفرض وسُمّي فرض الريح. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر عبد المسور، عن أبيها. ورياح بن مسلم، عن أبيه. وإسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه، قالوا: قدم أبو عبيد الثقفي من الطائف ــ وكان رجلًا صالحًا ــ وندب عمر الناسَ إلى أرض العراق، فخرج أبو عبيد إليها فقُتل وبقي ولده بالمدينة، وكان المختار يومئذ غلامًا يُعرف بالانقطاع إلى بني هاشم، ثم خرج في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد إلى البصرة، فأقام بها يُظهر ذكر الحسين بن عليّ، فأُخبِر بذلك عبيد الله بن زياد، فأخذه فجلده مائة جلدة ودرّعه عباءة، وبعث به إلى الطائف. فلم يزل بها حتى قام عبد الله بن الزبير ودعا إلى ما دعا إليه، فقدم عليه، فأقام معه من أشد الناس قتالًا وأحسنه نِيّة ومناصحة فيما يرون، وكان يختلف إلى محمد بن الحنفية، ويسمعون منه كلامًا ينكرونه، فلما مات يزيد، ومات المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، استأذن المختار ابن الزبير في الخروج إلى العراق، فأذن له، وهو لا يشك في مناصحته وهو مصرٌّ على الغش له، فكتب ابن الزبير إلى عبد الله بن مطيع، وهو عامله على الكوفة، يذكر له حالة عنده ويوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ويظهر مناصحة ابن الزبير ويعيبه في السر، ويذكر محمد بن الحنفية فيمدحه، ويصف حاله ويدعو إليه وحرّض الناسَ على ابن مطيع واتخذ شيعة يركبُ في جماعةٍ وخيلٍ، فعدت خيله على خيل ابن مطيع فأصابوهم، وخافه ابن مطيع فهرب، فلم يطلبه المختار، وقال: أنا على طاعة ابن الزبير، فلأي شيء خرج ابن مطيع؟. وكتب إلى ابن الزبير يقع بابن مطيع ويجبّنه، ويقول: رأيته مداهنًا لبني أمية فلم يسعني أن أقره على ذلك، لما حملت في عنقي من بيعتك، فخرج من الكوفة وأنا ومَنْ قِبَلِي على طاعتك. فقبل منه ابن الزبير وصدّقه، وأقره واليا على الناس. فلما اطمأن ورأى أن ابن الزبير قد قبل منه، سار إلى منزل عمر بن سعد بن أبي وقاص فقتله في داره، وقتل ابنه حفصًا أسوأ قِتْلة، وجعل يتتبع قتلة الحسين من الديوان الذين خرجوا إليه، فيقتل كل من قدر عليه، وتغيّب كل من خالفه من أهل الكوفة، ثم بعث مسالحه إلى السواد، والمدائن، وعمال الخراج، فجبيت إليه الأموال. فبعث إليه عبد الملك بن مروان، عبيد الله بن زياد، في ستين ألفًا من أهل الشام، فأخذ على الموصل، فبعث المختارُ، إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفًا من أصحابه، لقتال عبيد الله بن زياد، فلقيه بأرض الموصل، على نهر يدعى الخازِر فتراشقوا بالنبل ساعة، وتشاولوا بالرماح، ثم صاروا إلى السيوف، فاقتتلوا أشد القتال، إلى أن ذهب ثلث الليل، وقُتل أهل الشام تحت كل حجر، وهرب من هرب منهم، وقتل عبيد الله بن زياد، والحصينُ بن نمير في المعركة، وبعث بالرءوس إلى المختار، فبعث برأس عبيد الله بن زياد، وبرأس الحصين بن نمير وستة نفر من رؤسائهم مع خلّاد بن السائب الخزرجَي، فقدم بها المدينة يومًا إلى الليل، ثم خرج بها إلى ابن الزبير، فنَصَبها على ثنية الحجون. وجعل ابن الزبير يسأل خلاد بن السائب عن التقائهم وقتالهم، فيخبره، فقال: فكيف رأيت مناصحة المختار؟ فقال: رأيتُه على ما يحبُّ أميرُ المؤمنين، يدعو له على منبره، ويذكر طاعَتَك ومُفَارَقَةَ بني مروان. ورجع المختار ومن معه إلى الكوفة، وكتب إلى ابن الزبير يخدعه ويُخبره أنه إنما يقوم بأمره، ويسكّنه حتى يمكنه ما يريد. فأبصر ابن الزبير أمره، وكلمه فيه عروة بن الزبير، وعبد الله بن صفوان، وغيرهما وأعلموه غِشّه وسوء مذهبه، وأنه ليس له بصاحب، قال: فمن أُوَلِّي؟ أحتاج إلى رجل جَلْد مجزئ مِقْدَام، فقال له مُصعب بن الزبير: لا تولِّ أحدًا أقومَ بأمرك مِنِّي، قال: فقد وليتك العراق، فَسِرْ إلى الكوفة، قال: ليس هذا برأي، أَقْدمُ على رجل قد عَرَفْتَه، إنما هواه ورأيه في غيرنا، وإنما يستتر بنا، وقد اجتمع معه من الشيعة بَشَر كثير، ولكني أقدم البصرةَ وأهلها سامعون مطيعون، ثم أزحف إليه بالجنود إن شاء الله، فقال ابن الزبير: هذا الرأي. فسار مصعب إلى البصرة واليًا عليها، وبلغ المختارَ، فعرف أنه الشر والسيف، فكتب إلى ابن الزبير يشتمه ويعيبه ويقول: إنه لا طاعة لك على أحد ممن قِبَلي، فأجْلِب بخيْلك وَرَجِلِكِ، وخَطَب المختار الناس بالكوفة، وأظهر عيْب ابن الزبير، وخلعه، ودعا إلى الرضَا من آل محمد صَلَّى الله عليه وسلم، وذكر محمد بن الحنفية فقرّظه وسماه المهدي، وكتب ابن الزبير إلى مُصعب يأمره بالمسير إلى المختار في أهل البصرة، فأمر مصعب بالتهيؤ ثم عسكر، واستعمل على مَيْمَنَته الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى مَيْسَرته عبد الله بن مطيع، واستخلف علي البصرة عبيد الله بن عمر بن عبيد الله بن مَغْمر. وبلغ المختارَ مَسِيرُ مصعب بالجنود، فبعث إليه أحمر بن شميط البجلي، وأمره أن يواقعهم بالمَذار، فبيّتهم أصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وقتل تلك الليلة عبيد الله بن علي بن أبي طالب، وكان في عسكر مصعب مع أخواله بني نهشل بن دارم، وخرج المختار في عشرين ألفًا حتى وقف بإزائهم، وهم فيما بين الجسر إلى نهر البصريين، وزحف مصعب ومَن معه فوافوهم مع الليل، ولم يكن بينهم حرب، فأرسل المختار إلى أصحابه حين أمسى، أن لا يبرحن أحدٌ منكم موقفه حتى تسمعوا مناديًا ينادي: يا محمد، فإذا سمعتم، فاحملوا على القوم، واقتلوا مَن لم تسمعوه ينادي يا محمد، ثم أمهل، حتى إذا حلّق القمر واتسق أمر مناديًا فنادى: يا محمد. ثم حملوا على مصعب وأصحابه فهزموهم، ودخلوا عسكرهم، فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا، وأصبح المختار وليس عنده أحد له ذكر غير عشرة فوارس، وإذا أصحابه قد وَغَلوا جميعًا في أصحاب مصعب، فانصرف المختار منهزمًا فأغذّ السير حتى أتى الكوفة، فدخل القصر ورجع أصحاب المختار حين أصبحوا حتى وقفوا موقفهم فلم يروا المختار، وقالوا: قد قُتل. فهرب منهم مَن أطاق الهرب، واختفى الباقون، وتوجه منهم ثمانية آلاف إلى الكوفة، فوجدوا المختار في القصر فدخلوا معه. وأقبل مصعب حتى خَنْدَق على سُدّة القصر والمسجد، وحصرهم أشدّ الحصار، فخرج المختار يومًا على بغلة شَهْباء، فقاتَلَهم في الزّيّاتين، فقتلوه، وطلب أهل القصر الأمان من مصعب فأمنهم، وفيهم سبعمائة من العرب وسائرهم من الموالي والعجم، فأراد قتل هؤلاء، وتَرْك العرب فقيل له: ما هذا بدين، ذنبهم واحد، تقتل العجم وتترك العرب، فقدمهم جميعا فَضَرَبَ أعناقهم صَبْرا، وبعثَ برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير مع رجل من الشرط، فقدم الرسول فانتهى إلى ابن الزبير وهو في المسجد الحرام قد صلى عشاء الآخرة، ثم قام يتنفل، قال: فوالله ما التفت إليه ولا انصرف حتى أسحر فأوتر، ثم جلس، فدنا الرسول فدفع إليه الكتاب، فقرأه، ثم دفعه إلى غلام له، فقال الرسول: يا أمير المؤمنين هذا الرأس معي، فقال: ألقه فألقاه على باب المسجد. ثم أتاه فقال: جائزتي قال: خذ الرأس الذي جئتَ به. ولما قتل مصعبُ المختارَ، وظفر بالعراق، واستعمل العمال، وجبى الأموال، وكتب إليه إبراهيم الأشتر يعلمه بأنه على طاعته، وأسرع الناس إليه مع عداوته لأهل الشام، وقتله إياهم، ويسأله أن يأذن له في الوفادة إليه، فأجابه مصعب إلى ذلك، فخلف أبا قارب على الجزيرة وقدم على مصعب، فأخذ بيعته لعبد الله بن الزبير وأقام عنده، آثر الناس عنده، وأكرمهم عليه، إنما كان يجلسه على سريره، واستعمل مصعب المهلب بن أبي صُفرة على الجزيرة والموْصِل وأَذْرَبِيجان وأَرْمِينِةَ. وفَرّق العمال في البلدان، ثم جمع أشراف أهل المِصرين، ووفد إلى عبد الله بن الزبير، وجعل إبراهيم بن الأشتر على الوفد جميعًا. فقال له عبد الله: نظرت إلى راية قد خفضها الله فرفعتها. قال: يا أمير المؤمنين، هذا سيد من خلفي، إن رضي رضوا، وإن سخط سخطوا. فحل عبد الله بن الزبير إزاره فإذا ضربة على منكبه قد أجافته، ثم قال لمصعب: أتراني كنت أحب الأشتر بعد هذه الضربة ضربنيها يوم الجمل. وقال مصعب: يا أمير المؤمنين سمّ للوفد ما بدا لك من الجائزة وأنا أعطيهم إياه من العراق. قال: لا والله ولا درهمًا. ثم خطب عبد الله بن الزبير فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أهل العراق، أتيتمونا أوباشًا من كل جِمّة، والله لو كانت تصرف لصرفناكم صرف الذهب، والله لوددتُ أن لي بكل رجليْن منكم رجلًا من أهل الشام. فقام إليه أبو حاضر الأسدي ــ وكان قَاصَّ الجماعة بالبصرة ــ فقال: يا أمير المؤمنين، إن لنا ولك مثلًا قد مضى، هو ما قاله الأعشى: ــ

عُلّقْتُها عَرَضًا وعُلِّقَتْ رجلًا غيرِي وعُلِّقَ
أخرى
غيرَها
الرّجلُ
عُلّقْناكَ، وعُلِّقت أهل الشام، وعُلّق أهلُ الشام آل مروان، فما عسينا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت جوابًا أحسن منه. ثم انصرف مصعب والوفد إلى الكوفة، ثم قدم مصعب البصرة، فجمع مالًا ووفد الثانية على عبد الله بن الزبير بمال العراق، فعزله عن البصرة، وولاها ابنه حمزة بن عبد الله وكان شابًّا تائهًا، فأقام مصعب عند عبد الله بن الزبير، ومضى حمزة إلى البصرة، فمنع الناس العطاء وأمر بالمال يحمل إلى ابن الزبير فمنعه من ذلك مالك بن مسمع ووجوه أهل البصرة ونخسوا به، فخرج من البصرة، فبلغ ذلك ابن الزبير، فولى مصعب البصرة وأمره أن يتوجه إلى العراق. قال الشعبي: فما رأينا أمير فُرْقَة كان أشبه بأمراء الجماعة من مصعب بن الزبير. ولم يزل مصعب أحب أمراء العراق إليهم، كان يعطيهم عطاءين في السنة عطاء للشتاء، وعطاء للصيف، وكان يشتد في موضع الشدة، ويلين في موضع اللِّين، وكان محكمًا لأمره قويًا على شأنه، وكان عبد الملك بن مروان يكتب إلى شيعته بالعراق في اغتيال مصعب، وكتب إلى شيعته بالبصرة يأمرهم أن يخرجوا على مصعب، وأخبرهم أنه باعث إليهم بألف من أهل الشام. ولم يَطْمَع في ذلك بالكوفة ومُصْعَبٌ بها، وكان يَخْرُج كل سنة حتى يأتي بُطْنَان حبيب، وهي من قِنَّسرين فيعسكر بها، وهي أقصى سلطانه، ويخرج مصعب بن الزبير حتى ينزل باجُمَيْرا من أرض الموصل، فيعسكر، وهي أقصى سلطانه، فقال أبو الجهم الكناني:

أبيتَ يا مصعبُ إِلّا سَيْرَا أكل عام
لك
باجُمَيْرَا
وكان إذا اشتد البرد وارتجّ الشتاء، انصرفوا جميعًا معًا، هذا إلى دمشق، وهذا إلى الكوفة، وكان ابن الزبير يكتب إلى مصعب في عبد الملك: لا تغفله واغزه قبل أن يغزوك، فإنك في عين المال والرجال. ففرض مصعب الفروض، وأخذ في التهيئة للخروج، وقسم أموالًا وأخرج العطاء، وبلغ ذلك عبد الملك، فجمع جنوده، وسار بنفسه يؤم العراق لقتال مصعب، وقال لروح بن زنباع وهو يتجهز: والله إنّ في أمر هذه الدنيا لعجب لقد رأيتني ومصعب بن الزبير أفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه فكأني والِهٌ، ويفقدني فيفعل مثل ذلك، ولقد كنت أُوتَى باللّطَف، فما أراه يجوز لي أن آكله حتى أبعث به إليه أو ببعضه، وكان يفعل مثل ذلك، ثم صرنا إلى السيف! ولكن هذا الملك عقيم. فلما أجمع مصعب الخروج من الكوفة يريد عبد الملك خرج وقد اصطف له الناس بالكوفة صفين، وقد اعْتَمَّ عِمَّتَه القَفْدَاء، وهو مقبل على مَعْرَفة دابته، ثم نظر في وجوه القوم يمينًا وشمالًا، فوقعت عينه على عروة بن المغيرة بن شعبة، فقال: يا عروة.؟ قال: لبيك. قال: ادنُ. فدنا، فسار معه، فقال: أخبرني عن حُسين بن علي كيف صنع حيث نُزِلَ به؟ قال: فأنشأت أُحدّثه عن صَبره وإبائه ما عُرض عليه، وكراهته أن يدخل في طاعة عبيد الله بن زياد حتى قُتل. قال: فضرب بسوطه على مَعْرَفة برذونه، ثم قال:ـــ

إِنَّ الأُلَي بالطَّف من آلِ هاشمٍ تأسَّوْا فسَنّوا للكِرَام التأَسِّيَا
قال: فعرفت والله أنه لن يَفِرّ وأنه سيصبر حتى يقتل. قال: والشعر لسليمان بن قَتّة، قال: ثم سار عبد الملك، وسار مصعب، حتى الْتَقيا بمن معهما بَمسْكِن، فقال عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه؟ قيل: سُرّة العراق. قال: فقد ــــ والله ــــ كتب إليّ أكثر من ثلاثين رجلًا من أشراف أهل العراق، وكلهم يقولون: إن خِسْتُ بمصعبٍ فلي أصبهان؟ قال: فكتبت إليهم جميعًا: أَنْ نعم. فلما التقوا، قال مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فقالوا: هذه مخروءة بين أيدينا. فقال: ما تأتون أنتن من المخروءة ــــ يعني تخلفهم عن القتال ــــ وقد كانت ربيعة مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس ولم يتقدم أحد يقاتل دونه. فلما رأى مصعب ما صنع الناس وخذلانهم إياه، قال: المرء ميت على كل حال، فوالله لئن يموت كريمًا أحسن به من أن يَضْرَع إلى مَنْ قَد وتَرَه، لا أستعين بربيعة أبدًا ولا بأحدٍ من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني ــــ لابنه عيسى وهو معه ــــ فاركب إلى عمك بمكة فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فقال له ابنه: والله لا أخبر نساء قريش بشرّ عنك أبدا. قال: فإن أردتَ أن تُقَاتِلَ، فتقدّم فَقَاتِل حتى أحْتَسبك. فدنا ابنه عيسى فقاتل قتالًا شديدًا حتى أخذته الرماح من كل ناحية، وكثره القوم فقُتِل، ومُصعب جالسٌ على سريره، فأقبلَ إليه نَفَر ليقتلوه فقاتَلَهم أشد القتال حتى قُتل، وجاء عبيد الله بن ظبيان فاحتزّ رأسه فأتَى به عبد الملك بن مَروان، فأعطاه ألف دينار، فأبى أن يأخذها، وكان مُصعب قُتل على نهر يقال له: دُجَيْل، عند دَيْر الجَاثَلِيق، فأمر به عبد الملك وبابنه عيسى فدفنا، ثم سار عبد الملك حتى نزل النُّخَيلة، ودعا أهل العراق إلى البيعة فبايعوه، واستخلف على الكوفة بشر بن مروان أخاه، ثم رجع إلى الشام. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عثمان بن محمد العُمَرِي، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أنه قيل له: أي ابنَي الزبير كان أشجع؟ قال: ما منهما إلّا شُجَاع، كلاهما مَشَى إلى الموت وهو يراه.)) الطبقات الكبير.
((بويع لعبد الله بن الزّبير بالخلافة سنة أربعٍ وستين، هذا قولُ أبي معشر‏. وقال المدايني:‏ بُويع له بالخلافة سنة خمس وستين، وكان قبل ذلك لا يُدعى باسم الخلافة، وكانت بيعتُه بعد مَوْتِ معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهلُ الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وحجّ بالناس ثماني حجج)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((شهد الجَمَل مع عائشة، وكان على الرّجالة.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((روى سعيد بن عامر، عن أبي عامر الخزاز، عن أبي مليكة، قال:‏ كنت أول من بَشَّرَ أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزّبير من الخشبة، فدعت بمِرْكَن وشبَّ يمان، وأمرتني بغسله، فكنا لا نتناول عضوًا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه.‏‏ ونتناول العضو الآخر، حتى فرغنا منه، ثم قامت فصلَّت عليه، وكانت تقول قبل ذلك‏:‏ اللّهم لا تُمِتْني حتى تقرّ عيني بجثته، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت.‏ ‏قال أبو عمر رحمه الله:‏ رحل عروة بن الزّبير إلى عبد الملك بن مروان، فرغب إليه في إنزاله من الخشبة، فأَسعفه، فأنزل، ثم كان ما وصف ابن أبي مليكة.‏ وقال علي بن مجاهد:‏ قُتل مع ابن الزّبير مائتان وأربعون رجلًا إنَّ منهم لمَنْ سال دَمُه في جوف الكعبة.‏ ‏وروى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، قال:‏ ابن الزّبير كان أفضلَ من مروان.‏ ‏وكان أَوْلَى بالأمر من مروان وابنه. حدّثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدّثنا أحمد بن سعيد، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن النعمان بالقَيْرَوان، حدّثنا محمد بن علي بن مروان البغدادي بالإسكندرية، قال:‏ حدّثنا علي بن المديني، حدّثنا سفيان بن عيينة، قال:‏ مكث عامر بن عبد الله بن الزّبير بعد قَتْلِ أبيه حَوْلًا لا يسأَل أحدًا لنفسه شيئًا إلا الدّعاء لأبيه.)) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: وحدثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه ــــ وكان عالما بأمر ابن الزبير ــــ قال: وحدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: وحدثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عون مولى عبد الرحمن بن مسور، قال: وحدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زَمْعَة، عن عمه أبي الحارث بن عبد الله، قال: وحدثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، قال: وغير هؤلاء أيضا قد حدثني، وكتبت كل ما حدثوني به في مقتل عبد الله بن الزبير. مقتل عبد الله بن الزبير:ــــ قالوا: لما قَتَل عبدُ الملك بن مروان مصعبَ بن الزبير، بعث الحجاجَ بن يوسف إلى عبد الله بن الزبير بمكة في ألفين من جند أهل الشام، فأقبل حتى نزل الطائف، فكان يبعث البعوث إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير بعثا، فيلتقون فَتُهْزم خيل ابن الزبير، وترجع خيل الحجاج إلى الطائف، فكتب الحجاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، وأن يمده برجال، فأجابه عبد الملك إلى ذلك، وكتب إلى طارق بن عمرو، يأمره أن يلحق بالحجاج، فسار طارق في أصحابه وهم خمسة آلاف فلحق بالحجاج، فنزل الحجاج من الطائف، فحصر ابن الزبير في المسجد، وحج بالناس الحجاج سنة اثنتين وسبعين، وابن الزبير محصور، ثم صَدَرَ الحَجّاج وطارق حين فرغا من الحج، فنزلا بئر ميمون، ولم يَطُوفا بالبيت، ولم يَقْرَبا النساء ولا الطِّيب إلى أن قتل ابن الزبير، فطافا بالبيت، وذبحا جُزُرًا، وحُصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القِعدة سنة اثنتين وسبعين، ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقُتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين. وقدم على ابن الزبير حُبْشَان من أرض الحبشة يرمون بالمزاريق، فقدَّمهم لأهل الشام، فجعلوا يرمون بمزاريقهم، فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا من أهل الشام قتلى كثيرة، ثم حمل عليهم أهل الشام حملة واحدة، فانكشفوا، وكان ابن الزبير يقدم أصحاب النكاية بالسيوف، ويتقدم هو ما يستفزه صياحهم، وكان معه قوم من أهل مصر، فقاتلوا معه قتالًا شديدًا، وكانوا خوارجًا، حتى ذكروا عثمان فتبرأوا منه، فبلغ ابن الزبير فناكرهم، وقال: ما بيني وبين الناس إلا باب عثمان فانصرفوا عنه. ونصب الحجّاجُ المنجنيق يرمي بها أحثَّ الرمي، وألحّ عليهم بالقتال من كل وجه، وحبس عنهم المِيرَة، وحصرهم أشدّ الحصار، حتى جُهدَ أصحابُ ابن الزبير، وأصابتهم مجاعة شديدة. وكان ابن الزبير قد وضع في كل موضع يخاف منه مَسْلحة، فكانت مسالحه كثيرة يطوف عليها أهل الثبات من أصحابه، وهم على ذلك مبلوغون من الجوع ما يقدر الرجل يقاتل ولا يحمل السلاح كما يريد من الضعف، وكانوا يستغيثون بزمزم فيشربون منها، فتعصمهم، وجعلت الحجارة من المنجنيق يُرْمى بها الكعبة، حتى يؤثر فيها كأنها جيوب النساء، ويُرْمَى بالمنجنيق من أبي قبيس فتمرّ الحجارة وابن الزبير يصلي عند المقام كأنه شجرة قائمة ما ينثني، تهوي الحجارة مُلَمْلَمَة ملس كأنها خُرِطَت وما يصيبه منها شيء ولا يتنحى عنها ولا يفزع لها، وحَشَر الحجاج أهل الشام يومًا وخطبهم، وأمرهم بالطاعة وأن يَرَى أثرهم اليوم، فإن الأمر قد اقترب، فأقبلوا ولهم زَجَل وَفَرَح، وسمعت بذلك أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير، فقالت لعبد الله ــــ مولاها ــــ: اذهب فانظر ما فعل الناس، إن هذا اليوم يوم عصيب، اللهم أَمْضِ ابني عَلَى بَيِّنَة، فذهب عبد الله ثم رجع فقال: رأيت أهل الشام قد أخذوا بأبواب المسجد، وهم من الأبواب إلى الحجون، فخرج أمير المؤمنين يَخْطِر بسيفه وهو ويقول:

إنِّي إذا أَعْرفُ يومي أصْبِرْ إذ بعضهم يعرفُ ثم يُنْكِرْ
فدفعهم دفعة تراكَمُوا منها فوقعوا على وجوههم، وأكثر فيهم القتل، ثم رجع إلى موضعه، قالت: من رأيتَ معه؟ قال: معه أهل بيته ونُفَيرٌ قليل، قالت أمه: خذلوه وأحبوا الحياة، ولم ينظروا لدينهم ولا لأحسابهم، ثم قامت تصلي وتدعو وتقول: اللهم إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما لحرمتك، كَرِيْهٌ إليه أن تُعْصَى، وقد جاهد فيك أعداءك، وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك، اللهم فلا تخيبه، اللهم ارحم ذلك السجود والنّحيب والظمأ في تلك الهواجر، اللهم لا أقوله تزكية، ولكن الذي أعلم، وأنت أعلم به، اللهم وكان برا بالوالدين. قال: ثم جاء عبد الله بن الزبير، فدخل على أمه وعليه الدرع والمِغْفَر، فوقف عليها، فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبَّلها وَوَدعها، فقالت: هذا ودَاع فلا تَبْعَدْ إلا من النار. فقال ابن الزبير: نعم جئتُ مودعًا لك، إني لأرى هذا آخر يوم من الدنيا يَمُرُّ بي، واعلمي يا أمّه أني إن قُتلتُ؛ فإنما أنا لحم ودم لا يضرني ما صُنع بي. قالت: صدقت، فامض عَلَى بَصِيرَتك، ولا تمكِّن ابن أبي عقيل منك، وادْنُ مني أودعك، فدنا منها فعانقها، فمسّت الدرع فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فقال: ما لبست الدرع إلا لأشُدّ منك. قالت: فإنه لا يشدّ منّي بل يخالفني، فنزعها، ثم أدرج كُمّه وشدّ أسفلَ قميصِه، وجُبّةَ خَزّ تحت القميص وأدخل أسفلها في المِنْطَقة، وأمّه تقول: أليس ثيابك مُشَمّرة؟ قال: بَلَى هي على عَهدك. قالت: ثبّتك الله، فانصرف من عندها وهو يقول:


إِنّي إذا أعرفُ يومي أصْبِرْ إذْ بعضهم يعرفُ ثم ينْكرْ.
فَفَهِمَتْ قولَه، فقالت: تَصْبِر والله إن شاء الله، أليس أبوك الزبير؟ قال: ثم لاقاهم فحمل عليهم حملة هزمهم، حتى أوقفهم خارجًا من الباب، ثم حمل عليه أهل حمص، فحمل عليهم فمثل ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن مَخْرمة بن سليمان الوالِبِي، قال: دخل عبد الله بن الزبير على أمه حين رأى من الناس ما رأى من خذلانهم إياه، فقال: يا أمه، خَذَلني الناس حتى وَلَدي وأهلي، فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فما رأيكِ؟ فقالت أمه: أنتَ والله يا بُني أعلم بنفسك، إن كنتَ تعلم أنك على حقّ وإليه تدعو، فامضِ له، فقد قُتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك فتلعب بك غلمان بني أمية، وإن كنتَ إنما أردتَ الدنيا، فبئسَ العبد أنت!، أهلكت نفسك وأهلكت مَنْ قُتل معك. قال: فدنا ابن الزبير فقَبّل رأسها، فقال: هذا والله رأيي، والذي قمتُ به داعيًا إلى يومي هذا، ما رَكَنْتُ إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلاّ الغضبُ لله، ولكن أحببتُ أعلم رأيكِ، فزدتني قوة وبصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، فإني مقتول من يومي هذا، لا يشتد جزعكِ عَليّ، سلمي لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر وَلَا عَمِلَ بفاحشةٍ، ولَمْ يَجُرْ في حُكْم، ولم يَغْدِر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني عن عمالي ظلم فرضِيتُه بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي، أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزية لأمي لتسلو به عني. فقالت له أمه: إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدمتني. وإن تقدمتك، ففي نفسي حَوْجا حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك. قال: جزاك الله يا أمه خيرًا، فلا تدعي الدعاء لي بعد قتلي. قالت: لا أدعه، لست بتاركة ذلك أبدًا، فمن قُتِلَ على باطل فقد قُتِلتَ على حق، وخرج، وقالت أمه: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وَبِرّهُ بأبيه وبي، اللهم إني سلمت فيه لأمرك، ورضيت فيه بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين والشاكرين. قال: أخبرنا موسي بن إسماعيل، قال: حدثنا صالح بن الوليد الرياحي، قال: أخبرتني جدتي رَيْطة بنت عبد الله الرياحية، قالت: كنت عند أسماء إذ جاء ابنها عبد الله فقال: إن هذا الرجل قد نزل بنا، وهو رجل من ثقيف يسمى الحجاج في أربعين ألفًا من أهل الشام، وقد نالنا نبلُهم ونُشّابُهم، وقد أرسل إليّ يخيّرني بين ثلاث؛ بين أن أهرب في الأرض فأذهب حيث شئت، وبين أن أضع يدي في يده فيبعث بي إلى الشام مُوْقَرًا حديدًا، وبين أن أُقَاتِلَ حتى أُقْتَلَ، قالت: أي بُني: عِشْ كريمًا، ومِتْ كريمًا، فإني سمعتُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إنّ من ثقيف مُبيرًا وكَذابًا". قالت: فذهب فاستند إلى الكعبة حتى قُتل.(*) قال: أخبرنا معن بن عيسى، قال: حدثنا شعيب بن طلحة، عن أبيه، أن أسماء بنت أبي بكر قالت لعبد الله بن الزبير حينَ قَاتَلَ الحجاج: يا بني عِشْ كريمًا، ومِتْ كريمًا، لا يأخذك القوم أسيرًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة، عن أمه، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها كانت تقول ـــ وابن الزبير يقاتِل الحجّاج: لمن كانت الدَّولة اليوم؟ فيقال لها: للحَجّاج فتقول: ربما أُمِرَ الباطل. فإذا قيل لها: هي لعبد الله وأصحابه تقول: اللهم انصر أهل طاعتك ومَن غضبَ لك. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: اشتكت أمي أسماء، وعبد الله الزبير يقاتل الحجاج، وكانت قد كَبُرت ورقّت فنظر إليها، فقال: ما أحسن الموت. فسمعت ذلك العجوز فقالت: يا بني، والله ما أحب أن أموت يومي هذا حتى أعلم ما تصير إليه، إمّا ظَفِرْتَ، فذلك الذي نرجو وَنُسَرُّ به، وإمّا الأخرى، فأحتسبك وتمضي لسبيلك. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، قال: كانوا يُنَادُون، يا بن الزبير، يا بن ذات النطاقين فقال:

وتلكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُها
قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، قال: نادى رجل من أهل الشام: يا بن الزبير يا بن ذات النِّطَاقين يعيره بذلك، فمشى ابن الزبير نحوه وهو يقول:

وعَيّرها الوَاشُوَن أَنّي أُحِبّها وتلك شَكاةٌ ظَاهِرٌ عَنك عَارُها

فإن أعتذر منها فإني مُكَذَّبُ وإنْ تَعْتَذِرْ يُردَدْ عليها اعتذارُها

أنا ابنُ ذات النِّطَاقين هَلُمّ إليّ
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: جاء رجل إلى ابن الزبير يوم الثلاثاء فحذره الكمين، فقال ابن الزبير:ـــ

لن يأخذوا سَلَبِي غَصْبا وإن كَثُروا مالم أَكُنْ نائما أو لم يَغُرّوني
قال: وجاء عمارة بن عمرو بن حزم فقال: لو رَكِبتَ رواحلك فنزلتَ برَمْل الجَزْل. فقال: ابن الزبير: فما فَعَلَتِ القَتْلى بالحرم؟ والله لئن كنتُ أوردتهم ثم فررتُ عنهم، لبئس الشيخ أنا في الإسلام. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد، قال: لما كان ليلة الثلاثاء، قال الحجّاج لأصحابه: والله إني لأخاف أن يهربَ ابن الزبير، فإن هربَ فما عُذرنا عند خليفتنا؟ فبلغَ ابن الزبير قوله فَتَضَاحَكَ، وقال: إنه والله ظَنّ بي ظنه بنفسه، إنه فَرّار في المواطن وأبوه قبله. قال محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: لما أصبحوا يوم الثلاثاء، غَدَا ابن الزبير ومعه نَحْو من ثلاثمائة، فقال: استأخِروا عني لا يقولن أحد حَمَى ظَهْرَه، فتنحىّ عنه الناس، ثم حمل على باب من تلك الأبواب فهزَمهم، حتى خرجوا إلى الأبطح وهو يرتجز:

قد سَنّ أصحابُك ضَرْبَ الأعناقْ

وقامت الحربُ
بنا عَلَى سَاقْ

صَبْرًا
عقاق
إنّه
شَرٌّ
باقْ

صَبْرًا بُنَيّ إنه
العَتاقْ
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بن أسد، قال: رأيت الأبواب قد شُحِنَت من أهل الشام يوم الثلاثاء، وأسلَمَ أصحاب ابن الزبير المحارس، وكَثَرَهم القوم، وأقاموا على كل باب قائدًا ورجالًا وأهل بلد؛ فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصَّفا، ولأهل فلسطين باب بني جُمحَ، ولأهل قِنَّسرين باب بني سَهْم، وكان الحجّاج وطارق جميعًا في ناحية الأبطح إلى المروة فمَرّة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية، ومَرّة في هذه الناحية، ولكأنه أسدٌ في أَجْمَة ما يقدم عليه الرجال، يعدو في آثارهم حتى يخرجهم وهو يرتجز:

إني إذا أعرف يومي أصْبَرْ وإنما يعرف يَوْمَيْهِ الحُرْ

ثم يصيح: أبا صفوان، ويل أمه فتح له لو كان له رجال!!

لو كان قِرْني واحدًا كَفَيْتُهْ
قال ابن صفوان: إي والله وألف. قال: أخبرنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكة، قال: حضرت ابن الزبير صلّى الصبح بِغَلَس، وقال: أواقع هؤلاء قبل الصبح. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: سمعت ابن الزبير يومئذ في صلاة الصبح يوم الثلاثاء، يقرأ بنون والقلم، حرفًا حرفًا. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني فَرْوَة بن زُبيد، عن عباس بن سهل بن سعد، قال: سمعت ابن الزبير يوم الثلاثاء يقول: ما أَرَاني اليوم إلا مقتولًا، ولقد رأيت في ليلتي هذه كأن السماء فُرِجَت لي فدخلتها، فقد والله مَللتُ الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكنًا نون والقلم حرفًا حرفًا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئته قبل ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الملك بن وهب، عن شيخ من أسْلَم، قال: سمعتُ ابن الزبير يقول يوم قُتل: والله لقد مللتُ الحياة، ولقد جاوزتُ سِنّ أبي، هذه لي ثنتان وسبعون سَنَة. اللهم إني قد أحببتُ لقاءك فأحبب لقائي، وجاهدتُ فيك عدوك فأثبني ثَوابَ المجاهدين. قال: فَقُتِلَ ذلك اليوم. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: جلس ابن الزبير يوم الثلاثاء فَخَفَقَ خَفْقَة، فتغامزَ به بعض مَن كان عنده بنعسته تلك، ففتح عينيه فقال: شيخٌ كبير عَلّ، قد عاش حتى مَلّ، اللهم إذا قبضتُ رِجلي فلا أبسطها، وإذا بسطتها فلا أقبضها. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا إسحق بن عبيد الله، عن المنذر بن جهم الأسلمي، قال: رأيتُ ابن الزبير يوم قُتل، وقد خَذَلَه مَنْ معه خُذْلانًا شديدًا، وجعلوا يَخْرجون إلى الحَجاج، وجعل الحَجاج يصيح: أيها الناس علامَ تقتلون أنفسكم؟ مَن خرج إلينا فهو آمن، لَكُمْ عَهْدُ الله وميثاقه، وفي حَرَم الله وأمنه، وربّ هذه البَنِيّة لا أغدرُ بكم، ولا حاجةَ لنا في دمائكم. قال: فجعل الناس يتسللون حتى خَرج إلى الحجّاج من أصحاب ابن الزبير نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيته وما معه أحد. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه: انظروا كيف تضربون بسيوفكم، ولْيَصُن الرجلُ سيفَه كما يصونُ وجهه، فإنه قبيحٌ بالرجل أن يخطئ مضرب سيفه. فكنت أرمقه إذا ضرب، فما يخطئ مضربًا واحدًا شبرًا من ذُبَاب السيف أو نحوه، ولقد رأيته ضرب رجلًا من أهل الشام ضربة أبدى سَحْرَهُ وهو يقول: خذها وأنا ابن الحَوَارِي، فلما كان يوم الثلاثاء، قام بين الركن والمقام، فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام يا أهل الشام: الله الله في إمَامِكم، فَلَيَشُدُّون الشَّدّة الواحدة جميعًا حتى يقال: قد اشتملوا عليه، فيشدَّّ عليهم حتى يَفْرُجُهم ويبلغ بهم باب بني شَيْبَةَ، ثم يَكِرّ وَيَكِرّون عليه، ليس معه أعوان، فعل ذلك مرارًا، حتى جاء حَجَرٌ عائر، مِنْ ورائه فأصابه، فوقع في قَفَاه فَوَقذه، فارتعشَ ساعة، ثم وقعَ لوجهه، ثم انتهض فلم يَقْدِر على القيام، وابتدره الناس، وشَدّ عليه رجلٌ من أهل الشام، وقد ارتعشَ ابن الزبير فهو متكِئ على مِرْفَقِهِ الأيسر، فضرَبَ الرّجُلَ فَقَطَعَ رجليه بالسيف، وجعل يضربه ولا يقدر ينهض حتى كَثُروه فَذَفَّفوا عليه ولقد كان يقاتل، وإنه لمطروح يَخْذِمُ بالسيف كُلّ من دنا منه، فصاحت امرأة من الدار واأمير المُؤْمِنِيْنَاه، فابتدره الناس فَكَثَرُوه، فقتلوه رحمة الله ورضوانه عليه. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي سلمة الحضرمي، قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر يوم الثلاثاء وبين يديها كفن قد أعدّته وَنَشَرته وأجْمَرته، وأمرت جواري لها يقمن على أبواب المسجد، فإذا قُتل عبد الله صِحْنَ، فرأيتهنّ حين قُتل عبد الله صَيّحْن، وأرسلت ليحمل عبد الله. فأُتِيَ الحجّاج به فحزَّ رأسه، وبعثَ به إلى عبد الملك بن مَروان، وَصَلَب جُثّته فقالت أسماء: قاتَلَ الله المُبِير، يَحُولُ بيني وبين جثّته أَنْ أُواريها، ثم ركِبت دابتها حتى وقَفَت عليه وهو مصلوب، فدعَت له طويلًا وما تقطر من عينها قَطْرة، ثم انصرفت وهي تقول: مَنْ قُتل على باطل فقد قُتِلْتَ على حق، وعلى أكرم قِتْلة ممتنع بسيفك فلا تَبْعَد. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني نافع بن ثابت، عن عبيد مولى أسماء، قال: لما قتل عبد الله، خرجت إليه أمه حتى وقفت عليه، وهو على دابة، فأقبل الحجاج في أصحابه، فسأل عنها، فأُخْبِر بها، فأقبل حتى وقف عليها، فقال: كيف رأيتِ؟ نَصَر الله الحقَّ وأَظهرَه. قالت: ربما أُدِيل الباطلُ على الحق، وإنّك بين فَرْثِها والجِيّة، قال: إن ابنك ألْحَد في هذا البيت، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج: 25]. وقد أذاقه الله ذلك. العذاب: قَطَعَ السبيل. قالت: كذبتَ، كان أول مولود في الإسلام بالمدينة، وَسُرّ به رسول الله صَلَّى الله وعليه وسلم، وحَنَّكَه بيده، فَكَبّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وقد فرحتَ أنت وأصحابك بمقتله، فمن كان فَرِحَ يومئذ به خَيْرٌ مِنْكَ ومن أصحابك، وكان مع ذلك برًّا بالوالدين، صَوّامًا قَوّامًا بكتاب الله، معظِّمًا لحرم الله، يُبْغِضُ أن يُعْصَى الله، أشهد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لسمعته يقول: "سيخرج من ثقيف كذابان الآخِرُ منهما شَرّ من الأول وهو مُبِير" وهو أنت. فانكَسَر الحجاج، وانصرف، وبلغ ذلك عبد الملك، فكتب إليه يلومه في مخاطبة أسماء، وقال: مالَكَ ولابنة الرجل الصالح! (*) قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قُتل ابن الزبير، فقال ابن عمر: لَمَنْ كَبّرَ حين ولد ابن الزبير، أكْثَر وخَيْر ممّن كَبّر على قتله. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: سألتُ عبد الرحمن بن أبي الزناد، مَنْ قَتَل ابن الزبير؟ فقال: سمعتُ هشام بن عُروة، يقول: رَماه رجلٌ من السّكون بآجُرَّة فأثبته وَوَقَع، وكان الذي قَتله رجلٌ من مُراد، وحمل رأسه إلى الحجّاج. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبيد الله بن عروة، عن حبيب مولى عروة، قال: أراني عروة قاتل عبد الله بن الزبير في عسكر الوليد، قتله، واحتزّ رأسه آخَرُ، فجاءا به إلى الحجاج فَوَفّدَهما إلى عبد الملك، فأعطى كل واحد منهما خمسمائة دينار، وفرض لكل واحد منهما في مائتي دينار. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أنه كان جالسًا معه، فأتاه آتٍ فقال: قُتِلَ ابن الزبير. فقال: يرحمه الله. فقيل: يا أبا عبد الرحمن صُلِبَ؟ فقال ابن عمر: قَاتَلَ اللهُ الحَجّاج، ما من خصلة شَرّ إلا هي فيه، ثم مَرّ به ابن عمر وهو مصلوب، والمسك يفوح منه، فقال: يرحمك الله فوالله إنّ قومًا كنتَ أخسّهم لقومُ صدقٍ. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا إسحاق بن سعيد، عن سعيد، قال: قال ابن عمر لعبد الله بن الزبير: رحمك الله، لقد سَعِدت أُمَّةٌ أنت شَرُّها. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا رياح بن مسلم، عن أبيه، قال: لقد رأيتهم مَرّة ربطوا هِرّة مَيّتة إلى جنبه، فكان ريح المسك يغلب على ريحها. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: كان عبد الله بن الزبير قد قَشِمَ جلده على عظمه، كان يصوم الدهر، فإذا أَفْطَر، أَفْطَرَ على لَبَنِ الإبل، وكان يمكس الخمس والست لا يذهب لحاجته، وكان يشرب المسك، وكان بين عينيه سجدة مثل مَبْرك العنز، فلما قتله الحجاج صلبه على الثنية التي بالحجون يقال لها: كَدَاء. فأرسلت أسماء إليه، قاتلك الله، وعلام تصلبه؟ فقال: إني استبَقْتُ أنا وابنك إلى هذه الخشبة فكانت اللَّبْجَةُ به، فأرسلَتْ إليه تستأذنه في أن تكفنَه، فأبى، وكتَبَ إلى عبد الملك يخبره بما صَنَع، فكتَبَ إليه عبد الملك يَلُومُه فيما صنع ويقول: ألا خَلّيت أمه فَوَارَته، فأَذِنَ لها الحجَّاج، فوارته بالمقبرة بالحجون. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبيه، قال: صلى عليه عروة بن الزبير، ودفنه بالحجون، وأمه يؤمئذ حَيّة، ثم توفيت بعد ذلك بأشهر بالمدينة. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الجبار بن عمارة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: حدثني من حضر مقتل عبد الله بن الزبير يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو يؤمئذ ابن اثنتين وسبعين سنة. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد بن عبد العزّى ــ وكان عالما بأمر ابن الزبير ـــ، قال: حُصِرَ عبد الله بن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين إلى أن قتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، فكان حصر الحجاج إياه ستة أشهر وسبعة عشر يومًا. قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر على ناقة له فيها نِفَار، فلما مَرّ بابن الزبير وهو مصلوب، جعلنا نستره، فحانت منه نظرة، فقال: إنْ كُنْتَ عن هذا لَغَنيًّا. قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا سلام بن مسكين، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي جميلة الأنصاري، أن ابن عمر مَرّ بابن الزبير وهو مصلوب، فقال: يرحمك الله، إنْ كنتَ لصوّامًا قوّامًا، لقد أفلحت قريش أَنْ كُنْتَ شرّ أهلها. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر مَرّ بجذع عبد الله بن الزبير، فحادت به النّاقة، قال: فقال: أهو هو؟ قال: قلت: نعم. قال: قد كنتَ عن هذا غَنيّا. قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عَطَاء، قال: أخبرنا زياد ابن الجصاص، عن علي بن زيد بن جُدْعان، عن مجاهد، قال: قال عبد الله بن عمر: انظر المكان الذي به ابن الزبير مصلوبٌ فلا تمرر بي عليه، فَسَهَا الغلامُ، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزبير مَصلوبًا، فقال: يغفرُ اللهُ لكَ، يغفرُ الله لك، ثلاثًا، أما والله ما علمتك إلا كنْتَ صَوّامًا قوامًا، وصَولًا للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما أصبت أن لا يعذّبك الله بَعْدَها أبدًا. قال: ثم الْتفتَ إليّ فقال: سمعتُ أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ يعمل سُوءًا يُجْزَ به في الدنيا".(*) قال: أخبرنا الفضل بن دُكَيْن، قال: حدثنا الحسن بن أبي الحسناء، قال: حدثنا أبو العالية، أنه رأى ابن عمر واقفًا يستغفر لابن الزبير وهو مصلوب، فقال: إن كنتَ والله ما عَلِمتُ صوامًا قوامًا، تحب الله ورسوله. فانطلق رجل إلى الحجاج فقال: هذا ابن عمر واقف يستغفر لابن الزبير، ويقول: إن كنت والله ما علمتُ صوامًا قوامًا تحب الله ورسوله. فقال لرجل من أهل الشام: قم فأتني به، فقام الشامي طويلًا فقال: أصلح الله الأمير، تأذن لي أن أتكلم، فقال: تكلم. قال: إنما أَعْين الناس كافة إلى هذا الرجل، فأنت إن قتلته خشيتُ أن تكون فتنة لا تُطْفَأ، فقال: اجلس. وأرسل إليه مكانه بعشرة آلاف فقال: أرْسَلَ بهذه الأمير لتستعين بها، فقبلها ثم سكتَ عنه، فأَرْسَلَ إليه: أرْسِلْ إلينا بدراهمنا لكيما ينظر أنفقَ منها شيئا أم لا؟ فأرسل إليه إنا قد أنفقنا منها طائفة وعندنا طائفة نجمعها لك أحد اليومين ثم نبعث بها، فأرسل إليه انتفع بها فلا حاجةَ لنا فيها. قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم وعبد الملك بن عَمرو أبو عامر العَقَدِيّ ومسلم بن إبراهيم، قالوا: حدثنا الأسود بن شيبان، قال: حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب العريجي، أن الحجاج بن يوسف لما قَتل عبد الله بن الزبير صلبه على عقبة المدينة، ليرى ذلك قريش المدينة، فلما نفروا، جعلت قريش تمر به، والناس لا يقفون عليه، حتى مَرّ به عبد الله بن عمر، فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، لقد كنْتُ نهيتك عن هذا ــ ثلاثًا ــ ولقد كنتَ عن هذا غنيا. ثم قال: أما والله ما علمت إنْ كنتَ لصوامًا قوامًا وصولًا للرحم، وإنّ أُمَّة تكون أنت شرهم لأمة صدق، ثم نَفَذَ فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر، فاستنزله فرمى به في مقابر اليهود. ثم بعث إلى أمه أسماء بنت أبي بكر وقد ذهب بصرها، أن تأتيه فأبت أن تأتيه، فأرسل إليها لتأْتِيِنِي أو لأبعثنّ إليك مَن يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك، فأرسلت إليه إني والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ مَن يَسحبني بقروني فيأتيك بي، فأتاه رسوله فأخبره. فلما رأى ذلك قال يا غلام: ناولني سِبْتيّتي. فناوله نَعْلَيه، فأخذ نَعْلَيه فانتعلَ، ثم خَرَج يَتَوَذَّف يعني مشية له حتى أتاها فدخل عليها، قال: فقال: كيف رأيْتِنِي صنعتُ بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدتَ عليه دنياه وأفسدَ عليك آخرتك، وقد بلغني أنك تُعيّره تقول: يا بن ذات النطاقين، وقد كنتُ والله ذات نطاقين، أما أحدهما فَنِطاق المرأة الذي لا تستغنى عنه، وأما النِّطاق الآخر فإني كنتُ أرفع فيه طعام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وطعام أبي من النَّمل وغيره، فأي ذلك ــ وَيْلَ أمك ــ عَيّرته به؟! أما إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيخرجُ من ثَقِيف رجلان؛ كذَّابٌ ومُبِير" فأما الكذّاب، فقد رأيناه ابن أبي عُبيد، وأما المُبِير، فأنت ذاك. قال: فوثَبَ فانصرفَ عنها ولم يُراجعها.(*) قال: أخبرنا سليمان بن حرب وعارِم بن الفضل، قالا: حدثنا حماد بن زَيد، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، قال: دخلتُ على أسماء بنت أبي بكر بعدَمَا قُتل عبد الله بن الزبير، فقال: بلغني أن هذا صَلَب عبد الله، ثم قالت: اللهم لا تمتني حتى أكفنه وأحنّطه. قال: فَأُتِيتْ بأوصاله فكفَّنته وحَنّطته بيدها. قال: أخبرنا معن بن عيسى، قال: حدثنا شعيب بن طلحة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، أنه لما قتل عبد الله بن الزبير، كان عندها شيء أعطاها إياه النبي صَلَّى الله عليه وسلم في سَفَطِ، فأمرت طارقا فطلبه، فلما جاءها به سجدت. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: رأيت على ابن الزبير رداءً عدنيًا وهو يصلي فيه يوم الجمعة يخرج فيه، وكانت لحيته صفراء، وكان إذا خطب صَيّتا يجاوب الجبلين، وكانت له جُمّة إلى العنق، وكان يَفْرُق. قال: أخبرنا عبد الله بن نمير، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبية، قال: كان لعائشة كِسَاء خَزّ تَلْبَسه، فكسته عبد الله بن الزبير. قال: أخبرنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، قال: رأيت على عبد الله بن الزبير كساء خَزّ. قال: أخبرنا عمر بن حفص، قال: حدثنا عبد الله بن قيس العبدي، قال: رأيت عبد الله بن الزبير يطوف بالبيت وعليه مُمَصّرتان. قال: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، عن رِشْدِين، قال: رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء خَرقانِية، ويرخيها شِبْرًا أو أقلّ من شبر. قال: أخبرنا وكيع بن الجراح والفضل بن دكين وخلاد بن يحيى، قالوا: حدثنا عاصم بن محمد العُمَري، عن أبيه، قال: كان ابن الزبير يَسْدِلُ عمامته خلفه بين كتفيه ذراعًا أو نحو الذراع. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد وأبو بكر بن عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: قيل لعُبيد بن عُمير ــ مقتل ابن الزبير ــ كيف أنت يا أبا عاصم؟ فقال: بخير من رجل قُتِل إمَامُه وظهر عليه عَدوّه. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول لعبيد بن عمير: كيف أنت يا ليثي؟ قال: بخير على ظهور عدونا علينا. فقال جابر: اللهم: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس: 85]. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الملك بن وهب، عن أبي حرملة، عن حنظلة بن قيس الزُّرَقِيّ، أنه قال حين قتل عبد الله بن الزبير: قد والله ظهر عدونا علينا. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا رياح بن مسلم، عن أبيه، قال: سمعت ابن الزبير يوم الثلاثاء، وهو يحمل على أهل حمص، وهم كانوا أشَدّ الأجناد، فأخرجهم من المسجد، ولقد رأيتهم ــ وحضّهم رجل منهم ــ فأقبلوا جميعًا، قد شرعوا الرماح، فأقبل إليهم ابن الزبير وهو يرتجز:ــ

لَوْ كان قِرْنِي واحِدًا كَفَيْتُه
ثم حمل عليهم فانْفَضُّوا أوْزَاعًا قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: قال عبد الله بن صفوان: إي والله وألف. فقال عبد الله بن الزبير: يا أبا صفوان، ويلُ أمّه فَتْح لو كان له رجال. قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الله بن مصعب، عن أبي المنذر هشام بن عروة، قال: وحدثنا نافع بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد، قالا: لما كان يوم الثلاثاء أخذ الحجاج بالأبواب على ابن الزبير، وبات ابن الزبير يصلي عامّة الليل في المسجد الحرام، ثم احتبى بحمائل سيفه، فأغفى ثم انتبه بالفجر، فقال أَذّنْ يا سعد. فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير، وركع ركعتى الفجر، ثم أقام المؤذن، وتقدم فصلى بأصحابه فقرأ: {ن وَالْقَلَمِ} حرفًا حرفًا، ثم سلّم، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر، وعليهم المغافر والعمائم، فكشفوا وجوههم، فقال: يا آل الزبير: لو طِبْتمُ لي نفسًا عن أنفسكم، كنا أهل بيت من العرب اصْطُلِمْنا لم تُصِبْنَا زَبّاءُ بتة، أما بعد: يا آل الزبير، فلا يَروعَنّكم وقع السيوف، فإني لم أحضر موطنًا قط إلا ارتثِثْتُ فيه بين القتلى، ولما أجِدُ من دواء جراحها أشدّ مما أجد من أَلَمِ وقْعِها، صونوا سيوفكم كما تصونوا وجوهكم، لا أعلمن امْرأً كسَرَ سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل، غُضّوا أبصاركم عن البارقة، وليَشْغَلْ كل امرئ منكم قِرْنَه، ولا يُهليّنّكم السؤال عني، ولا تقولُونَ: أين عبد الله بن الزبير؟ أَلَا وَمَنْ كان سائلًا فإني في الرعيل الأول.

أَبَى لابن سَلْمَى أنه غير خالدٍ
مُلاقي المنايا أَيَّ صرفٍ تيمّمَا

فلست بمبتاعِ الحياةِ بِسُبَّةٍ ولا مُرْتَقٍ من رهبة الموت سُلّمَا
والشعر لحصين بن الحُمَام المُرّي ــ احملوا على بركة الله، ثم حمل حتى بلغ بهم الحَجُون، ورُمي بآجُرّة فأصابته في وهجه فأرعِش لها ودَمِي وجهُهُ، فلما وجد سخونةَ الدم يسيل على وجهه ولحيته قال:ـــ

لَسْنَا على الأَعْقَاب تَدْمَى كُلُومُنا
ولكنْ على أَقْدَامِنا تَقْطُرُ الدّما
وتَغاووا عليه. وصاحت مولاة لنا مجنونة: واأمير المؤمنيناه!! وقد رأته حيث هَوَى، فأشارت لهم إليه، فقُتل وإنّ عليه ثياب خَزّ. وجاء الخبر الحجاج، فسجد، وسار حتى وقف عليه هو وطارق بن عمرو، وقال طارق: ما ولدت النّساء أذْكَر من هذا، فقال الحجاج: تمدح مَنْ خالَفَ أمير المؤمنين؟ قال طارق: نعم هو أعْذَرُ لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنّا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن ولا مَنَعَة منذ سبعة أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا، في كل ما التقينا نحن وهو، فبلَغ كلامهما عبد الملك بن مروان، فَصَوّب طارقًا.)) الطبقات الكبير.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال