تسجيل الدخول


عبد الله بن الزبير الأسدي

1 من 1
عَبْدُ الْلَّهِ بْنُ الْزُّبَيْر بْنِ الْعَوَّامِ

(ب د ع) عَبْدُ اللّهِ بن الزُّبَيْر بن العَوَّام بن خُوَيْلِد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرَّة القرشي الأَسدي، أَبو بكر. وله كنية أُخرى: أَبو خُبَيْب ـــ بالخاءِ المعجمة المضمومة ـــ وهو اسم أَكبر أَولاده ـــ وقيل: كان يكنيه بذلك من يعيبه. وأُمه أَسماءِ بنت أَبي بكر بن أَبي قُحَافَة ذات النِّطَاقَيْن وَجَدَّتُه لأَبِيه: صفيةُ بنت عبد المطلب، عمةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خُوَيْلِد عمة أَبيه الزبير بن العوام بن خويلد. وخالته عائشة أُم المؤمنين.

وهو أَولُ مولود وُلِدَ في الإِسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحَنَّكَه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بتَمْرَةٍ لاكَهَا في فيهِ، ثم حَنَّكه بها، فكان ريقُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَولَ شيءٍ دخل جوفه، وسماه عبدُ اللّه، وكناه أَبا بكر بجدِّه أَبي بكر الصديق وسماه باسمه، قاله أَبو عمر.

وهَاجَرَتْ أُمه إِلى المدينة وهي حامل به، وقيل: حملت به بعد ذلك وولدته بالمَدِينَةِ على رأس عشرين شهرًا من الهجرة. وقيل: ولد في السنة الأُولى. ولما ولد كبر المسلمون وفَرِحوا به كثيرًا، لأَن اليهود كانوا يقولون: قد سَحَرناهم فلا يولد لهم ولد. فكذبهم الله سبحانه وتعالى.

وكان صوَّامًا قوَّامًا، طويلَ الصلاة، عظيم الشجاعة. وأَحضره أَبوه الزبير عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليبايعه وعمره سبع سنين أَو ثماني سنين، فلما رآه النبي صَلَّى الله عليه وسلم مُقْبِلًا تبسم، ثم بايعه.

وروى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَحاديث، وعن أَبيه، وعن عمر، وعثمان، وغيرهما. روى عنه أَخوه عُرْوة وابناه: عامر وعَبَّاد، وعَبِيدَة السَّلَماني، وعطاءُ بن أَبي رباح، والشعبي وغيرهم.

أَخبرنا أَبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي كتابة، أَخبرنا والدي، أَخبرنا أَبو الحسين بن أَبي يَعْلَى، وأَبو غالب وأَبو عبد اللّه ابنا البَنَّاءِ، أَخبرنا أَبو جعفر، أَخبرنا أَبو طاهر المُخَلِّص، أَخبرنا أَحمد بن سليمان، حدثنا الزبير بن أَبي بكر قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجِشُون، عن الثقة بسنده قال: قسم عبد اللّه بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

قال: وحدثنا الزبير قال: وحدثني سليمان بن حرب، عن يزيد بن إِبراهيم التَّسْتَرِي، عن عبد اللّه بن سعيد، عن مُسْلم بن يَنَّاق المكي قال: ركع ابنُ الزبير يومًا ركعة، فقرأت البقرةَ، وآل عمران، والنساءَ، والمائدة، وما رفع رأسه.

وروى هُشَيْم، عن مغيرة، عن قَطَن بن عبد اللّه قال: رأَيتُ ابنَ الزبير يواصل من الجمعة إِلى الجمعة فإِذا كان عند إِفطاره من الليلة المقبلة يدعُو بقدح، ثم يدعو بقَعْبٍ من سَمْنٍ، ثم يأْمر فيحلب عليه، ثم يدعو بشيءٍ من صَبِر فيذره عليه، ثم يشربه: فأَما اللبن فيَعْصِمُه، وأَما السمن فيقطع عنه العطش، وأَما الصَّبِر فيفتح أَمعاءَه.

أَخبرنا أَبو الفضل بن أَبي الحسن الطبري بإِسناده إِلى أَبي يعلى الموصلي قال: حدثنا أَبو خيثمة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عَجْلان، عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير، عن أَبيه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذا قعد في التشهد قال هكذا ـــ وضع يحيى يدَه اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى ـــ وأَشار بالسبابة معًا ولم يجاوز بصرُه إِشارته أخرجه أحمد في المسند 4 / 3..

وغزا عبدُ اللّه بن الزبير إِفريقيَة مع عبد اللّه بن سعد بن أَبي سرح، فأَتاهم جُرْجِير ملك إِفريقية في مائة أَلف وعشرين أَلفًا، وكان المسلمون في عشرين أَلفًا، فسقط في أَيديهم، فنظر عبد الله فرأَى جُرْجِير وقد خرج من عسكره، فأَخذ معه جماعةً من المسلمين وقَصَدَه فقتله، ثم كان الفتح على يده.

وشهد الجمل مع أَبيه الزبير مقاتلًا لعلي، فكان علي يقول: ما زال الزبير منا أَهلَ البيت حتى نشأَ له عبد اللّه.

وامتنع عن بَيْعـة يزيد بن معاوية بعد موت أَبيه معاوية، فأَرسل إِليه يزيدُ مُسْلِمَ بن عُقْبة المُرِّي فحصر المدينة، وأَوقع بأَهلها وقعة الحَرَّة المشهورة. ثم سار إِلى مكة ليقاتل ابنَ الزبير، فمات في الطريق، فاستخلف الحُصَيْن بن نُمَيْر السَّكُوني على الجيش، فصار الحصين وحَصَر ابن الزبير بمكة لأَربع بقين من المحرم من سنة أَربع وستين، فأَقام عليه محاصرًا، وفي هذا الحصر احترقت الكعبةُ، واحترق فيها قرنا الكبش الذي فُدي به إِسماعيل بن إِبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلم، ودام الحصر إِلى أَن مات يزيد، منتصفَ ربيعَ الأَول من السنة، فدعاه الحصينُ ليبايعه ويخرج معه إِلى الشام، ويهدر الدماءَ التى بينهما ممن قُتِل بمكة والمدينة في وقعة الحرة، فلم يجبه ابن الزبير وقال: لا أَهدر الدماءَ. فقال الحصين: قَبَّح الله من يَعُدُّك داهيًا أَو أَرِيبًا؛ أَدعوك إِلى الخلافة وتدعونني إِلى القتل!!.

وَبُويعَ عبدُ اللّه بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد، وأَطاعه أَهلُ الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وجَدد عِمَارة الكعبة، وأَدخل فيها الحِجْر، فلما قُتِل ابنُ الزبير أَمر عبدُ الملك بن مَرْوان أَن تعاد عِمارة الكعبة إِلى ما كانت أَولًا، ويُخْرَج الحِجْر منها. ففُعِل ذلك فهي هذه العمارة الباقية.

وبقي ابنُ الزبير خليفةً إِلى أَن وَلِي عبد الملك بن مَرْوان بعد أَبيه، فلما استقام له الشام ومصر جَهّز العساكر، فسار إِلى العراقِ فقتل مُصْعَب بن الزبير، وسَيَّر الحجاج بن يوسف إِلى الحجاز، فحصر عبد اللّه بن الزبير بمكة، أَول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحَجَّ بالناس الحَجَّاجُ ولم يَطُف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ونصب مَنْجَنِيقًا على جبل أَبي قُبَيْس فكان يرمي الحجارة إِلى المسجد، ولم يزل يحاصُره إِلى أَن قُتِل في النصف من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث وسبعين.

قال عروة بن الزبير: لما اشتدَّ الحصر على عبد اللّه قبل قتله بعشرة أَيام، دخل على أُمِّه أَسماءَ وهي شاكية، فقال لها: إِن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تَمَنَّيْتَهُ لي، ما أُحِبُّ أَن أَموتَ حتى يأْتيَ على أَحد طَرَفَيْك، إِما قُتِلَت فَأَحتسبك، وإِما ظَفِرت بعدوك فتقَرّ عيني. فضحك.

فلما كان اليوم الذي قُتِل فيه دخل عليها فقالت له: يا بني، لا تقبلن منهم خطَّة تخاف فيها على نفسك الذل مخافةَ القتل، فوالله لضربةٌ بسيف في عِزٍّ خيرٌ من ضربةٍ بسوط في ذلًّ. وخرج على الناس وقاتلهم في المسجد، فكان لا يحمل على ناحية إِلا هَزَم من فيها من جند الشام، فأَتاه حَجَر من ناحية الصَّفا، فوقع بين عينيه، فنكَّس رَأْسَه وهو يقول: [الطويل]

وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنا يَقْطُرُ الدَّمَا

ثم اجتمعوا عليه فقتلوه. فلما قتلوه كبر أَهل الشام، فقال عبد اللّه بن عمر: المُكَبِّرُون عليه يوم وُلِد، خير من المكبرين عليه يوم قُتِل.

وقال يَعْلَى بن حَرْمَلَة: دخلتُ مكة بعدما قتل ابن الزُّبَيْر، فجاءَت أُمه امرأَة طويلةً عجوزًا مكفوفةَ البصر تقادُ، فقالت للحجاج: أَما آن لهذا الراكب أَن ينزل؟‍! فقال لها: الحجاج: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقًا، ولكنه كان صوَّامًا قوَّامًا وَصُولًا. قال: انصرفي فإِنك عجوز قد خَرِفتِ. فقالت: لا والله ما خَرِفت، ولقد سَمِعْت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ ومُبْيرٌ" أخرجه أحمد في المسند 6 / 351، 352. أَما الكذب فقد رأَيناه، وأَما المُبِير فأَنت المبير. تعني بالكذاب المختارَ بن أَبي عُبَيْد. (*)

وكان ابنُ الزبير كَوْسَجًا واجتاز به ابنُ عُمَر وهو مصلوب، فوقف وقال: السلام عليك أَبا خبَيْب. ودعا له ثم قال: أَما والله إِن أُمة أَنت شَرُّها لَنِعْمَ الأُمة. يعني أَنَّ أَهل الشام كانوا يسمونه ملحدًا ومنافقًا إِلى غير ذلك.
(< جـ3/ص 241>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال